هل يحوّل {الفيول} الإيراني لبنان إلى «دولة مارقة»؟

كهرباء لبنان عاجزة كلياً عن إنتاج الكهرباء (أ.ف.ب)
كهرباء لبنان عاجزة كلياً عن إنتاج الكهرباء (أ.ف.ب)
TT

هل يحوّل {الفيول} الإيراني لبنان إلى «دولة مارقة»؟

كهرباء لبنان عاجزة كلياً عن إنتاج الكهرباء (أ.ف.ب)
كهرباء لبنان عاجزة كلياً عن إنتاج الكهرباء (أ.ف.ب)

أحدثت مبادرة أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله، التي تعهد فيها باستقدام الفيول الإيراني لمعامل الكهرباء في لبنان مجّاناً شرط أن توافق الحكومة اللبنانية على تسلم هذه «الهبة”، انقساماً سياسياً مستمراً منذ نحو أسبوع، بين مؤيد ورافض. وفيما رحّب حلفاء الحزب بهذه الخطوة واعتبروها مدخلاً لإخراج البلاد من أزمة الكهرباء، تباينت المواقف لدى خصوم الحزب، حيث دعا البعض إلى قبولها واختبار جديّة نصر الله في ذلك، بينما حذّر آخرون من هذه المغامرة التي ستجرّ على البلد عقوبات لا يقوى على تحمّلها.
وفيما يشهد لبنان انقطاعاً غير مسبوق في التيار الكهربائي يصل إلى 23 ساعة يومياً في معظم المناطق نتيجة عدم توافر اعتمادات لشراء الفيول، تحتاج أي هبّة تقدّم للبنان إلى موافقة الحكومة اللبنانية، التي لم يعط رئيسها نجيب ميقاتي رأياً حيال اقتراح نصر الله، في حين رحّب وزير الطاقة وليد فيّاض فيه وأبدى استعداده للتعامل معها إذا كان الفيول الإيراني يطابق المواصفات التي تحتاجها معامل الكهرباء في لبنان.
غير أن وزير العدل اللبناني الأسبق إبراهيم نجّار حذّر من «أي مغامرة قد تقدم عليها الدولة بقبول هكذا عرض». ورأى أن لبنان «لا يحقّ له التعاطي مع إيران ولا مع سوريا اقتصادياً، وإلا سيواجه عقوبات قاسية». وأكد نجّار في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «العقوبات المفروضة على إيران ليست فقط أميركية بل عقوبات دولية، وأي تخطٍّ لها سينسف كلّ الاتفاقات مع صندوق النقد الدولي ومع البنك الدولي، وسيقود إلى قطع علاقات لبنان مع المؤسسات والشركات العالمية، ويحوّل لبنان إلى دولة مارقة».
وذكّر وزير العدل الأسبق بأن لبنان «حصل على استثناءات أميركية لاستجرار الغاز من مصر والكهرباء من الأردن، لأنها ستمرّ عبر سوريا التي تواجه عقوبات أميركية، ورغم هذه الاستثناء لم يصل الغاز والكهرباء، لأن مصر والأردن لم تحصلا على ضمانات خطية من الأميركيين بألا تواجها في المستقبل عقوبات من أي إدارة مقبلة».
وتفرض وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على النفط الإيراني منذ أن انسحبت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب من الاتفاق النووي في عام 2018، ومنعت تصدير النفط الإيراني بالكامل، على أن تشمل العقوبات أي دولة أو شركة أو كيان يخالف مضمون العقوبات.
وفي السياق نفسه، قال أستاذ القانون الدولي المحامي الدكتور أنطوان صفير: «إذا أتت المبادرة (نصر الله) ضمن استثناء يمنح للحكومة على غرار ما حصل في استجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية يمكن أن تمرّ الأمور من دون عواقب، لكن إذا أتت ضمن سياق التحدّي وكسر العقوبات المفروضة على إيران، فهذا سيضع الدولة برمتها تحت عقوبات لها نتائج كارثية». وشدد صفير في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، على ضرورة «تدارك مثل هذه الخطوة وتبعاتها»، لافتاً إلى أن «أزمة الكهرباء المزمنة ليست أزمة فيول بل أزمة بناء معامل حديثة تعمل على الغاز، وإدارة هذا القطاع».
ومهّد رئيس التيار الوطني الحرّ النائب جبران باسيل لهذه المبادرة، بما يوحي بوجود تنسيق مسبق بينهما، إذ قال (باسيل) في حديث تلفزيوني: «أتوجه إلى السيد نصر الله ووزارة الطاقة لطلب الفيول الإيراني المجاني، وبكرا بصير عنا 10 ساعات كهرباء». ليأتي طرح أمين عام «حزب الله» بعد ساعات قليلة.
وهنا لم يستغرب المحامي أنطوان صفير موقف باسيل، معتبراً أن الأخير «قد لا يتردد في هكذا مجازفة لكونه مدرجا على قائمة العقوبات الأميركية». وتمنّى على القيادات السياسية «تقدير هذا الموقف وتداعياته القاسية على كل البلاد».
وكان رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، دعا الحكومة إلى «الموافقة على عرض نصر الله، باستقدام فيول إيراني مجاناً لتشغيل معامل إنتاج الطاقة في لبنان». لكنه استدرك بالقول إنّ «هذا ليس إيماناً منّي بأنّ هذا سيحصل، بل لعدم ترك الشعب اللبناني عرضة للأقاويل التي لا ترتكز إلى أي أساس من الصحة».
من جهته، اعتبر عضو كتلة «الكتائب اللبنانية» النائب سليم الصايغ، أن «النفط الإيراني لا يمكن أن يصل إلى لبنان إلا من خلال التهريب عبر الأراضي السورية، كما حصل عند استقدام (حزب الله) بواخر المازوت في الشتاء الماضي». ولفت في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «البواخر الإيرانية لا تستطيع أن ترسو على الشواطئ اللبنانية إلا إذا حصلت على استثناء، وإلّا فإن الدولة اللبنانية ستتحمّل مسؤولية هذا الفعل». واستدرك الصايغ قائلاً: «لا يمكن أن يترك الشعب اللبناني أمام عقاب جماعي، وعلى الدولة أن تفاوض الدول العربية والأميركيين لتأخذ استثناء في موضوع الفيول الإيراني أو الحصول على بدائل»، معتبراً أن «لبنان يواجه أزمة إنسانية لا سياسية، ونحن أمام انهيار تام، وعلى الدولة أن تستعمل قضية الفيول الإيراني ورقة ضغط على المجتمع الدولي، حتى لا يعاقب الشعب اللبناني كلّه». ورأى الصايغ أن «الأميركيين يعاقبون (حزب الله) لكن الشعب اللبناني الذي بات رهينة بيد الحزب اقترب من الموت».


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

الأردن وسوريا يتعهدان التعاون لمنع عودة «داعش»

الصفدي مستقبلاً الشيباني في عمان اليوم (رويترز)
الصفدي مستقبلاً الشيباني في عمان اليوم (رويترز)
TT

الأردن وسوريا يتعهدان التعاون لمنع عودة «داعش»

الصفدي مستقبلاً الشيباني في عمان اليوم (رويترز)
الصفدي مستقبلاً الشيباني في عمان اليوم (رويترز)

التقى وزير الخارجية في الإدارة السورية الجديدة أسعد الشيباني، اليوم (الثلاثاء)، في العاصمة الأردنية عمان وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، وذلك في إطار جولة إقليمية استهلها بالسعودية ثم قطر والإمارات.

وقال الصفدي بعد اللقاء إن الأردن وسوريا اتفقا على تشكيل لجنة أمنية مشتركة لتأمين الحدود، مشيراً إلى أن البلدين سيتعاونان معاً لمكافحة تهريب المخدرات والأسلحة. وأكد الصفدي أن دمشق وعمان ستتعاونان لمنع عودة ظهور تنظيم «داعش».

وأضاف أن «استقرار سوريا يعني استقرار الأردن، وأمن سوريا ينعكس إيجاباً على الأردن»، مضيفاً أن القوات المسلحة تصدت لكل محاولات التهريب على الحدود على مدار السنوات الماضية.

وأوضح أن «الشعب السوري يستحق وطناً حراً بعد سنوات من المعاناة»، مشيراً إلى أنه «سيتم تشكيل لجان مشتركة مع الجانب السوري معنية بالأمن والطاقة وغيرها من المجالات».

وبين الصفدي أن الإرث الذي تحمله الإدارة السورية الجديدة ليس سهلاً، مضيفاً أن الأردن سيبقى سنداً لسوريا وسيقدم كل الدعم.

وأشار إلى أن المحادثات تطرقت إلى الأمن في الجنوب السوري، ومكافحة المخدرات على الحدود.

جانب من اللقاء بين الوفدين السوري والأردني في عمان اليوم (رويترز)

من جانبه، تعهد الشيباني بألا يشكل تهريب المخدرات تهديداً للأردن مجدداً في ظل الإدارة الجديدة. وقدم الشيباني شكره إلى الأردن على حفاوة استقبال اللاجئين على مدار 13 عاماً، مضيفاً أن «هذه الزيارة ستكون بداية فاتحة جديدة في العلاقات الأردنية - السورية، بما يحقق الأمن والاستقرار في البلدين».

وشكر الشيباني الأردن على مساهمته بملف رفع العقوبات عن سوريا، التي بإزالتها ستنتعش الحالة الاقتصادية في سوريا.

ويرافق الشيباني في زيارته، وزير الدفاع مرهف أبو قصرة، ورئيس الاستخبارات العامة أنس خطاب.

وزار الصفدي في 23 ديسمبر (كانون الأول)، دمشق، وأكد بعد لقائه قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع استعداد بلاده للمساعدة في إعادة إعمار سوريا، مشيراً إلى أن «إعادة بناء سوريا أمر مهم للأردن وللمنطقة ككل».

واستضاف الأردن في 14 ديسمبر (كانون الأول)، اجتماعاً حول سوريا بمشاركة وزراء خارجية ثماني دول عربية والولايات المتحدة وفرنسا وتركيا والاتحاد الأوروبي، إضافة إلى ممثل للأمم المتحدة.

وأُطيح الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول) إثر هجوم لتحالف من الفصائل المسلحة بقيادة «هيئة تحرير الشام».

والأردن من البلدان العربية القليلة التي أبقت سفارتها مفتوحة في دمشق خلال النزاع في سوريا.

وللأردن حدود برية مع سوريا تمتد إلى 375 كيلومتراً. وتقول عمان إنها تستضيف أكثر من 1.3 مليون لاجئ سوري منذ اندلاع النزاع في سوريا عام 2011، ووفقاً للأمم المتحدة، هناك نحو 680 ألف لاجئ سوري مسجل في الأردن.

واستؤنفت حركة التبادل التجاري بين البلدين في العشرين من ديسمبر (كانون الأول)، ومنذ ذلك الوقت دخلت سوريا 600 شاحنة أردنية محملة بالبضائع.

وتمثل سوريا تاريخياً شريكاً تجارياً مهماً للأردن، ولكن النزاع فيها أدى إلى تراجع حجم التجارة بين البلدين من 617 مليون دولار عام 2010 إلى 146.6 مليون دولار عام 2023.

وأرسل الأردن، أول من أمس، 300 طن من المساعدات الإنسانية إلى سوريا في إطار «الجهود المبذولة للوقوف إلى جانب الشعب السوري».

وعانى الأردن خلال سنوات النزاع في سوريا من عمليات تهريب المخدرات، لا سيما حبوب الكبتاغون.