رفض سياسي لاستدعاء نائب الراعي للقضاءhttps://aawsat.com/home/article/3769701/%D8%B1%D9%81%D8%B6-%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A-%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%AF%D8%B9%D8%A7%D8%A1-%D9%86%D8%A7%D8%A6%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A7%D8%B9%D9%8A-%D9%84%D9%84%D9%82%D8%B6%D8%A7%D8%A1
تفاعلت قضية توقيف النائب البطريركي للطائفة المارونية المطران موسى الحاج في منطقة الناقورة خلال عودته من الأراضي الفلسطينية، وعقد المطارنة الموارنة اجتماعاً طارئاً أمس، فيما استمرت المواقف المستنكرة والرافضة لما حصل، في وقت لم يحضر فيه الحاج أمس إلى المحكمة العسكرية للمثول أمام مفوض الحكومة القاضي فادي عقيقي لاستجوابه. وكانت جلسة التحقيق محددة عند العاشرة من صباح أمس، بتهمة «مساعدة عملاء لبنانيين موجودين داخل الأراضي الفلسطينية المحتلّة، ونقل أموال ومنتجات إسرائيلية إلى لبنان والتدخل بتبييض الأموال ومخالفة قانون مقاطعة إسرائيل». وجاء تغيّب المطران الحاج، «استجابة لطلب بكركي الغاضبة من ملاحقته وتوقيفه عند الحدود اللبنانية لساعات طويلة، الذي تعتبره استهدافاً للكنيسة المارونية»، حسبما قالت مصادر مطلعة، فيما أكد مصدر قضائي مطلع على الملف أن المطران الحاج «لم يرسل عذراً يبرر تغيّبه عن جلسة الاستجواب أمام القاضي فادي عقيقي الذي سبق وأعطى الإشارة بتوقيفه، وبناء عليه فإن الأخير سيستخدم كل الوسائل القانونية لمثوله للتحقيق واتخاذ الإجراءات التي يستوجبها التحقيق بحقه». وبرر المصدر القضائي أسباب توقيف المطران الحاج والشروع بملاحقته بأن الأجهزة الأمنية «ضبطت معه خلال عملية التفتيش كميات كبيرة من الأدوية والمواد الغذائية والمعلبات، بالإضافة إلى مبلغ مالي قيمته 460 ألف دولار مرسلة كلّها من لبنانيين فارين إلى إسرائيل، إلى ذويهم وأقاربهم في لبنان، لمساعدتهم اجتماعياً وتخفيف عنهم عبء الأزمة التي تعانيها البلاد». وقالت إن المطران الحاج «سلّم المحققين لائحة من ست صفحات عليها مئات الأسماء العائدة للأشخاص الذين سيسلّمهم الأموال، وتتفاوت قيمة المبالغ بين 100 و200 و500 دولار لكلّ شخص أو عائلة في لبنان». في موازاة ذلك، استمرت المواقف الرافضة لتوقيف الحاج، وأعلن رئيس الجمهورية السابق أمين الجميل، في بيان، أن «توقيف الحاج وهو في مهمة رعوية وإنسانية، واستدعاءه للتحقيق أمام المحكمة العسكرية يشكلان طعنة موصوفة سددها فكر بائد سياسي - قضائي - أمني ضد ما يمثله راعي أبرشية الأراضي المقدسة من قيمة ودور من خلال رعايته أحوال الموارنة، وأيضاً سائر الطوائف المسيحية والمسلمة في القدس والأراضي الفلسطينية». وفيما أدان التوقيف، لفت الجميل إلى أن «الأجهزة القضائية والأمنية بتوصية سياسية مصممة على أن تثبت قدرتها وتمارس سلطتها على فريق واحد يجري استهدافه من غير وجه حق، في وقت يتمتع المطلوبون للعدالة بكل وسائل الحماية والتكريم والترفيع». ورفض الجميل ما قال إنها «رسالة سياسية موجهة لبكركي رداً على مواقفها الوطنية»، معولاً «على موقف وطني ضاغط لوقف هذه الممارسات الشاذة والعقيمة التي تنم عن نهج بوليسي سخيف من شأنه تهديد مسيرة السلم الأهلي»، ودعا رئيس الجمهورية ورئيس حكومة تصريف الأعمال ووزير الداخلية ورئيس مجلس القضاء الأعلى وقائد الجيش والمدير العام للأمن العام، أصحاب الصلاحية إلى «وقف هذه المهزلة - الفضيحة». كذلك تحدث النائب في «القوات» شوقي الدكاش، بعد لقائه البطريرك الماروني بشارة الراعي، عن «فرض الدويلة سيطرتها على الدولة برضا أو بتجاهل من يُفترض أن يكون أميناً على الدولة والدستور». كما أكّد النائب نديم الجميل، بعد لقائه الراعي، «تضامنه مع الصرح البطريركي الذي تعرّض للاعتداء من قبل قضاء سافر ومنحاز يغضّ النظر عن أمور معيّنة ويتعرّض للأحرار». وتابع بالقول: «نبّهنا أكثر من مرّة أنّ لبنان يذهب بتوجّه مختلف ويبتعد عن محور الحريّة وينغمس أكثر في المحور الإيراني». وصدرت إدانة عن الرابطة المارونية، التي أعلن مجلسها التنفيذي أن زيارة الحاج إلى الأراضي المقدسة «أمر درج عليه أسلافه المطارنة الذين خدموا رعايا أبرشية الأراضي المقدسة، ولم يتعرضوا إلى المساءلة أو المضايقة»، وأكد أن «توقيفه لساعات طوال، ومصادرة جواز سفره وهاتفه الخليوي هو إجراء غير مقبول مهما كانت تبريراته»، معلناً أنها تؤيد موقف مجلس المطارنة الموارنة والإجراءات التي سيتخذها». وفيما كانت معلومات صحافية قد ذكرت أن المطران الحاج كان يحمل معه أموالاً لشيخ عقل طائفة الموحدين الدروز، نفت مشيخة العقل هذا الأمر، وأكدت أنه لا علاقة مباشرة لها بهذه الأموال، مستنكرة في الوقت نفسه «حادثة توقيف المطران الحاج والتشهير به وبأي من رجال الدين المؤتَمنين، آملة في معالجة الموضوع من منطلق إنساني بحت».
تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.
وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها».
القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع
رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح».
ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى.
وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر
جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية.
وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا
تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل
محمد شقير (بيروت)
إيلي سالم: طلبت إسرائيل أبراج مراقبة ومناورات مشتركة... فقلنا إن التطبيع غير واردhttps://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A/5099222-%D8%A5%D9%8A%D9%84%D9%8A-%D8%B3%D8%A7%D9%84%D9%85-%D8%B7%D9%84%D8%A8%D8%AA-%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D8%A3%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D8%AC-%D9%85%D8%B1%D8%A7%D9%82%D8%A8%D8%A9-%D9%88%D9%85%D9%86%D8%A7%D9%88%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D9%85%D8%B4%D8%AA%D8%B1%D9%83%D8%A9-%D9%81%D9%82%D9%84%D9%86%D8%A7-%D8%A5%D9%86
قوات إسرائيلية على شاطئ صيدا خلال اجتياح لبنان عام 1982 (غيتي)
لندن:«الشرق الأوسط»
TT
لندن:«الشرق الأوسط»
TT
إيلي سالم: طلبت إسرائيل أبراج مراقبة ومناورات مشتركة... فقلنا إن التطبيع غير وارد
قوات إسرائيلية على شاطئ صيدا خلال اجتياح لبنان عام 1982 (غيتي)
تنشر «الشرق الأوسط» اليوم فصلاً من كتاب سيصدر قريباً لوزير الخارجية اللبناني السابق إيلي سالم بعنوان «الفرص الضائعة - من اتّفاق جلاء القوات الإسرائيلية إلى اتّفاق الطائف»، الذي يروي فيه تفاصيل ما عُرف بـ«اتفاق 17 أيار»/مايو الذي تم التوصل إليه عام 1983 بين الحكومة اللبنانية وإسرائيل عقب الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام السابق. كان سالم وقتها نائباً لرئيس الحكومة وزيراً للخارجية في حكومة شفيق الوزان خلال حكم الرئيس أمين الجميّل. يصدر الكتاب عن دار «سائر المشرق» بالاشتراك مع الناشر والإعلامي أنطوان سعد.
عرفات وكاسترو وخدام
صباح يوم الاثنين الواقع فيه 7 مارس (آذار) 1983، كنا في العاصمة الهندية، نيودلهي، نحضر الجلسة العامة لمؤتمر دول عدم الانحياز الذي استمرّ حتى يوم الخميس. وبعدما استمعتُ إلى خطاب ياسر عرفات الذي قابله الحضور بتصفيق فاتر، اعتلى المنبر الرئيس الكوبي فيديل كاسترو، وألقى خطاباً طويلاً جداً استعاد فيه «الكليشيهات» البالية المعروفة، فأصابني الملل من الاستماع إليه ساعة كاملة ولا شيء كان يوحي أنه سينتهي بعد ثلاث ساعات، فأنا كأكاديمي يصحّح أوراقاً ويعتمد على مسؤولية الكلمة، قررت الخروج وأخبرت الرئيس الوزان بذلك، فرجاني أن أبقى معه لأنه في حاجة إلى رفيق في هذا المشهد المأسَوي، فقلت له إما أن أخرج خِلسة أو سأبقى وأصرخ عالياً. نصحني مهنئاً بالخروج وسيتحمل هو قدره.
بعد ظهر ذلك اليوم، التقيتُ وزير الخارجية السوري عبد الحليم خدّام، للمرة الأولى. وجدتُه سريع الخاطر، وذهنه يركّز على إيجاد الفكرة التي تضع محاوِره في موقف الدفاع. بدا لي، في الوقت نفسه، آيديولوجياً، وبراغماتياً، منفتحاً ومتحفّظاً في آنٍ واحدٍ. ولعل أبرز ما يثبتُ براعته، عرضُه موقف الرئيس الأسد بأسلوبه الخاص، معتمداً باستمرار المسلك الأصعب كي يترك للأسد أسهل الطرق حتى يختار ما يجده مناسباً. خدّام يحب الصوت العالي، يحب التهديد وإرباك محاوِره.
دخل خدّام في صلب الموضوع بالقول إنه كان يتمنّى لو أن لبنان اختار درب النضال في وجه إسرائيل، بدل درب التفاوض. أبدى استياءه من فيليب حبيب وخوفه من أن تفرض إسرائيل على لبنان شروطاً غير مقبولة سترفضها سوريا بشدة. وهاجم الجبهة اللبنانية لتعاونها مع إسرائيل لطرد الفلسطينيين والسوريين من لبنان: «والله، سيفتشون على رغيف الخبز، ولن يقدّمه لهم أحد. ونصيحتنا لكم فاوضوا إذا شئتم، لكن بصورة غير مباشرة. في أي حال، نتمنّى لكم النجاح شريطة ألاّ تحقّق إسرائيل أي مغانم. استعملوا سوريا ذريعةً لرفض كلّ ما يُطلب منكم من تنازلات».
أجبتُه بالمثل بمقدمة تاريخية، وعدت إلى التاريخ لشرح المآزق القائمة. وانطلقت من حواري أيام الدراسة الجامعية مع ميشال عفلق، ومن عدائي للصهيونية وحذري من توسّع إسرائيلي على حساب لبنان. استعرضت معه جميع الخيارات المتاحة أمامنا، فوجدنا أن الوساطة الأميركية أكثرها صدقية. لسنا واثقين من نجاحها، غير أننا اعتبرناها مجازفة تستحق أن تحظى بفرصة جدّية للنجاح. لسنا مستعدّين لاتّخاذ موقف آيديولوجي عالٍ لا يمكن تنفيذه، نريد أن نُخرج إسرائيل قبل أن تترسّخ في الأرض اللبنانية. نحن لا نملك القدرة العسكرية لإجبار الجيش الإسرائيلي على الانسحاب بالقوة، نريد إخراجه بالدبلوماسية». ودار بيننا حوار، عندما أعدتُ على مسمعه:
- لا نريد أن نفقد لبنان.
- نحن كذلك، نحن معكم، ونريد تقديم المساعدة. ربما عليكم أن تنظروا في خيارات أخرى.
- أنا على استعداد للنظر في خيارات أخرى. أعطني خياراً واحداً.
- جامعة الدول العربية.
- إنك غير جاد، بالطبع. أنت أكثر من غيرك تعرف مصير الفلسطينيين الذين اعتادوا الاتّكال على جامعة الدول العربية. هل تريد لنا أن نعاني المصير نفسه؟
- أخي إيلي، تعلَّم من محمد علي كلاي. تحرّك بطريقة تخلق معها فرصاً جديدة. لا تتفاوض، انظرْ كيف يلاكم.
- لكن يا عبد الحليم، الملاكمون يتلامسون ويتحسّس الواحد منهما الآخر من مسافة قريبة، وهذا أسوأ من التفاوض.
- لكن لا تتفاوض، قالها وهو يضحك قبل أن يضيف: يجب أن تخرجوا من المفاوضات من دون أن تقدّموا أي شيء للإسرائيليين.
- لولا وجود سابقة فشل وإذلال فيما أصاب القضية الفلسطينية لكنتُ وافقتُك. أنا أمام واقع لا يمكن أن أقبل به. وسأختار الحل العملي الأفضل. جامعة الدول العربية ليست خياراً جدّياً يؤدّي إلى خروج إسرائيل من لبنان.
عندها انتقد خدّام العديد من الدول العربية التي تكلّمت ضد الصهيونية من غير أن تفعل شيئاً لمواجهتها. واقترح تعزيز الصفوف اللبنانية الداخلية والشروع في مقاومة مكثَّفة، ولو استغرقت زمناً طويلاً، ضد إسرائيل. فأجبتُه بأنني لا أعتقد أن النضال وحده يُخرج إسرائيل، وأننا نحتاج إلى دولة عظمى تساعدنا في التوصّل إلى اتّفاق يُخرجها ويضمن سلامة حدودنا والاستقرار في بلدنا. وأنهيتُ كلامي بالقول: «ثقوا بالحكومة اللبنانية، امنحوها ثقتكم كاملة. لبنان بلد معقّد واللبنانيون وحدهم يحسنون التعامل مع مثل هذا الوضع. سنحاول حلّ أزمتنا بالدبلوماسية. طريقتنا في معالجة الأمور تختلف عن طريقتكم. قد نتباين معكم في اختيار الوسيلة، لكننا لن نختلف حول الأهداف. أعطوا الحكومة الدعم الذي تحتاج إليه، ثم حاسبوها في وقت لاحق».
من جهته، ختم وزير الخارجية السوري كلامه بالقول: «لا مشكلة في ذلك. إننا ندعمكم. بالنسبة إلى ابنَي الشيخ بيار، أحببنا أمين، ولم نحب بشير. أردنا لأمين أن يكون رئيساً للبنان، وأن يكون رئيساً قوياً. الرئيس الضعيف يخلق المشاكل لكم ولنا».
لقد التقيتُ خدّام مراراً بعد ذلك الاجتماع، وأذكر أنّني سألته في إحدى المرّات: «لماذا تؤيدون تحريك جبهتنا مع إسرائيل وأنتم لا تحرّكون جبهتكم معها؟ فأجابني من دون تردّد: «لأنّ الأسد يحترم اتّفاق الهدنة معها، أمّا أنتم فجبهتكم مفتوحة».
- من فتحها؟ أنتم وحلفاؤكم.
- نحن نناضل في المكان المناسب.
- للحديث صلة.
اختلفتُ مع خدّام كثيراً في العديد من اللقاءات، ووصلتِ المشادة بيننا مرة إلى حدّ عنيف لم أكن أتمناه، لكن العلاقة الشخصية التي نشأت بيني وبينه لم تفتر (...).
اكتشاف شخصية الأسد
أما لقائي الأول مع الرئيس السوري حافظ الأسد، فكان خلال تناول الغداء في جناحه في الفندق في نيودلهي، والذي أعدّه طبّاخه الخاص وكان من ألذ الأطباق الدمشقية. وجدتُه مرحاً للغاية وهو يحدثّنا، بلا تكلُّف، كشاب ثوري على مقاعد الجامعة. نظر إليّ وهو يقول لي: «نحن نعرف الكثير عنك من أصدقائك أيام الجامعة الأميركية، جورج حبش، هاني الهندي، وحسّان مريود وغيرهم، وبعضهم أقرب أصدقائي إليّ». ثمّ وزّع نظره بيني وبين الرئيس الجميّل وأضاف، غامزاً من قناة الأخير، لكن بشكل فكاهي ومرح لإعطاء طابع شخصي وحميم: «أنت، بقدر ما نعلم عنك، عربي جيّد، ماذا يفعل ثائر عربي مثلك مع عائلة الجميّل الانعزالية؟»، وكي يزيد من الالتباس حول ما إذا كان ما يقوله يقصده بالفعل أم مجرّد مزاح، ضحك الأسد عالياً. والنكتة جزء لا يتجزّأ من الدبلوماسية الأسدية، بها يوصل ما يريد إلى الطرف الآخر، تاركاً خط العودة عما قاله مفتوحاً. يحب أن يريح ضيفه كي يخفّف من حذره فيتكلّم بانسياب. يلعب أوراقه بسخاء، أما الورقة الحاسمة فيحتفظ بها لنفسه بحرص شديد جداً، إلى أن يلعبها حين يعتبر أن الوقت الملائم قد حان. وما قاله للرئيس الجميّل كان بالنسبة إلى الأسد شكلاً من أشكال التقرّب، وما كان يقصد بذلك أي تجريح، وإن كان لا يمانع بأن يُصاب بشيء من الإرباك، فردّ الجميّل: «لمعلوماتك إيلي أكثر لبنانية من بيار الجميّل، إذا كان ذلك ممكناً». وضحك الأسد بعدما شعر بأن نكتته قد تكون فعلت فعلها.
بهذه الأجواء المرحة تعلّمنا المزيد عن شخصية الأسد، إنّه مُضحك لكنّه صارم، مُتساهل ظاهرياً، لكن لا يتغيّر في المضمون. استدار ثانية صوبي، وقال: «نقدّر تصريحاتك وسياستك. الظاهر أن الكورة، أو ربما الأرثوذكسية، تنتج رجالاً عظاماً. لا، لا، ليس على الدوام. دعني أتذكّر. لقد أنتجتْ شارل مالك، فيلسوف جيّد لكنه سياسي سيّئ؛ وأعطتْ أيضاً أنطون سعادة، أرثوذكسي ولكن ليس من الكورة، والذي كان قائداً عظيماً وله أتباع كثيرون في سوريا، غير أنه لم يفهم القومية العربية حق الفهم».
شعرتُ يومذاك أن الأسد يحب أن يتكلّم، بل يستمتع في الكلام والمناقشات. كان يعير اهتمامه الكبير للقضايا الكبيرة، ويفضّل ألاّ يناقش تفاصيلها. أدهشتني إحاطته بجوانب السياسة اللبنانية ومنعرجاتها. كان هو وخدّام، كمن يقرأ في كتاب واحد، وضعاه معاً. يستذكران الأسماء والأحداث، من غير أن يحاولا أن يخفيا دورهما فيها. وأظهر الرئيس السوري اهتمامه الكبير بلبنان وبتوازن القوى فيه، وبواقع التطورات الجارية فيه على إيقاع سير الأحداث الدائرة في الشرق الأوسط وانعكاساتها على المستقبل.
بدا الأسد في هذا اللقاء معنا تواقاً لمعرفة أمر واحد بالتفصيل، وهو اتّجاه المفاوضات الصعبة التي كانت، في تلك الأثناء، تجري بيننا وبين الإسرائيليين. وحرص على أن يؤكّد لنا رفضه أي اتّفاق مع إسرائيل يمكن أن يسيء إلى سيادة لبنان واستقلاله، طبعاً من منظوره، مشيراً إلى أنه مستعد لمغادرة لبنان إذا تمّ التوصل إلى اتّفاق مناسب. وخرجنا من الاجتماع بانطباع أن الأسد بالفعل قائد مجرّب وسياسي محنّك، ولاعب بارع على مسرح الشرق الأوسط، كما كانت صورته السائدة في ذلك الحين في العديد من الأوساط اللبنانية والعربية والدولية. وهذا ما جعلنا نشعر بأننا مقبلون على شدّ حبال معه غير سهل.
كانت قمة عدم الانحياز مناسبة للاجتماع بالعديد من الوفود والشخصيات العربية. وإذا كان الفلسطينيون أبدوا استعدادهم لانسحاب قواتهم من لبنان، غير أنهم رفضوا تحديد مهل محدّدة. وأبدى الوفد دعمه القوي لجهودنا الرامية إلى إخراج الإسرائيليين عبر المفاوضات الجارية، محجمين عن إعطاء نصائح بوجوب وقف التفاوض واعتماد النضال المسلّح لإخراج المحتلّين بالقوة العسكرية، كما فعل السوريون. لقاء آخر تستحق الإشارة إليه كان بين الرئيسَين الجميِّل والوزّان مع الرجل الثاني في النظام الليبي عبد السلام جلّود الذي بدأ حديثه باتّهام الجميّل بالخيانة بسبب قبوله التفاوض مع الإسرائيليين، وخرج من اللقاء موافقاً تمام الموافقة على الموقف اللبناني؛ ما حدا بالرئيس الوزّان إلى التعليق على التحوّل في موقف جلّود من النقيض إلى النقيض بأنه أفضل حتى من اهتداء شاول وهو على طريق دمشق، وأضاف أن الجميّل «جَلَدَ جلّود». واتّخذتُ قول الوزان شعاراً ألجأ إليه كلما تعقّدت الأمور مع أي قائد عربي آخر، محدِّثاً نفسي: «لا تنسَ جَلْدَ جلّود».
في نهاية أعمال القمة، وزّعت الأمانة العامة لمنظّمة دول عدم الانحياز البيان الختامي، ففوجئتُ بأن القرار المتعلّق بلبنان مختلف عن النص الذي أعددتُه وأرسلتُه بناءً على طلب من السفير الهندي، بعد اعتراضي عليه والنقاش الذي دار بيننا، كما سبق وذكرتُ. وفي حين كنتُ أسجّل اعتراضي وأطلب اعتماد النص الذي أرسلناه، قال لي خدّام إن الهيئة العامة أقرّتْ بالإجماع القرار المتعلّق بلبنان، وإنه النص الصحيح وهو مناسب وجيّد، فأجبتُه: «لا، ليس الصحيح، ولا المناسب وهو مرفوض. فلنعد إلى النص الذي أعددته، وهكذا كان». وهنا علمتُ أن خدّام كان مطّلعاً على مسألة استبدال فقرة لبنان في البيان الختامي، إن لم يكن هو بنفسه وراءها، إعداداً وتنفيذاً ومضموناً يتوافق مع توجّهات النظام السوري. وفي كلّ مرة أتطرّق إلى هذه الحادثة في نيودلهي، أتذكّر حديثاً لاحقاً بيني وبين خدّام، قال لي فيه: «نحن في سوريا، لسنا دولة. نحن نظام له رأس واحد وهو الرئيس حافظ الأسد... وأنا الرجل الثاني. والقانون عندنا هو ما يتناسب مع النظام». فقلتُ له: «والحقيقة كمان»، فضحك ضحكته العالية الشهيرة.
عندها أشرفت على توزيع البيان المتضمِّن القرار الصحيح بشأن لبنان. ولعدم ترك أي مجال للتلاعب؛ أرسلتُ القرار الذي وضعنا مسودّته إلى جميع سفاراتنا، وطلبتُ منها أن توزّعه على نطاق واسع، باعتباره القرار الرسمي الذي تبنّته قمة دول عدم الانحياز، بالإجماع.
خلال أعمال المؤتمر، زارني السفير الأميركي في نيودلهي، بمقر إقامتي، وأخبرني أن وزيره جورج شولتز، اتّصل به وطلب منه أن ينقل دعوة شولتز لي لزيارة واشنطن، واجتمع به قبل أن يلتقي وزير الخارجية الإسرائيلية إسحق شامير يوم الأحد، في 13 مارس. فأجبتُه بأني على استعداد لذلك؛ شرط ألاّ يكون شولتز في صدد التفكير بعقد لقاء يجمعني بشامير. ولمّا تأكّدتُ من أنّه لا نيّة لدى الوزير الأميركي بمثل هذا اللقاء، قررتُ أن ألّبي الدعوة، وأبلغتُ سفير الولايات المتّحدة بأنني سأكون في واشنطن يوم السبت في 12 مارس، للاجتماع بشولتز.
القلق من بطء المفاوضات وتعثّرها
لسخرية القدر، كانت الغالبية الساحقة من القوى التي تقاتلت في أبريل (نيسان) 1975، بمن فيهم قادة منظّمة التحرير الفلسطينية، من الداعمين لنجاح المسار التفاوضي مع إسرائيل الذي انطلقنا فيه لإخراج ليس فقط قواتها المحتّلة، بل أيضاً جميع القوات غير اللبنانية. بعضهم أعرب عن موقفه بشكل علني، وشكّل مظلّة وطنية حقيقية، مثل الرئيس صائب سلام، وبعضهم في السرّ، وشكّل دافعاً قوياً لنا، لكي نثق بأنفسنا وبصوابية خياراتنا وما نعمل له، ونمضي قدماً، رغم كلّ المخاطر والمطبّات والتهديدات التي أخذت سوريا تمررها من وقت إلى آخر، بشكل مباشر أو غير مباشر، وتزداد وتيرتها مع اقتراب المفاوضات من نهايتها.
لعل أبرز المواقف غير المُعلنة، موقف رئيس الحكومة السابق رشيد كرامي، الذي قال لي في جلسة خاصة: «رجاءً، أسرعوا. ما دام الأميركيون مصمّمين على نحو كهذا، ينبغي عدم تفويت فرصة استعادة لبنان سيادته على كلّ أراضيه. تجب الاستفادة من الدعم الأميركي؛ إذ لا شيء يضمن مستقبلاً خروج الجيش السوري».
نقلتُ هذا الموقف المتقدِّم إلى رئيس الجمهورية، ولم أطلِع عليه سوى قلّة قليلة جداً، من بينها رئيس الحكومة شفيق الوزّان؛ حفاظاً على سلامة الرئيس كرامي. حتى عندما اضطُر الأخير برأيي، بنتيجة الضغط السوري وظروف حضوره في طرابلس، إلى أن يعلن موقفاً ضد الاتّفاق، ارتأيتُ أن أبقي كلامه طيّ الكتمان.
كان الأميركيون أيضاً قلقين جداً من مراوحة المفاوضات مكانها، وبخاصة جورج شولتز، الذي كان مهتماً بإيجاد مخارج للنقاط العالقة في مفاوضاتنا الدائرة مع إسرائيل والتي كانت تعيق تقدّمها، نتيجة إصرار إسرائيل عليها: مثل مستقبل سعد حدّاد والمناورات المشتركة بين الجيشَين اللبناني والإسرائيلي، وأبراج المراقبة، خصوصاً في الباروك، وتطبيع العلاقات. استمعت إليه ثم شدّدت أولاً على أن مشكلة الرائد في الجيش اللبناني سعد حدّاد هي مشكلة لبنانية، وسنحلّها في إطار لبناني كما نريد. وبالنسبة إلى المناورات المشتركة، لا يمكننا التفكير بها؛ لأننا لسنا في صدد عقد معاهدة سلام، وبالتأكيد لسنا حلفاء لنقوم بنشاطات مشتركة، خصوصاً في قضايا حسّاسة كالتعاون العسكري والأمني. ولا يمكننا ثالثاً أن نستجيب لرغبة آرييل شارون في إنشاء أبراج مراقبة على أراضينا، «لا في الباروك ولا في مكان آخر؛ لأننا بذلك نعرّض سلامتنا وسلامة أشقائنا، وفي مقدّمتهم سوريا، للخطر. والتطبيع أيضاً غير وارد، ولا يمكن أن يتحقّق إلاّ في إطار سلام شامل بين إسرائيل والدول العربية. وبما أنني كنتُ في صدد ترك انطباع إيجابي لديه، قلتُ له أن ينقل إلى شامير أن لبنان لن يسمح بعد الآن بأن تكون أراضيه قاعدة عمليات ضد إسرائيل، لا من قِبل منظّمة التحرير الفلسطينية ولا من قِبل أي فصيل آخر. وأكّدتُ عزم الحكومة اللبنانية على تعزيز الجيش اللبناني وتقويته وتسليحه لتمكينه من القيام بدوره كاملاً، مستفيداً من دعم «اليونيفيل»، ومؤازرتها له.
رغم تأكيد شولتز أن لا نية لديه في جمعي بشامير، فإنه ألمح لي بأن اجتماعاً بيني وبين وزير الخارجية الإسرائيلية من شأنه أن يحلّ إشكالات عدة ويسهّل مسار المفاوضات، «وقد يُعطي الإسرائيليين الثقة التي يحتاجون إليها للسير بالاتّفاق». فأجبتُه بأن الأمر غير وارد على الإطلاق، وشرحتُ له مطوَّلاً الأسباب التي تمنعني من ذلك، وهو من دون شك لم يكن غريباً عنها. وكما توقّعتُ، سُرّ شولتز بما قلتُه له عن عدم السماح لأحد باستغلال الأراضي اللبنانية لمهاجمة إسرائيل، وفي ظنّي أعطاه دفعاً لمحادثاته في اليوم التالي مع شامير. فقد أسرّ إليّ في وقت لاحق بأن الإسرائيليين ارتاحوا إلى هذا الموقف، وتوقّفوا عنده بإيجابية.
يبقى همّنا التواصل المستمر مع سوريا والتخفيف من حدة الموقف الإيديولوجي الذي اتخذه الأسد.
أراد الرئيس الجميل أن يظهر لأميركا دعم المسلمين له. وقرّر إرسال صائب بك سلام، الزعيم السني البارز، للقاء الرئيس ريغان بوفد يضم سالم و(غسان) تويني و(جان) عبيد. وفي اجتماعنا معه في البيت الأبيض بحضور كبار معاونيه، سأل شولتز الرئيس سلام عن مشاعر المسلمين في لبنان نحو منظّمة التحرير الفلسطينية، فأجابه بأن المسلمين ملتزمون بالقضية الفلسطينية، ويدعمون منظّمة التحرير في نضالها، لكنهم لا يدعمون قيامها بنشاط عسكري يعرّض لبنان للخطر، وأنه يعارض تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وأن لبنان سيقوم بهذا التطبيع بعد مبادرة الدول العربية إلى ذلك، لا قبله.
نحن في سوريا لسنا دولة... نحن نظام له رأس واحد هو الرئيس حافظ الأسد وأنا الرجل الثاني
عبد الحليم خدام
الإسرائيليون مفاوضون في منتهى الصعوبة
أمضينا أسبوعاً مثمراً في واشنطن، فقد تمكّنا من أن ننقل للأميركيين، ومن خلالهم للإسرائيليين، وجهة نظرنا. وخلال مأدبة عشاء في دار الأمير بندر بن سلطان، سفير السعودية لدى واشنطن، مساء الخميس في 17 مارس، التقينا مجدّداً الوزير جورج شولتز الذي حذّرنا من أن الإسرائيليين مفاوضون في منتهى الصعوبة، ويحاولون انتزاع كلّ شيء من لبنان. وأضاف: «لكننا نقف إلى جانبكم لحماية حقوقكم». أثناء العشاء، أخبرت بندر بأنني أترك غداً إلى لندن، فأجابني: «وأنا كذلك، تعالَ معي في طائرتي الخاصة وأنا أقودها أتحدّث معك».. فوافقتُ، وأخذنا الطائرة في الليلة نفسها. غير أنني سرعان ما ندمتُ، لأن الأمير محدّث لبق وصاحب نكتة، وأبقاني صاحياً طوال الليل، وهو يروي لي تجاربه كطيار مقاتل، في حين كنتُ أحاول عبثاً أن أختلس بضع دقائق للنوم، بعد أسبوع حافل مرهق.
(...)
كان لي أيضاً في مدينة الضباب، في 19 مارس، اجتماع مهم وممتع كالعادة مع وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل الذي كانت صداقتي الشخصية معه تزداد في كلّ لقاء. فإضافة إلى تفهّمه أوضاع لبنان وظروفه، والضغوط التي كان يتعرّض لها، كان الفيصل رجلاً مثقّفاً ومنفتحاً على العالم والأفكار والناس. وكلّما ازداد معرفة وثقة بمن يلتقي بهم، كان الأمير يكشف عن ذاته ورؤيته ونظرته إلى الحياة أكثر.
كما اجتمعتُ في عاصمة المملكة المتّحدة بالوزير خدّام وأطلعتُه على موقف واشنطن من المفاوضات وثقتهم بأنها ستفضي إلى نتيجة رغم تعنّت الإسرائيليين. وهنا نصحني خدّام بأن تكون محادثاتنا الجدّية مع جورج شولتز؛ لأنه رجل مسؤول وواقعي. غير أن للرجل مشكلة واحدة هي أنه يصغي أكثر مما يتكلّم، فعلّقتُ ممازحاً: «يا عبد الحليم، أنت ما عندك هالمشكلة». ثم طلب بإلحاح أن نطلعه خطّياً على ما يجري في المفاوضات، فجان عبيد «لا يقول لنا سوى ما ترفضونه أثناء المحادثات، وهذا أمر جيّد، لكننا نود أن نعرف أيضاً بماذا قبلتم. جان يخبرنا بالعموميات، لكنني أريد أن أعرف التفاصيل بصورة خطيّة. نحن في لبنان لمساعدتكم. استعملونا وسيلةَ ضغطٍ على الإسرائيليين. وحين تتوصّلون إلى اتّفاق خالٍ من التنازلات مع إسرائيل، تعالوا إلى دمشق. وخلال نصف ساعة، نتّفق على سحب قواتنا من لبنان. فالأميركيون يسألوننا دائماً: متى ستنسحبون؟ ماذا يريدون مني؟ هل يريدون أن أسجّل لهم شريطاً؟ طيّب، سأفعل ذلك وأقول فيه: (سننسحب، سننسحب، سننسحب!) وأبلغتُ خدّام:
- قلنا للإسرائيليين، بواسطة الأميركيين، إن الجيش اللبناني الجديد قادر على حفظ الأمن في جنوب لبنان، وتأمين الاستقرار فيه، ومنع التسلّل عبر الحدود للقيام بأعمال عدائية ضد إسرائيل.
- هل قبلتم بتطبيع العلاقات؟
- لا، لن نفتح حدودنا مع إسرائيل، ونغلقها بالتالي مع شقيقاتنا الدول العربية الأخرى. هل يمكن أن نحصل على تعهّد بجدول الانسحاب السوري من لبنان؟
- هذا أمر تقني، خارج عن صلاحياتي.
- هل ستقبل سوريا باستقبال بعض مقاتلي منظّمة التحرير الذين سينسحبون من عندنا؟
- يجب أن يذهبوا إلى الجزائر أو المغرب أو السعودية. ومَن سيبقى من الفلسطينيين في لبنان يجب تجريدهم من سلاحهم. هل صحيح أن لبنان توصّل إلى اتّفاق مع إسرائيل؟ لقد قال لي السفير الفرنسي في نيودلهي شيئاً من هذا القبيل.
- حين نقترب من الاتّفاق مع الإسرائيليين، وقبل التوقيع على أي شيء، سآتي إلى دمشق، وأقدّم لك المسودة، وسأبحثها معك، وستكون أول من يعلم بها، لا سفير هذه الدولة أو تلك (...)
- سوريا ستبذل ما في وسعها لتحقيق هذا الهدف. لبنان دولة مستقلّة، ومن الطبيعي أن تفعل ما يصبّ في مصلحتها. أما سوريا، فتنظر إلى المسألة من منظور الصراع العربي - الإسرائيلي. إننا ندعم جهودكم، لكننا أيضاً مقيّدون بمنظورنا. آمل ألاّ يصطدم الأمران.
أخبرت بندر بأنني أترك غداً إلى لندن فأجابني: «وأنا كذلك... تعالَ معي في طائرتي الخاصة وأنا أقودها»... وافقتُ غير أنني سرعان ما ندمتُ
إيلي سالم
احتمالات الخلاف مع سوريا
لقد بدأنا نتلمّس بوضوح عبر اتّصالاتنا المباشرة وغير المباشرة مع السوريين أن احتمالات الخلاف معهم قائمة. لقد كانت لهم أولوياتهم واهتماماتهم الإقليمية والدولية، ومن الصعب عليهم أن يقبلوا بأن نفاوض لعقد اتّفاق يمكن أن تكون له انعكاسات على دورهم ومصالحهم الوطنية والقومية، وفق نظرتهم لها، والتي يمكن ألاّ تنسجم مع أولوياتنا الرامية إلى إنهاء كلّ ما من شأنه أن يعطي إسرائيل ذريعة لعدم انسحاب قواتها من لبنان.