معارك أدبية قديمة تعود إلى الواجهة

معارك أدبية قديمة تعود إلى الواجهة
TT

معارك أدبية قديمة تعود إلى الواجهة

معارك أدبية قديمة تعود إلى الواجهة

يسعى كتاب «طاهر الطناحي - فارس الصحافة وعاشق في بحر الأدب» للباحث أبو الحسن الجمال، إلى تسليط الضوء على تجربة فكرية وإنسانية لم تأخذ حقها من الذيوع أو التقدير، بطلها قد يكون اسماً مجهولاً لكنه شديد التأثير هو طاهر الطناحي، أحد رواد الصحافة الثقافية بمصر الذي وُلد بمحافظة دمياط في 1902 ثم انتقل إلى القاهرة ليعمل في مجلة «الهلال» كبرى المجلات الثقافية العربية آنذاك. لقد كتب الطناحي في المجلة الكثير من الأبحاث والمقالات واستكتب كل رموز عصره في كل المجالات من السياسة والاقتصاد إلى الأدب والاجتماع وعلم النفس، ثم أسس وترأس تحرير سلسلتي «كتاب الهلال» و«روايات الهلال» الشهريتين اللتين نشرتا لنجوم العصر الذهبي من أمثال العقاد وطه حسين، وعبد الرحمن الرافعي ومحمد حسين هيكل وغيرهم، وظل يعطي بحماس حتى رحل في الرابع والعشرين من شهر أبريل (نيسان) 1967.
يعد الطناحي صاحب مدرسة في خريطة الصحافة الأدبية. عمل مديراً لتحرير «الهلال» منذ عام 1943 حتى رحيله، كما كتب في مجلات وصحف أخرى مثل «البلاغ» و«الأهرام» و«السياسة» و«الأديب» اللبنانية و«العربي» الكويتية و«قافلة الزيت» السعودية. وحسب المؤلف، فقد عُرف عنه هدوء النفس والبعد عن الدوائر الوعرة والمشاحنات، إلا أنه وجد نفسه مضطراً لخوض الكثير من المنافسات والمعارك الأدبية التي كانت تدور رحاها بين مجايليه من أدباء عصره وتستعر على صفحات الصحف والمجلات. من هذه المعارك السجال الذي اشتعل حول الفقيه الفيلسوف ابن حزم الأندلسي وكتابه الأشهر «طوق الحمامة» وتأكيد الأدباء المحدثين أنه لم يسبقه أحد في كلامه عن ربط الحب بالفلسفة، حيث أثبت الطناحي أن الكثير قد سبقه في هذا المجال مثل الجاحظ وابن سينا ثم ابن قيم الجوزية.
ويذكر الطناحي أن الجاحظ في القرن الثالث الهجري تكلم عن الحب وعرّفه تعريفاً يكاد يقرب من الفلسفة وإن غلبت عليه الصبغة اللغوية، والرئيس أبو علي بن سينا ألّف رسالة فلسفية في العشق وقد كان معاصراً لابن حزم ومات قبله بنحو ثمان وعشرين عاماً.
وكتب غيرهم من علماء اللغة في معنى الحب والعشق والهيام وما إليها من الألفاظ التي تتضمن معنى الحب، على أننا يجب أن نقرر أن كل ما قيل في معنى الحب قبل ابن حزم، عدا «رسالة العشق» لابن سينا، كان يتناول الناحية الأدبية أو اللغوية.
وعندما كتب أحد الأدباء مقالاً عن النقد والنقاد ونشره في جريدة «الوادي» وقد حمل فيه على الناقد وتساءل: أشاهد أم قاضٍ؟ وأجاب عن ذلك بأن الناقد شاهد فقط وأن القضاء في الفن للجمهور والقارئ، رد عليه الطناحي: «تقول إن هذا الواجب مهما اشتد لا يمكن أن يوصف بالقسوة لأن الناقد الحق إنما يكتب لغاية شريفة هي خدمة الفن وخدمة المثل الأعلى وهو يستوحي قوانين الفن في نقده، فإذا رأى الأثر الأدبي الذي بين يديه لا يتمشى مع هذه القوانين فعليه ألّا يفرّط في التصريح برأيه مجاملةً وتمليقاً».
ويخوض الطناحي معركة أخرى مهاجماً «جائزة نوبل» للآداب، فيكتب مقالاً بعنوان «مهازل جائزة نوبل» أوائل الستينات مؤكداً أنها لم تُمنح حتى الآن لأديب عربي ولن تمنح لأي عالم أو أديب أو فنان عربي في المستقبل المنظور اعتماداً على ما حدث في الماضي وما يحدث في الحاضر. وكان حديثه في ذلك مدعماً بالأرقام والإحصاء والدليل الواقعي والتجريبي الذي دلّت عليه التجارب، حسب وجهة نظره التي ترى أن هذه الجائزة يسيطر عليها أحياناً أصحاب اتجاهات سياسية مغرضة.
ويشير إلى أنه كان مرشحاً لها عام 1960 الدكتور طه حسين وتوفيق الحكيم ولكن لم يفز بجائزة الأدب إلا الشاعر الفرنسي سان جان برس الذي كانت ميزته الوحيدة في نظر الأكاديمية السويدية «خياله التصويري المنطلق» الذي يعبّر عن عصرنا!
صدر الكتاب في طبعة خاصة على نفقة أسرة طاهر الطناحي، ويقع في 256 صفحة من القطع الكبير، وبه ملحق من الصور ترصد محطات مختلفة من تجربة الطناحي، مثل استقباله لرياض الصلح رئيس الوزراء اللبناني، في مكتبه، ومشاركته الملك فاروق في افتتاح كوبري كفر الزيات عام 1941، وإدارته ندوة ثقافية بـ«دار الهلال» عام 1948 بمشاركة عبد الرحمن الرافعي وفكري أباظة ومحمد علي علوبة.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

المكالمات الهاتفية المُرتكزة على التعاطف تُحسّن السيطرة على السكري

الدعم المُرتكز على التعاطف مع المريض يعادل تناول الدواء (جامعة تكساس)
الدعم المُرتكز على التعاطف مع المريض يعادل تناول الدواء (جامعة تكساس)
TT

المكالمات الهاتفية المُرتكزة على التعاطف تُحسّن السيطرة على السكري

الدعم المُرتكز على التعاطف مع المريض يعادل تناول الدواء (جامعة تكساس)
الدعم المُرتكز على التعاطف مع المريض يعادل تناول الدواء (جامعة تكساس)

أظهرت دراسة أجراها باحثون من كلية «ديل ميد» في «جامعة تكساس» الأميركية، بالتعاون مع دائرة «لون ستار» المجتمعية للرعاية الصحّية في الولايات المتحدة، أنّ المكالمات الهاتفية المُرتكزة على التعاطف مع مرضى السكري من ذوي الدخل المنخفض، من أفراد مدرّبين على القيام بذلك، أدَّت إلى تحسينات كبيرة في قدرة هؤلاء الأشخاص على التحكُّم في نسبة السكر بالدم.

ويقول الباحثون إنّ لتقديم الدعم الحقيقي المُرتكز على التعاطف مع المريض تأثيراً في الصحة يعادل تناول الدواء، مفسّرين ذلك بأنّ المدخل العاطفي هو البوابة إلى تغييرات نمط الحياة التي تعمل على تحسين إدارة المرض؛ وهي المنطقة التي غالباً ما تفشل فيها الرعاية الصحّية التقليدية.

وتشير الدراسة التي نُشرت، الثلاثاء، في دورية «جاما نتورك أوبن»، إلى أنّ هذا النهج يمكن أن يوفّر نموذجاً بسيطاً وفعّالاً لجهة التكلفة لإدارة الحالات المزمنة، خصوصاً المرضى الذين لديهم وصول محدود إلى الخدمات الصحّية والعقلية والدعم التقليدية.

قال المؤلِّف الرئيس للدراسة، الأستاذ المُشارك في قسم صحّة السكان في «ديل ميد»، الدكتور مانيندر كاهلون: «يبدأ هذا النهج الاعتراف بالتحدّيات الحقيقية واليومية للعيش مع مرض السكري».

خلال التجربة السريرية التي استمرت 6 أشهر، قُسِّم 260 مريضاً مصاباً بالسكري بشكل عشوائي إلى مجموعتين: واحدة تتلقّى الرعاية القياسية فقط، والأخرى الرعاية القياسية والمكالمات المنتظمة التي تركز على الاستماع والتعاطف. أجرى أعضاء مدرَّبون هذه المكالمات لتقديم «الدعم الرحيم»؛ مما أتاح للمشاركين مشاركة تجاربهم وتحدّياتهم في العيش مع مرض السكري.

وأفادت النتائج بحدوث تحسُّن في السيطرة على نسبة السكر بالدم، إذ شهد المرضى الذين تلقّوا مكالمات قائمة على التعاطف انخفاضاً متوسّطاً في الهيموغلوبين السكري بنسبة 0.7 في المائة، مقارنةً بعدم حدوث تغيير كبير في المجموعة الضابطة.

كما أظهرت الدراسة حدوث تأثير أكبر للمرضى الذين يعانون أعراض اكتئاب خفيفة أو أكثر شدّة، مع تحسُّن في متوسّط ​​الهيموغلوبين السكري بنسبة 1.1 في المائة. وصنَّف جميع المشاركين تقريباً المكالمات على أنها مفيدة جداً.

من جهته، قال الرئيس التنفيذي لدائرة «لوني ستار» للرعاية الصحّية، جون كالفن: «في وقت يشكّل فيه نقص القوى العاملة تحدّياً لتقديم الرعاية الصحّية، تؤكد هذه الدراسة التأثير السريري العميق الذي يمكن أن يُحدثه الموظفون غير السريريين».

وأوضح: «من خلال توظيف أفراد مجتمعيين عاديين ولكن مدرَّبين، نثبت أنّ التعاطف والاتصال والمشاركة المُتعمدة يمكن أن تؤدّي إلى تحسينات صحّية قابلة للقياس»، مشدّداً على أنه «في عالم الطبّ سريع الخطى بشكل متزايد، الذي يعتمد على التكنولوجيا بشكل أساسي، يُذكرنا هذا العمل بأنّ الاتصال البشري يظلّ في قلب الرعاية الفعالة. لا يعزّز التعاطف مشاركة المريض فحسب، وإنما يُمكّن الأفراد من اتخاذ خطوات ذات مغزى نحو نتائج صحّية أفضل».

بالنظر إلى المستقبل، يأمل باحثو الدراسة في استكشاف التأثيرات طويلة المدى للدعم القائم على التعاطف على كلٍّ من السيطرة على مرض السكري والصحّة العقلية على نطاق أوسع. كما يخطّطون لتوسيع نطاق هذا النموذج، بهدف جعل الدعم الشامل والمتعاطف متاحاً بشكل أوسع لمَن هم في حاجة إليه.