البنتاغون: «هيمارس» تؤتي ثمارها في معركة دونباس

سوليفان أكد سعي موسكو للحصول على طائرات مسيرة إيرانية

أكد مسؤول دفاعي أميركي أن أنظمة الصواريخ الأميركية من نوع «هيمارس»، المقدمة لأوكرانيا لها «تأثير كبير للغاية» في القتال ضد روسيا (أ.ف.ب)
أكد مسؤول دفاعي أميركي أن أنظمة الصواريخ الأميركية من نوع «هيمارس»، المقدمة لأوكرانيا لها «تأثير كبير للغاية» في القتال ضد روسيا (أ.ف.ب)
TT

البنتاغون: «هيمارس» تؤتي ثمارها في معركة دونباس

أكد مسؤول دفاعي أميركي أن أنظمة الصواريخ الأميركية من نوع «هيمارس»، المقدمة لأوكرانيا لها «تأثير كبير للغاية» في القتال ضد روسيا (أ.ف.ب)
أكد مسؤول دفاعي أميركي أن أنظمة الصواريخ الأميركية من نوع «هيمارس»، المقدمة لأوكرانيا لها «تأثير كبير للغاية» في القتال ضد روسيا (أ.ف.ب)

أكد مسؤول دفاعي أميركي كبير أن أنظمة الصواريخ الأميركية من نوع «هيمارس»، المقدمة لأوكرانيا لها «تأثير كبير للغاية» في القتال ضد روسيا، وبأنها تساعد القوات الأوكرانية على صد هجمات الجيش الروسي في منطقة دونباس الشرقية. وأضاف في إحاطة صحافية أول من أمس الجمعة، أن «تقدم القوات الروسية يقتصر على تحقيق مكاسب تدريجية إن وجدت» في منطقة دونباس، وأن القوات الأوكرانية تعرقلها. من ناحيته أشار المتحدث باسم وزارة الدفاع الأوكرانية، أولكسندر موتوزيانيك، إلى الدور الذي تلعبه أنظمة الصواريخ بعيدة المدى «هيمارس». وقال الجمعة في التلفزيون الوطني: «في الأسابيع الماضية، تم تدمير أكثر من 30 منشأة لوجيستية عسكرية للعدو، ونتيجة لذلك تم تقليل القدرة الهجومية للقوات الروسية بشكل كبير». وتعد الصواريخ التي قدمتها الولايات المتحدة أكثر دقة من المدفعية الأوكرانية التي تعود إلى الحقبة السوفياتية، ولها مدى أطول، مما يسمح لأوكرانيا بضرب أهداف روسية بعيدا عن خطوط المواجهة. وعن الأسلحة التي ترسلها واشنطن لكييف، قال المسؤول الدفاعي الأميركي، إن البنتاغون «لديه ثقة بكيفية استخدام أوكرانيا للأسلحة التي نرسلها لهم، وليس لدينا أي إشارات على أن تلك الأسلحة تستخدم في أماكن أخرى غير قتال روسيا». وكشف في سياق حديثه عن التعاون العسكري بين جيشي البلدين، أن الولايات المتحدة، «تواصل تقديم المعلومات الاستخبارية لأوكرانيا، وهم يحددون كيفية استخدامها في أرض المعركة».
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن خبراء قولهم، إن الصواريخ الأميركية الدقيقة، أعطت دفعا للقوات الأوكرانية، إذ عدلت ميزان القوى في ساحة المعركة، ما قد يبطئ هجوم موسكو. ودمرت أوكرانيا بفضل المنظومة الصاروخية «هيمارس»، منذ منتصف يونيو (حزيران)، العديد من مستودعات الذخيرة ومراكز قيادة روسية، كانت عاجزة من قبل على إصابتها بالصواريخ التقليدية بسبب بعدها عن خط الجبهة. وتظهر مقاطع فيديو منشورة على الإنترنت، انفجارات هائلة في مواقع مستودعات ذخيرة وخصوصا في لوغانسك ونوفا كاهوفكا، ما يؤكد مدى دقة هذه الصواريخ الأميركية. وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، «اختبر المحتلون حقا ما هي المدفعية الحديثة، لن تكون لهم أي قاعدة خلفية آمنة على أرضنا». غير أن الخبراء يحذرون في المقابل بأن هذه الأسلحة الجديدة لا تقدم حلا سحريا، موضحين أنه سيتعين إرسال المزيد من الأسلحة وأنظمة الرادار التي ينبغي استخدامها معا من أجل إلحاق الهزيمة بالجيش الروسي. ورأى كريستوفر دوغرتي المحلل العسكري في مركز الدراسات «سنتر فور نيو أمريكان سيكيوريتي» ومقره واشنطن، أن نتائج قاذفات الصواريخ «هيمارس» لم تخيب الآمال، لكن «هذا بحد ذاته لا يبدل الوضع». ويملك الجيش الأوكراني حاليا 12 راجمة يمكن تجهيزها بست قذائف بشكل متزامن، ومئات الذخائر. وخلافا للمدفعية المستخدمة حتى الآن من طرفي الحرب، تصيب هذه الصواريخ أهدافها بدقة، ما يمكن من استخدامها بصورة موثوقة وبادخار. وإلى جانب الدقة، تتميز هذه الصواريخ بسرعة تحليقها وعلى ارتفاع منخفض بحيث لا يمكن للدفاعات الروسية اعتراضها بسهولة. كما أن سرعة تحرك الراجمات القائمة على مدرعات خفيفة، تجعل من الصعب استهدافها. وكتب ميك راين الجنرال الأسترالي السابق هذا الأسبوع في تغريدة، أن نظام «هيمارس» يبدل وجه المعارك في أوكرانيا. هو يسمح للأوكرانيين باستهداف الروس على مسافة أبعد وفي مناطق لم يكن بإمكانهم بلوغها حتى الآن بسبب الدفاع الجوي الروسي. والفضل في ذلك لا يعود لمنظومة «هيمارس» وحدها، إذ تلقت أوكرانيا منذ يونيو، عدة قطع مدفعية قوية من حلفاء آخرين مثل مدافع «سيزار» الفرنسية، وأعلنت الولايات المتحدة الأسبوع الماضي أنها ستسلم كييف ألف قذيفة عالية الدقة أخرى. وأوضح ميك راين أن أوكرانيا تستخدم هذه الأسلحة ضد نقاط الضعف لدى الجيش الروسي، وتحديدا ميله إلى تخزين ذخائره قرب مستودعات السكك الحديد وفي مدن قريبة من خط الجبهة. وإن كان هذا يزيد احتمال وقوع ضحايا مدنيين، فإن دقة هذه الأنظمة تساعد في الحد من هذه الأخطار. ويرى خبير آخر أن عدم استعداد الروس لوصول هذه الأسلحة أمر مدهش، لا سيما أن تسليمها «لم يكن سرا». وأضاف «مرة جديدة يبدو الروس بطيئين جدا في التكيف مع إشكاليات واضحة جدا بصراحة في ساحة المعركة». ويرى المحللون أن الجيش الروسي سيوزع ذخائره في نهاية المطاف ويبعدها عن الجبهة، لكن هذا سيعقد لوجيستيته. وأضافوا أنه «كلما شتتنا شيئا، لزمنا لاحقا العدد الأكبر من الشاحنات لتسليم الكمية نفسها (من المعدات) للذين يحتاجون إليها». إلا أن الشاحنات العسكرية الروسية باتت نادرة منذ بدء الحرب.
وتسعى كييف في الوقت نفسه لإقناع واشنطن بتسليمها صواريخ من طراز «أتاكمس» يمكن إطلاقها بواسطة قاذفات «هيمارس» ويبلغ مداها 300 كلم. وأكد مسؤول أوكراني هو فيدير فينيسلافسكي الأربعاء، أن «مفاوضات على كل المستويات تجري مع ممثلين أميركيين بشأن ضرورة تزويدنا بذخائر (هيمارس) ذات مدى أبعد». لكن البيت الأبيض يرفض ذلك حتى الآن، خشية استخدامها لضرب أهداف داخل الأراضي الروسية، ما قد يقحم الولايات المتحدة والحلف الأطلسي في الحرب، فضلا عن أن مخزون البنتاغون من هذه الصواريخ محدود. ويشدد الخبراء على أن ما تحتاجه أوكرانيا فعليا إضافة إلى منظومة «هيمارس» هو المزيد من الحماية ضد الهجمات الجوية الروسية.
من ناحية أخرى نفى المسؤول الدفاعي الأميركي مزاعم روسيا بأنها استهدفت اجتماعا عسكريا في مدينة فينيتسا، وسط أوكرانيا يوم الخميس، في القصف الصاروخي الذي استهدف مبنى إداريا، تقول كييف إنه أسفر عن مقتل 23 شخصا بينهم أطفال. وقال المسؤول إن الهجوم على فينيتسا تم بصاروخ أطلق من غواصة روسية من البحر الأسود، مضيفا أن «ليس لدي ما يشير إلى وجود هدف عسكري في أي مكان بالقرب من ذلك». من ناحيتها، قالت وزارة الدفاع الروسية، الجمعة، إنها استهدفت اجتماعا بين مسؤولين عسكريين أوكرانيين وموردي أسلحة أجانب. وقالت إنها استهدفت اجتماعا للقوات الجوية الأوكرانية، في منزل الضباط في فينيتسا، مؤكدة «القضاء على المشاركين فيه». ووقع الهجوم على المدينة، الذي وصفه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي «بالعمل الإرهابي المفتوح»، بالتزامن تقريبا مع افتتاح أعمال مؤتمر دولي حول جرائم الحرب المرتكبة في أوكرانيا، في لاهاي، نظمه الاتحاد الأوروبي، مع المحكمة الجنائية الدولية.
إلى ذلك جدد مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، أمس السبت، القول إن الولايات المتحدة تعتقد أن مسؤولين من روسيا زاروا مطاراً في إيران أخيراً لتفقد طائرات مسيرة ذات قدرات هجومية. وفي الأسبوع الماضي قالت الولايات المتحدة إن لديها معلومات تفيد بأن إيران تستعد لتزويد روسيا بعدة مئات من الطائرات المسيرة، من بينها طائرات ذات قدرة على حمل أسلحة، وأن طهران تستعد لتدريب القوات الروسية على استخدامها. وقال سوليفان في بيان: «نجري تقييما لمعلومات بشأن تلقي وفد روسي رسمي عرضا حول طائرات مسيرة إيرانية ذات قدرات هجومية... على حد علمنا هذه هي المرة الأولى التي يزور فيها وفد روسي هذا المطار لحضور عرض كهذا». وتضمن البيان صورا التقطتها أقمار صناعية في الثامن من يونيو وتُظهر طائرات مسيرة إيرانية «شاهدها وفد الحكومة الروسية في ذلك اليوم». وأضاف أن طائرات مماثلة عُرضت في زيارة روسية ثانية للمطار في الخامس من يوليو (تموز).
ورفض وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، أول من أمس الجمعة، في اتصال هاتفي مع نظيره الأوكراني هذه الاتهامات، واصفا إياها بأنها لا أساس لها من الصحة.


مقالات ذات صلة

تقرير: روسيا ابتكرت مسيرة «غير قابلة للتشويش» تشبه الهاتف اللعبة

أوروبا جندي روسي يطلق طائرة مسيرة صغيرة خلال المعارك في أوكرانيا (لقطة من فيديو لوزارة الدفاع الروسية)

تقرير: روسيا ابتكرت مسيرة «غير قابلة للتشويش» تشبه الهاتف اللعبة

قالت صحيفة «تلغراف» البريطانية إن روسيا ابتكرت طائرة من دون طيار «غير قابلة للتشويش» تشبه الهاتف اللعبة تغير مسار الحرب في أوكرانيا.

أوروبا وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن (أ.ب)

أوستن يطالب حلفاء أوكرانيا بـ«ألّا يضعفوا»

طالب وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن الخميس التحالف الدولي الذي يقدّم دعماً عسكرياً لأوكرانيا بـ«ألّا يضعف»، في وقت تخشى فيه كييف من أن تفقد دعم بلاده الأساسي.

أوروبا جندي أوكراني يقود مركبة أرضية مسيرة إلكترونياً خلال معرض للمعدات العسكرية والأسلحة (رويترز)

بريطانيا: تحالف دولي سيرسل 30 ألف مسيّرة لأوكرانيا

أعلنت وزارة الدفاع البريطانية، الخميس، أن تحالفاً دولياً تقوده بريطانيا ولاتفيا لإمداد أوكرانيا بمسيّرات سيرسل 30 ألف مسيّرة جديدة إلى كييف.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا رجال الإطفاء يعملون في موقع مبنى إداري تضرر جراء الغارات الجوية والصاروخية الروسية في زابوريجيا (رويترز) play-circle 00:36

13 قتيلاً بضربة روسية على زابوريجيا الأوكرانية

قُتل 13 شخصاً اليوم (الأربعاء) في ضربة روسية على مدينة زابوريجيا الأوكرانية، وفق ما أعلن حاكم المنطقة، في حصيلة تعد من الأعلى منذ أسابيع لضربة جوية واحدة.

«الشرق الأوسط» (كييف)
الخليج الأمير محمد بن سلمان والرئيس فولوديمير زيلينسكي (الخارجية السعودية)

محمد بن سلمان وزيلينسكي يبحثان جهود حل الأزمة الأوكرانية - الروسية

بحث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، جهود حل الأزمة الأوكرانية - الروسية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟