جسد فنانون عرب المكانة الخاصة للحصان في حياتهم وتاريخهم؛ فأبرزوا دوره في المعارك والبطولات المختلفة، وربطوا ذكره بالفروسية والشجاعة والإقدام، فتم ذكره كثيراً في الأساطير والملاحم والغناء والفلكلور الشعبي، كما كان مصدراً لإلهام التشكيليين -لا سيما في النحت- باختلاف الاتجاهات والمدارس الفنية، مثل الواقعية والرومانسية والتعبيرية والتجريدية.
وفي معرض قاهري، استدعى النحات محمد الصياد الحصان في نحو 18 عملاً فنياً، كمفردة فنية وموروث ثقافي أصيل.
بلغة فنية معاصرة، أظهر الفنان القيم الرمزية والتعبيرية للحصان، متناولاً أوضاع جمالية متنوعة ومتعددة، ليبرز ما يتميز به من كبرياء وشموخ، ويقتنص حالات نفسية مختلفة يمر بها، انطلاقاً من أن الخيول تشعر بالسعادة والحزن والحب والهدوء والغضب، وغير ذلك.
أبرز الفنان القيم الرمزية والتعبيرية للحصان (الشرق الأوسط)
يقول الصياد لـ«الشرق الأوسط»: «يتمتع الحصان بصفات تشريحية دقيقة، تحفز الإنسان لتناوله في الأعمال الفنية المختلفة؛ ولذلك دارت حوله وجسدته أعمال كثيرة، في مختلف الثقافات وعلى مر العصور. وبالنسبة لي يمثل فكرة ممتعة؛ لأنه هو نفسه حالة روحية، وزادت قيمة هذه الحالة لدي من خلال اتجاهي إلى التجريد والتشكيل الفراغي، والتركيز على حركة الحصان، والإيماءات التي تحملها أزواج الحصان التي أقدمها في أعمالي». وأطلق الصياد عنوان «أبعاد الحركة والفراغ» على معرضه، كنوع من الإعلان والاعتزاز بتجربته الفنية ومشواره الطويل الذي فكك فيهما كتلة النحت التقليدية، مقدماً عناصر جديدة مستوحاة من البيئة والطبيعة، تتماهى ومفاهيم الحركة والزمن والسكون والفراغ. وعن ذلك يقول: «من المؤكد أن موضوع الحصان كعمل تشكيلي ليس بجديد، لكن ما أقدمه مختلف، وما أطرحه من حلول له في منحوتاتي غير تقليدي، لا سيما فيما يتعلق بفكرة الأبعاد الحركية والفراغ، إذ إنني أرى الحصان كتشكيل، فأجرده وأوجد له حلولاً فراغية من خلال حركتَي الفراغ الداخلية والخارجية، إلى جانب الكتل والمعالجة التي أقدمها لها في هذه الأعمال».
وإذا كانت الكتلة والفراغ كما هو معروف يمثلان إشكالية النحت والشغل الشاغل للنحات؛ حيث الفراغ المحسوس الذي لا بد له أن يتضاءل أمام كتلة تحتويه، فإن الدكتور محمد الصياد الأستاذ المساعد بكلية التربية الفنية بجامعة حلوان، عمل على تحويل الفراغ إلى معنى ومشاعر حية، عندما مزجه بالكتلة باعتباره شكلاً تعبيرياً ليصبح هو نفسه مساهماً في جمالية الكتلة. واللافت أن المعرض بذلك يمثل مرحلة جديدة في مشواره الفني؛ لأنه يتناول الفراغ فيه بشكل أكبر، ويحاول إيجاد علاقات مغايرة بين الكتل والفراغات، وهو ما دفعه للقول: «كنت أشعر أثناء مرحلة التنفيذ بالمتعة». يأتي الحصان في أعمال الصياد، بالمعرض المقام في مركز «كرمة ابن هانئ» الثقافي بمتحف أمير الشعراء أحمد شوقي، بشكل غير مألوف بالنسبة للمتلقي العربي، فهو لا يحتفي بالجماليات التشريحية التي تميز الخيل بقدر اهتمامه بتوصيل مدلولات بصرية معينة لجمهوره، متنقلاً ما بين التجريد الرمزي والتجريد التعبيري، ليأخذنا تارة إلى الفن البدائي لتلخيص تجربته التشكيلية في کيان «رمزي»، فيحرف كثيراً في شكل الحصان حتى يتحول إلى معادل جديد يحمل دلالة رمزية، وتارة أخرى يحذو به حذو الطبيعة في مخرجاتها الوحشية، فنجده لا يلجأ إلى صقل تماثيله، ويتجنب قدر الإمكان إدخال أي تعديل على الخامة، لتبدو بشكل الخامة الأولية، وتظهر سطوحها مثل قطع الصخر، وأثناء ذلك يعيد صياغة الحصان ليولد منه بعض المعاني التشكيلية.
يقول الفنان: «يعتبر هذا المعرض تجربة جديدة بالنسبة لي، أقدم فيه التجريد بشكل مختلف، انطلاقاً من أنه سمة الفن الحديث، وأرى أنه نوع من النضج، فالتجريد يقدم التعبير من دون تكلف، وتكون الرؤية واضحة ومؤثرة أكثر من الأعمال الواقعية التي نراها في الفن، كما أنني أرى أن التجريد فيه صفاء وتأمل، وتُعد كل الأشكال المجردة أقرب للتفاعل، وفيها نوع من السمو والصفاء والروحانية».
استخدم الصياد في الأعمال اللدائن الصناعية والبوليستر، وهي خامات طيعة سهلة التشكيل من الممكن تحويلها إلى خامات أخرى، مثل البرونز: «الخامة بالنسبة لدي وسيط وليست المشكلة أو القضية التي أطرحها في الأساس».
إلى جانب التماثيل التي يقدمها في معرضه، يحرص الصياد على إبداع أعمال صرحية من خلال نحت الحجر، وله مشاركات في سمبوزيوم النحت الدولي بأسوان وروسيا: «تمثل تجارب خاصة وفريدة في مجال الحلول الصرحية أو الضخمة، والتي كانت موضوعاً أيضاً لمعرض سابق لي».