الأزمة الاقتصادية والعجز عن حلها يسقطان حكم راجاباكسا في سريلانكا

قلة من المراقبين توقعت نجاح الانتفاضة الشعبية

غوتابايا راجاباكسا (رويترز)  -  لحظة اقتحام المتظاهرين في سريلانكا مقر رئيس الوزراء وكسر حاجز القوى الأمنية (إ.ب.أ)
غوتابايا راجاباكسا (رويترز) - لحظة اقتحام المتظاهرين في سريلانكا مقر رئيس الوزراء وكسر حاجز القوى الأمنية (إ.ب.أ)
TT

الأزمة الاقتصادية والعجز عن حلها يسقطان حكم راجاباكسا في سريلانكا

غوتابايا راجاباكسا (رويترز)  -  لحظة اقتحام المتظاهرين في سريلانكا مقر رئيس الوزراء وكسر حاجز القوى الأمنية (إ.ب.أ)
غوتابايا راجاباكسا (رويترز) - لحظة اقتحام المتظاهرين في سريلانكا مقر رئيس الوزراء وكسر حاجز القوى الأمنية (إ.ب.أ)

أحدثت موجة صاخبة غير مسبوقة من الغضب الشعبي الموجّه في القصر الرئاسي السريلانكي، الذي يعود تاريخ إنشائه إلى الحقبة الاستعمارية، صدمة للعالم بأسره خلال نهاية الأسبوع الماضي. ولا تزال التطورات الدراماتيكية تتوالى حتى تاريخ كتابة هذه السطور. ووسط فوضى لم تشهدها البلاد من قبل اقتحم مئات وآلاف من المحتجين السريلانكيين مقرّي الإقامة الرسميين لكل من الرئيس (المستقيل بالأمس) ورئيس الوزراء، وأضرموا النيران في المقرّ الخاص لرانيل ويكريميسينغه، رئيس الوزراء، في حين غضّت قوات الأمن الطرف، ورفضت توجيه السلاح ضد المشاغبين مع انزلاق البلاد نحو حافة الفوضى. لقد اقتحم أفراد غاضبون من الشعب بوابات مقرّ الإقامة الرسمي للرئيس (المستقيل الآن) غوتابايا راجاباكسا في منطقة فورت، وأطلقوا عبارة صادحة باتت صيحة احتجاج شهيرة الآن هي «ارحل يا غوتا»، وذلك من أعلى سطح القصر، الذي كان يقف عليه القناصة منذ وقت ليس بالبعيد، لحراسة المداخل.

أعلن الرئيس السريلانكي غوتابايا راجاباكسا استقالته تحت ضغط الاضطرابات الشعبية الواسعة، كذلك أعلن رئيس الحكومة رانيل ويكريميسينغه أنه سيتنحى عن منصبه. على الجانب الآخر، وفي خضم هذا الوضع المعقد لسريلانكا، بما يشهده من اضطراب مدني، وأزمة اقتصادية، وتخبط سياسي، تشهد الدولة - الجزيرة جموداً ومأزقاً دستورياً غير اعتيادي. فالرئيس هو رأس الدولة والحكومة والجيش في سريلانكا، لكنه يتشارك كثيراً من المسؤوليات التنفيذية مع رئيس الوزراء، الذي يرأس الحزب الحاكم في البرلمان.
قرار القادة السياسيين للبلاد انتخاب رئيس جديد في 20 يوليو (تموز) من خلال تصويت في البرلمان يأتي طبقاً لبنود الدستور، على حد قول ماهيندا يابا أبيوردانا، رئيس البرلمان السريلانكي. إذ قال الأخير: «لقد تم اتخاذ قرار بعقد البرلمان، وإبلاغ المجلس بأن منصب الرئاسة شاغر طبقاً لبنود الدستور. ستصدر الدعوة إلى الترشيحات لمنصب الرئاسة في 19 يوليو، وسننظم التصويت في 20 يوليو لانتخاب رئيس جديد».
وسط الأحداث المتلاحقة، تضاربت لفترة غير قصيرة المعلومات عن مكان وجود رئيس الجمهورية، مع أن رئيس البرلمان قال أول من أمس إنه لم يغادر البلاد، ثم سرت تقارير عن مغادرته إلى جزر المالديف أو أماكن أخرى. ولبعض الوقت انتشرت بعض الأقاويل أثناء الاحتجاجات تشير إلى رسو سفينة في ميناء العاصمة كولومبو حتى تتمكن عائلة راجاباكسا – التي ينتمي إليها رئيس الجمهورية المستقيل وشقيقه الأكبر ماهيندا الرئيس السابق - من الهروب على متنها.

- صعود الرئيس وسقوطه
غضب شعب سريلانكا موجّه بالدرجة الأولى ضد حكم راجاباكسا. ومن غير المرجح أن تتمكن العائلة، التي كان أكثر أفرادها جزءاً أساسياً من السلطة الحاكمة، من الفرار من براثن غضبهم.
الرئيس المستقيل غوتابايا راجاباكسا هو - كما سبقت الإشارة - الشقيق الأصغر للرئيس السابق ماهيندا راجاباكسا. وعندما تولى ماهيندا السلطة عام 2005، على خلفية مناهضة للانفصاليين وداعمة للقومية السنهالية، وقرر خوض حرب ضد الانفصاليين من منظمة «نمور التاميل» عام 2006، عاد المقدم المتقاعد في الجيش السريلانكي من الولايات المتحدة لتولي منصب وزير الدفاع. وبعد الانتصار في الحرب أصبح وزير التنمية الحضرية.
خسر ماهيندا الانتخابات الرئاسية عام 2015، لكن لم تظل عائلته على الهامش لفترة طويلة، ففي أغسطس (آب) 2019، أحدثت سلسلة من الهجمات الانتحارية، نفذها إرهابيون إسلاميون، موجة جديدة من التوجه القومي للغالبية السنهالية البوذية، التي تطلبت وجود حاكم قوي، وفاز غوتابايا راجاباكسا باكتساح في الانتخابات.
ومع ذلك، منذ اللحظة التي تولى فيها غوتابا راجاباكسا المنصب، بدأ في إقصاء المسؤولين المدنيين وتعيين مسؤولين عسكريين متقاعدين محلهم في المناصب الرئيسة، ما أدى إلى حدوث فزع في الجهاز المدني. لم يكن غوتابايا يأبه كثيراً بالوزراء وأعضاء البرلمان، لأنه كان يعتقد أن السياسيين المحترفين كُسالى وقليلو الكفاءة وفاسدون. ولذا أقصى الطبقة السياسية بأكملها، بما فيها رجال حزبه، حزب جبهة شعب سريلانكا (المحسوب على يسار الوسط)، ولم يتمكن الأشخاص ذوو الخبرة والمحنكون سياسياً في عائلة راجاباكسا من تخليصه من تلك الأفكار.
كانت الإجراءات الأولى، التي اتخذها غوتابايا، شعبوية، لكن كانت على حساب خزانة الدولة، إذ أعلن خفض الضرائب. الأمر الذي أدى إلى تناقص عائدات الدولة. كذلك عيّن 100 ألف من العاطلين من خريجي الجامعات في وظائف حكومية متواضعة، ما استنزف موارد الدولة. ومع انتشار جائحة «كوفيد 19» في سريلانكا، أمر بتنفيذ عمليات إغلاق كثيرة، فتسبب ذلك بتوقف النشاط الاقتصادي، وانخفاض عائدات التصدير والرسوم الجمركية. أيضاً، تراجع عدد السياح الوافدين إلى البلاد بسبب لوائح الحجر الصحي المكلّفة؛ وتراجعت التحويلات المالية من المواطنين الذين يعملون في الخارج. والأهم من كل ذلك هو فرض غوتابايا حظراً مفاجئاً شاملاً على الأسمدة الكيميائية والمبيدات الحشرية، ما أثر سلباً على قطاع الزراعة وعلى 70 في المائة من السكان.
وهنا يعلق المحلل السياسي الهندي سوشانت سارين، المتابع للشأن السريلانكي: «لم يعتقد أحد أنه من الممكن هزيمة (غوتابا) راجاباكسا. لقد كانت الغالبية السنهالية البوذية توقر وتبجل كلاً من ماهيندا وغوتابايا راجاباكسا، وكانت السياسة القومية القوية التي يتبنيانها تحظى بشعبية كبيرة على نطاق واسع. قبل بضعة أشهر فقط، لم يكن أحد يتوقع أن يكون لدى الشعب السريلانكي الشجاعة للتصدي لنظام حصل على أغلبية الثلثين في البرلمان، وذي قبضة حديدية، ويجبر رجاله على الرحيل في أقل من سنتين ونصف سنة. لقد أبهر الشعب السريلانكي العالم بفعله المستحيل».

لحظة اقتحام المتظاهرين في سريلانكا مقر رئيس الوزراء وكسر حاجز القوى الأمنية (إ.ب.أ)

- ثورة شعبية
لقد عانت سريلانكا، الدولة - الجزيرة، الواقعة جنوب الهند، التي يبلغ عدد سكانها 22 مليون شخص، منذ أشهر من انقطاع الكهرباء لفترات طويلة، كما عانت من نقص حاد في الغذاء والوقود، وتضخم متسارع في خضم كساد اقتصادي يعدّ هو الأضخم والأكثر إيلاماً في تاريخها. وخلال الأشهر القليلة الماضية، شهدت البلاد احتجاجات عنيفة جامحة ومطالبات باستقالة الرئيس غوتابايا، في أعقاب تحميل حكومته مسؤولية سوء إدارة مزمن للموارد المالية للبلاد.
وهنا يقول الصحافي السريلانكي كاميثي ويكريميسينغه، موضحاً: «كان اقتحام المحتجين لمقرات الإقامة الرسمية بمثابة ذروة أشهر متراكمة من احتجاجات أناس غاضبين بسبب أزمة اقتصادية غير مسبوقة في الجزيرة وفساد عائلة راجاباكسا وانعدام كفاءتها في الإدارة». ويضيف: «عندما انتشرت دعوة المواطنين كافة إلى التجمع في حديقة (غال فيس غرين) العامة في 9 يوليو، ظن كثيرون أن الأمر لن ينجح في ظل فرض حظر تجول الليلة التي تسبقه. مع ذلك، ومع استمرار الحكومة في اختبار صبر شعبها، وتزايد طول صفوف الانتظار أمام محطات الوقود، ونقص غاز الطهي، وانقطاع التيار الكهربائي، أدرك الناس أنه إما أن يفعلوا ذلك الآن أو لن يحدث إطلاقاً. لقد كانوا عازمين على دعم الاحتجاج رغم حظر التجول. وبالفعل، جرى تشجيع الناس عبر مواقع التواصل الاجتماعي مع دعوة كثير من الأحزاب السياسية والاتحادات العمالية للناس إلى الانضمام ومطالبة الحكومة بالاستقالة. ومن ثم، عشية يوم 8 يوليو لم ينجح فيض من قوات الجيش والشرطة باستخدام الغاز المسيل للدموع والذخيرة الحية في منع آلاف من الاندفاع نحو كولومبو متكدّسين في القطارات، ومتلفحين بأعلام الاحتجاج، ومعتلين حافلات قليلة، وهي التي لا تزال قادرة على الحركة بمخزون قليل ثمين من الوقود».
ويتابع الصحافي السريلانكي سرده ليقول: «كان صباح يوم 9 يوليو حافلاً بالإثارة مع بدء توافد الحشود منذ الصباح الباكر. كان رجال الشرطة قد أقاموا الحواجز والمتاريس لمنع الوصول إلى القصر الرئاسي، وبدأوا في إطلاق الغاز المسيل للدموع، واستخدام مياه ذات ضغط عالي ضد الناس. وعند الساعة 12:30 تقريباً انتشرت أنباء عن سيطرة المحتجين على القصر الرئاسي وانسحاب القوات. وبعد ذلك بساعة، شوهد المحتجون وهم يركضون باتجاه القصر الرئاسي وسط تهليلات صادحة. رغم شعور الناس بالإثارة والحماسة والغضب والارتباك بفعل فرصة الاستيلاء على المباني، كانوا دائماً ما يتذكرون ضرورة الإحجام عن تدمير الممتلكات العامة». ثم يختتم: «لقد تكلّم الشعب أخيراً، وكانت رسالته صادحة وواضحة. الذين اختبروا صبره وسرقوا أمواله وأهانوا ذكاءه وأفسدوا مستقبل أبنائه كانوا يبحثون عن المتاعب. سوف يلقى السياسيون، الذين كوّنوا ثرواتهم بالاحتيال، ونكثوا عهودهم، وتسببوا في معاناة الشعب على نحو لا يمكن احتماله، مصير عائلة راجاباكسا».

- طريق صعب يلوح في الأفق
لا جدال في أن الطريق أمام سريلانكا صعب، فالأمر لا يحتاج إلى تخفيف الأزمة الاقتصادية فحسب، بل هناك حاجة أيضاً إلى إعادة بناء نفسها طوبة طوبة. وهنا يذكر فيشال باندي، وهو صحافي هندي يغطي الوضع والأحداث في سريلانكا: «يمثل اقتحام المقرات الرسمية للرئيس ورئيس الوزراء دروساً قاسية من التاريخ تستدعي وتستحضر إلى الذهن ما حدث في العراق عام 2003. بعد فترة قصيرة من غزو القوات الأميركية للبلاد. مع اقتحام مواطنين عراقيين لكثير من القصور الرئاسية ونهب محتوياتها». ويستطرد: «كان هناك ذلك الشعور نفسه من العجب والانبهار في نفوس الرجال الغاضبين الذين اقتحموا تلك الأماكن المميزة... لقد شعرت بصدمة من مشاهدة عملية اقتحام مماثلة، باستثناء أن شعب سريلانكا لم ينهب أي شيء، بل فقط استمتع بلحظات من الرفاهية».
يقول خبراء في الاقتصاد إن أصل الأزمة ينبع من عوامل داخلية مثل سنوات من سوء الإدارة والفساد. من بين تلك الأمور، تظل السياسات الاقتصادية الرعناء المستهترة لعائلة راجاباكسا هي العامل الأبرز الذي أدى إلى تردي الوضع الاقتصادي في سريلانكا. في أعقاب الحرب الأهلية (2009 - 2015) كان الاقتصاد السريلانكي يعاني من عجز كبير في الموازنة. القرار السياسي الاستبدادي خلال الحرب الأهلية، وما تبعه من عدم استقرار سياسي، أو الافتقار إلى توافق سياسي يوحد البلاد منع النظام الحاكم من إجراء إصلاحات سياسية لتصحيح الأوضاع والمسار. وأشار ناندالال وييراسينغه، رئيس البنك المركزي السريلانكي، إلى أن اقتصاد البلاد سوف «ينهار بشكل لا يمكن علاجه أو تداركه» ما لم يتم تعيين حكومة جديدة في غضون أيام، وقيل إنه يفكر في الاستقالة إذا لم يتحقق استقرار سياسي في غضون أسبوعين. ويحدث ذلك في ظل اضطرار جيش البلاد لتفنيد تقارير عن انقلاب وشيك وعودة الجيش لتصدّر مشهد الأزمة السياسية والاقتصادية التي تتفاقم بوتيرة سريعة.

- أسباب التأزم الاقتصادي
لقد بلغ حجم الدين الخارجي لسريلانكا 51 مليار دولار أميركي. وتفيد سلطات كولومبو أن عليها سداد 8.6 مليار دولار من الدين الخارجي عام 2022. لكن نتيجة نفاد العملة الأجنبية في البلاد في مايو (أيار)، لم تتمكن من سداد المستحق عليها من الديون للمرة الأولى.
منذ ذلك الحين، توقفت كل الواردات وحدث نقص كبير في الوقود والغذاء والسلع المعيشية. وعندما لجأت سلطات كولومبو إلى صندوق النقد الدولي، كانت سريلانكا قد وصلت إلى الحضيض، وتعيش على منح ومساعدات مقدّمة من الهند، بلغت خلال الفترة بين يناير (كانون الثاني) ويونيو (حزيران) 3.5 مليار دولار. هذا، ولم تتمكن سلطاتها، التي كانت تعتمد بالكامل على القروض الهندية، من تلبية الاحتياجات الأساسية للشعب من وقود للمركبات، وغذاء على الموائد، وعقاقير في المستشفيات الحكومية، وبلغ تضخم السلع الغذائية 56 في المائة.
الجانب الآخر من قصة سوء الإدارة الاقتصادية المتفاقم هذه هو دور الصين في هذه الأزمة. ولقد كان على كولومبو التوقف عن سداد ديونها الخارجية بسبب العجز عن دفع قيمة خدمة الدين المستحق للصين، التي موّلت به مشروعات بنى تحتية عديمة الجدوى. واستغلت بكين صداقتها لماهيندا راجاباكسا لتوقيع اتفاق لبناء ميناء هامبانتوتا والمطار المجاور له في ماتالا خلال فترة حكمه. وللعلم، تولى مايتريبالا سيريسينا، الذي خلف ماهيندا، السلطة وهو راغب في الحد من اعتماد سريلانكا على الصين، غير أن الحال انتهى به وهو يمنح ميناء هامبانتوتا عقد انتفاع مدته 99 سنة، بل يضيف بنداً يمنحها حق تمديد العقد 99 سنة أخرى.


مقالات ذات صلة

رئيس سريلانكا يتوقع استمرار الإفلاس حتى 2026

الاقتصاد طابور طويل أمام وزارة الهجرة السريلانكية للحصول على جوازات سفرهم خارج البلاد التي تعاني من إفلاس (إ.ب.أ)

رئيس سريلانكا يتوقع استمرار الإفلاس حتى 2026

قال رئيس سريلانكا رانيل ويكريميسينغه أمام البرلمان الأربعاء إن بلاده ستظل مفلسة حتى عام 2026 على الأقل، داعياً إلى دعم إصلاحاته لإنعاش الاقتصاد في ظل أزمة تاريخية. وقال ويكريميسينغه الذي تولى الرئاسة الصيف الماضي بعد استقالة غوتابايا راجاباكسا إن «تبني سياسات ضريبية جديدة هو قرار لا يحظى بشعبية. تذكروا أنني لست هنا لأتمتع بالشعبية بل أريد إخراج هذه البلاد من الأزمة التي تواجهها». ويحمل السكان ويكريميسينغه مسؤولية الأزمة في ظل نقص الغذاء والوقود والكهرباء والدواء.

«الشرق الأوسط» (كولومبو)
الاقتصاد رئيس سريلانكا رانيل ويكريميسينغه لدى وصوله لإلقاء كلمة أمام البرلمان في كولومبو (أ.ف.ب)

رئيس سريلانكا يتوقع البقاء في حالة إفلاس حتى 2026

قال رئيس سريلانكا رانيل ويكريميسينغه أمام البرلمان، اليوم الأربعاء، إن بلاده ستظل مفلسة حتى عام 2026 على الأقل، داعيًا إلى دعم إصلاحاته لإنعاش الاقتصاد ظل أزمة تاريخية. وقال ويكريميسينغه الذي تولى الرئاسة الصيف الماضي بعد استقالة غوتابايا راجاباكسا إن «تبني سياسات ضريبية جديدة هو قرار لا يحظى بشعبية. تذكروا انني لست هناك لأتمتع بالشعبية بل أريد إخراج هذه البلاد من الأزمة التي تواجهها». وأضاف «إذا واصلنا خطة (الإصلاحات) يمكننا الخروج من الإفلاس بحلول 2026». ويحمل السكان ويكريميسينغه مسؤولية الأزمة في ظل نقص الغذاء والوقود والكهرباء والدواء.

«الشرق الأوسط» (كولومبو)
العالم الرئيس السريلانكي رانيل ويكريمسينغه خلال العرض العسكري (أ.ب)

الرئيس السريلانكي يدعو إلى التفكير في «الأخطاء» الماضية

بينما تمر البلاد بأزمة كبيرة، دعا الرئيس السريلانكي، رانيل ويكريمسينغه، خلال عرض عسكري بمناسبة مرور 75 عاماً على استقلال البلاد، إلى التفكير في «الأخطاء والإخفاقات» الماضية. ومنذ انتهاء الاستعمار البريطاني في 1948، قضت الدولة الجزيرة جزءاً كبيراً من تاريخها في حرب مع نفسها.

«الشرق الأوسط» (كولومبو)
الاقتصاد صورة أرشيفية تظهر مسار قاطرات تنقل مواد تعدينية من مدينة الجبيل السعودية (غيتي)  -   نصير أحمد وزير البيئة السريلانكي

سريلانكا تتطلع للاستفادة من تجربة التعدين السعودية

شدد المهندس نصير أحمد وزير البيئة السريلانكي على آفاق التعاون بين كولمبو والرياض بمختلف المجالات، وقطاع التعدين على وجه التحديد، متطلعا إلى تعزيز التعاون مع السعودية بقطاع التعدين، والاستفادة من تجارب المملكة في تطوير الصناعة المعدنية وقوانين وأنظمة المعادن، والمواكبة، والنهوض بإمكانات بلاده المعدنية. ودعا نصير السعوديين للاستثمار بالقطاع في بلاده، وإقامة مشاريعهم الاستكشافية والقيمة المضافة للإنتاج التعديني في البلدين، مشيرا إلى أن بلاده بدأت حقبة جديدة في التنمية الاقتصادية والنمو، وفي طريقها لتجاوز التحديات التي أفرزت انهيارا اقتصاديا وضائقة مالية. وشدد نصير في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «على ا

فتح الرحمن يوسف (الرياض)
العالم عناصر من جيش سريلانكا (أرشيفية - إ.ب.أ)

سريلانكا تخفض جيشها بنحو الثلث لخفض الإنفاق

قال وزير الدفاع السريلانكي، اليوم الجمعة، إن بلاده ستخفض قوام جيشها بما يصل إلى الثلث، إلى 135 ألفاً بحلول العام المقبل، وإلى 100 ألف بحلول عام 2030، فيما تحاول البلاد، التي تواجه أسوأ أزمة اقتصادية منذ أكثر من سبعة عقود، خفض الإنفاق. وقال بريميتا باندارا تيناكون في بيان: «الإنفاق العسكري هو في الأساس نفقات تتحملها الدولة، التي تحفز بشكل غير مباشر وتفتح مجالات للنمو الاقتصادي عن طريق ضمان الأمن القومي وأمن السكان».

«الشرق الأوسط» (كولومبو)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
TT

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في أزمة سياسية بعد الانهيار المفاجئ للحكومة الائتلافية التي يرأسها المستشار أولاف شولتس. وبهذا التطوّر بات شولتس أحد أقصر المستشارين حكماً في ألمانيا؛ إذ إنه قبل إكماله 3 سنوات على رأس الحكومة الائتلافية التي تمثل 3 أحزاب (اشتراكي وليبرالي وبيئي «أخضر») صار المستشار رئيساً لحكومة أقلية مؤلفة من حزبين بانتظار الانتخابات المبكرة التي حُدّد موعدها يوم 23 فبراير (شباط) المقبل.

الحكومة الألمانية ترنّحت إثر انسحاب «ضلعها» الليبرالي، الحزب الديمقراطي الحر، منها. ورغم انسحاب الحزب، أراد رئيسها المستشار أولاف شولتس الاستمرار على رأس «حكومة أقلية» حتى نهاية مارس (آذار)، وهو التاريخ الذي حدّده في البداية لإجراء الانتخابات المبكرة عوضاً عن نهاية سبتمبر (أيلول).

لكن أمام ضغوط المعارضة وافق المستشار وزعيم الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي) على تقريب الموعد شهراً آخر. وحتى بعد إجراء الانتخابات، فإن فترة الشكوك قد تستمر لأسابيع أو أشهر إضافية. وللعلم، في ألمانيا، لم يسبق أن فاز أي حزب بغالبية مطلقة تسمح له بتشكيل حكومة منفرداً. وبالنتيجة، حكمت ألمانيا (الغربية أساساً) منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حكومات ائتلافية قادها إما محافظو حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (يمين الوسط) أو اشتراكيو الحزب الديمقراطي الاجتماعي (يسار الوسط).

فريدريش ميرتز (آجنزيا نوفا)

اليمين عائد... لكن!

هذه المرة يبدو أن الديمقراطيين المسيحيين (الحزب الذي قادته لفترة أنجيلا ميركل) يتجهون لاستعادة السلطة. فحزبهم تصدر استطلاعات الرأي بفارق كبير بنسبة تصل إلى 33 في المائة، وهي أعلى من النسبة التي تتمتع بها الأحزاب الثلاثة التي شكَّلت حكومة شولتس مجتمعة، قبل انهيارها. غير أن اختيار الحزب الشريك - أو الأحزاب الشريكة – في ائتلاف الديمقراطيين المرتقب، قد يكون أمراً معقّداً ويستغرق وقتاً طويلاً.

عقبة البيروقراطية

من ناحية ثانية، رغم محاولات الديمقراطيين المسيحيين تقريب موعد الانتخابات أكثر، مستفيدين من تقدم حزبهم في استطلاعات الرأي، ودعوات جمعيات الأعمال لتقليص فترة الشك والغموض في بلد لم يشهد نمواً اقتصادياً منذ 5 سنوات، فإن البيروقراطية الألمانية شكّلت عائقاً أساسياً أمام ذلك.

وحقاً، لا يقع اللوم في تأخير الانتخابات لنهاية فبراير (شباط) فقط على تشبّث شولتس بإطالة عمر حكومته العاجزة عن العمل. ذلك أنه فور انهيار الحكومة، وبدء الكلام عن انتخابات جديدة، دقّت «هيئة الانتخابات» جرس الإنذار محذّرة من أن التسرّع في إجرائها قد يؤدي إلى أخطاء تسببت بإعادتها. ورأت «الهيئة» ضرورة إفساح الوقت الكافي لتحضير اللوائح، وطبع الأوراق، وتحديات العثور على ورق كافٍ ومطابع جاهزة للعمل في خلال مدة زمنية قصيرة.

نقاط خلافية جدّية

ورغم سخافة هذا المشهد، فهو يعكس واقعاً في ألمانيا المقيدة بالبيروقراطية التي تعيق الكثير من تقدّمها، وكان واحداً من أسباب انهيار الحكومة في النهاية. فقد فشلت حكومة شولتس بإدخال أي إصلاحات لتخفيف البيروقراطية رغم التوصيات المتكرّرة من اختصاصيين. ولقد صدرت آخر هذه التوصيات الأسبوع الماضي من «مجلس الخبراء الاقتصادي»، وهو «مجلس حكماء» مدعوم من الحكومة، دعا إلى تقليص البيروقراطية وتسريع «المكننة» كواحدة من الخطوات الرئيسة لتحقيق النمو الاقتصادي.

وللعلم، كانت تلك واحدة من الخلافات الأبرز بين أحزاب الائتلاف الحكومي الثلاثة. فليبراليو الحزب الديمقراطي الحر (وسط) - الذي يعتبر مؤيداً لمجتمع الأعمال والشركات الكبرى - دفعوا منذ تشكيل الحكومة إلى «تقليص البيروقراطية»، خصوصاً على الشركات، إضافة إلى تخفيض الضرائب عنها، لكن أولويات الاشتراكيين وحزب «الخضر» البيئي تمثّلت بزيادة المعونات الاجتماعية والاستدانة لمواجهة التحديات الاقتصادية التي فرضتها تبعات حرب أوكرانيا وجائحة «كوفيد - 19».

قضية الإنفاق العام

شكّل الإنفاق العام نقطة خلافية أخرى مع الليبراليين الذين رفضوا التخلي عن بند كبح الديون الذي يوصي به الدستور الألماني إلا في الحالات القصوى. وجرى التخلي عن هذا البند بعد جائحة «كوفيد - 19» عندما اضطرت الحكومة إلى الاستدانة والإنفاق لمساعدة الاقتصاد على النهوض. وفي المقابل، أراد الاشتراكيون و«الخضر» مواصلة العمل بتعليق بند كبح الديون ضمن خطط إنعاش الاقتصاد وتمويل الحرب الأوكرانية، لكن ليندنر رفض رغم أن «مجلس الخبراء» أوصى ببحث هذا البند وتخفيف التقيد به.

هكذا أدى الخلاف على إجراءات إنعاش الاقتصاد وميزانية عام 2025 إلى انفراط التحالف مع الليبراليين، ودفع بشولتس إلى طرد زعيمهم ووزير المالية كريستيان ليندنر، الذي قدم مقترحاً لتقليص البيروقراطية وخفض الضرائب مقابل خفض الإعانات الاجتماعية لتمويل الحرب في أوكرانيا من دون زيادة الدين العام.

الاشتراكيون بقيادة شولتس وحزب «الخضر» رفضوا مقترح ليندنر من دون القدرة على التوصل إلى «حل وسط»، مع أن المستشار اعتاد المساومة والحلول الوسطى منذ تشكيل حكومته التي غالباً ما شابتها الخلافات الداخلية.

وطبعاً، دفع طرد ليندنر الوزراء الليبراليين للتضامن مع زعيمهم والاستقالة... ما فرط عقد الحكومة. وبعد أيام من الجدل حول موعد الانتخابات المقبلة، اتفقت الأحزاب على طرح الثقة بالحكومة يوم 16 ديسمبر (كانون الأول) - ويتوقع أن تخسرها بعد خسارتها الغالبية البرلمانية - ما سيؤدي إلى انتخابات عامة حدد موعدها في 23 فبراير.

كريستيان ليندنر (رويترز)

الاقتصاد أساس الأزمة

نقطة إنعاش الاقتصاد تظهر الآن نقطةً خلافية أساسية، بينما يراوح الاقتصاد الألماني مكانه عاجزاً عن تحقيق أي نمو يذكر. ثم أن مئات الشركات الصغيرة والوسطى أقفلت خلال العامين الماضيين، وبدأت حتى كبرى شركات السيارات تعاني خسائر دفعت بشركة «فولكسفاغن» العملاقة إلى إقفال 3 من مصانعها العشرة في ألمانيا.

مع هذا، لا يمكن لوم سياسات الحكومة والخلافات الداخلية حول التعامل مع الاقتصاد وحدها، لتبرير تدهور الاقتصاد الألماني خلال السنوات الثلاث الماضية. إذ بدأت حكومة شولتس عملها في خضم جائحة «كوفيد - 19» التي تسببت بأزمات اقتصادية عالمية، وتلت الجائحة الحرب الأوكرانية وتبعاتها المباشرة على ألمانيا، التي كانت تستورد معظم حاجاتها من الغاز من روسيا. وقد تعاملت حكومة شولتس مع انقطاع الغاز الروسي السريع عن ألمانيا بحكمة، ونجحت في تعويضه بسرعة من دون التسبب بأزمة نقص للغاز في البلاد. وأيضاً اتخذت تدابير لحماية المستهلكين من الارتفاع الكبير في الأسعار، مع أنها ما كانت قادرة على تفادي التداعيات بشكل كامل.

من ثم، تحوّلت الحكومة إلى ما يشبه حكومة إدارة الأزمات والسياسات السيئة الموروثة عن الحكومات السابقة. لكن حتى هنا، يمكن تحميل الاشتراكيين بعض مسؤولية السياسات الاقتصادية السيئة، ومنها اعتماد ألمانيا بشكل متزايد طوال حكومات أنجيلا ميركل الأربع على الغاز الروسي، والسبب أن الاشتراكيين شاركوا في ثلاث من هذه الحكومات، وشولتس نفسه كان وزيراً للمالية ثم نائب المستشارة.

علاقة الاشتراكيين بروسيا

من جانب آخر، لم يساعد القرب التاريخي للاشتراكيين من روسيا حكومة شولتس بإبعاد نفسها عن موسكو؛ إذ بقي المستشار متردداً لفترة طويلة في قطع العلاقات مع روسيا ودعم أوكرانيا. ومع أن ألمانيا تحوّلت الآن إلى ثاني أكبر داعم عسكري لكييف بعد واشنطن، فإن تردد شولتس شخصياً في كل قرار يتعلق بتسليح أوكرانيا، غالباً ما وضعه في مواجهة مع حليفيه في الحكومة وكذلك مع المعارضة. وللعلم، يعتمد شولتس سياسة حذرة في دعم أوكرانيا ولا يؤيد ضمها لـ«ناتو» (حلف شمال الأطلسي)؛ تخوفاً من استفزاز روسيا أكثر وخشيته من دفعها لتوسيع الصراع.

في أي حال، كرّر شولتس القول في كل مناسبة بضرورة استمرار دعم أوكرانيا، وكان هذا واحداً من أسباب الخلافات حول الميزانية التي أدت إلى انهيار الحكومة، فوزير المالية أراد اقتطاع مخصّصات اجتماعية لتمويل الحرب في حين شولتس أراد الاستدانة لذلك رافضاً المس بالإعانات.

وحيال أوكرانيا، مع أن مقاربة تمويل الحرب في أوكرانيا تختلف بين الأحزاب الألمانية، لا خلاف على دعم كييف لا خلاف عليه. بل يتشدّد الديمقراطيون المسيحيون المتوقع فوزهم بالانتخابات وقيادتهم الحكومة المقبلة أكثر في دعمهم. ويؤيد زعيم حزبهم، فريدريش ميرتز، الذي قد يصبح المستشار القادم، أوكرانيا ضم أوكرانيا «فوراً» إلى «ناتو» بخلاف شولتس، كما يؤيد إرسال صواريخ «توروس» البعيدة المدى والألمانية الصنع إليها، بينما يعارض شولتس ذلك.

وهنا نشير إلى أن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي كان طوال السنوات الماضية، منذ تفجّر الحرب الأوكرانية، شديد الانتقاد لتردّد المستشار الاشتراكي في قرارات تسليح كييف وقطع العلاقات الاقتصادية مع روسيا، رغم أنه كان المسؤول عن وصول العلاقات الاقتصادية إلى مرحلة الاعتماد الألماني على الطاقة الروسية... كما كان حاصلاً قبل الحرب.

على الحكومة الجديدة التعامل مع ترمب

في ملف العلاقات الاقتصادية

أولاف شولتس (رويترز)

تبعات عودة ترمب

في اتجاه موازٍ، مقاربة الحرب الأوكرانية ستضع أي حكومة ألمانية جديدة في مواجهة محتملة مع إدارة دونالد ترمب القادمة في واشنطن. إذ ستضيع ألمانيا شهوراً ثمينة في تحديد سياستها مع العد العكسي للانتخابات المبكرة وتفاوض الأحزاب خلالها على تشكيل حكومة ائتلافية.

ولن يكون أمام الحكومة الجديدة فقط تحدي التعامل مع إدارة ترمب في ملف أوكرانيا، بل أيضاً في ملف التجارة والعلاقات الاقتصادية. ذلك أن ترمب في عهده الأول دأب على انتقاد ألمانيا بسبب ضخامة صادراتها إلى الولايات المتحدة، وبخاصة السيارات، التي تفوق بأضعاف الصادرات الأميركية إليها. وبالفعل، هدَّد آنذاك برسوم على السيارات الألمانية في حال لم تزد برلين وارداتها من الولايات المتحدة خاصة الغاز الأميركي الذي كان ترمب يضغط على ميركل لاستيراده عوضاً عن الغاز الروسي. بالتالي، مع عودة ترمب، ستعود المخاوف من حرب اقتصادية مع واشنطن قد تكون إذا وقعت مدمّرة لقطاع السيارات الألمانية. وحقاً، خفّضت كل الشركات الألمانية الكبرى سقف توقّعاتها للأرباح في الأشهر المقبلة، بعد تراجع مبيعاتها في الأسواق الخارجية وتحديداً الصين، بشكل كبير. وقد يشكّل تقلّص سوقها في الولايات المتحدة ضربة جديدة لها يحذّر الخبراء الاقتصاديون من أن تبعاتها ستكون مؤلمة للاقتصاد الألماني.

حسابات الانتخابات المقبلة

عودة إلى حسابات الداخل، لم يطرح الزعيم الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرتز، في الواقع، فكرة إعادة وزير المالية المعزول كريستيان ليندنر إلى حكومته المحتملة. لكن سيتوجّب أولاً على حزب ليندنر، أي الحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي) أن يكسب أصواتاً كافية لتمثيله في البرلمان. وحتى مع تحقيق هذا قد لا يكون التحالف بين الحزبين كافياً لضمان الغالبية، إلا إذا حصلت مفاجأة وحقق أحد الحزبين نتائج أعلى من المتوقع في الاستطلاعات، كما فعل الاشتراكيون في الانتخابات الماضية عندما نالوا قرابة 26 في المائة متقدمين على الديمقراطيين المسيحيين الذين نالوا 24 في المائة من الأصوات. ويومذاك كانت استطلاعات الرأي التي سبقت الانتخابات تشير إلى شبه تعادل بين الحزبين.

من ثم، في حال بقاء ليبراليي الحزب الديمقراطي الحر خارج الحكومة، قد تعيد ألمانيا إنتاج حكومة يشارك فيها الحزبان الرئيسان المتناقضان في سياساتهما الاجتماعية والاقتصادية، أي الاتحاد الديمقراطي المسيحي اليميني والحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي). وقد يُجبَر الحزبان على ضم شريك ثالث يرجح أن يكون حزب «الخضر» في حال غياب الليبراليين عن المشهد. وقد تعيد هكذا حكومة ثلاثية فترة الخلافات والاضطراب التي شهدتها ألمانيا في ظل الحكومة الثلاثية الحالية التي رغم انجازاتها، لا يذكر كثيرون إلا الخلافات التي شابتها.وحتى ذلك الحين، فإن التحديات التي ستواجهها أي حكومة ألمانية قادمة، تجعل من فترة انتظار الانتخابات وتشكيل الحكومة، فترة صعبة ستزيد من عمق الأزمة الاقتصادية وتشرذم الموقف الألماني والأوروبي أمام الإدارة الأميركية.