تشغيل معمل سكر بريف حماة يتسبب بكارثة بيئية في «العاصي»

النهر يعاني أيضاً من مياه الصرف الصحي ومخلفات المنشآت الصناعية

صورة معمل السكر في سلحب (صفحة رئاسة مجلس الوزراء السوري)
صورة معمل السكر في سلحب (صفحة رئاسة مجلس الوزراء السوري)
TT

تشغيل معمل سكر بريف حماة يتسبب بكارثة بيئية في «العاصي»

صورة معمل السكر في سلحب (صفحة رئاسة مجلس الوزراء السوري)
صورة معمل السكر في سلحب (صفحة رئاسة مجلس الوزراء السوري)

في خضم الاحتفاء الرسمي بعودة معمل السكر في تل سلحب في ريف حماة الغربي إلى الإنتاج بعد ثماني سنوات من التوقف، تواردت أنباء من منطقة سهل الغاب عن تسبب تشغيل المعمل بكارثة بيئية أدت إلى تلوث مياه نهر العاصي والتربة المحيطة بالمنطقة، جراء رمي المخلفات في مجرى النهر.
وأظهرت صور ومقاطع فيديو، نفوق أعداد كبيرة من الأسماك في نهر العاصي، وتحدثت مصادر فلاحية في منطقة الغاب عن انتشار رائحة كريهة لعدة كيلومترات، وقالت المصادر: عانت المنطقة ومنذ إنشاء المعمل من التلوث الناجم عن التخلص من مخلفات المعمل في مجرى نهر العاصي الذي يروي 70 في المائة من الأراضي الزراعية في المنطقة، وعندما توقف المعمل خلال سنوات الحرب عادت الأسماك لتعيش في النهر، إلا أن إعادة تشغيل المعمل دون دراسة لما سيتسبب به من تلوث وتدمير للبيئة، أضافت لجملة الكوارث البيئية التي ترزح تحتها البلاد، كارثة جديدة، علماً بأن الحلول بسيطة ويمكن تخفيف الأثر الكارثي بحلول بدائية، مثال استخدام نبات ينبت على ضفاف نهر العاصي، فهو من أهم الوسائل الآمنة بيئياً التي تستخدم لإنشاء فلاتر تمنع تلوث مياه الأنهار، وبالتالي التربة الزراعية في محيط النهر.
وعاد معمل سكر تل سلحب إلى الإنتاج الأسبوع الماضي، بعد توقف سنوات، وبعد خمس سنوات من توقيع المؤسسة العامة للسكر اتفاقية مع مجلس الأعمال السوري الإيراني، لإنشاء معمل خط تكرير سكر في شركة تل سلحب عبر الخط الائتماني الإيراني الثاني عام 2017.
وما أن أقلع الإنتاج حتى تكشفت جملة من المشكلات، منها بطء تسلم محاصيل الشوندر السكري من الفلاحين، في ظل ارتفاع درجات الحرارة التي تتلف الشوندر. وكشف مدير المؤسسة العامة للسكر سعد الدين العلي، في بيان صحافي، أن من أسباب البطء في تسلم المحاصيل «حدوث توقفات لبعض الآلات أثناء معايرتها ودخولها في العملية التصنيعية، خصوصاً ونحن نتحدث عن آلات توقفت منذ ثماني سنوات رغم صيانتها وتجريبها فإنها عند التحميل من الممكن أن يحدث توقف كهربائي أو ميكانيكي»، كما أثارت سياسة التسعير انتقادات الاقتصاديين لما تلحقه من خسارة تأتي على حساب المزارع، ناهيك عن الكارثة البيئية التي تحدث جراء إلقاء مخلفات المعمل في مجرى نهر العاصي.
ويتعرض نهر العاصي الذي ينبع من الأراضي اللبنانية، جنوباً، ويقطع عشرين كم داخل الأراضي السورية شمالاً، لتعديات بيئية كارثية ترافقه من المنبع حتى المصب، حيث تتخلص القرى الواقعة عليه من مياه الصرف الصحي في مجرى النهر، كما تصرف المنشآت الصناعية والصناعات المتوسطة الواقعة على النهر مخلفاتها الصناعية في مياه النهر، كمعمل الأسمدة ومصفاة حمص ومعمل سكر حمص ومعمل سكر سلحب وغيرها، والتي تفتقر جميعها إلى محطات معالجة، وإن وجدت تكون غير فعالة في الحد من تدمير البيئة.
وحذرت وسائل إعلام محلية يوم أمس من مصيبة كبيرة تحصل في سهل الغاب، وكتب الصحافي السوري معد عيسى مقالاً تداوله السوريون عبر صفحات التواصل الاجتماعي، قال فيه إن «معظم فلاحي سهل الغاب يسقون أراضيهم الزراعية من مجرى نهر العاصي، ولكن هذا المجرى أصبح ملوثاً اليوم ببقايا مياه معمل سكر سلحب، وعليه فإن المزروعات مهددة والخضراوات ملوثة بالإضافة إلى الرائحة الخانقة المنبعثة لعدة كيلومترات». وأضاف عيسى، أن «المصيبة لم تتوقف عند هذا الحد على حد تعبير المزارعين، فالمحصول خاسر، ومنهم من اضطر لبيع قسم منه علفاً لبعض مربي الثروة الحيوانية لتغطية الخسائر». كما نوه عيسى إلى مصيبة تحصل في حلب، وقال: «منذ أيام تمت إعادة إطلاق المياه في نهر قويق وهو لا شك مشروع حيوي لإرواء ٨٥٠٠ هكتار في سهول حلب الجنوبية بعد توقف لسنوات طويلة»، لكن ذلك تم دون إيجاد حل لمشكلة التلوث في منطقة الدباغات التي تلوث المياه والتي تم ضخها في نهر قويق والتي ستذهب لسهول حلب الجنوبية.
يذكر أن الحرب أسهمت إلى حد بعيد في تعميق الكوارث البيئية التي حولت سوريا إلى «أرض مسمومة» نتيجة تلوث التربة، وتقلص الأراضي الزراعية وارتفاع نسب تلوث الهواء، وتشير الأرقام المتداولة إلى أن سوريا فقدت 20.4 في المائة من الغطاء الشجري في الفترة بين أعوام 2012 و2019 جراء الحرائق في غابات اللاذقية وطرطوس وإدلب، وغيرها من المناطق الحراجية. وفي عام 2020 تسببت الحرائق في القضاء على ما يزيد على 9 آلاف هكتار من الأراضي الزراعية والغابات، كما تسبب تسرُّب 20 ألف طن من الفيول ومن مصفاة تكرير النفط في بانياس على الساحل السوري، العام الماضي، بتلوث مياه البحر ببقعة نفطية عملاقة تعادل مساحتها مدينة نيويورك الأميركية، بحسب ما أفادت تقارير إعلامية غربية.


مقالات ذات صلة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، إنَّه «لا يعلم ما إذا كانت سوريا ستعود إلى الجامعة العربية أم لا»، وإنَّه «لم يتسلَّم بصفته أميناً عاماً للجامعة أي خطابات تفيد بعقد اجتماع استثنائي لمناقشة الأمر».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

استهلَّ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أمس، زيارة لدمشق تدوم يومين بالإشادة بما وصفه «الانتصارات الكبيرة» التي حقَّقها حكم الرئيس بشار الأسد ضد معارضيه. وفي خطوة تكرّس التحالف التقليدي بين البلدين، وقّع رئيسي والأسد اتفاقاً «استراتيجياً» طويل الأمد. وزيارة رئيسي للعاصمة السورية هي الأولى لرئيس إيراني منذ عام 2010، عندما زارها الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، قبل شهور من بدء احتجاجات شعبية ضد النظام. وقال رئيسي، خلال محادثات موسَّعة مع الأسد، إنَّه يبارك «الانتصارات الكبيرة التي حققتموها (سوريا) حكومة وشعباً»، مضيفاً: «حقَّقتم الانتصار رغم التهديدات والعقوبات التي فرضت ضدكم».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
العالم العربي أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

استبقت تركيا انعقاد الاجتماع الرباعي لوزراء خارجيتها وروسيا وإيران وسوريا في موسكو في 10 مايو (أيار) الحالي في إطار تطبيع مسار العلاقات مع دمشق، بمطالبتها نظام الرئيس بشار الأسد بإعلان موقف واضح من حزب «العمال الكردستاني» والتنظيمات التابعة له والعودة الطوعية للاجئين والمضي في العملية السياسية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
العالم العربي درعا على موعد مع تسويات جديدة

درعا على موعد مع تسويات جديدة

أجرت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا (جنوب سوريا) اجتماعات عدة خلال الأيام القليلة الماضية، آخرها أول من أمس (الأربعاء)، في مقر الفرقة التاسعة العسكرية بمدينة الصنمين بريف درعا الشمالي، حضرها وجهاء ومخاتير ومفاوضون من المناطق الخاضعة لاتفاق التسوية سابقاً وقادة من اللواء الثامن المدعوم من قاعدة حميميم الأميركية. مصدر مقرب من لجان التفاوض بريف درعا الغربي قال لـ«الشرق الأوسط»: «قبل أيام دعت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا، ممثلةً بمسؤول جهاز الأمن العسكري في درعا، العميد لؤي العلي، ومحافظ درعا، لؤي خريطة، ومسؤول اللجنة الأمنية في درعا، اللواء مفيد حسن، عد

رياض الزين (درعا)
شمال افريقيا مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

أجرى وزير الخارجية المصري سامح شكري اتصالات هاتفية مع نظرائه في 6 دول عربية؛ للإعداد للاجتماع الاستثنائي لوزراء الخارجية العرب بشأن سوريا والسودان، المقرر عقده، يوم الأحد المقبل. وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، السفير أحمد أبو زيد، في إفادة رسمية، الخميس، إن شكري أجرى اتصالات هاتفية، على مدار يومي الأربعاء والخميس، مع كل من وزير خارجية السودان علي الصادق، ووزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان، ووزير خارجية العراق فؤاد محمد حسين، ووزير خارجية الجزائر أحمد عطاف، ووزير خارجية الأردن أيمن الصفدي، ووزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف. وأضاف أن «الاتصالات مع الوزراء العرب تأتي في إطار ا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
TT

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)

فرضت الجماعة الحوثية خلال الأيام الماضية إتاوات جديدة على مُلاك مناجم الحجارة وسائقي ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة في العاصمة المختطفة صنعاء ومدن أخرى؛ ما تَسَبَّبَ أخيراً في ارتفاع أسعارها، وإلحاق أضرار في قطاع البناء والتشييد، وزيادة الأعباء على السكان.

وذكرت مصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن قيادات حوثية تُدير شؤون هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لسيطرة الجماعة، فرضت زيادة سعرية مفاجئة على ناقلات الحصى تتراوح ما بين 300 و330 دولاراً (ما بين 160 ألفاً و175 ألف ريال) لكل ناقلة.

ووصل إجمالي السعر الذي يُضطر مُلاك مناجم الحجارة وسائقو الناقلات إلى دفعه للجماعة إلى نحو 700 دولار (375 ألف ريال)، بعد أن كان يقدر سعرها سابقاً بنحو 375 دولاراً (200 ألف ريال)، حيث تفرض الجماعة سعراً ثابتاً للدولار بـ 530 ريالاً.

مالكو الكسارات في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية يشتكون من الابتزاز والإتاوات (فيسبوك)

وتذهب الزيادة المفروضة، وفقاً للمصادر، لمصلحة أحد المشرفين الحوثيين، الذي يُكنى بـ«الجمل»، ويواصل منذ أيام شن مزيد من الحملات التعسفية ضد مُلاك كسارات وسائقي ناقلات بصنعاء وضواحيها، لإرغامهم تحت الضغط والترهيب على الالتزام بتعليمات الجماعة، وتسديد ما تقره عليهم من إتاوات.

واشتكى مُلاك كسارات وسائقو ناقلات في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، من حملات الابتزاز الحوثي لفرض الزيادة المفاجئة في أسعار بيع ونقل الخرسانة المستخدمة في البناء والتشييد، ما يزيد من أعبائهم ومعاناتهم.

وقال بعضهم إن الجماعة لم تكتفِ بذلك، لكنها فرضت إتاوات أخرى عليهم تحت أسماء متعددة منها تمويل تنظيم الفعاليات بما تسمى ذكرى قتلاها في الحرب، ورسوم نظافة وتنمية مجتمعية وأجور مشرفين في الجماعة بذريعة تنفيذ الرقابة والمتابعة والإشراف على السلامة البيئية.

وتحدث مالك كسارة، اشترط إخفاء اسمه، عن لجوئه وآخرين يعملون في ذلك القطاع، لتقديم عدة شكاوى لسلطة الانقلاب للمطالبة بوقف الإجراءات التعسفية المفروضة عليهم، لكن دون جدوى، وعدّ ذلك الاستهداف لهم ضمن مخطط حوثي تم الإعداد له مسبقاً.

الإتاوات الجديدة على الكسارة وناقلات الحصى تهدد بإلحاق أضرار جديدة بقطاع البناء (فيسبوك)

ويتهم مالك الكسارة، المشرف الحوثي (الجمل) بمواصلة ابتزازهم وتهديدهم بالتعسف والإغلاق، عبر إرسال عناصره برفقة سيارات محملة بالمسلحين لإجبارهم بالقوة على القبول بالتسعيرة الجديدة، كاشفاً عن تعرُّض عدد من سائقي الناقلات خلال الأيام الماضية للاختطاف، وإغلاق نحو 6 كسارات لإنتاج الحصى في صنعاء وضواحيها.

ويطالب مُلاك الكسارات الجهات الحقوقية المحلية والدولية بالتدخل لوقف التعسف الحوثي المفروض على العاملين بذلك القطاع الحيوي والذي يهدد بالقضاء على ما تبقى من قطاع البناء والتشييد الذي يحتضن عشرات الآلاف من العمال اليمنيين.

وسبق للجماعة الحوثية، أواخر العام قبل الفائت، فتح مكاتب جديدة تتبع هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لها، في أغلبية مناطق سيطرتها بغية التضييق على مُلاك الكسارات وسائقي ناقلات الحصى، ونهب أموالهم.

وأغلقت الجماعة الحوثية عبر حملة استهداف سابقة نحو 40 كسارة في محافظات صنعاء وعمران وحجة وإب والحديدة وذمار، بحجة مخالفة قانون المناجم، رغم أنها كانت تعمل منذ عقود وفق القوانين واللوائح المنظِّمة لهذا القطاع.

إتاوات جديدة فرضتها الجماعة الحوثية على ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة (فيسبوك)

وسبق أن فرضت الجماعة في ديسمبر (كانون الأول) من العام قبل الماضي، على مُلاك المناجم في صنعاء وبقية المناطق رسوماً تقدر بـ 17 دولاراً (8900 ريال) على المتر الواحد المستخرج من الحصى، والذي كان يباع سابقاً بـ5 دولارات ونصف الدولار (2900 ريال) فقط.

وتفيد المعلومات بإقدامها، أخيراً، على مضاعفة الرسوم المفروضة على سائقي ناقلات الحصى، إذ ارتفعت قيمة الرسوم على الناقلة بحجم 16 متراً، من 181 دولاراً (64 ألف ريال)، إلى 240 دولاراً (128 ألف ريال)، في حين ارتفع سعر الحمولة ليصل إلى 750 دولاراً، (400 ألف ريال).