«قيد التأليف»... رؤية فنية تُحلق من السعودية إلى إيطاليا

13 فناناً سعودياً يسترجعون جذور هويتهم ويربطونها بالمستقبل

زوار المعرض يتأملون عمل «ترحال» للفنانة خلود البقمي (الشرق الأوسط)
زوار المعرض يتأملون عمل «ترحال» للفنانة خلود البقمي (الشرق الأوسط)
TT

«قيد التأليف»... رؤية فنية تُحلق من السعودية إلى إيطاليا

زوار المعرض يتأملون عمل «ترحال» للفنانة خلود البقمي (الشرق الأوسط)
زوار المعرض يتأملون عمل «ترحال» للفنانة خلود البقمي (الشرق الأوسط)

يحلق 13 فناناً سعودياً برؤيتهم الفنية إلى إيطاليا عبر 30 عملاً جمعها معرض «قيد التأليف» الذي ينظمه «غاليري 369 للفن المعاصر»، وافتتح الأسبوع الماضي بقصر «بالازو بامبو» في مدينة فينيسيا (البندقية). المعرض يستمر إلى 13 أغسطس (آب) المقبل، جامعاً أعمالاً عميقة تستلهم من الهوية السعودية، وتُقدم نظرة فلسفية مغايرة ما بين الماضي وأفق المستقبل.
تتحدث القيم الفني منى العبد الله لـ«الشرق الأوسط»، مبينة أن المعرض يعبر عن الهوية الثقافية المتطورة للسعودية، ويحمل جوانب متنوعة من التاريخ والتراث لتقديمها بصورة معاصرة، وكشفت أن المعرض سينقل لمدينة روما في شهر سبتمبر (أيلول) المقبل بالتزامن مع ذكرى اليوم الوطني السعودي.
تضيف العبد الله: «المعرض سيكبر، وفي روما سيزداد عدد الفنانين السعوديين، وفي خطتنا الاستراتيجية انتقاله إلى باريس مطلع عام 2023، وبعدها إلى لندن، ثم نيويورك، ثم سنضيف مدناً أخرى لاحقاً»، مبينة أنه تم فتح مجال المشاركة للفنانين من كافة أنحاء السعودية، وتتابع: «نتمنى أن يصل المعرض في نسخته الأخيرة إلى 100 عمل، نسافر بها إلى كل أنحاء العالم».
بسؤالها عن سبب تسميته بـ«قيد التأليف»، توضح أن كلمة «التأليف» هي البداية للمعرض، بما يحمله ذلك من تأليف الموسيقى والشعر وأي شيء آخر، وتكمل: «وجدنا في المعجم العربي أن كلمة (تأليف) تدل على كل ما يحمل في بدايته فكرة، وهو يُؤلف فيتطور فيُكتب فيُنثر فيسجل». وتشير إلى أن الفكرة هناك تحمل عنصرين متناغمين: الإرث مع الانفتاح وقابلية التطور.

اتصال للفنان حمود العطاوي (الشرق الأوسط)

اتصال
يقدم الفنان حمود العطاوي، في المعرض، عملاً فنياً سمّاه «اتصال»، وهو مكون من مجموعة كبيرة من القطع البلاستيكية الصغيرة، ممثلة بفكرة العداد الإلكتروني الذي أصبح يعرف بـ«الخاتم الإسلامي» الذي يحسب عدد التسابيح.
ويتخذ الفنان من فكرة استخدام اليد والأصابع طريقة لتقديم وتعزيز المفاهيم الإنسانية الأساسية ببساطة، إذ يعكس الخاتم الإسلامي ارتباط الإنسان بسلوكه الديني، ويمكن اعتباره وسيلة اتصال بين مخلوق ومبدع، مع محاكاة العمل الفني للوحة الشهيرة للفنان مايكل أنجلو، التي حملت أيضاً مضموناً يتناول حالة التواصل بين المخلوق والخالق.

الفنان عبيد الصافي  يدمج الزمن  مع الرقمنة (الشرق الأوسط)

قصة «شلونك؟»
تركزت فكرة الفنان حاتم الأحمد، على مفهوم المصادر والمراجع اللغوية وأسس صلاحيتها ضمن إطار مرئي يلخص انتقال بعض المصطلحات من جيل إلى جيل، يحولها بمرور الوقت ومن خلال النقل الشفهي إلى مفاهيم مختلفة تماماً عن الأصل وحالات استخدامها.
يعتمد عمل الأحمد على التطور الطبي للمرضى أثناء تفشي الطاعون، ويركز على أعراضه من حيث المظهر، وهو تغير طفيف في لون المصاب بالطاعون، بدءاً من اللون الوردي المحمر، والانتقال إلى اللون البرتقالي المصفر، وانتهاءً بلون شاحب، نهاية باللون الأزرق، وهي المرحلة الأخيرة قبل وفاة المصابين بالوباء، ومن هنا وُلدت الكلمة العربية (شلونك؟)، وهي مصطلح يدور حول الاستفسار عن مرحلة تطور المرض، حيث ينسج العمل سياقاً زمنياً يربط بين المصطلح الأصلي وطابعه السلبي والطريقة التي يتحول بها المصطلح إلى طابع معاصر أكثر إيجابية، مما يدل على أهمية اللغة كمركب وعنصر من الهوية الثقافية.

هاجر
من خلال فيلم بجودة سينمائية عالية، قدمت الفنانة ضياء يوسف، عملاً فنياً يستلهم من موروث قصة السيدة هاجر مع مياه زمزم التي جمعتها بيدها في مكة المكرمة، وبدت فيها كما لو أنها تمسك بين يديها مستقبل المدينة المقدسة بأكمله، في تعبير لما وصلت إليه البلاد اليوم في المسارعة نحو المستقبل، وحماية الطيور، والأشجار، والبيئة.
ترى يوسف أن الناس من جميع أنحاء العالم يتدفقون إلى الأراضي المقدسة في السعودية بحثاً عن الحياة والأمل، وترحب بهم البلاد بسعادة كما حدث في قصة مياه زمزم، حيث لم يكن حينها لدى هاجر أي وسيلة للبقاء سوى إيمانها العميق بذلك، إلى أن نجحت المدينة في النمو كبذرة في يديها المباركتين، وهنا تقول الفنانة، «اليوم المرأة السعودية لديها الإمكانات والقدرة على مضاعفة المحاولات والجهود، وحكمة الجدات ومرونتهن وقوتهن ونضالهن من أجل أبنائنا وأولاد العالم لبناء مستقبل مبارك ومزدهر».


«شلونك؟» للفنان حاتم الأحمد (الشرق الأوسط)
 

اعتزاز الهوية
الفنان فهد النصار، قدم عملاً ينسجم مع فكرة المعرض القائمة على إعادة التكوين وربط الماضي بالحاضر والمستقبل، إذ تضمنت فكرته ربط مجموعة من الزخارف المستلهمة من المخزون الثقافي السعودية، وتقديمها كمدلول للهوية السعودية وما يُعرف عن السعوديين، في عمل حمل اسم «اعتزاز الهوية».
يقول النصار عن عمله، «عندما تفكر في شخص سعودي، فإن أول ما يخطر ببالك هو المظهر، والملبس... وبما أننا فخورون بماضينا وحاضرنا، فإن هذه الفكرة هي ربط ما يميزنا بماضينا»، مبيناً أنه في عمله اختار الزخرفة النجدية، في إعادة تقديمها لما يرتديه السعوديون في شكل جديد ومبتكر.

ساعة الصحراء
يمزج الفنان عبيد الصافي بين معرفته التكنولوجية وإنتاجه الإبداعي بسلاسة من خلال تجربة الوسائط الجديدة، مثل الفيديو والتركيبات التفاعلية، قائلاً: «في عملي، أستكشف التفاعل البشري كحالة للوصول إلى الهوية الثقافية من خلال استدعاء الذاكرة». ويسعى الصافي لاكتشاف مدى الانفتاح على الآخر وكيف يمكن رؤيته على ضوء الوقت المتسارع حالياً.
ويرى الفنان أننا نعيش أوقاتاً معاصرة سريعة جداً، ولا تزال الثقافة هي المكون الأساسي لضمير المجتمع وتعبيراً عن العمق التاريخي المتراكم في المجتمع، إلى جانب دورها في الهوية والشعور بالانتماء إلى المكان، ويقول، «ثقافة الصحراء هي ثقافة مطلقة تعكس الهوية والذات بشكل كامل».
وفي عمل الصافي، تجسد الساعة الخيالية أرضاً قديمة، وهي رمزية للعملية الحالية في البحث عن الزمن الحركي كجزء من وقت ماضي جُرد من القيمة الرقمية والأنظمة البشرية، وهو فضاء زمني فارغ يزدهر داخل الساعة، ويصل من خلاله المتلقي إلى لحظة جديدة في الزمان من قلب الصحراء.

سجادة أمي
الفنان سعيد قمحاوي، يستند في عمله «سجادة أمي» إلى تاريخ السجاد الطويل في السعودية، الذي يعود إلى العصور الوسطى، حيث يتشكل جوهر العمل في الجمع بين التاريخ والفنون والانفتاح والهوية. ويأتي «سجادة أمي» مشروعاً فنياً يحاول من خلاله استكشاف ظاهرة الهجرة الداخلية في السعودية من خلال تجربته الشخصية منذ انتقاله من مسقط رأسه إلى العاصمة الرياض.
يرى قمحاوي، من خلال عمله، أن الرياض شهدت في العقود الماضية حركة اقتصادية وتنموية سريعة أثرت على جميع المدن السعودية الأخرى، وخلقت داخلها تنوعاً ومزيجاً من الثقافات المحلية، ومن هنا استخدم آخر الأشياء المادية المتبقية لديه، التي تربطه بثقافته المحلية، ممثلة بقطعة السجاد التي قدمها والده هديةً لوالدته، وما زالت هذه القطعة تحمل في وجدانه عبير التاريخ ورائحة الريحان التي تداعب ذاكرة الفنان.
يتساءل قمحاوي خلال هذا العمل عن القدرة على التكيف مع الواقع المعاصر، وكيف يمكن للمرء أن يحتضن الاختلاف دون أن يطغى على التفرد، وكمحاولة لمقاومة آثار الزمن، قام سعيد قمحاوي، برقمنة السجادة حفاظاً على ذاكرته وهويته.

المكعب الأسود
أما الفنانة زهرة الغامدي، فقدمت «المكعب الأسود» الذي جاء كجزء من مشاركتها في إقامة فنية بسويسرا، حيث عاشت الرحلة كعملية استكشاف وتحدٍ كبير لبناء علاقة بينها وبين بيئة مختلفة عن بيئتها، وكانت لديها رغبة جامحة في توديع المنطقة ومعانقة جبالها، في شعور قوي بالانفصال ورغبة ملحة في الاقتراب من الطبيعة.
وحينها، بدأت الغامدي في التفكير بعمق في العناصر المحيطة بها، بحثاً عن أي منها من شأنه أن يساعدها في تلك اللحظات على التعبير عن مشاعرها، ووجدت «العطارة» (غطاء الرأس الأسود) جزءاً من هويتها الثقافية لكونها ترتديه في كل مرة تخرج فيها، واختارته للتعبير عن مشاعرها، حيث وضعت على الأرض، في محاولة منها للفت أنظار الطبيعة إلى غطاء رأسها ذي اللون الأسود، والشكل المربع، للتعبير عن وجودها في المكان قبل تركه.

أعمال غنية
بالمجمل، فإن كل عمل تضمنه المعرض جاء مثيراً للفضول وغنياً بالإلهام، من ذلك عمل الفنان سعد الهويدي «توله»، وهي القارورة الزجاجية التي تحفظ عطر العود، في إشارة إلى فخر السعوديين بعطر العود الطبيعي الذي يقدم للضيوف في المناسبات. إذ صمم عمله لإبراز هذا السلوك الأصيل من خلال وضع البترول داخل التولة، وخلق توازٍ بصري بين عنصرين من عناصر الهوية الثقافية السعودية.
وفي عمل «ترحال»، تقدم الفنانة خلود البقمي رؤية فنية لافتة، في محاولتها لإظهار جانب الاستدامة والتوافق مع البيئة مع المواد، قائلة «من أجل الترويج لرسالتي عن الاستدامة في تاريخ التراث السعودي، يتألف العمل الفني من عدة هياكل مصنوعة من الخشب مما يخلق مساراً يسمح للزوار بالسير وهم محاطون بالصوف». وتسعى البقمي لخلق تجربة تفاعلية مختلفة لدى المتلقي، لمعرفة عمق الجذور الثقافية في قصة بناء الخيام وغزل الصوف ومهارات المرأة وقصائد النساء وقصص التكيف مع الصحراء.
أما الفنان خالد المرزوقي، فيشير في عمله «من الأعلى» إلى التغيرات الجذرية التي شهدتها السعودية على جميع الأصعدة، على اعتبار أنها تؤثر على الذاكرة المرئية للمدن والأحياء والأسواق الشعبية، خصوصاً في مدينة جدة، «المكان الذي التقطت فيه لقطات العمل»، حيث يتم حالياً إعادة تأهيل العديد من الأحياء وفقاً للتطور العالمي الذي يمر به المجتمع. لكن مع ذلك، فإن هذه التغييرات تستند إلى الذاكرة الثقافية والاجتماعية الثرية، كما يرى الفنان في عمله «من الأعلى» الذي يحاول مراقبة صدى تلك التغييرات باستمرار عن طريق تحديدها بصرياً في الذاكرة والتواصل معها.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

بثروتها الضخمة ونفوذها الواسع... بيونسيه تخترق قائمة أقوى نساء العالم

احتلّت الفنانة الأميركية بيونسيه المرتبة رقم 35 على قائمة أقوى نساء العالم (فيسبوك)
احتلّت الفنانة الأميركية بيونسيه المرتبة رقم 35 على قائمة أقوى نساء العالم (فيسبوك)
TT

بثروتها الضخمة ونفوذها الواسع... بيونسيه تخترق قائمة أقوى نساء العالم

احتلّت الفنانة الأميركية بيونسيه المرتبة رقم 35 على قائمة أقوى نساء العالم (فيسبوك)
احتلّت الفنانة الأميركية بيونسيه المرتبة رقم 35 على قائمة أقوى نساء العالم (فيسبوك)

يهتزّ منزل بيونسيه على وقع الفضيحة التي تلاحق زوجها جاي زي. هو متهمٌ من قِبَل سيّدة باعتداءٍ مشتركٍ عليها، تورّطَ فيه وزميله شون ديدي عام 2000.

لكن رغم الرياح التي تعصف بالبيت الزوجيّ، وهي ليست الأولى في العلاقة المستمرة منذ 27 عاماً، فإنّ الفنانة الأميركية حرصت على الظهور مبتسمةً إلى جانب زوجها قبل أيام، وذلك في العرض الأول لفيلم «Mufasa - Lion King». جاءت الابتسامة العريضة على شرف ابنتهما بلو آيفي، التي تخوض تجربتها السينمائية الأولى.

بيونسيه تتوسّط زوجها جاي زي وابنتها بلو آيفي في العرض الأول لفيلم «موفاسا» (إ.ب.أ)

النجمة رقم 35 على قائمة «فوربس»

واجهت بيونسيه تحدياتٍ كثيرة في كلٍ من حياتها الخاصة ومسيرتها المهنية، وقد لعب ذلك دوراً في تكوين شخصيةٍ صلبة لديها. لم يأتِ اختيارُها من بين أقوى 100 امرأة لعام 2024 عبَثاً من قِبَل مجلّة «فوربس»، وهي ليست المرة الأولى التي تخترق فيها المغنية البالغة 43 عاماً، قوائمَ تتصدّرها رئيسات جمهورية ورائدات أعمال.

احتلّت بيونسيه المرتبة الـ35 في قائمة «فوربس» السنوية، التي تصدّرتها رئيسة المفوّضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، تليها كلٌ من رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد، ورئيسة إيطاليا جورجيا ميلوني، ورئيسة المكسيك كلوديا شينباوم. أما من بين زميلاتها المغنّيات فقد سبقتها تايلور سويفت إلى المرتبة 23، فيما حلّت ريهانا في المرتبة الـ76.

800 مليون دولار و32 «غرامي»

تختار فوربس نجمات قائمتها بناءً على 4 معايير، هي الثروة، والحضور الإعلامي، والتأثير الاجتماعي، ومجالات السلطة. وتبدو بيونسيه مطابقة للمواصفات كلّها، بما أنّ ثروتها تخطّت الـ800 مليون دولار، وهي في طليعة الفنانات ذات الأثر السياسي والثقافي والاجتماعي.

إلى جانب كونها إحدى أكثر المشاهير ثراءً، تُوّجت بيونسيه بأكبر عدد من جوائز «غرامي» محطّمةً الرقم القياسي بحصولها على 32 منها خلال مسيرتها. وهي لم تكتفِ بلقب فنانة، بل إنها رائدة أعمال أطلقت شركاتها وعلاماتها التجارية الخاصة على مرّ السنوات. تذكر «فوربس» أن مصدر ثروتها الأساسي هو الموسيقى، إلى جانب مبادراتها الفرديّة، وتلفت إلى أنّ بيونسيه صنعت نفسها بنفسها، مع العلم بأنها لم تتابع أي اختصاص جامعيّ، بل تركت المدرسة قبل التخرّج فيها.

حطّمت بيونسيه الرقم القياسي بحصولها على 32 جائزة «غرامي» حتى عام 2023 (أ.ب)

طفلة القدَر

جاء العِلمُ في حياة بيونسيه على هيئة والدةٍ بدأت مصفّفةَ شَعر ثم فتحت صالونها الخاص، وعلى هيئة والدٍ كان يعمل مدير مبيعات في إحدى الشركات، قبل أن يصبح مدير أعمال ابنته. منهما تلمّست المنطق التجاري.

أما فنياً، فقد لمع نجمُها للمرة الأولى في مسابقةٍ مدرسيّة، عندما غنّت وهي في السابعة لتتفوّق على مَن هم في الـ15 والـ16 من العمر. فما كان من والدها سوى أن يترك وظيفته ويتفرّغ لإدارة أعمالها والفريق الغنائي الذي انضمّت إليه في الثامنة من عمرها، والمكوَّن من فتياتٍ صغيرات. تحوّل الفريق ذاتُه عام 1996 إلى «Destiny’s Child» (طفل القدَر)، لتنطلق معه رحلة بيونسيه نحو العالميّة.

فريق Destiny’s Child الذي انطلقت منه بيونسيه عام 1996 (فيسبوك)

صنعت الليموناضة

بعد انفصال الفريق، لم تتأخر بيونسيه في استئناف رحلتها الفنية منفردةً، فخاضت التمثيل والغناء. إلا أن تلك الرحلة لم تكن اعتياديّة، إذ سرعان ما ارتفعت أسهُمُها وبدأت تُراكِم الإصدارات، والحفلات، والجولات العالمية، والأدوار السينمائية، والجوائز، والألقاب.

لم يحصل ذلك بالصُدفة، بل بكثيرٍ من المثابرة. عندما طُلب منها مرةً أن تفسّر نجاحها غير المسبوق، أجابت بيونسيه: «صحيحٌ أنني مُنحت الليمون، لكنّي صنعت الليموناضة». يُنقل عمّن يواكبون تحضيراتها من كثب، أنها تُشرف على كل تفصيلٍ متعلّقٍ بألبوماتها وحفلاتها، هذا إلى جانب انخراطها المباشر في عمليّة التأليف والتصميم. تشهد على ذلك جولتها العالمية الأخيرة Renaissance والتي تحوّلت إلى ظاهرة اقتصادية.

هذا فنياً، أما نفسياً فلم يكن صعود بيونسيه الصاروخيّ مهمة سهلة. كان عليها مصارعة خجلها وشخصيتها الانطوائيّة لسنوات عدة، لكنها استلهمت تجارب نجماتٍ سبقنها. تقول إنها تأثرت بمادونا، ليس كأيقونة موسيقية فحسب، بل كسيّدة أعمال كذلك؛ «أردت أن أسير على خطاها وأن أبني إمبراطوريتي الخاصة».

تذكر بيونسيه مادونا من بين السيّدات اللواتي ألهمنها (فيسبوك)

صوت المرأة

لا تخترق بيونسيه عبثاً قوائم تضمّ أفضل رئيسات مجالس الإدارة، ومديرات الشركات الناجحة، فهي أثبتت أنها سيدة أعمال متفوّقة. أسست شركة الإنتاج الخاصة بها عام 2010 تحت اسم Parkwood Entertainment، وهي تقدّم مروحة واسعة من الخدمات في قطاع الترفيه؛ من إنتاج الأفلام، والموسيقى، والبرامج التلفزيونية، وصولاً إلى إدارة أعمال الفنانين، والتسويق، والتصميم الإلكتروني.

وفي عام 2024، أطلقت مستحضر Cecred للعناية بالشَعر، في تحيّةٍ إلى والدتها الحلّاقة، وفي استكمالٍ لمشاريعها التجاريّة.

بيونسيه ووالدتها تينا نولز (رويترز)

وظّفت بيونسيه نفوذها الفني والمالي في خدمة قضايا اجتماعية وإنسانية تؤمن بها. منذ أولى سنوات انطلاقتها الموسيقية، ناصرت قضايا النساء من خلال كلمات أغاني Destiny’s Child وأغانيها الخاصة لاحقاً. عام 2011، تحوّلت أغنية «Who Run The World? Girls» (مَن يحكم العالم؟ الفتيات) إلى نشيدٍ تردّده النساء حول العالم.

إلّا أنّ الأمر لم يقتصر على الكلام والألحان، بل امتدّ إلى الأفعال. عبر مؤسستها الخيريّة Bey GOOD، تدعم بيونسيه تعليم الفتيات من خلال تأمين الأقساط المدرسية لهنّ. وعبر تلك المؤسسة وحضورها على المنابر العالمية، تحمل بيونسيه لواء المساواة بين الجنسَين.

تحمل بيونسيه قضية تمكين المرأة من خلال أغانيها وأنشطتها الاجتماعية (فيسبوك)

تهمةٌ تهزّ عرش «الملكة بي»؟

تُعَدّ بيونسيه اليوم من أجمل سيّدات العالم، إلّا أنّ ثقتها بنفسها لم تكن دائماً في أفضل حال. في الـ19 من عمرها كانت تعاني من الوزن الزائد وتتعرّض للانتقادات بسبب ذلك. أثّر الأمر سلباً عليها إلى أن استفاقت يوماً وقررت ألّا تشعر بالأسف على نفسها: «كتبتُ Bootylicious وكانت تلك البداية لتحويل كل ما منحتني إياه الحياة، إلى وسيلةٍ أمكّن من خلالها نساءً أخريات».

انسحبَ أثر بيونسيه الاجتماعي على السياسة، فهي تشكّل صوتاً وازناً في المشهد الرئاسي الأميركي. ساندت باراك أوباما، وهيلاري كلينتون، كما تجنّدت إلى جانب كامالا هاريس في معركتها الرئاسية الأخيرة، مقدّمةً لها إحدى أغانيها كنشيدٍ رسمي للحملة.

بيونسيه في أحد تجمّعات كامالا هاريس الرئاسية (رويترز)

تشكّل مسيرة بيونسيه الفنية والمهنية بشكلٍ عام موضوع دراسة في عددٍ من الجامعات الأميركية. لكنّ الأمجاد لا تلغي التحديات، فهي تقف اليوم إلى جانب زوجٍ متهمٍ باعتداءٍ على امرأة. وإذا صحّت التهمة، فإنّها تقف بالتالي إلى جانب ما يناقض القضايا التي تبنّتها طوال مسيرتها الحافلة.