«قابل للتكرار»... رؤية تشكيلية مشحونة بتساؤلات فلسفية

معرض جديد للفنان المصري تامر سيد

أثار المعرض جدلاً واسعاً
أثار المعرض جدلاً واسعاً
TT

«قابل للتكرار»... رؤية تشكيلية مشحونة بتساؤلات فلسفية

أثار المعرض جدلاً واسعاً
أثار المعرض جدلاً واسعاً

يُنظر دائماً إلى العمل الفني باعتباره قيمة متفردة غير قابلة للتكرار أو النسخ، أو كما يُطلق عليه «un modèle unique»، انطلاقاً من أنه يحمل لمسة صاحبه وأحاسيسه الذاتيـة، وأن الفنان لا يتوقف عن الإبداع والتجديد في دائرة موضوعاته المبتكرة والمتنوعة باستمرار، إلا أن التشكيلي المصري تامر سيد، أثار الكثير من الجدل حول هذه الرؤية منذ افتتاح معرضه أخيراً بغاليري «أكسيس»، الذي جاء بعنوان غير مألوف وهو «قابل للتكرار»، في إشارة إلى صعوبة استحداث عناصر جديدة في الفن.
لا يقدم الفنان ثيمة محددة في معرضه المستمر حتى 20 يوليو (تموز)؛ فنحن أمام 24 لوحة زيتية يمثل كل منها عملا ًمستقلاً بذاته، يتأملها الزائر بشيء من التحفز في البداية اعتقاداً منه بأن كل شيء سيلتقي به في القاعة سيكون مكرراً أو شاهد مثله من قبل، وفق «اعتراف الفنان» في عنوان معرضه.

بصمة فنية تهرب من الرتابة  -  مساحات لونية واسعة

غير أن الزائر يفاجأ بأن هناك قدراً من الاختلاف حتى فيما بين هذه الأعمال، وأن ثمة رؤية فلسفية لدى سيد الذي قال لـ«الشرق الأوسط»، إن «أعمال المصور قابلة للتكرار من حيث العناصر وبالتة الألوان وبناء العمل الدرامي على السواء»، مضيفاً: «نحن إذا ما عدنا إلى اللوحات التشكيلية على مر تاريخ الفن فإننا حتماً سنلتقي بالمكونات نفسها أو العناصر ذاتها مثل الشخوص أو البحر أو الأنهار أو الجبال، كما أننا سنواجه العلاقات نفسها على مسطح اللوحات مثل علاقة الإنسان بالطبيعة، أو علاقة الرجل بالمرأة أو الأم بطفلها، أو المرء بربه أو وطنه، وكذلك سنواجه الموضوعات والأطروحات العادية مثل السياسة الحرب والحب والفقد، وغير ذلك، وهكذا نحن بصدد حالة مستمرة ولا نهائية من التكرار».
في السياق ذاته، يرى أنه «إذا كان النحات يستطيع أن يبدع عملاً جديداً ويتفرد به في الخامة أو الأسلوب أو غير ذلك، فإنه بالنسبة للمصور من الصعب أن يبتكر شيئاً من العدم، لأن ثمة موضوعات وعناصر محددة، وذلك فيما يتعلق بالتصوير النمطي، بعيداً عن (الكولاج) أو (الميكس ميديا) أو (التجريدية)، حيث يختلف الأمر». ويتابع قائلاً: «ما يكسب أي عمل في التصوير خصوصيته أو ما يفرق بين مصور وآخر هو شيء واحد، وأعني به البصمة الخاصة به، مثل طريقة التلوين أو معالجة السطح، أو طريقة التشكيل، إلى جانب لمسة الفنان وأحاسيسه وخبراته، وهي أشياء تخصه وحده بطبيعة الحال».
اللافت أن الفنان لا يكرر نفسه في هذا المعرض الذي يضم أعمالاً جاءت مختلفة إلى حد كبير عن معارضه السابقة، وكأنه أراد أن يؤكد أن كون التصوير قابلاً للتكرار من وجهة نظره، فإن ذلك لا يعني الرتابة أو نسخ أو إعادة تقديم لوحات أخرى، سواء لنفسه أو لما قدمه الآخرون، فإذا كنا قد التقينا من قبل في بعض أعماله بالأجواء الشعبية والرموز الفلكلورية مثل أسد أبوزيد الهلالي وأرجوحات وطقوس الموالد، وتوقفنا كذلك في أعمال أخرى أمام أسلوب فني يستند إلى كم كبير من التفاصيل والمنمنات الصغيرة والملمس البارز عبر استخدام المعاجين، فإننا هذه المرة نشاهد خطوطاً بسيطة وأسطحاً ملساء، ومساحات لونية واسعة تتماهى مع قلة التفاصيل باللوحات.
ذلك الاختلاف أثار تعليقات وتساؤلات عديدة من جانب الجمهور يوم الافتتاح حول «انسلاخ سيد عن شخصيته الفنية وتجاهله لفكرة تأكيد الهوية بالنسبة للفنان»، إلا أنه رد على ذلك لـ«الشرق الأوسط» قائلاً: «لا تأكد الهوية الفنية سوى في المعرض الأول للفنان، ولا يحتاج بعد ذلك إلى حبس نفسه في دائرة ما لكي يصل إليها، إنما عليه في معارضه اللاحقة الحرص على تقديم كل ما هو جديد في فنه»، ويوضح: «لا ينبغي للتشكيلي في إطار سعيه لصنع بصمة له أن يتقيد بالأسلوب نفسه والموتيفات والبالتة اللونية و(الديفورم)، وغير ذلك من سمات اتبعها في أعماله السابقة وإلا سيقدم أعمالاً شديدة الضعف من الناحية الفنية، والأكثر من ذلك أنه قد يقلد نفسه».

لا يكرر نفسه

ويتساءل: «ما المانع أن يضم المعرض الواحد أعمالاً مختلفة عن بعضها البعض وعما سبق للفنان تقديمه من قبل؟ فحتى لو طرحت ثيمة ما كالاحتفاء بالمرأة على سبيل المثال لماذا لا أعمل على إيجاد صيغ من التنوع والتغير تحول دون إحساس المتلقي بالملل، وتمنع سقوط اللوحات ضمن دائرة الرتابة الفاقدة للدلالات الحقيقية؟»، ويواصل: «حتى لو (أخطأ) الفنان من وجهة نظر البعض، أو لم ينل نتاجه إعجاب الجمهور أو النقاد؛ فالأمر نسبي في الإبداع، ولا ننسى أنه في تاريخ الفن هاجم البعض أعمالاً لكبار الفنانين في العالم صارت أيقونات في وقت لاحق، ورفض البعض الآخر اتجاهات شكلت فيما بعد مدارس راسخة مثل المدرسة الوحشية على سبيل المثال».
ويبدي تامر سيد إعجابه الشديد بالفنان محمد عبلة، الذي يراه نموذجاً للفنان المُتجدد المُجدد الذي يقصده: «طوال مشواره الفني لا يتوقف عبلة عن الابتكار، ويأخذنا إلى عوالم وأساليب وخامات مختلفة، ولا يستطيع أن يحقق هذا التنوع والتعدد سوى فنان قوي متمكن من أدواته»، ويتابع: «لقد ميزت الجماليات المعاصرة بين الفن والمجالات الأخرى، نظراً لأن الفنان الحقيقي لا يعتمد آلية التكرار لأسلوب بعينه تلقنه من هنا أو هناك».


مقالات ذات صلة

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

يوميات الشرق رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً. فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه.

يوميات الشرق ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.

محمود الرفاعي (القاهرة)
يوميات الشرق معرض «أحلام الطبيعة» في ألمانيا

معرض «أحلام الطبيعة» في ألمانيا

زائرون يشاهدون عرضاً في معرض «أحلام الطبيعة - المناظر الطبيعية التوليدية»، بمتحف «كونستبلاست للفنون»، في دوسلدورف، بألمانيا. وكان الفنان التركي رفيق أنادول قد استخدم إطار التعلم الآلي للسماح للذكاء الصناعي باستخدام 1.3 مليون صورة للحدائق والعجائب الطبيعية لإنشاء مناظر طبيعية جديدة. (أ ب)

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق «نلتقي في أغسطس»... آخر رواية لغارسيا ماركيز ترى النور العام المقبل

«نلتقي في أغسطس»... آخر رواية لغارسيا ماركيز ترى النور العام المقبل

ستُطرح رواية غير منشورة للكاتب غابرييل غارسيا ماركيز في الأسواق عام 2024 لمناسبة الذكرى العاشرة لوفاة الروائي الكولومبي الحائز جائزة نوبل للآداب عام 1982، على ما أعلنت دار النشر «راندوم هاوس» أمس (الجمعة). وأشارت الدار في بيان، إلى أنّ الكتاب الجديد لمؤلف «مائة عام من العزلة» و«الحب في زمن الكوليرا» سيكون مُتاحاً «عام 2024 في أسواق مختلف البلدان الناطقة بالإسبانية باستثناء المكسيك» و«سيشكل نشره بالتأكيد الحدث الأدبي الأهم لسنة 2024».

«الشرق الأوسط» (بوغوتا)

موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
TT

موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)

تأتي موسوعة الفنان سعيد العدوي (1938-1973) لترصد مسيرة مؤسس جماعة التجريبيين المصريين وأحد أبرز فناني الحفر والجرافيك في النصف الثاني من القرن العشرين.

وتتضمن الموسوعة، حسب قول المشرف عليها والباحث في شؤون الحركة الفنية المصرية الدكتور حسام رشوان، المئات من أعمال العدوي ويومياته ومذكراته واسكتشاته، مدعومة بعدد كبير من الدراسات التي تم إعداد بعضها خصوصاً من أجل هذه الموسوعة، ومعها دراسات أخرى نشرها أصحابها في صحف ومجلات ومطبوعات خاصة بالفن في مصر والوطن العربي.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن مقدمة الدكتورة أمل نصر تتناول جميع المقالات، والزاوية التي نظر منها الناقد لأعمال العدوي موضع الدراسة، كما تقوم بقراءتها وتحليلها وبسط عناصرها أمام الباحثين ومحبي فنه».

موسوعة العدوي تضمنت اسكتشاته ورسوماته (الشرق الأوسط)

وتأتي موسوعة العدوي التي نشرتها مؤسسة «إيه آر جروب» التي يديرها الفنان أشرف رضا، في صورة مونوغراف جامع لكل أعماله، التي تعبق برائحة الماضي، وعالم الموشحات، وحلقات الذكر والمشعوذين، وعربات الكارو والحنطور، وتجمعات الموالد والأسواق والأضرحة، فضلاً عن لوحة «الجنازة» بعد رحيل عبد الناصر. وجمعت الموسوعة كل كراساته واسكتشاته بالكامل، ومذكراته الخاصة التي كتبها وتعتبر دراسات نفسية قام بكتابتها، وقد ساعدت هذه المذكرات النقاد والباحثين في فن العدوي على تناول أعماله بصورة مختلفة عن سابقيهم الذين تصدوا لفنه قبل ظهورها، وفق رشوان.

ولأعمال العدوي طابع خاص من الحروفيات والزخارف والرموز ابتكرها في إبداعاته وهي تخصه وحده، وتخرّج العدوي ضمن الدفعة الأولى في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية عام 1962، وأسس مع زميليه محمود عبد الله ومصطفى عبد المعطي جماعة التجريبيين. وتأتي الموسوعة باللغة العربية في قطع كبير بالألوان، تزيد على 600 صفحة، من تصميم وتجهيز وإنتاج طباعي «إيه آر جروب» للتصميم والطباعة والنشر.

الموسوعة ضمت العديد من الأعمال الفنية ودراسات عنها (الشرق الأوسط)

وتتضمن الموسوعة، وفق رشوان، دراستين جديدتين للدكتور مصطفى عيسى، ودراسة لكل من الدكتورة ريم حسن، وريم الرفاعي، والدكتورة أمل نصر، ودراسة للدكتورة ماري تيريز عبد المسيح باللغة الإنجليزية، وجميعها تم إعدادها خصوصاً للموسوعة، وهناك دراسات كانت موجودة بالفعل للدكتور أحمد مصطفى، وكان قد جهّزها للموسوعة لكن عندما أصدرت مجلة فنون عدداً خاصاً عن فن العدوي قام بنشرها ضمن الملف، وإلى جانب ذلك هناك بحث عن أعمال العدوي للراحلين الدكتور شاكر عبد الحميد والفنان عز الدين نجيب وأحمد فؤاد سليم ومعهم عدد كبير من النقاد والفنانين الذي اهتموا برائد التجريبيين المصري وأعماله.

والتحق سعيد العدوي بمدرسة الفنون بالإسكندرية سنة 1957، وقبلها بعام كان في كلية الفنون بالزمالك، وقضى خمس سنوات لدراسة الفن في عروس البحر المتوسط، أما الأعمال التي تتضمنها الموسوعة وتوثق لها فتغطي حتى عام 1973؛ تاريخ وفاته. وهناك عدد من رسوم الكاريكاتير كان قد رسمها وقت عمله بالصحافة، وهذه الأعمال اهتمت بها الموسوعة ولم تتجاهلها لأنها تكشف عن قدرات كبيرة للعدوي وسعيه للدخول في مجالات عديدة من الفنون التشكيلية، وفق كلام رشوان.

من أعمال العدوي (الشرق الأوسط)

ولفت إلى أن «تراث العدوي بكامله بات متاحاً من خلال الموسوعة للباحثين في فنه والمهتمين بأعماله وتاريخ الفن التشكيلي المصري، وقد توفر لدى كتّاب الموسوعة عدد مهول بالمئات من اللوحات الكراسات والاسكتشات، فأي ورقة كان يرسم عليها اعتبرناها وثيقة وعملاً فنياً تساعد في الكشف عن رؤية العدوي التشكيلية وعالمه الخَلَّاق».

ولا تعتمد الموسوعة فكرة التسلسل الزمني، لكنها توثق عبر المقالات كل الأعمال التي تناولتها، من هنا بنى رشوان رؤيته وهو يرسم الخطوط الرئيسية لفن العدوي على الدراسات البانورامية التي تشتغل بحرية كاملة على الأعمال دون التقيد بتاريخها.

وسبق أن أصدر الدكتور حسام رشوان، بالاشتراك مع الباحثة والناقدة الفرنسية فاليري هيس، موسوعة فنية عن رائد التصوير المصري محمود سعيد عن دار «سكيرا» الإيطالية عام 2017 بمناسبة مرور 120 عاماً على ميلاد محمود سعيد، وتضمنت الموسوعة في جزئها الأول أكثر من 500 لوحة و11 مقالاً ودراسة نقدية.