«الأعلى للقضاء» يتقصى ملفات أربكت السلطة اللبنانية

TT

«الأعلى للقضاء» يتقصى ملفات أربكت السلطة اللبنانية

يضع مجلس القضاء الأعلى في لبنان يده على ملفّات قضائية أثارت في الأيام الأخيرة بلبلة كبيرة لدى الرأي العام، وأحدثت أزمة سياسية - قضائية ودينية أربكت الدولة، وكشف مصدر قضائي بارز، عن أن مجلس القضاء برئاسة القاضي سهيل عبّود استدعى أربعة قضاة مسؤولين مباشرة عن هذه الملفات للاجتماع بهم كلّ بمفرده، والاطلاع منهم على الوقائع والخلفية التي انطلقوا منها لتحريك دعاوى الحقّ العام وانعكاساتها على الأرض.
وتكتسب لقاءات المرجعية القضائية مع هؤلاء أهميّة خاصة؛ إذ إنها تحسم ما إذا كان المجلس سيوفر غطاءً قانونياً لهذه الإجراءات أم لا، علماً بأن قراره سيرتب نتائج محددة أياً كانت طبيعته، وأوضح المصدر القضائي لـ«الشرق الأوسط»، أن مجلس القضاء الذي يلتئم قبل ظهر اليوم «سيستهلّ لقاءاته بالمدعية العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون، لسؤالها عن دوافع مداهمتها الأسبوع الماضي لمبنى مصرف لبنان ومحاولة توقيف حاكمه رياض سلامة تنفيذاً لبلاغ بحث وتحرٍ أصدرته بحقّه، وسبب إصرارها على ذلك بما يتخطّى صلاحياتها المكانية ومن دون تنسيق مسبق مع النائب العام الاستئنافي في بيروت»، مشيراً إلى أن الاستماع إلى غادة عون «سيستتبع بلقاء مع المحامي العام الاستئنافي في بيروت القاضي رجا حاموش، الذي أحبط مهمّتها، ودعاها إلى مغادرة مصرف لبنان فوراً».
ويتوقّع أن يتخذ هذا الملفّ حيزاً واسعاً من النقاش، وكمّاً من الأسئلة التي سيطرحها عبود على القاضيين، وأفاد المصدر، بأن مجلس القضاء «سيثير مع عون كيفية مداهمة مقر مصرف لبنان وتنفيذ مهمّة خارج نطاقها القانوني ومن دون تنسيق مسبق مع النائب العام في بيروت الذي يقع المصرف المركزي تحت سلطته المكانية، في حين يدافع القاضي رجا حاموش عن قراره بمنعها من تنفيذ مهمّة خارج نطاقها». وسيتمسّك حاموش وفق تقدير المصدر القضائي بموقفه وسيدافع عن قراره باعتبار أنه «ليس من صلاحية المدعي العام تنفيذ مذكرة بلاغ البحث والتحري، بل هي من اختصاص الأجهزة الأمنية، كما أن القاضية المذكورة أصرّت على مداهمة مؤسسة رسمية في سابقة غير معهودة بتاريخ لبنان، وعلى فرض أن خطوتها قانونية، فهي لم تطلب إذناً من مدعي عام بيروت، وهذا ما شكّل تجاوزاً لمهامها وتعدياً على صلاحيات نيابة عامة أخرى لها دورها وقرارها».
ويفترض أن يكون اللقاء الآخر مع النائب العام الاستئنافي في بيروت القاضي زياد أبو حيدر، وعلمت «الشرق الأوسط»، من مصادر متابعة، أن «خلفية استدعائه تنطلق من إحالة النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات ملفّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عليه، وعدم اتخاذ قرار حتى الآن بما إذا كان سيدعي على سلامة بجرائم (التزوير واستعمال المزور والإثراء غير المشروع والاختلاس، وغيرها)، أو يحفظ الملفّ»، لافتاً إلى أن هذا الملفّ «قيد المتابعة داخلياً وخارجياً، وبالتالي على القاضي المعني (أبو حيدر)، أن يتخذ قراراً إما بالادعاء وإحالة القضية على قاضي التحقيق الأول في بيروت، وإما حفظ الملف على أن يبرر أسباب حفظه».
وتجمع الأوساط القضائية على أن الجلسة الأطول ستكون مع مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي، حيث يطلع مجلس القضاء منه على تطورات ملاحقة المطران موسى الحاج، النائب البطريركي وراعي أبرشية القدس وحيفا بشبهة «مخالفة قانون مقاطعة إسرائيل ومساعدة عملاء على نقل أموال من إسرائيل إلى لبنان والتدخل بجرم تبييض الأموال».
وكانت الأجهزة الأمنية أوقفت منتصف الأسبوع الماضي المطران الحاج عند معبر الناقورة (جنوب لبنان) لدى عودته من الأراضي الفلسطينية المحتلّة، حيث كان في زيارة رعوية، وضبطت بحوزته مبلغاً مالياً كبيراً وأدوية عبارة عن مساعدات اجتماعية من لبنانيين لاجئين في إسرائيل إلى ذويهم في لبنان». وبحسب المصدر القضائي، فإن القاضي عقيقي «سيشرح حيثيات هذا الملفّ ويطلع مجلس القضاء على حيّز من المعلومات المتوفرة لديه والتي يمكن البوح بها، في حين يبقي على معلومات سريّة طي الكتمان طالما أن التحقيق الأولي سرّي ولم يُستكمل بعد».
وتسبب ملفّ المطران الحاج بأزمة سياسية - قضائية مع البطريرك الماروني بشارة الراعي، الذي شنّ حملة عنيفة خلال العظة التي ألقاها يوم الأحد في مقره الصيفي في الديمان (شمال لبنان)، ورفض فيها اتهام الكنيسة بالعمالة لإسرائيل. وتوجّه إلى المرجعيات السياسية والقضائية قائلاً «من غير المقبول أن يخضع أسقف لتوقيف وتفتيش من دون الرجوع إلى البطريركية ونرفض هذه التصرفات البوليسية ذات الأبعاد السياسية». وأضاف «ابحثوا عن العملاء في مكان آخر؛ فأنتم تعرفون من هم وأين هم (غامزاً من قناة «حزب الله» وتبعيته لإيران)».
وفي حين يتمسّك مفوّض الحكومة القاضي فادي عقيقي بإجراءاته ضدّ المطران الحاج، ويرفض تلبية طلب البطريرك الراعي بإعادة الأموال المصادرة من المطران والمقدرة بـ460 ألف دولار أميركي، أكدت المصادر، أن عقيقي «سيسلم مجلس القضاء تقريراً سبق وسلّمه للنائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، الذي أودع وزير العدل هنري خوري نسخة عنه، ويبرر فيه إجراءاته التي تندرج في سياق القوانين المرعية الإجراء».
ورغم أهمية هذا الاستدعاء ومحاولة الإمساك بهذه الملفات، أوضح مصدر مقرّب من مجلس القضاء الأعلى لـ«الشرق الأوسط»، أن المجلس «يحرص على الإحاطة بالقضايا التي أثارت بلبلة في الأوساط القضائية نتيجة قرارات معيّنة»، لكنه لفت إلى أن المجلس «ليس هيئة تأديبية، إنما بحكم مرجعيته ودوره، سيحرص على تقويم أي اعوجاج وعلى حسن سير العمل القضائي بما يحفظ للعدالة مكانتها وسمعتها».


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

كردستان يرد على صهر صدام: إيران لم تقصف حلبجة بالكيماوي

معرض عن ذكرى قصف حلبجة بالسلاح الكيماوي عام 1988 (أ.ف.ب)
معرض عن ذكرى قصف حلبجة بالسلاح الكيماوي عام 1988 (أ.ف.ب)
TT

كردستان يرد على صهر صدام: إيران لم تقصف حلبجة بالكيماوي

معرض عن ذكرى قصف حلبجة بالسلاح الكيماوي عام 1988 (أ.ف.ب)
معرض عن ذكرى قصف حلبجة بالسلاح الكيماوي عام 1988 (أ.ف.ب)

تفاعلت أوساط عراقية مع المقابلة التي أجرتها «الشرق الأوسط» مع جمال مصطفى، صهر الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وسكرتيره الثاني.

وردّاً على قوله إن إيران قصفت مدينة حلبجة (شمال العراق) بالسلاح الكيماوي نهاية الثمانينات، أصدرت حكومة إقليم كردستان بيان تكذيب، شدّدت فيه على أن «ما قاله صهر الديكتاتور العراقي السابق (صدام حسين) ملفق، وعارٍ عن الصحة».

رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني (إعلام حكومي)

وجاء في بيان لمكتب رئيس حكومة كردستان، مسرور بارزاني، أنه «في مقابلة مع صحيفة (الشرق الأوسط) أطلق شخص يُدعى جمال مصطفى التكريتي، صهر الديكتاتور العراقي السابق، ادعاءً يُنكر فيه الهجوم الكيماوي الذي اقترفه النظام البعثي السابق على حلبجة، وتمادى في ادعائه، ناسباً تصريحاً باطلاً لرئيس حكومة إقليم كردستان، مسرور بارزاني، بأن (طائرتين إيرانيتين قصفتا حلبجة)».

وقال مكتب بارزاني: «إن رئيس حكومة الإقليم لم يسبق أن أدلى بمثل هذا التصريح»، وشدد البيان على أن «مرتكبي الهجوم الكيماوي على حلبجة هو النظام العراقي السابق نفسه، وكل الأدلة تُثبت قطعاً أنه مَن اقترف هذه الجريمة».

وكان جمال مصطفى قد قال في المقابلة التي أجراها مع رئيس تحرير «الشرق الأوسط»، غسان شربل، إن «إيران هي مَن قصفت حلبجة»، والشاهد على ذلك قبل فترة غير بعيدة، مسرور بارزاني، رئيس وزراء كردستان الذي أعلن «أن طائرتين إيرانيتين قصفتا حلبجة قبل دخول الإيرانيين إليها».

وتعرضت حلبجة في 16 مارس (آذار) 1988، إلى القصف بالأسلحة الكيماوية، ما أدى إلى مقتل أكثر من 5 آلاف من مواطنيها، وإصابة ضعف هذا العدد، كثير منهم يعاني حتى اليوم من تأثيرات الغازات السامة، وفقاً لمؤسسات حكومية ومدنية في كردستان.

وفي يناير (كانون الثاني) 2010 حُكم بالإعدام على علي حسن المجيد، الملقب بـ«علي الكيماوي»، ابن عم صدام حسين، ونفذ فيه الحكم لمسؤوليته عن «مجزرة» حلبجة.

جمال مصطفى مع رئيس التحرير غسان شربل خلال المقابلة

وتفاعل مدونون في مواقع التواصل الاجتماعي مع تصريحات صهر صدام عن زعيم حزب «السيادة»، خميس الخنجر.

وقال مصطفى، إن المحققين (خلال فترة احتجازه) حاولوا تلفيق تهمة، مفادها أنه «أعطى قبل الاحتلال، خميس الخنجر، مائتين وخمسين مليون دولار، وقالوا له: إذا لم تعترف بذلك ستبقى في السجن طيلة عمرك».

وأكد صهر صدام، أن هذا «الادعاء لا أساس له من الصحة، رغم أنه كان على علاقة بالخنجر» بحكم «اهتمامه بملف العشائر».

واستعاد مدونون الجدل حول محاكمة أركان النظام السابق، في حين شكك عدد منهم في تصريحات جمال مصطفى حول تلك الحقبة.

وجمال مصطفى التكريتي، ضابط برتبة مقدم في الجيش العراقي، وعُيّن في جهاز حماية صدام، ومسؤول عن ملف شؤون القبائل والعشائر، وهو زوج «حلا»، الابنة الصغرى لصدام حسين.