عودة التوتر بين اللبنانيين والسوريين في «صراع على الخبز»

صف طويل لشراء الخبز أمام أحد الأفران في بيروت قبل أيام (إ.ب.أ)
صف طويل لشراء الخبز أمام أحد الأفران في بيروت قبل أيام (إ.ب.أ)
TT

عودة التوتر بين اللبنانيين والسوريين في «صراع على الخبز»

صف طويل لشراء الخبز أمام أحد الأفران في بيروت قبل أيام (إ.ب.أ)
صف طويل لشراء الخبز أمام أحد الأفران في بيروت قبل أيام (إ.ب.أ)

مع تفاقم الأزمات التي يرزح تحتها اللبنانيون نتيجة استفحال الأزمتين المالية والاقتصادية، عاد التوتر ليطبع العلاقة بين المجتمعين اللبناني المضيف والسوري النازح، نتيجة الصراع على مقومات العيش من خبز ودواء ومحروقات، كما على الخدمات وفرص العمل.
ولعل ما زاد من حدة التوتر مؤخراً خروج رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي، قبل شهر تقريباً، ليهدد علناً بتطبيق القانون بحزم حيال النازحين (ما يعني طردهم)، في حال لم يتعاون المجتمع الدولي لتأمين عودتهم إلى سوريا.
ويصطف اللبنانيون منذ أكثر من شهر في طوابير أمام الأفران للحصول على ربطة خبز، في ظل عدم توفر مادة الطحين بكميات كبيرة، كما في السابق، لأسباب متعددة أبرزها استمرار الحكومة بدعم الطحين لصناعة الخبز، في ظل تراجع الاحتياطي بالدولار لدى مصرف لبنان، ما يؤدي إلى تقنين بفتح اعتمادات مالية للبواخر القادمة من الخارج، إضافة لنشاط عمليات التهريب والسوق السوداء. وحسب حديث سابق لوزير الاقتصاد، فإن 400 ألف ربطة خبز تذهب يومياً للنازحين السوريين، وأن 75 في المائة من الذين يصطفون في الطوابير أمام الأفران هم من النازحين. وقد سُجل نتيجة هذا الواقع أكثر من إشكال بين اللبنانيين أنفسهم للحصول على الخبز، كما بين السوريين واللبنانيين.
وتعد المشرفة العامة على خطة لبنان للاستجابة للأزمة د. علا بطرس، أن «التنافس على الوظائف وفرص العمل يشكل سبباً رئيسياً للتوترات بين المجتمع النازح والمجتمع المضيف، خصوصاً في القطاعات الخدماتية والتجارية، التي كانت تستقطب العمالة اللبنانية في السابق بشكل كبير»، لافتة إلى أن «حجم النزوح السوري كبير، باعتبار أن النازحين موجودون في أكثر من 97 في المائة من البلديات، أي في كل لبنان تقريباً، يسبب ضغطاً على نظم المياه والخدمات والكهرباء والصرف الصحي وإدارة النفايات الصلبية، مع العلم أن البنية التحتية كانت سيئة قبل أزمة النزوح التي فاقمتها». وتضيف بطرس لـ«الشرق الأوسط»: «أما انفجار مرفأ بيروت فقد أثر على مخزون القمح الاستراتيجي للبنان الذي خسره جراء ذلك، وجاءت الأزمة الأوكرانية لتفاقم أزمات القطاع الأمن الغذائي نتيجة الندرة في الحصول على الطحين، وضمنا الخبز الذي يعتبر القوت اليومي لكافة السكان في لبنان، لا سيما النازحين»، لافتة إلى «تسجيل بعض الحالات، حيث يعمد بعض من السوريين إلى شراء الخبز بهدف المتاجرة به، ما اعتبر بمثابة صراع على لقمة العيش».
ويحمل المسؤولون اللبنانيون، النازحين السوريين، جزءاً من أزمة الكهرباء، كما مؤخراً أزمة المياه. وطالب لبنان الغارق في أسوأ أزماته الاقتصادية بـ3.2 مليارات دولار لمعالجة تداعيات اللجوء السوري، حسب الأمم المتحدة، التي قالت إنها سبق وقدمت 9 مليارات دولار من المساعدات منذ 2015.
ويستعد وزير شؤون المهجرين في حكومة تصريف الأعمال في لبنان عصام شرف الدين، لزيارة دمشق ولقاءِ مسؤولين من النظام السوري بتكليفٍ رسميٍّ من السلطات اللبنانية لبحثِ خطة لعودة اللاجئين السوريين، تقوم على إعادة 15 ألف لاجئ سوري شهرياً. وحسب معلومات «الشرق الأوسط»، ينتظر شرف الدين تحديد دمشق موعداً له لإنجاز هذه الزيارة.
ووفقاً للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن هناك 839.788 لاجئاً سورياً مسجلين لديها في لبنان، فيما تؤكد السلطات اللبنانية أن العدد الإجمالي للنازحين السوريين يفوق المليون ونصف المليون.
وتؤكد دلال حرب، الناطقة الرسمية باسم المفوضية، أن «معظم اللاجئين السوريين يأملون في العودة إلى سوريا، لكن اتخاذهم لقرار العودة أو عدمها يعتمد على مجموعة من العوامل كالسلامة والأمن، السكن، توفر الخدمات الأساسية وسبل العيش»، لافتة في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «المفوضية في لبنان حالياً ليست جزءاً من أي مفاوضات ثلاثية بشأن العودة، أو أي نوع من التخطيط لعودة اللاجئين». وتضيف: «في حين تواصل المفوضية دعوة الحكومة اللبنانية إلى احترام الحق الأساسي لجميع اللاجئين في العودة الطوعية والآمنة والكريمة، ومبدأ عدم الإعادة القسرية، يأمل معظم هؤلاء بالعودة إلى سوريا يوماً ما، ولكن إلى أن تتم معالجة العوامل التي تحول دون عودة اللاجئين، يبقى من الضروري ضمان استمرار سلامتهم وحمايتهم في لبنان».
ويعتبر كثيرون أن تصعيد لبنان بملف النازحين سيبقى دون نتيجة طالما لا قرار دولي بإعادتهم إلى ديارهم. ومؤخراً قال مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم، إنه «لا نية للمجتمع الدولي لإعادة النازحين السوريين إلى بلادهم، وهناك دول كبرى تعرقل عودتهم بحجج عديدة». وكشف إبراهيم أنه قدم «عرضاً للدول الأممية يقضي بتأمين عودة آمنة للنازحين بعدما حصلنا على ضمانة القيادة السورية، ولكن تم رفضه، لأنه لا إرادة دولية لعودتهم في المدى القريب».
وخلال استقباله الأسبوع الماضي نائبة المبعوث الخاص إلى سوريا نجاة رشدي، أكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، رفضه لما صدر عن بعض الدول حول توجه لدمج النازحين السوريين في المجتمعات التي تستضيفهم، ولفت إلى أن لبنان لا يمكنه القبول بمثل هذه الخطوة، وإلى أن على الدول الأوروبية أن تعي هذه الحقيقة وتتصرف على هذا الأساس.


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

الجيش السوري يعترف بدخول الفصائل المسلحة حلب... ويعلن مقتل عشرات الجنود

دبابة مدمَّرة للجيش السوري في قرية عنجارة على مشارف حلب في 29 نوفمبر (أ.ب)
دبابة مدمَّرة للجيش السوري في قرية عنجارة على مشارف حلب في 29 نوفمبر (أ.ب)
TT

الجيش السوري يعترف بدخول الفصائل المسلحة حلب... ويعلن مقتل عشرات الجنود

دبابة مدمَّرة للجيش السوري في قرية عنجارة على مشارف حلب في 29 نوفمبر (أ.ب)
دبابة مدمَّرة للجيش السوري في قرية عنجارة على مشارف حلب في 29 نوفمبر (أ.ب)

أعلن الجيش السوري، اليوم (السبت) في بيان، أن العشرات من جنوده قُتلوا في هجوم للمعارضة بشمال غربي البلاد، وأن الفصائل السورية المسلحة تمكّنت من دخول أجزاء واسعة من أحياء مدينة حلب؛ ما اضطر الجيش إلى إعادة الانتشار.

ويشكِّل البيان أول اعتراف علني من الجيش بدخول الفصائل السورية بقيادة «هيئة تحرير الشام» مدينة حلب، التي تسيطر عليها الحكومة، في هجوم مباغت بدأ الأسبوع الماضي.

وقال الجيش في البيان: «إن الأعداد الكبيرة للإرهابيين، وتعدد جبهات الاشتباك، دفعا بقواتنا المسلحة إلى تنفيذ عملية إعادة انتشار هدفها تدعيم خطوط الدفاع؛ بغية امتصاص الهجوم، والمحافظة على أرواح المدنيين والجنود، والتحضير لهجوم مضاد».

ويمثل الهجوم الذي قادته «هيئة تحرير الشام» أكبر تحدٍ منذ سنوات للرئيس بشار الأسد، إذ يجدِّد المواجهات في الحرب الأهلية السورية التي توقفت إلى حد كبير منذ عام 2020.

وذكر بيان الجيش السوري أن قوات المعارضة لم تتمكَّن من «تثبيت نقاط تمركز... بفعل استمرار توجيه قواتنا المسلحة لضربات مركزة وقوية».

وقال مصدران عسكريان، في وقت سابق، إن طائرات حربية روسية وسورية استهدفت معارضين بمدينة حلب اليوم.

ونشرت روسيا قوات جوية في سوريا في 2015؛ لمساعدة الأسد في الحرب الأهلية السورية التي اندلعت في 2011.

وشنَّت فصائل المعارضة المسلحة هجوماً مفاجئاً عبر قرى وبلدات تسيطر عليها الحكومة قبل أيام، ووصلت إلى حلب بعد نحو 10 سنوات من إخراج القوات السورية، المدعومة من روسيا وإيران، الفصائل المسلحة من المدينة.

وقال ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين أمس (الجمعة)، إن روسيا تعدّ الهجوم انتهاكاً لسيادة سوريا.

وأضاف: «نؤيد إعادة السلطات السورية النظام إلى المنطقة، والعودة إلى النظام الدستوري بأسرع ما يمكن».