«خمسون قصيدة» في قبضة حياة صاخبة

مختارات تجسد رحلة حجازي الشعرية لستة وخمسين عاماً

«خمسون قصيدة» في قبضة حياة صاخبة
TT

«خمسون قصيدة» في قبضة حياة صاخبة

«خمسون قصيدة» في قبضة حياة صاخبة

في كتابه «خمسون قصيدة» الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب وهو عبارة عن مختارات تجسد مسيرة الشاعر أحمد عبد المعطي الإبداعية، يقول الناقد دكتور محمد عبد المطلب «من الواضح أن شعرية حجازي محدودة «كميا» لكنها غير محدودة «كيفيا»، لافتا إلى أنه بدأ ينشر شعره منذ عام 1955 وظل يتابع النشر حتى عام 2011 والمسافة الزمنية لهذا النشر تبلغ ستة وخمسين عاما تقريبا، ما يعني أن إصدار شعره سار بمعدل ديوان كل ثماني سنوات تقريبا.
يفسر عبد المطلب ذلك بأن حجازي «لا يمارس الإبداع إلا عندما يدخل الحالة الشعرية التي يحل فيها كما تحل فيه». وهو ما أكسب شعريته خصوصية سكنى القلب والروح والعقل، كما تنطبق عليه مقولة التراث: «أشعر الشعراء من أنت في شعره حتى تفرغ منه» وإن كان القارئ لا يفرغ منه بعد القراءة بل يعيش عالمه الشعري حضورا وغيابا.
ومن ثم يؤكد عبد المطلب على أن المكانة الباذخة التي يحتلها حجازي في مسيرة الشعر العربي جاءته من عدة مصادر منها مكانته الريادية في شعر التفعيلة، فضلا عن معالجته ركائز الشعرية العربية الرئيسية وهى الموسيقى واللغة والخيال والمعنى والتي يشير إليها حجازي ضمنيا في كتابه «الشعر رفيقي»، حيث عرض للموضوع الشعري وضرورة أن يمتزج بالإحساس وتوابعه من الخيال، أو ما تختزنه الذاكرة من الثقافة واللغة، أي أن حجازي يعتمد هذه الرباعية على نحو من الأنحاء وهذا المفهوم يكاد يتوافق مع مفهوم واحد من أعلام التراث هو ابن سلام في مقولته: «الشعر صناعة وثقافة يعرفها أهل العلم كسائر أصناف العلم والصناعات منها ما تثقفه اليد ومنها ما يثقف اللسان» والصناعة في هذه المقولة تعني الفن.
ويتطرق عبد المطلب لديوان حجازي الأول «مدينة بلا قلب» مشيرا إلى أن إنتاج هذا الديوان صحبه موقفان متلازمان أحدهما مادي والآخر معنوي. الأول هو الرحيل من القرية إلى المدينة بكل نواتجه النفسية والعقلية والروحية، والآخر هو الصعود إلى قمة الشعر وهي القمة التي استقر فيها مغالبا مشقة الطريق ومغالبا منافسة الكبار وقد تغلب على كل ذلك لأنه من أصحاب العزم، فقد كان رفاق قريته يصنعون تماثيلهم من الطين أما هو فيصنعها من الحجارة مغالبا المشقة التي يعانيها مقارنة بما يعانيه رفاق طفولته وهو ما عبر عنه في «دفاع عن الكلمة»:
«أنا أصغر فرسان الكلمة
لكني سوف أزاحم من علمني لعب السيف
من علمني تلوين الحرف
سأمر عليه ممتطيا صهوة فرسي
لن أترجل... لن يأخذني الخوف»
وتتردد ذكريات الطفولة والصبا في ثماني قصائد من المختارات هي «العام السادس عشر، الأمير المتسول، رقص، تعليق على منظر طبيعي، خارج الوقت، وأيام أمي، طللية، المراثي». أهمية هذا الملمح تتمثل في أن زمن الطفولة هو الزمن الأثير في مسيرة حجازي فهو زمن البراءة والطهر والفطرة في القرية، زمن السعادة الروحية والقلبية يقول في قصيدة «خارج الوقت»:
«لم أعد أطلب المستحيل
ولم يبقَ لي أن أفكر في بشر سعداء
يعيشون في زمن كالطفولة
لا يهرمون أبدا»
هذه الطفولة الأبدية ظلت محفورة في ذاكرة هذا الشاعر بكل محتوياتها الحياتية والطبيعية أما محتوياتها الحياتية ففي مقدمتها طفولته مع أمه حيث يقول في قصيدة «أيام أمي»:
وأنا أذكر أمي في صباها وصباي
كنت طفلا
لا أرى في المرأة الكاشفة الساقين
إلا أنها أمي التي تجلس للمرآة
تفشي عطرها الفواح
أو ترسم فيها كحلها
ثم تمشي في ظلال الصيف كالطيف»
ومن الملامح الأخرى التي تجسدها مسيرة حجازي «الصدام بين القرية والمدينة». وهذا الملمح هو امتداد للملمح السابق، ذلك أن القرية هي التي شهدت مولد الشاعر وشهدت مرحلة الطفولة والصبا بكل ما فيهما من براءة وفطرية ولم يكن الشاعر بدعا في دخول هذه المرحلة فقد سبقه كثير من المبدعين من الشعراء والكتاب في دخولها والتعبير عنها فيما أبدعوه. ذلك أن الحنين إلى البدايات أمر تفرضه الفطرة الإنسانية بل يمكن القول إن دخول هذه المرحلة نسق ثقافي مغرق في القدم وليس الوقوف على الطلل في التراث إلا نوعا من الحنين إلى الماضي بكب محتوياته. ويتردد هذا المحور ترددا لافتا في ديوان حجازي بل إن ديوانه الأول حمل عنوانا دالا على هذا الصدام وربما كانت أقسى صور المدينة ما جاء في قصيدة «رسالة إلى مدينة مجهولة» يقول فيها:
«وكان أن عبرت في الصبا البحور
رسوت في مدينة من الزجاج والحجر
الصيف فيها خالد ما بعده فصول
بحثت فيها عن حديقة فلم أجد لها أثر
وأهلها تحت اللهيب والغبار صامتون
ودائما على سفر
لو كلموك يسألون.. كم تكون ساعتك»
يعد الفقد ملمحا آخر في هذه المختارات الشعرية التي يضمها الكتاب، ويمثل نتيجة للملمحين السابقين ومن ثم يضم في سياقه فكرة الموت أيضا. وهذا الفقد يتراجع للوراء بخاصة فقد الشاعر لطفولته في القرية وما يرتبط بها من الوالدين والإخوة ثم تفاقم الفقد في عالم المدينة للشخوص والأماكن والذكريات. ويتنامى الفقد مع التقدم في العمر. ومن تبعاته قصائد الرثاء في مدونة الشاعر، وتكاد تكون قصيدة «العودة من المنفى» خالصة لهذا الفقد الذي يسكن ذاكرة وقلب حجازي. يقول في مطلعها:
«لما تحررت المدينة عدت من منفاي
أبحث في وجوه الناس عن صحبي
فلم أعثر على أحد وأدركني الكِلال
فسألت عن أهلي وعن دار لنا
فاستغرب الناس السؤال»
ويتسع محور الفقد لنسق الموت بوصفة ركيزة الفقد التي لا مفر منها وإن كانت بداياته ذلك الموت الاعتباري الذي عبر عنه في قصيدة «الموت فجأة»:
«حملت رقم هاتفي
واسمي وعنواني
حتى إذا سقطت فجأة تعرفتم عليّ
وجاء إخواني
تصوروا لو أنكم لم تحضروا
ماذا يكون
أظل في ثلاجة الموتى طوال ليلتين»
ثم من الموت «الاعتباري» إلى الموت «الإسقاطي» الذي يواجه به عالم المدينة في قصيدة «مقتل صبي»:
«الموت في الميدان طن
الصمت حط كالكفن
وأقبلت ذبابة خضراء
جاءت من المقابر الريفية الحزينة
ولولبت جناحها على صبي مات في المدينة»
ويتجلى ملمح الزمن في قصيدته «المراثي» التي وضع لها عنوانا موازيا «محطات الزمن الآخر» وفيها يقول:
«زمن واقف
يتعامد فوق مدى الزمن الأفقي
وينأى عن المعدن المتدفق في الطرقات المضيئة
كيف يحسب وقت الرحيل
بعيدا عن الشمس واللحظات الدفينة»
ويرى دكتور عبد المطلب، أنه كان لشعرية حجازي بعض الاعتبارات في نظرها لما حولها بوصفها منبهات زمنية وربما كانت ساعة الميدان أهم تلك المنبهات يقول في «العام السادس عشر»:
«أصدقائي
نحن قد نغفو قليلا
بينما الساعة في الميدان تمضي
ثم نصحو فإذا الركب يمر»
أما عن الحضور الأنثوي، فيؤكد دكتور عبد المطلب أن الأنثى تعد آخر الملامح التي تتجلى عبر المختارات، فهي تكاد تكون حاضرة في معظم القصائد سواء أكان حضورها مباشرا ومجسدا أم كان حضورا رمزيا غير مباشر؛ وربما دخل حضورها منطقة الأساطير.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)

يجيب معرض «الجمل عبر العصور»، الذي تستضيفه مدينة جدة غرب السعودية، عن كل التساؤلات لفهم هذا المخلوق وعلاقته الوطيدة بقاطني الجزيرة العربية في كل مفاصل الحياة منذ القدم، وكيف شكّل ثقافتهم في الإقامة والتّرحال، بل تجاوز ذلك في القيمة، فتساوى مع الماء في الوجود والحياة.

الأمير فيصل بن عبد الله والأمير سعود بن جلوي خلال افتتاح المعرض (الشرق الأوسط)

ويخبر المعرض، الذي يُنظَّم في «مركز الملك عبد العزيز الثقافي»، عبر مائة لوحة وصورة، ونقوش اكتُشفت في جبال السعودية وعلى الصخور، عن مراحل الجمل وتآلفه مع سكان الجزيرة الذين اعتمدوا عليه في جميع أعمالهم. كما يُخبر عن قيمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدى أولئك الذين يمتلكون أعداداً كبيرة منه سابقاً وحاضراً. وهذا الامتلاك لا يقف عند حدود المفاخرة؛ بل يُلامس حدود العشق والعلاقة الوطيدة بين المالك وإبله.

الجمل كان حاضراً في كل تفاصيل حياة سكان الجزيرة (الشرق الأوسط)

وتكشف جولة داخل المعرض، الذي انطلق الثلاثاء تحت رعاية الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة؛ وافتتحه نيابة عنه الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي، محافظ جدة؛ بحضور الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»؛ وأمين محافظة جدة صالح التركي، عن تناغم المعروض من اللوحات والمجسّمات، وتقاطع الفنون الثلاثة: الرسم بمساراته، والتصوير الفوتوغرافي والأفلام، والمجسمات، لتصبح النُّسخة الثالثة من معرض «الجمل عبر العصور» مصدراً يُعتمد عليه لفهم تاريخ الجمل وارتباطه بالإنسان في الجزيرة العربية.

لوحة فنية متكاملة تحكي في جزئياتها عن الجمل وأهميته (الشرق الأوسط)

وفي لحظة، وأنت تتجوّل في ممرات المعرض، تعود بك عجلة الزمن إلى ما قبل ميلاد النبي عيسى عليه السلام، لتُشاهد صورة لعملة معدنية للملك الحارث الرابع؛ تاسع ملوك مملكة الأنباط في جنوب بلاد الشام، راكعاً أمام الجمل، مما يرمز إلى ارتباطه بالتجارة، وهي شهادة على الرّخاء الاقتصادي في تلك الحقبة. تُكمل جولتك فتقع عيناك على ختمِ العقيق المصنوع في العهد الساساني مع الجمل خلال القرنين الثالث والسابع.

ومن المفارقات الجميلة أن المعرض يقام بمنطقة «أبرق الرغامة» شرق مدينة جدة، التي كانت ممراً تاريخياً لطريق القوافل المتّجهة من جدة إلى مكة المكرمة. وزادت شهرة الموقع ومخزونه التاريخي بعد أن عسكر على أرضه الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع رجاله للدخول إلى جدة في شهر جمادى الآخرة - ديسمبر (كانون الأول) من عام 1952، مما يُضيف للمعرض بُعداً تاريخياً آخر.

عملة معدنية تعود إلى عهد الملك الحارث الرابع راكعاً أمام الجمل (الشرق الأوسط)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال الأمير فيصل بن عبد الله، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»: «للشركة رسالة تتمثّل في توصيل الثقافة والأصالة والتاريخ، التي يجهلها كثيرون، ويشكّل الجمل جزءاً من هذا التاريخ، و(ليان) لديها مشروعات أخرى تنبع جميعها من الأصالة وربط الأصل بالعصر»، لافتاً إلى أن هناك فيلماً وثائقياً يتحدّث عن أهداف الشركة.

ولم يستبعد الأمير فيصل أن يسافر المعرض إلى مدن عالمية عدّة لتوصيل الرسالة، كما لم يستبعد مشاركة مزيد من الفنانين، موضحاً أن المعرض مفتوح للمشاركات من جميع الفنانين المحليين والدوليين، مشدّداً على أن «ليان» تبني لمفهوم واسع وشامل.

نقوش تدلّ على أهمية الجمل منذ القدم (الشرق الأوسط)

وفي السياق، تحدّث محمد آل صبيح، مدير «جمعية الثقافة والفنون» في جدة، لـ«الشرق الأوسط» عن أهمية المعرض قائلاً: «له وقعٌ خاصٌ لدى السعوديين؛ لأهميته التاريخية في الرمز والتّراث»، موضحاً أن المعرض تنظّمه شركة «ليان الثقافية» بالشراكة مع «جمعية الثقافة والفنون» و«أمانة جدة»، ويحتوي أكثر من مائة عملٍ فنيّ بمقاييس عالمية، ويتنوع بمشاركة فنانين من داخل المملكة وخارجها.

وأضاف آل صبيح: «يُعلَن خلال المعرض عن نتائج (جائزة ضياء عزيز ضياء)، وهذا مما يميّزه» وتابع أن «هذه الجائزة أقيمت بمناسبة (عام الإبل)، وشارك فيها نحو 400 عمل فني، ورُشّح خلالها 38 عملاً للفوز بالجوائز، وتبلغ قيمتها مائة ألف ريالٍ؛ منها 50 ألفاً لصاحب المركز الأول».

الختم الساساني مع الجمل من القرنين الثالث والسابع (الشرق الأوسط)

وبالعودة إلى تاريخ الجمل، فهو محفور في ثقافة العرب وإرثهم، ولطالما تغنّوا به شعراً ونثراً، بل تجاوز الجمل ذلك ليكون مصدراً للحكمة والأمثال لديهم؛ ومنها: «لا ناقة لي في الأمر ولا جمل»، وهو دلالة على أن قائله لا يرغب في الدخول بموضوع لا يهمّه. كما قالت العرب: «جاءوا على بكرة أبيهم» وهو مثل يضربه العرب للدلالة على مجيء القوم مجتمعين؛ لأن البِكرة، كما يُقال، معناها الفتيّة من إناث الإبل. كذلك: «ما هكذا تُورَد الإبل» ويُضرب هذا المثل لمن يُقوم بمهمة دون حذق أو إتقان.

زائرة تتأمل لوحات تحكي تاريخ الجمل (الشرق الأوسط)

وذُكرت الإبل والجمال في «القرآن الكريم» أكثر من مرة لتوضيح أهميتها وقيمتها، كما في قوله: «أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» (سورة الغاشية - 17). وكذلك: «وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ» (سورة النحل - 6)... وجميع الآيات تُدلّل على عظمة الخالق، وكيف لهذا المخلوق القدرة على توفير جميع احتياجات الإنسان من طعام وماء، والتنقل لمسافات طويلة، وتحت أصعب الظروف.