صعدت إلى المشهد مقترحات بشأن اتجاه صناع الفن والدراما إلى وسائل الإعلام الرقمية البديلة مثل منصات التواصل الاجتماعي، وذلك من خلال إنتاج محتوى خاص يلائم هذه المنصات، وسط مطالب بمعايير محددة بشأن هذا الاتجاه.
بعض الخبراء يرون أن معظم المنتجين يركزون على إنتاج محتوى للأفلام الكاملة أو المسلسلات التلفزيونية، مما يؤدي إلى تخمة في العرض، مقارنة بعدد الموزّعين المحتملين لذلك المحتوى، ومن شأن هذا شل الصناعة على المدى القريب. وتأتي اقتراحات هؤلاء الخبراء من قبيل تزخيم الإنتاج الفني والدرامي، وإيجاد حلول واقعية لأزمة الإنتاج.
صانع الأفلام السعودي عباس بن العباس، قال في لقاء مع «الشرق الأوسط»، موضحاً: «لسنا بحاجة لتأكيد أهمية اتجاه صناع الدراما والفن لمنصات الإعلام الرقمي البديلة مثل (يوتيوب) و(تيك توك) و(فيسبوك) وغيرها، فهو واقع يتوجب علينا التكيف معه». وأردف: «لقد خضنا تجربة ممتعة قبل فترة في إنتاج محتوى خاص لمنصّات التواصل، ويمكن القول إنها حققت نجاحاً... غير أن النقلة المطلوبة الآن، هي وضع معايير لإنتاج هذا المحتوى، لا سيما فيما يخص الأفكار، لأنها الحلقة الأهم، خاصة عند مخاطبة جيل الألفية الذي يتمتع بحضور قوي على منصات التواصل».
ابن العباس يشير هنا إلى أن «المُشاهد سبق صناع المحتوى الفني إلى وسائل الإعلام الرقمي البديلة، وبات المحتوى القصير، هو المفضل لديه»، موضحاً أنه «علينا بسرعة اللحاق بالمُشاهد الذي ينتظرنا في عالمه، وذلك ليس بأن نقدم المفهوم نفسه الذي يقدم منذ سنوات؛ بل لنواكب عقليته وطبيعة هذه المنصات وندخله في تجارب أكثر متعة وواقعية». ومن ثم لفت إلى أن «العالم يتغير بوتيرة فائقة السرعة وتتبدل معه ديناميكية التواصل مع الجمهور... وينعكس هذا من قراءة أفكار الإعلانات التجارية التي غدت ميزانياتها تتكلف مليارات الدولارات... كل ما علينا إذن هو إنتاج محتوى يرقى إلى جذب المشاهد لتحقيق أرباح من شأنها الصعود بالصناعة».
من جهة ثانية، يستشهد عمرو قورة، المتخصص المصري في شؤون الإعلام الرقمي بتجربة أطلقتها «يوتيوب»، فيقول لـ«الشرق الأوسط» خلال لقاء معه: «لقد أطلق مشروع يوتيوب ريد بهدف إنتاج محتوى فني ودرامي خصيصاً للمنصة وحسب معاييرها؛ لكن المشروع لم يحقق الصدى المتوقع». ويعتقد قورة أن «السبب هو طبيعة المحتوى - الترفيهي بالأساس - الذي كان وما زال الأبرز على منصات التواصل... وصحيح أن هذا الاتجاه عاود الظهور، لكن في حقيقة الأمر، لا أرى فيه آمالاً ضخمة».
سلوك المستخدم
قورة يرى أن «تحليل سلوك مستخدم منصات التواصل له علاقة وثيقة باحتمالات نجاح أو فشل تجربة تقديم صُناع الفن والدراما لمحتوى يستهدفهم بشكل مباشر». ويضيف: «متابعو منصات التواصل يتفاعلون مع المحتوى القصير، ولا يتحملون أكثر من البقاء دقائق. هذا المعيار يتناقض مع المفهوم الأصيل للدراما، التي يصعب أن تتقيد بالزمن، بينما تُعلي معايير التأثير الدرامي أولاً، فلا يمكن اختصار حلقة درامية بأحداث وانفعالات محتملة إلى خمس دقائق».
من جهة ثانية، يوضح قورة أن «من شأن وسائل التواصل أن تعزز سوق الإنتاج لكن ليس كمنصة للعرض. نعم، يمكن لمنصات التواصل أن تدعم الإنتاج الفني والدراما بشكل غير مباشر من دون الاعتماد عليها للعرض بل للتسويق فحسب، وذلك من خلال عرض مقاطع مصورة من عمل فني أو لموهبة ما، بغرض الجذب... أي أنها لا يمكن أن تصبح هي المنصة الأساسية لعرض العمل الفني».
قورة لا يرى أن «الجمهور هو المعضلة»، لكن توقعاته تختلف بحسب المنصة. إذ يوضح أن «المستهلكين لمنصات الدراما، هم أنفسهم مستخدمو منصات التواصل، ومن ثم فنحن أمام الجمهور نفسه. غير أن ما يتوقعه الجمهور من كل منصة يختلف عن الأخرى». ويستطرد شارحاً: «ربما يتوقع المشاهد مزيداً من الجرأة ورقابة أقل في حال عرض العمل الفني عبر منصات التواصل. ومن هنا على صنّاع الدراما استيعاب عقلية جيل الألفية لأنه يبحث عن مزيد من التحرّر ومناقشة قضاياهم، لا إعادة نسيج الماضي بقصص مستهلكة».
وأكد ابن العباس على أهمية تكثيف العمل لجذب جيل الألفية، إذ قال إن «صنّاع الفن والدراما أمام تحدٍ في طرح أفكار معاصرة وجذابة، لا سيما أن رواد السوشيال ميديا لا يبحثون على إنتاج ضخم أو رسوم متحركة عالية الجودة؛ بل عن فكرة جديدة أو حوار ذكي أو طرح غير متوقع». وحقاً بحسب مراقبين فإن تقديم منصات التواصل كشريك لعرض الأعمال الدرامية، يعد منافسة شرسة مع منصات الاشتراكات المدفوعة مثل («شاهد» و«إتش إيت» و«نيتفلكس»، وهو ما يطرح التساؤل حول إمكانية هذه المنافسة وجدواها.
هنا يرى قورة أن «على الأعمال الدرامية أن تبقى على منصات متخصصة من دون خلط للأوراق... فالنجوم الكبار يبتعدون عن المنافسة على منصات التواصل، لأنها مساحة مفتوحة للجميع من دون معايير تحمي المبدعين». في حين يلحظ ابن العباس أن «الأمر ليس منافسة أو تهديد، بل تكامل، من أجل خدمة الصناعة والمُشاهد». ومن ثم، يدعو شركات الإنتاج الناشئة إلى أن «تركّز أولاً على الإنتاج الخاص بالسوشيال ميديا لتقيم مدى ملاءمة أفكارها مع الجمهور المستهدف».
وعن مشاركة نجوم الفن وفق الاتجاه الجديد، يشرح ابن العباس أن «لمنصات التواصل نجومها من المؤثّرين... وإذا كان لدى نجوم الفن رغبة في خوض تجربة مثل هذه، فعليهم أولاً معرفة قوانين لعبة السوشيال ميديا».
«الميتافيرس»
على صعيد آخر، ثمة من يلفت إلى تكهنات عدة تخرج كل يوم حول تأثير عالم «الميتافيرس» على شكل التواصل من جانب، وعلى صناعة المحتوى من جانب آخر. وهنا يعلّق قورة فيقول إنه «سيكون التحول الحقيقي للعمل الفني». ويتوقع أن «يحوّل الميتافيرس العمل الفني إلى تجربة أكثر واقعية»، ويتابع: «ربما سنرى المُشاهد داخل العمل يشارك النجوم وربما غير ذلك... لا أحد لديه تصور دقيق، ولكن يمكننا منذ الآن توقّع تجربة درامية غير معتادة». ويتفق ابن العباس مع هذا الرأي غير أنه يؤكد على أهمية أن تبقى التكهنات «واقعية». ويشرح إن «الميتافيرس لا يزال في بداياته الفنية والتكنولوجية، والمغامرة في إنتاج محتوى تفاعلي يخص الميتافيرس قد يكون مغامرة كبيرة مادياً، وجهداً قد لا يواكب التطور المحتمل في هذا المجال... ولذا علينا أن نتخذ خطوات حثيثة ومدروسة أولاً».
وبتابع قورة مداخلته بالقول إن «معضلة الاشتراكات الشهرية وتفضيل المشاهد للمحتوى المجاني، لا يمكن أن يكون المرتكز الأهم لنجاح تجربة تقديم عمل فني على منصات التواصل». ويرى أن «تجربة التحكم والفعالية والراحة، هي سبب نجاح منصات المشاهدة، لا سيما أنها حققت مفهوم (المشاهدة الشرهة) وعززت الإنتاج الدرامي، لأنها خرجت من إطار المواسم، وباتت الأعمال الدرامية تحقق نجاحاً طيلة العام». وبينما يوضح قورة أن المنصات بصدد تغيير نموذج العمل، وذلك من خلال السماح بعرض إعلانات مقابل تخفيض الاشتراكات وربما إلغاؤها، وهو نموذج متوقع نجاحه، لا سيما «العمل على منصات التواصل بنموذج مُبتكر... وإلا فلن يكون لذلك جدوى».