«إخوان مصر» يواجه التشظي ويعلن عدم رغبته في السلطة

خبراء في الأصولية عدُّوها «محاولات للتغلب على الانقسامات»

جانب من خسائر عملية تفجير «معهد الأورام» في مصر عام 2019 المتهمة فيها حركة «حسم» (رويترز)
جانب من خسائر عملية تفجير «معهد الأورام» في مصر عام 2019 المتهمة فيها حركة «حسم» (رويترز)
TT

«إخوان مصر» يواجه التشظي ويعلن عدم رغبته في السلطة

جانب من خسائر عملية تفجير «معهد الأورام» في مصر عام 2019 المتهمة فيها حركة «حسم» (رويترز)
جانب من خسائر عملية تفجير «معهد الأورام» في مصر عام 2019 المتهمة فيها حركة «حسم» (رويترز)

بعد سنوات من «التشظي والانقسامات والصراعات»، أعلن تنظيم «الإخوان» في مصر «عدم رغبته في السلطة». وقال القائم بأعمال مرشد «الإخوان» إبراهيم منير: «لن نخوض صراعاً جديداً على السلطة في مصر».
يأتي هذا في وقت يتفاقم فيه الصراع بين قيادات «الإخوان» في الخارج، بين جبهتَي لندن وإسطنبول، بينما رأى خبراء في شؤون الحركات الأصولية، في مصر، حديث «الإخوان» بشأن السلطة: «محاولات مكشوفة ومتأخرة للتغلب على الانقسامات، ولن تفيد التنظيم الآن».
وقال منير في مقابلة مع «رويترز» مساء أول من أمس، الجمعة، إن تنظيم «الإخوان»: «يرفض العنف تماماً، ونعتبره خارج فكر (الإخوان)»، مؤكداً وجود «انقسامات داخلية» في التنظيم.
وأشار منير إلى أن «التنظيم مر بأوقات عصيبة من قبل؛ لكن هذه المرة (أي منذ عزله عن السلطة في مصر عام 2013) أقسى من كل المرات الماضية».
وهناك صراع بين «جبهة إسطنبول» بقيادة محمود حسين، الأمين العام السابق للتنظيم، و«جبهة لندن» بقيادة إبراهيم منير. وتصاعد أخيراً إثر تشكيل «جبهة لندن» مجلس شورى للتنظيم، ليكون بديلاً عن مجلس شورى إسطنبول، التابع لجبهة محمود حسين، فضلاً عن تبادل الاتهامات بين الجبهتين.
وقال الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أحمد بان، لـ«الشرق الأوسط»، إن «(الإخوان) لديهم مشكلة مع فرق التوقيت، وخطواتهم دائماً تأتي متأخرة، ولا تأتي بالأثر المأمول».
وأضاف أحمد بان: «الحديث عن ابتعاد (الإخوان) عن السلطة، وبالتالي الابتعاد عن السياسة، متأخر، وسبق أن انطلق قبل ذلك في عام 2011؛ حيث كانت هناك دعاوى لتحول التنظيم إلى حركة ضغط تؤيد أي حزب أو حركة سياسية قد تدفع في اتجاه الإصلاح السياسي بمصر وقتها؛ لكن رغبة قيادات التنظيم في السلطة خلال تلك الفترة، دفع (الإخوان) إلى دخول معترك السياسة، وبالتالي خسر التنظيم الكثير»، موضحاً أن «التنظيم يعتقد أن إعلانه الآن الابتعاد قد يكون مفيداً له، في وقتٍ أي تنازلات فيه لـ(الإخوان) لن تفيد التنظيم».
بينما أكد الخبير في شؤون الحركات الأصولية في مصر، عمرو عبد المنعم، لـ«الشرق الأوسط» أن «حديث (الإخوان) لا يرقى لمستوى تغيير التوجه، ولا تغيير الأفكار والمناهج، فهو مجرد محاولات مكشوفة لتجميل الصورة، تؤكد حالة الانقسامات، وتشير إلى حجم الصراعات داخل التنظيم».
ووفق عبد المنعم، فإن «هناك 5 كيانات تتنازع على احتكار الوضع التنظيمي، هي جبهة لندن، وجبهة إسطنبول، ومجموعات الشباب، والخلايا النوعية، والمنشقون عن التنظيم»، مضيفاً أن «مجرد التصريح بابتعاد التنظيم عن السلطة لا يعني الجدية في تغيير التوجهات والتطلعات، فهذا الأمر يحتاج لمؤسسة منضبطة، وإعادة تقييم مُعلن تمر بعدة مراحل. كما يتطلب إجراء مراجعة للأدبيات والتصرفات السابقة».
ويقبع معظم قيادات «الإخوان» داخل السجون المصرية، في اتهامات بالتورط في «أعمال عنف وقتل» اندلعت عقب عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي عن الحكم في 3 يوليو (تموز) عام 2013، بعد احتجاجات شعبية. وصدر بحق مرشد التنظيم محمد بديع وقيادات «الإخوان» أحكام بـ«الإعدام والسجن المؤبد والمشدد».
وتنظيم «الإخوان» مستبعد من الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أشهر. وقال السيسي مطلع الشهر الجاري، إن «الحوار الوطني للجميع باستثناء فصيل واحد فقط».
ودعت عناصر موالية لـ«الإخوان» عبر صفحات على مواقع التواصل، أمس السبت، تعقيباً على حديث منير، إلى «ضرورة ممارسة المنتسبين للتنظيم العمل السياسي بشكل مستقل ضمن أي أُطر».
وكان إبراهيم منير قد ذكر في تصريحاته أن «الحوار السياسي المتوقع لا يمكن أن يحقق نتائج، إذا تم استبعاد (الإخوان) أو غيرهم منه».
لكن عبد المنعم يشير إلى أن «الخيارات الآن أمام التنظيم هي إعادة طرح فكرة التيار الدعوي وتبنيها من قبل قيادات الخارج، وإيجاد نوافذ إعلامية لها لمزيد من التعاطف مع التنظيم». وأضاف أن «الأشهر الأخيرة شهدت أقسى أنواع الانقسامات لـ(الإخوان)؛ حيث حدث شرخ عمودي طال القاعدة الصلبة في التنظيم». وأوضح أن «حجم الانشقاق والصراعات الداخلية يؤكد صعوبة التجديد داخل التنظيم، وعدم التأقلم والتوافق مع العوامل الإقليمية والدولية الحالية».
وأضاف عبد المنعم أن «مجموعة إسطنبول تطلق على مجموعة لندن العديد من المصطلحات التي ترغب من خلالها في التأثير على شكل التنظيم العام. وأدى المشهد بين الجبهتين إلى انشقاقات، حتى وصل المشهد إلى إعلان حل مجلس الشوري العام للتنظيم في إسطنبول، وإعلان تشكيل مجلس شورى جديد في لندن، لنصل الآن إلى اختيار مرشدين، ومتحدثين للتنظيم، ومجلسين لـلشورى».
وكان منير قد أفاد بأن «(الإخوان) عانى انقسامات داخلية»، ولمح إلى أن اختيار مرشد جديد سيتم «عندما يستقر الوضع».
وتحدث منير في تصريحات عن أن «(الإخوان) لم يتعرض حتى الآن لضغوط في تركيا»، قائلاً: «حتى الآن لا نرى ذلك ولا نشعر به، وأيضاً من حق الدولة التركية أن تفعل أي شيء يحقق أمنها وسلامة شعبها».
واتخذت تركيا خلال الأشهر الماضية، خطوات وصفتها القاهرة بـ«الإيجابية»، وتعلقت بوقف أنشطة «الإخوان» الإعلامية والسياسية «التحريضية» في أراضيها، ومنعت إعلاميين تابعين للتنظيم من انتقاد مصر. وفي نهاية أبريل (نيسان) الماضي، أعلنت فضائية «مكملين»، وهي واحدة من ثلاث قنوات تابعة لـ«الإخوان» تبث من إسطنبول، وقف بثها نهائياً من تركيا.
وقبل أيام، تحدث الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بأنه «لا يوجد ما يمنع إجراء محادثات رفيعة المستوى مع مصر، من أجل تطبيع العلاقات».
وأجرت مصر وتركيا العام الماضي «محادثات دبلوماسية استكشافية» برئاسة مساعدي وزيري الخارجية؛ الأولى احتضنتها القاهرة، بينما جرت الثانية في أنقرة. وأعلن حينها أن «المحادثات كانت صريحة ومعمقة، وتناولت القضايا الثنائية، والقضايا الإقليمية».
وحول قول إبراهيم منير إن «(الإخوان) يرفض العنف تماماً، ونعتبره خارج فكرنا»، قال أحمد بان، إنها «محاولة لغسل أيدي مجموعة محمد كمال، مؤسس الجناح المسلح لـ(الإخوان)، من العنف»، لافتاً إلى أن «الحركات النوعية التي انطلقت عام 2014، والتي نتجت عنها حركات مثل (حسم)، و(لواء الثورة)، و(المقاومة الشعبية)، و(كتائب حلوان)، جميعها محسوبة على الحالة التنظيمية لـ(الإخوان)». بينما أكد عمرو عبد المنعم أن «أساس التنظيم، هو العمل السري. والعمل السري هو بداية العنف. ومجرد الصمت عن العمل السري داخل التنظيم من قبل القادة، يؤدي إلى العنف كما رأينا وشاهدنا في تاريخ التنظيم عبر سنوات التكوين؛ حيث خرج منهم من ينفذ عمليات عنف».


مقالات ذات صلة

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

شمال افريقيا هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

حفلت الجلسة الافتتاحية لـ«الحوار الوطني»، الذي دعا إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أكثر من عام، برسائل سياسية حملتها كلمات المتحدثين، ومشاركات أحزاب سياسية وشخصيات معارضة كانت قد توارت عن المشهد السياسي المصري طيلة السنوات الماضية. وأكد مشاركون في «الحوار الوطني» ومراقبون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أهمية انطلاق جلسات الحوار، في ظل «قلق مجتمعي حول مستقبل الاقتصاد، وبخاصة مع ارتفاع معدلات التضخم وتسببه في أعباء معيشية متصاعدة»، مؤكدين أن توضيح الحقائق بشفافية كاملة، وتعزيز التواصل بين مؤسسات الدولة والمواطنين «يمثل ضرورة لاحتواء قلق الرأي العام، ودفعه لتقبل الإجراءات الحكومية لمعالجة الأز

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

عقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اجتماعاً، أمس (الخميس)، مع كبار قادة القوات المسلحة في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية الجديدة، لمتابعة دور الجيش في حماية الحدود، وبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي للبلاد. وقال المستشار أحمد فهمي، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، في إفادة رسمية، إن «الاجتماع تطرق إلى تطورات الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية، وانعكاساتها على الأمن القومي في ظل الظروف والتحديات الحالية بالمنطقة». وقُبيل الاجتماع تفقد الرئيس المصري الأكاديمية العسكرية المصرية، وعدداً من المنشآت في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية. وأوضح المتحدث ب

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

قالت مصر إن «استمرار ظاهرة (المقاتلين الأجانب) يهدد أمن واستقرار الدول». وأكدت أن «نشاط التنظيمات (الإرهابية) في أفريقيا أدى لتهديد السلم المجتمعي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

جدد حادث تصادم في مصر الحديث بشأن مخاطر «السرعة الزائدة» التي تتسبب في وقوع حوادث سير، لا سيما على الطرق السريعة في البلاد. وأعلنت وزارة الصحة المصرية، (الخميس)، مصرع 17 شخصاً وإصابة 29 آخرين، جراء حادث سير على طريق الخارجة - أسيوط (جنوب القاهرة).

منى أبو النصر (القاهرة)
شمال افريقيا مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

بعد 3 أيام عصيبة أمضتها المسنة السودانية زينب عمر، في معبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على


القاهرة تعزز مشاركتها في قوات حفظ السلام بأفريقيا

بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
TT

القاهرة تعزز مشاركتها في قوات حفظ السلام بأفريقيا

بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)

تأكيدات مصرية على لسان وزير الخارجية، بدر عبد العاطي، بشأن «الدور النبيل» الذي تقوم به القوات المصرية ضمن بعثات حفظ السلام عبر «تعزيز السلم والأمن» في أفريقيا، وأنها تعكس «الالتزام المصري التاريخي بدعم الاستقرار في القارة السمراء».

تصريحات وزير الخارجية جاءت خلال زيارته للكتيبة المصرية ضمن قوات حفظ السلام في الكونغو الديمقراطية، التي تأتي أيضاً قبيل أسابيع من مشاركة جديدة مرتقبة مطلع العام المقبل في الصومال ضمن قوات حفظ سلام أفريقية، وسط تحفظات إثيوبية التي أعلنت مقديشو استبعاد قواتها رسمياً، وأرجعت ذلك إلى «انتهاكها الصارخ لسيادة واستقلال الصومال».

الزيارة المصرية للقوات التي يمر على وجودها نحو 25 عاماً، تعد بحسب خبراء تحدثوا مع «الشرق الأوسط»، تأكيداً على «الحضور المتنامي للقاهرة، وتعزيزاً لمشاركاتها بالقارة السمراء»، مستبعدين أن تتحول أي تحفظات إثيوبية تجاه الوجود المصري بمقديشو لمواجهات أو تصعيد عسكري.

وبحسب ما كشفته «الخارجية المصرية» في أواخر مايو (أيار) 2024، «فمنذ عام 1960، عندما أرسلت مصر قواتها إلى عمليات الأمم المتحدة في الكونغو، خدم ما يزيد على 30 ألفاً من حفظة السلام المصريين في 37 بعثة لحفظ السلام في 24 دولة، وبصفتها واحدة من كبريات الدول التي تسهم بقوات نظامية في عمليات حفظ السلام، تنشُر مصر حالياً 1602 من حفظة السلام من النساء والرجال المصريين في عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام في الكونغو الديمقراطية والسودان وجنوب السودان والصحراء الغربية».

ووفق تقديرات نقلتها «هيئة الاستعلامات» المصرية الرسمية، منتصف يونيو (حزيران) 2022، تسترشد مصر في عمليات حفظ السلام بثلاثة مبادئ أممية أساسية، وهي «موافقة الأطراف والحياد، وعدم استعمال القوة إلا دفاعاً عن النفس، ودفاعاً عن الولاية».

بدر عبد العاطي يصافح كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)

وتاريخياً، شاركت مصر في قوات حفظ السلام بأفريقيا في «الكونغو أثناء فترة الحرب الأهلية من 1960 إلى 1961، ثم من نوفمبر (تشرين الثاني) 1999، وكوت ديفوار لمساعدة الأطراف الإيفوارية على تنفيذ اتفاق السلام الموقع بينهما في يناير (كانون الثاني) 2003، والصومال في الفترة من ديسمبر (كانون الأول) 1992 إلى فبراير (شباط) 1995، وأفريقيا الوسطى من يونيو 1998 إلى مارس (آذار) 2000، وأنغولا من 1991 وحتى 1999، وموزمبيق من فبراير 1993 إلى يونيو 1995، وجزر القمر من 1997 وحتى 1999، وبوروندي منذ سبتمبر (أيلول) 2004، وإقليم دارفور بالسودان منذ أغسطس (آب) 2004».

وضمن متابعة مصرية لقواتها، التقى بدر عبد العاطي، الجمعة، مع أعضاء كتيبة الشرطة المصرية المُشاركة في مهام حفظ السلام ضمن بعثة الأمم المتحدة لحفظ الاستقرار في الكونغو الديمقراطية خلال زيارته التي بدأت الخميس، واستمرت ليومين إلى العاصمة كينشاسا، لتعزيز التعاون بكل المجالات، وفق بيان صحافي لـ«الخارجية المصرية».

وقال عبد العاطي إن «مصر إحدى كبرى الدول المساهمة في قوات حفظ السلام الأممية»، مؤكداً أن «وجود الكتيبة المصرية في الكونغو الديمقراطية يعكس عمق العلاقات التاريخية بين البلدين وأهمية الشراكة الاستراتيجية مع دول حوض النيل الجنوبي». كما نقل وزير الخارجية، رسالة إلى رئيس الكونغو الديمقراطية، فيليكس تشيسيكيدي، من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، تتضمن سبل تعزيز العلاقات، وإحاطة بما تم توقيعه من اتفاقيات تعاون خلال زيارته وتدشين «مجلس أعمال مشترك».

ووفق الخبير في الشؤون الأفريقية، عبد الناصر الحاج، فإن كلمة السر في مشاركة مصر بشكل معتاد ضمن قوات حفظ السلام في أفريقيا بشكل عام هي «طبيعة القوات المصرية حيث تتجلى الإمكانات العالية والخبرات التاريخية المتراكمة، ما جعل مصر دائمة المشاركة والحضور ضمن قوات حفظ السلام منذ أزمان بعيدة»، مؤكداً أن لمصر تجارب عدة في العمل ضمن بعثات حفظ السلام في كثير من دول أفريقيا التي شهدت نزاعات وأوضاع أمنية بالغة التعقيد، مثل ساحل العاج، والكونغو، وأفريقيا الوسطى، وأنغولا، وموزمبيق، وليبيريا، ورواندا، وجزر القمر، ومالي وغيرها.

جانب من كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في مهام حفظ السلام بالكونغو الديمقراطية (الخارجية المصرية)

الحاج أشار إلى أنه رغم أن الاضطرابات السياسية التي تشهدها كثير من دول أفريقيا «تزيد من تعقيد» عمل بعثات الأمم المتحدة الخاصة بحفظ السلام في أفريقيا، وعدم قدرة هذه البعثات على إحراز أي تقدم في ظل نقص المؤسسات الديمقراطية الفعالة في عدد من البلدان الأفريقية؛ فإن مصر تدرك جيداً مدى أهمية تكثيف حضورها الأمني في القارة السمراء، باعتبار أن «العدول عن المشاركة المصرية ضمن بعثات حفظ السلام، سوف يترك فراغاً عريضاً» ربما تستغله دول أخرى تنافس مصر في خارطة التمركز الفاعل في أفريقيا.

الخبير الاستراتيجي المصري، اللواء سمير فرج، أوضح أن هناك قوات لحفظ السلام تتبع الأمم المتحدة، وأخرى تتبع الاتحاد الأفريقي، وكل له ميزانية منفصلة؛ لكن يتعاونان في هذا المسار الأمني لحفظ الاستقرار بالدول التي تشهد اضطرابات ومصر لها حضور واسع بالاثنين، مؤكداً أن مشاركة القاهرة بتلك القوات يتنامى ويتعزز في القارة الأفريقية بهدف استعادة الحضور الذي عرف في الستينات بقوته، وكان دافعاً ومساهماً لتأسيس الاتحاد الأفريقي والحفاظ على استقرار واستقلال دوله.

وهو ما أكده وزير الخارجية المصري خلال زيارته للكتيبة المصرية بالكونغو الديمقراطية بالقول إن «المشاركة في بعثات حفظ السلام تعكس الالتزام المصري التاريخي بدعم الاستقرار في أفريقيا، والمساهمة الفاعلة في صون السلم والأمن الدوليين».

هذا التأكيد المصري يأتي قبل نحو شهر من المشاركة المصرية في قوات حفظ السلام الأفريقية، بالصومال، حيث أكد سفير مقديشو لدى مصر، علي عبدي أواري، في إفادة، أغسطس الماضي، أن «القاهرة في إطار اتفاقية الدفاع المشترك مع الصومال ستكون أولى الدول التي تنشر قوات لدعم الجيش الصومالي من يناير 2025 وتستمر حتى عام 2029. بعد انسحاب قوات الاتحاد الأفريقي الحالية»، قبل أن تعلن مقديشو، أخيراً «استبعاد القوات الإثيوبية رسمياً من المشاركة في عمليات البعثة الجديدة؛ بسبب انتهاكها الصارخ لسيادة واستقلال الصومال».

الرئيس الصومالي خلال توقيعه قانوناً في يناير الماضي يُبطل مذكرة تفاهم «أرض الصومال» وإثيوبيا (حساب الرئيس الصومالي على «إكس»)

ولم تعلق أديس أبابا رسمياً على هذا الاستبعاد، لكن تحدّث وزير الخارجية الإثيوبي السابق، تاي أصقي سيلاسي، في أغسطس الماضي، عن الموقف الإثيوبي بشأن البعثة الجديدة لقوات حفظ السلام في الصومال، حيث طالب بـ«ألا تشكّل تهديداً لأمننا القومي، هذا ليس خوفاً، لكنه تجنّب لإشعال صراعات أخرى بالمنطقة»، مؤكداً أن بلاده «أصبحت قوة كبرى قادرة على حماية مصالحها».

وعدَّ الخبير الاستراتيجي المصري أن استمرار الوجود المصري في قوات حفظ السلام على مدار السنوات الماضية والمقبلة، لاسيما بالصومال له دلالة على قوة مصر وقدرتها على الدعم الأمني والعسكري وتقديم كل الإمكانات، لاسيما التدريب وتحقيق الاستقرار، مستبعداً حدوث أي تحرك إثيوبي ضد الوجود المصري في الصومال العام المقبل.

فيما يرى الخبير في الشؤون الأفريقية أن الاستعداد القوي الذي أظهرته مصر للمشاركة ضمن بعثة حفظ السلام في الصومال، يأتي من واقع الحرص المصري على استتباب الأمن في هذه البقعة الاستراتيجية في القرن الأفريقي؛ لأن استتباب الأمن في الصومال يعني تلقائياً تأمين حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر، ومن ثم ضمان انسياب الحركة التجارية الدولية عبر قناة السويس. فضلاً عن أن مصر لن تنزوي بعيداً وتترك الصومال ملعباً مميزاً للقوات الإثيوبية، خصوصاً بعدما أبرمت إثيوبيا اتفاقاً مطلع العام مع إقليم «أرض الصومال» لاستغلال منفذ «بربرة» البحري المطل على ساحل البحر الأحمر.

وفي تقدير عبد الناصر الحاج فإن نجاح مصر في أي مشاركة فاعلة ضمن قوات حفظ السلام في أفريقيا، يتوقف في المقام الأول، على مدى قدرة مصر في انتزاع تفويضات واسعة من مجلس السلم والأمن الأفريقي لطبيعة عمل هذه البعثات، بحسبان أن إحدى المشكلات التي ظلت تسهم في إعاقة عمل بعثات حفظ السلام، هي نوعية التفويض الممنوح لها؛ وهو الذي ما يكون دائماً تفويضاً محدوداً وقاصراً يضع هذه البعثات وكأنها مُقيدة بـ«سلاسل».

وأوضح أنه ينبغي على مصر الاجتهاد في تقديم نماذج استثنائية في أساليب عمل قواتها ضمن بعثات حفظ السلام، بحيث يصبح الرهان على مشاركة القوات المصرية، هو خط الدفاع الأول لمدى جدواها في تحقيق غاية حفظ السلام.