سوريا والمغرب و«التطبيع»... تحديات على أجندة القمة العربية

في ظل غياب التوافق حول عودة دمشق

القادة العرب خلال مشاركتهم في آخر قمة عربية بتونس 2019 (رئاسة الجمهورية المصرية)
القادة العرب خلال مشاركتهم في آخر قمة عربية بتونس 2019 (رئاسة الجمهورية المصرية)
TT

سوريا والمغرب و«التطبيع»... تحديات على أجندة القمة العربية

القادة العرب خلال مشاركتهم في آخر قمة عربية بتونس 2019 (رئاسة الجمهورية المصرية)
القادة العرب خلال مشاركتهم في آخر قمة عربية بتونس 2019 (رئاسة الجمهورية المصرية)

بينما تتواصل الجهود الدبلوماسية لعقد جلسات الدورة الـ31 لاجتماع مجلس الجامعة العربية على مستوى القمة في الجزائر، مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، يبدو أن الوصول إلى توافق عربي حول بعض القضايا الخلافية بات يشكل تحدياً رئيسياً على أجندة القادة العرب الذين لم يجتمعوا على مستوى القمة في إطار الجامعة العربية منذ 3 سنوات، بسبب تداعيات جائحة «كوفيد-19»، وكانت آخر قمة عربية في تونس في عام 2019.
المسألة لا تتعلق فقط بقضايا من المفترض طرحها على أجندة اجتماعات القمة العربية المقبلة؛ بل بمسائل ينبغي التوصل لحل بشأنها قبل انعقاد القمة، وأهمها مسألة عودة سوريا إلى الجامعة؛ حيث تصر الجزائر، بصفتها الدولة المضيفة، على دعوة دمشق، وهو ما أكده عبد الحميد عبداوي، المدير العام للاتصال والإعلام بوزارة الخارجية الجزائرية، في تصريحات صحافية، الأحد، بقوله إن بلاده «ستطرح مجدداً دعوة سوريا إلى المشاركة في القمة العربية المقبلة، خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة، المقرر في شهر سبتمبر (أيلول) المقبل».
في المقابل، قال السفير حسام زكي، الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، في تصريحات تلفزيونية، إنه «لا يوجد وقت محدد يمكن إعلانه عن عودة سوريا للجامعة العربية؛ حيث إنه ليس أمراً بعيداً، ولكنه ليس قريباً أيضاً، فالأمر لم يحسم بعد، ولا يمكن تحديد إطار زمني له».
بدوره، أوضح المستشار جمال رشدي، المتحدث باسم الأمين العام لجامعة الدول العربية، لـ«الشرق الأوسط»، أن «الأمانة العامة لجامعة الدول العربية تتابع التفاعلات الخاصة بموضوع حضور سوريا للقمة المقبلة، وهو الأمر الذي يتطلب توافقاً عربياً»؛ مشيراً إلى أنه «حتى الآن لم يتحقق التوافق على الوجه المطلوب، فهناك دول ترحب بعودتها، وأطراف أخرى تحركت مواقفها قليلاً؛ لكن التوافق الكامل لم يحدث بعد».
وتعتبر «معضلة التوافق حول عودة سوريا إلى الجامعة العربية، إحدى أهم القضايا الخلافية الحالية»، بحسب الدكتور محمد عز العرب، رئيس «وحدة الدراسات العربية والإقليمية» بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الذي يوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «الشهور الماضية شهدت مشاورات مستمرة في هذا الإطار، وما زال التوافق بعيد المنال بين دول داعمة لعودتها ودول رافضة».
وعلقت الجامعة العربية عضوية سوريا في 16 نوفمبر عام 2011 «لحين التزام الحكومة السورية بتنفيذ تعهداتها لحل الأزمة في سوريا، وفقاً لخطة العمل العربية»، وعلى مدار السنوات الأخيرة، تمت إثارة قضية عودة سوريا لشغل مقعدها بالجامعة؛ لكن التصريحات الرسمية كانت دائماً تتحدث عن أن «الأمر مرتبط بإعادة النظر في أسباب تجميد عضويتها»، وتجدد الحديث عن الموضوع مع إصرار الجزائر على دعوة سوريا، وحديث بعض المراقبين الجزائريين، عن أن «السبب وراء تأجيل القمة العربية وعدم عقدها في موعدها في مارس (آذار) الماضي، يرجع إلى محاولة التوافق على عودة سوريا».
لكن رشدي يرفض هذا الطرح، ويقول إن أسباب التأجيل متعددة: «من بينها الظروف المعقدة المرتبطة بالجائحة. وسوريا ليست من بين أسباب التأجيل»، معرباً عن أمله في أن «يتم عقد القمة في موعدها؛ لأن عدم انعقادها لثلاث سنوات، سيكون له تأثير سلبي على المصالح العربية بشكل عام»، مشدداً على أن «هناك إصراراً على عقد القمة في موعدها، من كل الدول، بما في ذلك الجزائر؛ لأنها تأخرت كثيراً».
بدوره يؤكد محمد آدم المقراني، السياسي والحقوقي الجزائري، أن «سوريا تمثل نقطة محورية في قمة الجزائر، في ظل المساعي الأخيرة لبلاده للتوصل إلى توافق مع مختلف الدول الفاعلة في الجامعة العربية حول عودتها»، ويقول لـ«الشرق الأوسط»، إن بلاده «التي رفضت منذ البداية إقصاء سوريا، أكدت مؤخراً أنها تعتبر مشاركة دمشق أحد شروط تنظيم القمة».
بينما يوضح الدكتور سعيد عكاشة، الخبير بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، أن «موقف الجزائر من سوريا ليس مصادفة، فالجزائر تشعر بأن الدول العربية لم تنصرها، ومن ثم تستخدم سوريا لعرقلة القمة»، معرباً عن اعتقاده -في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»- بأنه ستتم مراجعة هذا الموقف قبيل القمة.
وفي سياق القمة المقبلة أيضاً، يبرز الخلاف بين المغرب والجزائر على السطح، في ظل قطع العلاقات بين البلدين منذ نهاية العام الماضي، وهو ما يثير التساؤلات حول إمكانية حضور المغرب من عدمه، ومستوى تمثيله في القمة المقبلة. يقول المستشار رشدي إن «الجامعة العربية تأمل ألا يكون للخلاف المؤسف بين المغرب والجزائر تداعيات سلبية على القمة بأي صورة، وخلال زيارة الأمين العام للجامعة العربية للجزائر الشهر الماضي، حصل على تطمينات من الدولة المضيفة، بأن الخلاف لن يؤثر على حضور المغرب للقمة».
وتظل القضية الفلسطينية قضية رئيسية على أجندة القمم العربية المختلفة، إضافة إلى القضايا المتعلقة بالأزمات والصراعات المستمرة داخل الدول العربية، مثل: اليمن، وسوريا، وليبيا، والتدخلات الأجنبية في الشؤون الداخلية، إضافة إلى القضايا المتعلقة بتأثير الأزمات الدولية، مثل الحرب الروسية- الأوكرانية، وتداعياتها على الأمن الغذائي والطاقة؛ حيث تجري مشاورات داخل أروقة الجامعة، لإعداد مشروعات تحقق الأمن الغذائي العربي.
ويعتبر المقراني قضية التطبيع مع إسرائيل «إحدى أبرز القضايا المطروحة على أجندة القمة العربية المقبلة؛ إذ أكدت الجزائر تمسكها بمحور الممانعة، ودعمها للفصائل الفلسطينية، في رفض لأي شكل من أشكال التطبيع، إضافة إلى قلق بلاده من موجة التطبيع الأخيرة التي طالت المغرب، مما أدى لقطع العلاقات الدبلوماسية معه»؛ لكن عكاشة يرى أن «ملف التطبيع تراجع نسبياً بعد زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن للمنطقة، لتعود القضية إلى نقطة الارتكاز الرئيسية، وهي التطبيع الكامل مقابل السلام الكامل، حتى فكرة (السلام الإبراهيمي) ما زالت محدودة، ولم يشارك فيها إلا عدد محدود من الدول». ويتفق معه عز العرب، مؤكداً أن «ملف التطبيع لم يعد ملفاً حاكماً، ويُترك لكل دولة أن تسير فيه وفقاً لإرادتها»، ويقول إن «هذا الموضوع خلافي بطبعه، ولا أعتقد أن الجامعة العربية ستدخل في مناقشة قضية خلافية بهذا الشكل».
بدوره، يقول رشدي إن «القمة هي فرصة جيدة لمناقشة مواقف عربية جماعية من القضايا المختلفة. القضية الفلسطينية وما يتعلق بالتطبيع يحتاجان إلى مناقشة شفافة وصريحة بين القادة العرب، يكون هدفها دعم المشروع الوطني الفلسطيني في ظل التطورات الحديثة».


مقالات ذات صلة

إردوغان: دمشق هدف فصائل المعارضة ونأمل استكمال مسيرتها دون مشكلات

المشرق العربي إردوغان متحدثاً عن التطورات في سوريا في إسطنبول الجمعة (إعلام تركي)

إردوغان: دمشق هدف فصائل المعارضة ونأمل استكمال مسيرتها دون مشكلات

قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إن إدلب وحماة وحمص أصبحت بيد فصائل المعارضة السورية، وإن هدف المعارضة بالطبع هو دمشق.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
خاص نازحون فروا من ريف حلب يركبون سيارة تحمل أمتعتهم بجوار إشارة طريق في حلب (رويترز)

خاص ما حدود الدعم العربي لسوريا بمواجهة الفصائل المسلحة؟

اتصالات عربية مع دمشق تتواصل بشأن التطورات الميدانية في شمال سوريا، كان أحدثها مناقشات وزيري الخارجية المصري بدر عبد العاطي ونظيره السوري بسام صباغ.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد جانب من اجتماع المجلس الوزاري العربي للكهرباء في القاهرة (الجامعة العربية)

«الجامعة العربية» تطلق «السوق المشتركة للكهرباء» لتعزيز الإمدادات وخفض التكاليف

بهدف تعزيز الإمدادات وخفض التكاليف، أطلقت جامعة الدول العربية، الاثنين، «السوق العربية المشتركة للكهرباء»، عبر اتفاقية وقعتها 11 دولة، بينها السعودية ومصر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (الخارجية التركية)

تركيا: استهداف إسرائيل لـ«حماس» و«حزب الله» غايته إجبار الفلسطينيين على الهجرة

أكدت تركيا أن هدف إسرائيل الرئيسي من ضرب حركة «حماس» في غزة و«حزب الله» في لبنان هو جعل الفلسطينيين غير قادرين على العيش في أرضهم وإجبارهم على الهجرة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية (الجامعة)

أبو الغيط: الموقف الأميركي «ضوء أخضر» لاستمرار «الحملة الدموية» الإسرائيلية

استنكر أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، الخميس، استخدام الولايات المتحدة «الفيتو» لعرقلة قرار بمجلس الأمن يطالب بوقف إطلاق النار في غزة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.