واشنطن تحذر من هجمات انتقامية في الخارج بعد مقتل زعيم «القاعدة»

خبراء: مقتل الظواهري لن يعزز الأمن القومي الأميركي

زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري (رويترز )
زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري (رويترز )
TT

واشنطن تحذر من هجمات انتقامية في الخارج بعد مقتل زعيم «القاعدة»

زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري (رويترز )
زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري (رويترز )

أصدرت وزارة الخارجية الأميركية «تحذيرا عالميا» حول خطر شن هجمات إرهابية محتملة ضد مواطنين أميركيين في الخارج في أعقاب الغارة الجوية الأميركية التي قتلت زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري في كابل بأفغانستان. وقالت وزارة الخارجية: «لا تزال وزارة الخارجية تشعر بالقلق إزاء استمرار التهديد بالهجمات الإرهابية والمظاهرات وأعمال العنف الأخرى ضد المواطنين والمصالح الأميركية في الخارج».
وتعتقد وزارة الخارجية أن هناك احتمالا كبيرا للعنف ضد أميركا بعد مقتل أيمن الظواهري. وأضاف التحذير الجديد «تشير المعلومات الحالية إلى أن المنظمات الإرهابية ستواصل التخطيط لهجمات إرهابية ضد المصالح الأميركية في مناطق متعددة في جميع أنحاء العالم. قد تستخدم هذه الهجمات مجموعة متنوعة من التكتيكات بما في ذلك العمليات الانتحارية والاغتيالات والخطف والاختطاف والتفجيرات».
وطلبت وزارة الخارجية في بيان يوم الثلاثاء من المواطنين الأميركيين الذين يسافرون إلى الخارج الحفاظ على «مستوى عالٍ من اليقظة» و«ممارسة وعي جيد بالموقف»؛ نظراً لاحتمال وقوع هجوم انتقامي. وقالت: «ستراقب منشآت الحكومة الأميركية في جميع أنحاء العالم بنشاط التهديدات الأمنية المحتملة وقد تغلق مؤقتاً أو توقف الخدمات العامة بشكل دوري لتقييم وضعها الأمني». وأضاف البيان أنه في تلك الحالات، ستبذل السفارات والقنصليات الأميركية قصارى جهدها لتوفير خدمات الطوارئ للمواطنين الأميركيين.
وكان «تنظيم القاعدة» وزعيمه أسامة بن لادن مسؤولا عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية التي أسفرت عن مقتل ما يقرب من 3000 شخص على الأراضي الأميركية. كما شارك الظواهري في التفجيرين المميتين لسفارات الولايات المتحدة في أفريقيا، مما أسفر عن مقتل 224 مدنياً، بينهم 12 أميركياً، وإصابة 5000 آخرين في عام 1998، وساعد في التخطيط للهجوم على المدمرة الأميركية كول في عام 2000 والذي أسفر عن مقتل 17 بحاراً أميركياً.
وقد تولى الظواهري قيادة الجماعة الإرهابية المسؤولة عن 11 سبتمبر بعد مقتل مؤسسها، أسامة بن لادن، في غارة للقوات الخاصة الأميركية أثناء اختبائه في باكستان في عام 2011، وتعهد كل من الظواهري وبن لادن بالولاء لكبار قادة «طالبان». وقد أثارت الغارة الجوية التابعة للاستخبارات الأميركية التي أسفرت عن قتل الظواهري الكثير من الجدل السياسي حول عدم وجود حمض نووي للتأكد من هوية الظواهري، وحول وجوده في وسط العاصمة كابل مما يؤكد انتهاك «حركة طالبان» لاتفاق الدوحة الموقع في فبراير (شباط) 2020 الذي تعهدت فيه بعدم جعل أفغانستان ملاذا آمنا للتنظيمات الإرهابية.
وقال مسؤول كبير بإدارة الرئيس بايدن للصحافيين: «كبار قادة شبكة حقاني من (طالبان) كانوا على علم بوجود الظواهري في كابل، كما ندرك أن أعضاء حقاني من (طالبان) اتخذوا إجراءات بعد الضربة لإخفاء الوجود السابق للظواهري في الموقع»، وأضاف «تحرك أعضاء حقاني من (طالبان) بسرعة لنقل زوجة الظواهري وابنته وأطفال إلى مكان آخر، بما يتفق مع جهد أوسع للتستر على أنهم كانوا يعيشون في منزل آمن».
ويؤكد الخبراء والمحللون أن «حركة طالبان» لا تزال تملك شبكة علاقات متشابكة مع شبكة حقاني و«تنظيم القاعدة» في أفغانستان.
وقد منحت «طالبان» ملاذا آمناً لـ«القاعدة» في أفغانستان قبل 11 سبتمبر، واستمرت في حماية «القاعدة» والقتال إلى جانبها لمدة عقدين بعد الغزو الأميركي. وتقلد العديد من أعضاء شبكة حقاني المرتبطة بـ«القاعدة» مناصب عليا في حكومة «طالبان» العام الماضي.
وأثار الخبراء جدلا آخر حول هل جعل قتل الظواهري العالم أكثر أمنا، وما مدى تأثير هذه الضربة على حماية الأمن القومي الأميركي، مشيرين إلى تحذيرات وزارة الخارجية الأميركية من احتمالات شن هجمات انتقامية، وقال محررو مجلة ناشيونال: «على جميع الأميركيين أن يرحبوا بهذا الانتصار، وأن خطر الجهاد تلاشى في الخلفية في السنوات الأخيرة، حيث بدأت الصين وروسيا تشكلان تهديدات متزايدة للأمن العالمي».
وقال أرون ديفيد ميللر الخبير السياسي ونائب رئيس مركز كارنيغي: «تحمل الضربة الأميركية دون طيار يوم السبت التي قتلت زعيم (القاعدة) أيمن الظواهري في كابل، تداعيات سياسية ورمزية مهمة على إدارة الرئيس جو بايدن، وتداعيات جوهرية على استراتيجية الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب». وقد اتهم منتقدون الولايات المتحدة بأنها لن تكون قادرة على العمل بفاعلية دون معلومات استخباراتية على الأرض، للعمل ضد الأصول الإرهابية. لكن الضربة الجوية التي استهدفت الظواهري بدقة دون إصابة مدنيين كانت ضربة تصحيحية ضرورية للغاية للضربة الأميركية الفاشلة بطائرة دون طيار قبل عام ضد «تنظيم داعش» في خراسان والتي قتلت عشرة مدنيين أفغان.
ويرى ميللر أن قتل الظواهري لن يحل مشكلة الإرهاب في أفغانستان، ولم يكن من المفاجئ أن تظل العلاقات بين «طالبان» و«القاعدة» قوية، ولذا فإن التهديد الذي تتعرض له الولايات المتحدة من «القاعدة» في أفغانستان - أو حتى «تنظيم داعش في خراسان» لا يكاد يكون حاداً مثل التحديات التي تعاني منها الولايات المتحدة داخلياً.
ويقول: «لم يكن الظواهري يمتلك الكاريزما والمهارات القيادية مثل بن لادن. ويعاني من حالة صحية سيئة ومختبئ لأكثر من عقد من الزمان»، مشيرا إلى أن الظواهري لم يكن التكتيكي والمدير اليومي لعمليات «القاعدة». والأرجح أن أهميته الحقيقية تكمن في قدرته على الحفاظ على هوية «القاعدة» وصورتها سليمة بعد وفاة بن لادن.
فيما يقول مارك ثيسن في صحيفة «واشنطن بوست»، «إنه أمر جيد بالتأكيد أننا قتلنا الظواهري، ويستحق بايدن الإشادة، لكنه يستحق أيضا اللوم على خلق الظروف التي سمحت لإرهابي مطلوب في العالم بالانتقال إلى وسط كابل وإقامة عمليات في مدينة تم تحريرها من (القاعدة) وحلفائها من (طالبان)، بدماء أفراد الخدمة الأميركية الشجعان. وأضاف أن «قتل الظواهري هو أعظم انتصار للسياسة الخارجية لبايدن لكن حقيقة أن زعيم (القاعدة) كان يتحرك بحرية كبيرة في كابل هو أكبر وصمة عار لبايدن في السياسة الخارجية».
من جهته، قال جيف جرينفيلد من «بوليتيكو»: «إذا كان الظواهري قادراً على الاختباء في أفغانستان بعد عودة (طالبان) إلى السلطة، فلا بد أن يكون هناك «آخرون من الإرهابيين الذين لديهم نيات خبيثة يبقون هناك أيضا».


مقالات ذات صلة

الكونغرس الأميركي يُحقّق في «أخلاقيات» المحكمة العليا

الولايات المتحدة​ الكونغرس الأميركي يُحقّق في «أخلاقيات» المحكمة العليا

الكونغرس الأميركي يُحقّق في «أخلاقيات» المحكمة العليا

تواجه المحكمة العليا للولايات المتحدة، التي كانت تعدّ واحدة من أكثر المؤسّسات احتراماً في البلاد، جدلاً كبيراً يرتبط بشكل خاص بأخلاقيات قضاتها التي سينظر فيها مجلس الشيوخ اليوم الثلاثاء. وتدور جلسة الاستماع، في الوقت الذي وصلت فيه شعبية المحكمة العليا، ذات الغالبية المحافظة، إلى أدنى مستوياتها، إذ يرى 58 في المائة من الأميركيين أنّها تؤدي وظيفتها بشكل سيئ. ونظّمت اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ، التي يسيطر عليها الديمقراطيون، جلسة الاستماع هذه، بعد جدل طال قاضيين محافظَين، قبِل أحدهما وهو كلارنس توماس هبة من رجل أعمال. ورفض رئيس المحكمة العليا جون روبرتس، المحافظ أيضاً، الإدلاء بشهادته أمام الك

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الجمود السياسي بين البيت الأبيض والكونغرس يثير ذعر الأسواق المالية

الجمود السياسي بين البيت الأبيض والكونغرس يثير ذعر الأسواق المالية

أعلن رئيس مجلس النواب الأميركي كيفين مكارثي قبول دعوة الرئيس جو بايدن للاجتماع (الثلاثاء) المقبل، لمناقشة سقف الدين الأميركي قبل وقوع كارثة اقتصادية وعجز الحكومة الأميركية عن سداد ديونها بحلول بداية يونيو (حزيران) المقبل. وسيكون اللقاء بين بايدن ومكارثي في التاسع من مايو (أيار) الجاري هو الأول منذ اجتماع فبراير (شباط) الماضي الذي بحث فيه الرجلان سقف الدين دون التوصل إلى توافق. ودعا بايدن إلى لقاء الأسبوع المقبل مع كل من زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشاك شومر (ديمقراطي من نيويورك)، وزعيم الأقلية في مجلس النواب ميتش ماكونيل (جمهوري من كنتاكي)، وزعيم الأقلية في مجلس النواب حكيم جيفريز (ديمقراطي م

هبة القدسي (واشنطن)
الولايات المتحدة​ شاهد.... مراهق أميركي ينقذ حافلة مدرسية بعد فقدان سائقها الوعي

شاهد.... مراهق أميركي ينقذ حافلة مدرسية بعد فقدان سائقها الوعي

تمكّن تلميذ أميركي يبلغ 13 سنة من إيقاف حافلة مدرسية تقل عشرات التلاميذ بعدما فقد سائقها وعيه. وحصلت الواقعة الأربعاء في ولاية ميشيغان الشمالية، عندما نهض مراهق يدعى ديلون ريفز من مقعده وسيطر على مقود الحافلة بعدما لاحظ أنّ السائق قد أغمي عليه. وتمكّن التلميذ من إيقاف السيارة في منتصف الطريق باستخدامه فرامل اليد، على ما أفاد المسؤول عن المدارس الرسمية في المنطقة روبرت ليفرنوا. وكانت الحافلة تقل نحو 70 تلميذاً من مدرسة «لويس أي كارتر ميدل سكول» في بلدة وارين عندما فقد السائق وعيه، على ما ظهر في مقطع فيديو نشرته السلطات.

يوميات الشرق أول علاج بنبضات الكهرباء لمرضى السكري

أول علاج بنبضات الكهرباء لمرضى السكري

كشفت دراسة أجريت على البشر، ستعرض خلال أسبوع أمراض الجهاز الهضمي بأميركا، خلال الفترة من 6 إلى 9 مايو (أيار) المقبل، عن إمكانية السيطرة على مرض السكري من النوع الثاني، من خلال علاج يعتمد على النبضات الكهربائية سيعلن عنه للمرة الأولى. وتستخدم هذه الطريقة العلاجية، التي نفذها المركز الطبي بجامعة أمستردام بهولندا، المنظار لإرسال نبضات كهربائية مضبوطة، بهدف إحداث تغييرات في بطانة الجزء الأول من الأمعاء الدقيقة لمرضى السكري من النوع الثاني، وهو ما يساعد على التوقف عن تناول الإنسولين، والاستمرار في التحكم بنسبة السكر في الدم. وتقول سيلين بوش، الباحثة الرئيسية بالدراسة، في تقرير نشره الجمعة الموقع ال

حازم بدر (القاهرة)
آسيا شويغو: روسيا تعزز قواعدها في آسيا الوسطى لمواجهة أميركا

شويغو: روسيا تعزز قواعدها في آسيا الوسطى لمواجهة أميركا

نقلت وكالة الإعلام الروسية الحكومية عن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو قوله، اليوم (الجمعة)، إن موسكو تعزز الجاهزية القتالية في قواعدها العسكرية بآسيا الوسطى لمواجهة ما قال إنها جهود أميركية لتعزيز حضورها في المنطقة. وحسب وكالة «رويترز» للأنباء، تملك موسكو قواعد عسكرية في قرغيزستان وطاجيكستان، لكن الوكالة نقلت عن شويغو قوله إن الولايات المتحدة وحلفاءها يحاولون إرساء بنية تحتية عسكرية في أنحاء المنطقة، وذلك خلال حديثه في اجتماع لوزراء دفاع «منظمة شنغهاي للتعاون» المقام في الهند. وقال شويغو: «تحاول الولايات المتحدة وحلفاؤها، بذريعة المساعدة في مكافحة الإرهاب، استعادة حضورها العسكري في آسيا الوسطى

«الشرق الأوسط» (موسكو)

سوريا بعد الأسد من منظور أميركي

يرجح كثيرون أن يسحب ترمب القوات الأميركية من سوريا (أ.ب)
يرجح كثيرون أن يسحب ترمب القوات الأميركية من سوريا (أ.ب)
TT

سوريا بعد الأسد من منظور أميركي

يرجح كثيرون أن يسحب ترمب القوات الأميركية من سوريا (أ.ب)
يرجح كثيرون أن يسحب ترمب القوات الأميركية من سوريا (أ.ب)

قوبل سقوط الرئيس السوري بشار الأسد بتصريحات أميركية مرحبة ومحذرة في الوقت نفسه. فهذه اللحظة التي انتظرها الأميركيون كثيراً وعملوا عليها من خلال تطويق الأسد ومحاصرته بالعقوبات والضغوطات الاقتصادية والسياسية، فاجأتهم بتطوراتها المتسارعة، وخاصة أنها حصلت على يد تنظيم مدرج على لوائح الإرهاب الأميركية، وهو «هيئة تحرير الشام»، وزعيمها أبو محمد الجولاني، المعروف اليوم بأحمد الشرع، والذي وضعت أميركا مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يتقدم بمعلومات عنه. بالمقابل، يقف الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب محذراً: «سوريا ليست معركة الولايات المتحدة، ولا يجب أن تتدخل فيها»، في موقف سلّط الضوء مجدداً على أسلوبه المختلف في إدارة الأزمات.

يستعرض «تقرير واشنطن»، وهو ثمرة تعاون بين «الشرق الأوسط» و«الشرق»، كيفية تعامل إدارة بايدن مع الأمر الواقع في سوريا، وما إذا كانت سترفع «الهيئة» من لوائح الإرهاب، بالإضافة إلى توجهات إدارة ترمب المقبلة، وما إذا كان سينفذ وعوده السابقة بسحب القوات الأميركية من هناك.

سقوط صادم

فاجأ السقوط السريع لنظام الأسد الولايات المتحدة (أ.ف.ب)

فاجأ سقوط الأسد السريع الكثيرين في واشنطن، كالسفير الأميركي لدى سوريا والإمارات ثيودور قطّوف الذي أعرب عن صدمته حيال مجريات الأحداث وتسارعها، مشيراً إلى أنه على الأرجح أن «هيئة تحرير الشام» لم تتوقع أيضاً أن تحقق هذا النوع من النجاح بهذه السرعة. ويعتبر قطّوف أن ما جرى أثبت «ضعف الأسد وعدم ولاء قواته العسكرية والأمنية».

من ناحيته، وصف السفير الأميركي السابق لدى البحرين ونائب المبعوث السابق للتحالف الدولي لهزيمة تنظيم «داعش» ويليام روبوك، سقوط الأسد بـ«التحول الصادم والمثير للدهشة». واعتبر روبوك أن رفع الغطاء الإيراني والروسي عن الأسد تركه «مكشوفاً وضعيفاً جداً»، مشيراً إلى أن «هيئة تحرير الشام» بدأت بهذا الهجوم في البداية على أنه هجوم صغير في حلب، ثم حققت نجاحاً تلو الآخر. وأضاف: «حتى قبل يوم أو يومين من سقوط دمشق، كان البعض يعتقد أنه قد تمر أسابيع، لا بل شهور، على السيطرة عليها، غير أن الأمر حدث في يوم واحد فقط».

الأسد وبوتين في اجتماع بالكرملين يوم 24 يوليو 2024 (رويترز)

ويقول الكولونيل أنتوني شافر المسؤول الاستخباراتي السابق في وزارة الدفاع الأميركية ومستشار حملة ترمب السابقة، إن سبب الأحداث المتسارعة يعود إلى تحييد العنصرين الأساسيين في الدفاع عن الأسد، وهما «حزب الله» وروسيا؛ ما أدى إلى «بقاء جيش غير فعال وهزيل تحت إمرته انهار بسرعة فائقة». لكن شافر يسلّط الضوء في الوقت نفسه على الدور التركي، وتحديداً دور الرئيس رجب طيب إردوغان، مشيراً إلى أنه «رأى فرصة مع خسارة دعم روسيا وتراجع قوة (حزب الله) كوسيلة لاستعادة نفوذ تركيا». وأضاف: «السؤال الآن: ماذا نفعل حيال تركيا؟ فتركيا حليف في (الناتو)، لكنها غالباً ما تعمل باستقلالية ومن دون اعتبار للمصالح الأميركية. وبرأيي، هذا ما حصل هنا».

القوات الأميركية ومصير «قسد»

مقاتل من «قوات سوريا الديمقراطية» في مطار القامشلي يوم 9 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

وهنا يشدد قطّوف على الدور الكبير الذي لعبته تركيا في الأحداث، مشيراً إلى وجود «همّين رئيسين لإردوغان» هما «أولاً عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم والذين يبلغ عددهم 3 ملايين لاجئ، وهذه مسألة سياسية محلية تشكل ضغطاً هائلاً على إردوغان. وثانياً بالطبع تزايد سلطة الأكراد في شرق سوريا لدرجة تقلقه، وهو الآن قادر على مواجهتهم».

ومع تزايد الحديث عن احتمال سحب ترمب القوات الأميركية البالغ عددها نحو 900 عنصر في شمال شرقي سوريا، يعرب قطّوف عن قلقه حيال مصير حلفاء الولايات المتحدة الأكراد، مضيفاً: «أخشى أننا سنتخلّى مرة أخرى عن حلفائنا الأكراد الذين تم التخلي عنهم مرات عديدة من قبل إدارات عديدة، من ضمنها إدارة هنري كيسنجر في سبعينات القرن الماضي».

ويشارك روبوك الذي عمل عن قرب مع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في إدارة ترمب الأولى، هذا القلق، مشدداً على أنهم كانوا «شركاء قيّمين وتحملوا الكثير من الخسائر». وأضاف: «أنا قلق حيال توجه قرار الولايات المتحدة. أعتقد أن تركيا تقود الوضع حالياً، والولايات المتحدة تتمتع بعلاقة قريبة لكن صعبة مع تركيا من بعض النواحي، وأنا لست متأكداً أننا سنكون حازمين وأقوياء بما فيه الكفاية في إيصال رسالتنا إلى تركيا، ومفادها أننا نريد الحفاظ على أمان هذه القوة لكي تستمر بالقتال ضد (داعش) في شمالي شرقي سوريا». وأشار روبوك إلى أن «تركيا تملك نفوذاً كبيراً في الوقت الحالي، وهذا ما يضع الأكراد في موقف صعب». ويتحدث شافر عن المسألة الكردية فيصفها بـ«المعقدة جداً»، ويضيف: «ليس من العدل أن يتم استخدامهم كحليف رئيس وشريك قتال فعال، ثم يتم تجاهلهم مجدداً». لكن شافر الذي عمل مستشاراً لترمب يرجح أن الرئيس المنتخب سيعيد تقييم الدور الأميركي في سوريا، وسيعيد النظر في قواعد القوات الأميركية من حيث التكلفة، مشيراً إلى أنه سينظر كذلك في احتمال «تنفيذ المهمة من القاعدة الأميركية في أربيل وفي الأردن».

عودة «داعش»؟

مسلح من الفصائل يقف أمام الجامع الأموي في دمشق يوم 13 ديسمبر 2024 (رويترز)

ويحذر الكثيرون من أن سحب القوات الأميركية من شمال شرقي سوريا سيعني عودة تنظيم «داعش». ويتوقع روبوك الذي لعب دوراً أساسياً في مكافحة التنظيم في إدارة ترمب، أن «يعود التنظيم». ويضيف: «عندما يزول الضغط أعتقد أن الفوضى والاضطرابات في سوريا ستكون مثل الأكسجين لـ(داعش). إن (هيئة تحرير الشام) هي الخصم الآيديولوجي لـ(داعش)، لكن لا أراهم قادرين على مواجهة هذا التحدي في الأشهر المقبلة».

ويشكك روبوك في أن تتمكن «قوات سوريا الديمقراطية» من التصدي لـ«داعش» أو البقاء في حال انسحاب الولايات المتحدة، مشدداً على ضرورة بقاء هذه القوات في عهد ترمب.

من ناحيته، يتحدث شافر عن تحدٍّ آخر يواجه الولايات المتحدة، وهو سجناء «داعش» في سوريا والذين يصل عددهم إلى قرابة 50 ألفاً، بحسب تقييم للسيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، فيقول: «سنضطر إلى مواجهة هذه القضية مباشرةً، وهو ما لم ترغب إدارة بايدن في التعامل معه. فهناك مشاكل متعلقة بالاحتجاز غير المحدود، والتي يجب أن نجد حلاً لها، وهي (مشاكل) مشابهة للنقاش المرتبط بـ(غوانتنامو)».

الجولاني ولوائح الإرهاب

الجولاني في صورة أرشيفية له في 28 يوليو 2016 عندما كان زعيماً لـ«جبهة النصرة» (أ.ف.ب)

وفي ظل تطورات الأحداث وسيطرة زعيم «هيئة تحرير الشام» أبو محمد الجولاني، المعروف اليوم بأحمد الشرع، على المشهد، يدعو روبوك إلى رفع تصنيف «تحرير الشام» كمنظمة إرهابية أجنبية، وإلى رفع القيود الاقتصادية «القاسية جداً» على سوريا.

ويفسر هذه المقاربة قائلاً: «يجب أن نكون ملتزمين، وأن نحاول العمل مع حلفاء تعاونوا معنا في التحالف العالمي ضد (داعش)، وإشراك حلفائنا من الخليج؛ فهم لاعبون مهمون جداً ولديهم مصالح كبيرة في سوريا، وأعتقد أن الشعب والحكومة في سوريا لديهما مصلحة في بناء مجموعة أوسع من الأصدقاء بدلاً من الاعتماد على تركيا».

من ناحيته، يتوقع شافر «انقساماً في السياسة» فيما يتعلق بالتعاطي مع «الهيئة»، مشيراً إلى أن ترمب «سيحاول تحديد ما يجب القيام به لتشكيل تحالف، والقيام بما هو ضروري لإعادة الحوكمة إلى المنطقة»، محذراً: «إن لم نكن حذرين فسيعود تنظيم (داعش)، فهذا ما يحصل حالياً في أفغانستان». ويضيف شافر: «يجب أن نكون حذرين جداً عندما نساعد في إسقاط حكومة، قد تكون حكومة لا تعجبنا، لكن على الأقل هي تملك بعض السيطرة على الأراضي. فزعزعة الاستقرار هي الخطر الأكبر للاستقرار الإقليمي، ولكل من يعيش في هذه المناطق أيضاً».

ويتحدث شافر عن الجولاني، معرباً عن شكوكه في الصورة التي يعرضها حالياً، فيقول: «هناك تقارير صادرة حول هذا الرجل، هذا الإرهابي الذي يريد الانتقام من أعداء (هيئة تحرير الشام)، ومن ضمن ذلك قتل بعض الأشخاص. آمل أن أكون على خطأ، آمل أن يكون رجل الدولة الذي يظهره للجميع، لكن أعتقد أن الأمور ستكون أشبه بكاسترو في 1960-1961 حين ظن الجميع أنه سيكون الرجل المناسب، لكنه أصبح حاكماً توتاليتارياً».

ويغوص قطّوف في تفاصيل هذه المقاربة، فيقول عن أميركا وسياساتها: «نحن لا نجيد هندسة المجتمعات أو بناء الدول. إذا كان التاريخ الحديث قد علّمنا شيئاً، فيجب أن يكون هذا ما استنتجناه». ويستكمل قطّوف: «لا يمكننا فرض النتائج من خلال فوهة البندقية. يجب أن يكون لدينا قوة موثوقة عندما تصل إلى طاولة المفاوضات». وعن الجولاني يقول قطّوف: «عندما نتحدّث عن المتطرفين أو عن شخص في السلطة يقدم جانباً جيداً للعالم، نكتشف بعدها أنه شخص مختلف تماماً في الواقع. عموماً، من خلال تجربتي، فإن الثورات تميل إلى أن تأكل أبناءها، وغالباً ما يكون أكثر العناصر تشدداً لهذه الثورات هو الذي يصل إلى المسرح».