«البدَّاعة»... حارسة الغناء الشعبي الفلسطيني

«البدَّاعة»... حارسة الغناء الشعبي الفلسطيني
TT

«البدَّاعة»... حارسة الغناء الشعبي الفلسطيني

«البدَّاعة»... حارسة الغناء الشعبي الفلسطيني

يحتفي كتاب «البدَّاعة الفلسطينية» الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ضمن سلسلة «الثقافة الشعبية» برافد مهم من روافد الفنون الشعبية الفلسطينية لا سيما ما يتعلق بتراث الأعراس وتقاليد البهجة الموروثة عبر مئات السنين. لكن من هي البداعة؟ تجيب مؤلفة الكتاب نضال فخري بأنها في التعريف المباشر المبسط من «تبدع» القول في الأعراس، والحقيقة أنها حارسة التراث وحافظة سر البهجة، إنها شاعرة بالفطرة، تمتلك أسلوبا ارتجاليا مميزا، فهي من تعرف الأغنية التي تتماشى مع كل مناسبة وتقوم بقيادة تجمعات النسوة لدى أدائها.
يضم الكتاب دراسة ميدانية تلقي الضوء على أنماط الغناء الشعبي في فلسطين على لسان ما تبقى من «البدَّاعات» من الجدات، واستكشاف الأهازيج المتداولة في مناسبات عدة أهمها العرس بكل مراحله بدءاً من التقاء الفتيان والفتيات عند بئر الماء أو العين مرورا بالطلبة، الكسوة، الخطبة، الحنة، الفاردة، حمام العريس، الزفة، وانتهاء بطلعة العروس.
وتضمنت الدراسة زيارات متعددة للمدن الفلسطينية بمساعدة البلديات والمجالس القروية والمراكز النسوية، ولقاءات بمن تبقى على قيد الحياة من «البدَّاعات» وتسجيل وتوثيق ما تجود وتزخر به ألسنتهن، آخذة بعين الاعتبار تنوع مواقع القرى الجغرافي في المحافظات الفلسطينية المختلفة. وحطت المؤلفة الرحال أولا في مدينة بيت لحم فكانت الزيارة الأولى لثلاث «بدَّاعات» مسيحيات من بيت ساحور جدن بفيض من الأغاني التراثية الجميلة أما المحطة الثانية فكانت مدينة القدس، فيما شكلت مدينة رام الله المحطة الثالثة ثم جاءت المحطة الرابعة في جنين أما المحطة الخامسة فكانت مدينة طولكرم.
وتوضح المؤلفة أن أجمل ما في هذه الرحلة رائحة خبز الطابون المنبعثة صباحا، فالبدّاعة الفلسطينية الجدة هي امرأة منتصبة القامة في معظم الأحوال وأم قائدة في بيتها محركة لكل شؤونه، تخبز رغم كبر سنها وقد تكون ابنة لبدَّاعة أو أختا لزجال وحداء، وتتمتع بملكة وموهبة حباها بهما الله، وتتخذ في قريتها مكانة رفيعة فهي كالشاعرة في قومها وهي مثقفة وتلقب بـ«القوَّالة»، وتفخر بأهلها حتى إذا سألتها عن نفسها فتقول أنا فلانة ابنة فلان ثم زوجة فلان الفلاني.
غالبا ما تكون المرأة البدّاعة الجدة أرملة فقد تزوجت وهي في سن صغيرة جدا ومات زوجها الذي يكبرها بسنوات عديدة فقست عليها الأيام وحملتها أحمالا تنوء بحملها الجبال، فزرعت ثم حملت على رأسها ما جنته يداها مع ساعات الصباح الأولى. وهكذا تحصل على قوت عيالها فتربي وتعلم وتصنع أجيال المستقبل وعلى وجهها ترتسم تجاعيد الإرهاق والعمل المضني قبل تجاعيد الزمن، وإذا ما لمست يديها وجدتها خشنة قاسية قساوة أيامها. وقد تكون البداعة الجدة من عائلة موفورة فتهتم بتربية البهائم وتحصد، ثم تجدها تقوم بما لا تزال تقوم به الحاجة «صبحة» من كفر مالك من متابعة لشجر الزيتون الذي ضمنته لأقربائها ولكنها تقوم بمراقبتهم حتى تضمن أنهم لن يجدوه بالعصي.
والبداعة في قواميس اللغة هي من بدع الشيء، ابتدعه وأنشأه وبدأه. وفي الثقافة الشعبية هي المرأة التي تجود في الأعراس بما لديها من مخزون اكتسبته من ماضٍ عريق حملته الجدات جيلا بعد جيل ثم تضيف عليه من ذوق ترسخ مع الأيام، إنها القائدة الملهمة التي لا ينجح العرس إلا بوجودها ولدورها قيمة لا تضاهى فهي الحامية للتراث وعن طريقها يظل حيا يسلم لأجيال تليها.
والغناء الشعبي هو غناء جماعي ترددي تبادلي ما بين مجموعة وأخرى، يعاد فيه اللحن القديم المتوارث من الجدات وقد تضيف إليه البدّاعة بعض الكلمات الجديدة، يعطيه التكرار حلاوة الغناء الطربي وتتشابه الأغاني التراثية في فلسطين مع الأغاني في الأقطار العربية في بعض ألوان الغناء مثل «على ده العونا» و«ظريف الطول» و«يأماه مويل الهوى».
ويعد الالتقاء عند عين القرية أو بئر الماء إحدى المناسبات الرومانسية التي تمهد للحب ثم الخطبة فالعرس. وقد اهتمت أغاني التراث الفلسطيني بها حيث كانت العين أو بئر الماء والتي تبعد عن القرية قليلا متوارية بعض الشيء عن أعين الناس، ملتقى للشباب والشابات الأحبة والعشاق ومن يبحثون عن عروس المستقبل.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

فيلم «الحريفة 2» يراهن على نجاح الجزء الأول بشباك التذاكر

جانب من العرض الخاص للفيلم بالقاهرة (الشركة المنتجة)
جانب من العرض الخاص للفيلم بالقاهرة (الشركة المنتجة)
TT

فيلم «الحريفة 2» يراهن على نجاح الجزء الأول بشباك التذاكر

جانب من العرض الخاص للفيلم بالقاهرة (الشركة المنتجة)
جانب من العرض الخاص للفيلم بالقاهرة (الشركة المنتجة)

استقبلت دور العرض السينمائية في مصر فيلم «الحريفة 2: الريمونتادا» ليسجل الفيلم سابقة تاريخية بالسينما المصرية؛ لكونه أول فيلم مصري يعرض جزأين في الصالات السينمائية خلال عام واحد، بعدما طرح جزأه الأول مطلع العام الجاري، وحقق إيرادات كبيرة تجاوزت 78 مليون جنيه (الدولار يساوي 49.75 جنيه مصري في البنوك) بدور العرض.

واحتفل صناع الجزء الثاني من الفيلم بإقامة عرض خاص في القاهرة مساء (الثلاثاء)، قبل أن يغادروا لمشاهدة الفيلم مع الجمهور السعودي في جدة مساء (الأربعاء).

الجزء الثاني الذي يخوض من خلاله المونتير كريم سعد تجربته الإخراجية الأولى كتبه إياد صالح، ويقوم ببطولته فريق عمل الجزء الأول نفسه، نور النبوي، وأحمد بحر (كزبرة)، ونور إيهاب، وأحمد غزي، وخالد الذهبي.

إياد صالح ونور النبوي في العرض الخاص لفيلم «الحريفة 2» (الشركة المنتجة)

تنطلق أحداث الجزء الثاني من الفيلم حول العلاقة بين فرقة «الحريفة» مع انتقالهم من المدرسة الثانوية إلى الجامعة وحصولهم على منحة دعم للدراسة في فرع إحدى الجامعات الأجنبية بمصر، بالإضافة لشراكتهم سوياً في امتلاك وإدارة ملعب لكرة القدم بمبلغ المليون جنيه الذي حصلوا عليه بعد فوزهم بالبطولة في نهاية الجزء الأول.

وعلى مدار نحو ساعتين، نشاهد علاقات متشابكة ومواقف متعددة يتعرض لها الأبطال في حياتهم الجديدة، ما بين قصص حب ومواقف صدام في الجامعة؛ نتيجة تباين خلفياتهم الاجتماعية عن زملائهم، بالإضافة إلى الخلافات التي تنشأ بينهم لأسباب مختلفة، مع سعي كل منهما لتحقيق حلمه.

وفيما يواجه ماجد (نور النبوي) مشكلة تعيق حلمه بالاحتراف في الخارج بعدما يقترب من الخطوة، يظهر العديد من المشاهير في الأحداث بشخصياتهم الحقيقية أو كضيوف شرف بأدوار مؤثرة في الأحداث، منهم آسر ياسين الذي ظهر بشخصية رئيس الجامعة، وأحمد فهمي الذي ظهر ضيف شرف باسمه الحقيقي مع فريق الكرة الخماسية الذي يلعب معه باستمرار في الحقيقة، ومنهم منتج العمل طارق الجنايني.

إياد صالح مع أبطال الفيلم في الكواليس (الشرق الأوسط)

يقول مؤلف الفيلم إياد صالح لـ«الشرق الأوسط» إنهم عملوا على الجزء الجديد بعد أول أسبوع من طرح الفيلم بالصالات السينمائية لنحو 11 شهراً تقريباً ما بين تحضير وكتابة وتصوير، فيما ساعدهم عدم وجود ارتباطات لدى الممثلين على سرعة إنجاز الجزء الثاني وخروجه للنور، مشيراً إلى أن «شخصيات ضيوف الشرف لم يفكر في أبطالها إلا بعد الانتهاء من كتابة العمل».

وأضاف أنه «حرص على استكمال فكرة الفيلم التي تعتمد على إبراز أهمية الرياضة في المرحلة العمرية للأبطال، بالإضافة لأهمية الأصدقاء والأسرة ودورهما في المساعدة على تجاوز الصعوبات»، مشيراً إلى أن «إسناد مهمة إخراج الجزء الثاني للمخرج كريم سعد الذي عمل على مونتاج الجزء الأول جعل صناع العمل لا يشعرون بالقلق؛ لكونه شارك بصناعة الجزء الأول، ولديه فكرة كاملة عن صناعة العمل».

من جهته، يرى الناقد المصري محمد عبد الرحمن أن «الجزء الجديد جاء أقل في المستوى الفني من الجزء الأول، رغم سقف التوقعات المرتفع»، ورغم ذلك يقول إن «العمل لم يفقد جاذبيته الجماهيرية في ظل وجود اهتمام بمشاهدته ومتابعة رحلة أبطاله».

إياد صالح مؤلف الفيلم مع عدد من أبطاله (الشركة المنتجة)

وأضاف عبد الرحمن في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «الأحداث شهدت محاولات لمد الدراما من أجل إتاحة الفرصة لاستكمال الفريق نفسه المشوار سوياً، مما أظهر بعض السياقات التي لم تكن مقنعة درامياً خلال الأحداث، وبشكل ترك أثراً على الاستفادة من وجود أسماء عدة ضيوف شرف».

ويدافع إياد صالح عن التغيرات التي طرأت على الأحداث باعتبارها نتيجة طبيعية لانتقال الأبطال من مرحلة الدراسة الثانوية إلى مرحلة الجامعة، بالإضافة إلى انتهاء التعريف بالأشخاص وخلفياتهم التي جاءت في الجزء الأول، وظهورهم جميعاً من أول مشهد في الجزء الثاني، لافتاً إلى أن «فكرة الجزء الثاني كانت موجودة من قبل عرض الفيلم».

وأوضح في ختام حديثه أن لديه أفكاراً يمكن أن تجعل هناك أجزاء جديدة من الفيلم ولا يتوقف عند الجزء الثاني فحسب، لكن الأمر سيكون رهن عدة اعتبارات، من بينها رد الفعل الجماهيري، واستقبال الجزء الثاني، والظروف الإنتاجية، ومدى إمكانية تنفيذ جزء جديد قريباً في ظل ارتباطات الممثلين، وغيرها من الأمور، مؤكداً أن «اهتمامه في الوقت الحالي يتركز على متابعة ردود الفعل».