الأزمة الاقتصادية والعجز عن حلها يسقطان حكم راجاباكسا في سريلانكا

قلة من المراقبين توقعت نجاح الانتفاضة الشعبية

غوتابايا راجاباكسا (رويترز)  -  لحظة اقتحام المتظاهرين في سريلانكا مقر رئيس الوزراء وكسر حاجز القوى الأمنية (إ.ب.أ)
غوتابايا راجاباكسا (رويترز) - لحظة اقتحام المتظاهرين في سريلانكا مقر رئيس الوزراء وكسر حاجز القوى الأمنية (إ.ب.أ)
TT

الأزمة الاقتصادية والعجز عن حلها يسقطان حكم راجاباكسا في سريلانكا

غوتابايا راجاباكسا (رويترز)  -  لحظة اقتحام المتظاهرين في سريلانكا مقر رئيس الوزراء وكسر حاجز القوى الأمنية (إ.ب.أ)
غوتابايا راجاباكسا (رويترز) - لحظة اقتحام المتظاهرين في سريلانكا مقر رئيس الوزراء وكسر حاجز القوى الأمنية (إ.ب.أ)

أحدثت موجة صاخبة غير مسبوقة من الغضب الشعبي الموجّه في القصر الرئاسي السريلانكي، الذي يعود تاريخ إنشائه إلى الحقبة الاستعمارية، صدمة للعالم بأسره خلال نهاية الأسبوع الماضي. ولا تزال التطورات الدراماتيكية تتوالى حتى تاريخ كتابة هذه السطور. ووسط فوضى لم تشهدها البلاد من قبل اقتحم مئات وآلاف من المحتجين السريلانكيين مقرّي الإقامة الرسميين لكل من الرئيس (المستقيل بالأمس) ورئيس الوزراء، وأضرموا النيران في المقرّ الخاص لرانيل ويكريميسينغه، رئيس الوزراء، في حين غضّت قوات الأمن الطرف، ورفضت توجيه السلاح ضد المشاغبين مع انزلاق البلاد نحو حافة الفوضى. لقد اقتحم أفراد غاضبون من الشعب بوابات مقرّ الإقامة الرسمي للرئيس (المستقيل الآن) غوتابايا راجاباكسا في منطقة فورت، وأطلقوا عبارة صادحة باتت صيحة احتجاج شهيرة الآن هي «ارحل يا غوتا»، وذلك من أعلى سطح القصر، الذي كان يقف عليه القناصة منذ وقت ليس بالبعيد، لحراسة المداخل.

أعلن الرئيس السريلانكي غوتابايا راجاباكسا استقالته تحت ضغط الاضطرابات الشعبية الواسعة، كذلك أعلن رئيس الحكومة رانيل ويكريميسينغه أنه سيتنحى عن منصبه. على الجانب الآخر، وفي خضم هذا الوضع المعقد لسريلانكا، بما يشهده من اضطراب مدني، وأزمة اقتصادية، وتخبط سياسي، تشهد الدولة - الجزيرة جموداً ومأزقاً دستورياً غير اعتيادي. فالرئيس هو رأس الدولة والحكومة والجيش في سريلانكا، لكنه يتشارك كثيراً من المسؤوليات التنفيذية مع رئيس الوزراء، الذي يرأس الحزب الحاكم في البرلمان.
قرار القادة السياسيين للبلاد انتخاب رئيس جديد في 20 يوليو (تموز) من خلال تصويت في البرلمان يأتي طبقاً لبنود الدستور، على حد قول ماهيندا يابا أبيوردانا، رئيس البرلمان السريلانكي. إذ قال الأخير: «لقد تم اتخاذ قرار بعقد البرلمان، وإبلاغ المجلس بأن منصب الرئاسة شاغر طبقاً لبنود الدستور. ستصدر الدعوة إلى الترشيحات لمنصب الرئاسة في 19 يوليو، وسننظم التصويت في 20 يوليو لانتخاب رئيس جديد».
وسط الأحداث المتلاحقة، تضاربت لفترة غير قصيرة المعلومات عن مكان وجود رئيس الجمهورية، مع أن رئيس البرلمان قال أول من أمس إنه لم يغادر البلاد، ثم سرت تقارير عن مغادرته إلى جزر المالديف أو أماكن أخرى. ولبعض الوقت انتشرت بعض الأقاويل أثناء الاحتجاجات تشير إلى رسو سفينة في ميناء العاصمة كولومبو حتى تتمكن عائلة راجاباكسا – التي ينتمي إليها رئيس الجمهورية المستقيل وشقيقه الأكبر ماهيندا الرئيس السابق - من الهروب على متنها.

- صعود الرئيس وسقوطه
غضب شعب سريلانكا موجّه بالدرجة الأولى ضد حكم راجاباكسا. ومن غير المرجح أن تتمكن العائلة، التي كان أكثر أفرادها جزءاً أساسياً من السلطة الحاكمة، من الفرار من براثن غضبهم.
الرئيس المستقيل غوتابايا راجاباكسا هو - كما سبقت الإشارة - الشقيق الأصغر للرئيس السابق ماهيندا راجاباكسا. وعندما تولى ماهيندا السلطة عام 2005، على خلفية مناهضة للانفصاليين وداعمة للقومية السنهالية، وقرر خوض حرب ضد الانفصاليين من منظمة «نمور التاميل» عام 2006، عاد المقدم المتقاعد في الجيش السريلانكي من الولايات المتحدة لتولي منصب وزير الدفاع. وبعد الانتصار في الحرب أصبح وزير التنمية الحضرية.
خسر ماهيندا الانتخابات الرئاسية عام 2015، لكن لم تظل عائلته على الهامش لفترة طويلة، ففي أغسطس (آب) 2019، أحدثت سلسلة من الهجمات الانتحارية، نفذها إرهابيون إسلاميون، موجة جديدة من التوجه القومي للغالبية السنهالية البوذية، التي تطلبت وجود حاكم قوي، وفاز غوتابايا راجاباكسا باكتساح في الانتخابات.
ومع ذلك، منذ اللحظة التي تولى فيها غوتابا راجاباكسا المنصب، بدأ في إقصاء المسؤولين المدنيين وتعيين مسؤولين عسكريين متقاعدين محلهم في المناصب الرئيسة، ما أدى إلى حدوث فزع في الجهاز المدني. لم يكن غوتابايا يأبه كثيراً بالوزراء وأعضاء البرلمان، لأنه كان يعتقد أن السياسيين المحترفين كُسالى وقليلو الكفاءة وفاسدون. ولذا أقصى الطبقة السياسية بأكملها، بما فيها رجال حزبه، حزب جبهة شعب سريلانكا (المحسوب على يسار الوسط)، ولم يتمكن الأشخاص ذوو الخبرة والمحنكون سياسياً في عائلة راجاباكسا من تخليصه من تلك الأفكار.
كانت الإجراءات الأولى، التي اتخذها غوتابايا، شعبوية، لكن كانت على حساب خزانة الدولة، إذ أعلن خفض الضرائب. الأمر الذي أدى إلى تناقص عائدات الدولة. كذلك عيّن 100 ألف من العاطلين من خريجي الجامعات في وظائف حكومية متواضعة، ما استنزف موارد الدولة. ومع انتشار جائحة «كوفيد 19» في سريلانكا، أمر بتنفيذ عمليات إغلاق كثيرة، فتسبب ذلك بتوقف النشاط الاقتصادي، وانخفاض عائدات التصدير والرسوم الجمركية. أيضاً، تراجع عدد السياح الوافدين إلى البلاد بسبب لوائح الحجر الصحي المكلّفة؛ وتراجعت التحويلات المالية من المواطنين الذين يعملون في الخارج. والأهم من كل ذلك هو فرض غوتابايا حظراً مفاجئاً شاملاً على الأسمدة الكيميائية والمبيدات الحشرية، ما أثر سلباً على قطاع الزراعة وعلى 70 في المائة من السكان.
وهنا يعلق المحلل السياسي الهندي سوشانت سارين، المتابع للشأن السريلانكي: «لم يعتقد أحد أنه من الممكن هزيمة (غوتابا) راجاباكسا. لقد كانت الغالبية السنهالية البوذية توقر وتبجل كلاً من ماهيندا وغوتابايا راجاباكسا، وكانت السياسة القومية القوية التي يتبنيانها تحظى بشعبية كبيرة على نطاق واسع. قبل بضعة أشهر فقط، لم يكن أحد يتوقع أن يكون لدى الشعب السريلانكي الشجاعة للتصدي لنظام حصل على أغلبية الثلثين في البرلمان، وذي قبضة حديدية، ويجبر رجاله على الرحيل في أقل من سنتين ونصف سنة. لقد أبهر الشعب السريلانكي العالم بفعله المستحيل».

لحظة اقتحام المتظاهرين في سريلانكا مقر رئيس الوزراء وكسر حاجز القوى الأمنية (إ.ب.أ)

- ثورة شعبية
لقد عانت سريلانكا، الدولة - الجزيرة، الواقعة جنوب الهند، التي يبلغ عدد سكانها 22 مليون شخص، منذ أشهر من انقطاع الكهرباء لفترات طويلة، كما عانت من نقص حاد في الغذاء والوقود، وتضخم متسارع في خضم كساد اقتصادي يعدّ هو الأضخم والأكثر إيلاماً في تاريخها. وخلال الأشهر القليلة الماضية، شهدت البلاد احتجاجات عنيفة جامحة ومطالبات باستقالة الرئيس غوتابايا، في أعقاب تحميل حكومته مسؤولية سوء إدارة مزمن للموارد المالية للبلاد.
وهنا يقول الصحافي السريلانكي كاميثي ويكريميسينغه، موضحاً: «كان اقتحام المحتجين لمقرات الإقامة الرسمية بمثابة ذروة أشهر متراكمة من احتجاجات أناس غاضبين بسبب أزمة اقتصادية غير مسبوقة في الجزيرة وفساد عائلة راجاباكسا وانعدام كفاءتها في الإدارة». ويضيف: «عندما انتشرت دعوة المواطنين كافة إلى التجمع في حديقة (غال فيس غرين) العامة في 9 يوليو، ظن كثيرون أن الأمر لن ينجح في ظل فرض حظر تجول الليلة التي تسبقه. مع ذلك، ومع استمرار الحكومة في اختبار صبر شعبها، وتزايد طول صفوف الانتظار أمام محطات الوقود، ونقص غاز الطهي، وانقطاع التيار الكهربائي، أدرك الناس أنه إما أن يفعلوا ذلك الآن أو لن يحدث إطلاقاً. لقد كانوا عازمين على دعم الاحتجاج رغم حظر التجول. وبالفعل، جرى تشجيع الناس عبر مواقع التواصل الاجتماعي مع دعوة كثير من الأحزاب السياسية والاتحادات العمالية للناس إلى الانضمام ومطالبة الحكومة بالاستقالة. ومن ثم، عشية يوم 8 يوليو لم ينجح فيض من قوات الجيش والشرطة باستخدام الغاز المسيل للدموع والذخيرة الحية في منع آلاف من الاندفاع نحو كولومبو متكدّسين في القطارات، ومتلفحين بأعلام الاحتجاج، ومعتلين حافلات قليلة، وهي التي لا تزال قادرة على الحركة بمخزون قليل ثمين من الوقود».
ويتابع الصحافي السريلانكي سرده ليقول: «كان صباح يوم 9 يوليو حافلاً بالإثارة مع بدء توافد الحشود منذ الصباح الباكر. كان رجال الشرطة قد أقاموا الحواجز والمتاريس لمنع الوصول إلى القصر الرئاسي، وبدأوا في إطلاق الغاز المسيل للدموع، واستخدام مياه ذات ضغط عالي ضد الناس. وعند الساعة 12:30 تقريباً انتشرت أنباء عن سيطرة المحتجين على القصر الرئاسي وانسحاب القوات. وبعد ذلك بساعة، شوهد المحتجون وهم يركضون باتجاه القصر الرئاسي وسط تهليلات صادحة. رغم شعور الناس بالإثارة والحماسة والغضب والارتباك بفعل فرصة الاستيلاء على المباني، كانوا دائماً ما يتذكرون ضرورة الإحجام عن تدمير الممتلكات العامة». ثم يختتم: «لقد تكلّم الشعب أخيراً، وكانت رسالته صادحة وواضحة. الذين اختبروا صبره وسرقوا أمواله وأهانوا ذكاءه وأفسدوا مستقبل أبنائه كانوا يبحثون عن المتاعب. سوف يلقى السياسيون، الذين كوّنوا ثرواتهم بالاحتيال، ونكثوا عهودهم، وتسببوا في معاناة الشعب على نحو لا يمكن احتماله، مصير عائلة راجاباكسا».

- طريق صعب يلوح في الأفق
لا جدال في أن الطريق أمام سريلانكا صعب، فالأمر لا يحتاج إلى تخفيف الأزمة الاقتصادية فحسب، بل هناك حاجة أيضاً إلى إعادة بناء نفسها طوبة طوبة. وهنا يذكر فيشال باندي، وهو صحافي هندي يغطي الوضع والأحداث في سريلانكا: «يمثل اقتحام المقرات الرسمية للرئيس ورئيس الوزراء دروساً قاسية من التاريخ تستدعي وتستحضر إلى الذهن ما حدث في العراق عام 2003. بعد فترة قصيرة من غزو القوات الأميركية للبلاد. مع اقتحام مواطنين عراقيين لكثير من القصور الرئاسية ونهب محتوياتها». ويستطرد: «كان هناك ذلك الشعور نفسه من العجب والانبهار في نفوس الرجال الغاضبين الذين اقتحموا تلك الأماكن المميزة... لقد شعرت بصدمة من مشاهدة عملية اقتحام مماثلة، باستثناء أن شعب سريلانكا لم ينهب أي شيء، بل فقط استمتع بلحظات من الرفاهية».
يقول خبراء في الاقتصاد إن أصل الأزمة ينبع من عوامل داخلية مثل سنوات من سوء الإدارة والفساد. من بين تلك الأمور، تظل السياسات الاقتصادية الرعناء المستهترة لعائلة راجاباكسا هي العامل الأبرز الذي أدى إلى تردي الوضع الاقتصادي في سريلانكا. في أعقاب الحرب الأهلية (2009 - 2015) كان الاقتصاد السريلانكي يعاني من عجز كبير في الموازنة. القرار السياسي الاستبدادي خلال الحرب الأهلية، وما تبعه من عدم استقرار سياسي، أو الافتقار إلى توافق سياسي يوحد البلاد منع النظام الحاكم من إجراء إصلاحات سياسية لتصحيح الأوضاع والمسار. وأشار ناندالال وييراسينغه، رئيس البنك المركزي السريلانكي، إلى أن اقتصاد البلاد سوف «ينهار بشكل لا يمكن علاجه أو تداركه» ما لم يتم تعيين حكومة جديدة في غضون أيام، وقيل إنه يفكر في الاستقالة إذا لم يتحقق استقرار سياسي في غضون أسبوعين. ويحدث ذلك في ظل اضطرار جيش البلاد لتفنيد تقارير عن انقلاب وشيك وعودة الجيش لتصدّر مشهد الأزمة السياسية والاقتصادية التي تتفاقم بوتيرة سريعة.

- أسباب التأزم الاقتصادي
لقد بلغ حجم الدين الخارجي لسريلانكا 51 مليار دولار أميركي. وتفيد سلطات كولومبو أن عليها سداد 8.6 مليار دولار من الدين الخارجي عام 2022. لكن نتيجة نفاد العملة الأجنبية في البلاد في مايو (أيار)، لم تتمكن من سداد المستحق عليها من الديون للمرة الأولى.
منذ ذلك الحين، توقفت كل الواردات وحدث نقص كبير في الوقود والغذاء والسلع المعيشية. وعندما لجأت سلطات كولومبو إلى صندوق النقد الدولي، كانت سريلانكا قد وصلت إلى الحضيض، وتعيش على منح ومساعدات مقدّمة من الهند، بلغت خلال الفترة بين يناير (كانون الثاني) ويونيو (حزيران) 3.5 مليار دولار. هذا، ولم تتمكن سلطاتها، التي كانت تعتمد بالكامل على القروض الهندية، من تلبية الاحتياجات الأساسية للشعب من وقود للمركبات، وغذاء على الموائد، وعقاقير في المستشفيات الحكومية، وبلغ تضخم السلع الغذائية 56 في المائة.
الجانب الآخر من قصة سوء الإدارة الاقتصادية المتفاقم هذه هو دور الصين في هذه الأزمة. ولقد كان على كولومبو التوقف عن سداد ديونها الخارجية بسبب العجز عن دفع قيمة خدمة الدين المستحق للصين، التي موّلت به مشروعات بنى تحتية عديمة الجدوى. واستغلت بكين صداقتها لماهيندا راجاباكسا لتوقيع اتفاق لبناء ميناء هامبانتوتا والمطار المجاور له في ماتالا خلال فترة حكمه. وللعلم، تولى مايتريبالا سيريسينا، الذي خلف ماهيندا، السلطة وهو راغب في الحد من اعتماد سريلانكا على الصين، غير أن الحال انتهى به وهو يمنح ميناء هامبانتوتا عقد انتفاع مدته 99 سنة، بل يضيف بنداً يمنحها حق تمديد العقد 99 سنة أخرى.


مقالات ذات صلة

رئيس سريلانكا يتوقع استمرار الإفلاس حتى 2026

الاقتصاد طابور طويل أمام وزارة الهجرة السريلانكية للحصول على جوازات سفرهم خارج البلاد التي تعاني من إفلاس (إ.ب.أ)

رئيس سريلانكا يتوقع استمرار الإفلاس حتى 2026

قال رئيس سريلانكا رانيل ويكريميسينغه أمام البرلمان الأربعاء إن بلاده ستظل مفلسة حتى عام 2026 على الأقل، داعياً إلى دعم إصلاحاته لإنعاش الاقتصاد في ظل أزمة تاريخية. وقال ويكريميسينغه الذي تولى الرئاسة الصيف الماضي بعد استقالة غوتابايا راجاباكسا إن «تبني سياسات ضريبية جديدة هو قرار لا يحظى بشعبية. تذكروا أنني لست هنا لأتمتع بالشعبية بل أريد إخراج هذه البلاد من الأزمة التي تواجهها». ويحمل السكان ويكريميسينغه مسؤولية الأزمة في ظل نقص الغذاء والوقود والكهرباء والدواء.

«الشرق الأوسط» (كولومبو)
الاقتصاد رئيس سريلانكا رانيل ويكريميسينغه لدى وصوله لإلقاء كلمة أمام البرلمان في كولومبو (أ.ف.ب)

رئيس سريلانكا يتوقع البقاء في حالة إفلاس حتى 2026

قال رئيس سريلانكا رانيل ويكريميسينغه أمام البرلمان، اليوم الأربعاء، إن بلاده ستظل مفلسة حتى عام 2026 على الأقل، داعيًا إلى دعم إصلاحاته لإنعاش الاقتصاد ظل أزمة تاريخية. وقال ويكريميسينغه الذي تولى الرئاسة الصيف الماضي بعد استقالة غوتابايا راجاباكسا إن «تبني سياسات ضريبية جديدة هو قرار لا يحظى بشعبية. تذكروا انني لست هناك لأتمتع بالشعبية بل أريد إخراج هذه البلاد من الأزمة التي تواجهها». وأضاف «إذا واصلنا خطة (الإصلاحات) يمكننا الخروج من الإفلاس بحلول 2026». ويحمل السكان ويكريميسينغه مسؤولية الأزمة في ظل نقص الغذاء والوقود والكهرباء والدواء.

«الشرق الأوسط» (كولومبو)
العالم الرئيس السريلانكي رانيل ويكريمسينغه خلال العرض العسكري (أ.ب)

الرئيس السريلانكي يدعو إلى التفكير في «الأخطاء» الماضية

بينما تمر البلاد بأزمة كبيرة، دعا الرئيس السريلانكي، رانيل ويكريمسينغه، خلال عرض عسكري بمناسبة مرور 75 عاماً على استقلال البلاد، إلى التفكير في «الأخطاء والإخفاقات» الماضية. ومنذ انتهاء الاستعمار البريطاني في 1948، قضت الدولة الجزيرة جزءاً كبيراً من تاريخها في حرب مع نفسها.

«الشرق الأوسط» (كولومبو)
الاقتصاد صورة أرشيفية تظهر مسار قاطرات تنقل مواد تعدينية من مدينة الجبيل السعودية (غيتي)  -   نصير أحمد وزير البيئة السريلانكي

سريلانكا تتطلع للاستفادة من تجربة التعدين السعودية

شدد المهندس نصير أحمد وزير البيئة السريلانكي على آفاق التعاون بين كولمبو والرياض بمختلف المجالات، وقطاع التعدين على وجه التحديد، متطلعا إلى تعزيز التعاون مع السعودية بقطاع التعدين، والاستفادة من تجارب المملكة في تطوير الصناعة المعدنية وقوانين وأنظمة المعادن، والمواكبة، والنهوض بإمكانات بلاده المعدنية. ودعا نصير السعوديين للاستثمار بالقطاع في بلاده، وإقامة مشاريعهم الاستكشافية والقيمة المضافة للإنتاج التعديني في البلدين، مشيرا إلى أن بلاده بدأت حقبة جديدة في التنمية الاقتصادية والنمو، وفي طريقها لتجاوز التحديات التي أفرزت انهيارا اقتصاديا وضائقة مالية. وشدد نصير في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «على ا

فتح الرحمن يوسف (الرياض)
العالم عناصر من جيش سريلانكا (أرشيفية - إ.ب.أ)

سريلانكا تخفض جيشها بنحو الثلث لخفض الإنفاق

قال وزير الدفاع السريلانكي، اليوم الجمعة، إن بلاده ستخفض قوام جيشها بما يصل إلى الثلث، إلى 135 ألفاً بحلول العام المقبل، وإلى 100 ألف بحلول عام 2030، فيما تحاول البلاد، التي تواجه أسوأ أزمة اقتصادية منذ أكثر من سبعة عقود، خفض الإنفاق. وقال بريميتا باندارا تيناكون في بيان: «الإنفاق العسكري هو في الأساس نفقات تتحملها الدولة، التي تحفز بشكل غير مباشر وتفتح مجالات للنمو الاقتصادي عن طريق ضمان الأمن القومي وأمن السكان».

«الشرق الأوسط» (كولومبو)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
TT

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد الخريجي، وترأس الجانب الصيني نظيره نائب الوزير دنغ لي. وبحث الجانبان تطوير العلاقات الثنائية، مع مناقشة المستجدات التي تهم الرياض وبكين. يذكر أن العلاقات السعودية الصينية شهدت تطوراً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، إذ تعززت الشراكة بين البلدين على مختلف الأصعدة الاقتصادية والسياسية والثقافية. وتعود العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية الصين الشعبية إلى عام 1990، عندما افتتحت سفارتا البلدين رسمياً في العاصمتين بكين والرياض. مع أن علاقات التعاون والتبادل التجاري بين البلدين بدأت قبل عقود. وعام 1979، وقّع أول اتفاق تجاري بينهما، واضعاً الأساس لعلاقات قوية مستمرة حتى يومنا هذا.

تُعدّ الصين اليوم الشريك التجاري الأكبر للمملكة العربية السعودية، وانعكست العلاقات المتنامية بين البلدين بشكل كبير على التعاون الاقتصادي والتجاري بينهما؛ إذ أسهمت في وصول حجم التبادل التجاري إلى أكثر من 100 مليار دولار أميركي في عام 2023. تستورد الصين النفط الخام من السعودية بشكل رئيسي، وتعدّ المملكة أكبر مورد للنفط إلى الصين، إذ تصدر ما يقرب من 1.7 مليون برميل يومياً. ولقد تجاوزت الاستثمارات الصينية في المملكة حاجز الـ55 مليار دولار. وبحسب تقرير لـ«edgemiddleeast»، ضخّت الصين 16.8 مليار دولار في المملكة في 2023 مقابل 1.5 مليار دولار ضختها خلال عام 2022، استناداً إلى بيانات بنك الإمارات دبي الوطني، وهي تغطي مشاريع في البنية التحتية والطاقة والصناعات البتروكيماوية. وفي المقابل، استثمرت المملكة في عدد من المشاريع داخل الصين، منها الاستثمارات في قطاعات التكنولوجيا والنقل. واستضافت الرياض أيضاً في شهر يونيو (حزيران) من هذا العام «مؤتمر الأعمال العربي الصيني» الذي استقطب أكثر من 3600 مشارك. وبعد أسبوعين فقط، أرسلت السعودية وفداً كبيراً بقيادة وزير الاقتصاد السعودي إلى مؤتمر «دافوس الصيفي» في الصين. وبالإضافة إلى هذا الزخم الحاصل، دعت الصين المملكة العربية السعودية كضيف شرف إلى «معرض لانتشو الصيني للاستثمار والتجارة» الذي أقيم من 7 إلى 10 يوليو (تموز) من هذا العام. وكانت وزارة الاستثمار السعودية حثّت الشركات على المشاركة بفاعلية في المعرض، والجناح السعودي المعنون «استثمر في السعودية». كذلك وقّعت السعودية والصين اتفاقيات متعددة لتعزيز التعاون في قطاع الطاقة، بما في ذلك مشاريع الطاقة المتجددة. وتسعى المملكة لتحقيق «رؤية 2030» التي تهدف إلى تقليص الاعتماد على النفط وتعزيز استخدام الطاقة المتجددة، في حين تسعى الصين إلى تأمين إمدادات الطاقة اللازمة لتنميتها الاقتصادية. وبالفعل، جرى أخيراً توقيع اتفاقية بين شركة «تي سي إل تشونغ هوان» لتكنولوجيا الطاقة المتجددة الصينية، وشركة توطين للطاقة المتجددة، وشركة «رؤية للصناعة» السعوديتين، لتأسيس شركة باستثمار مشترك، من شأنها دفع توطين إنتاج الرقائق الكهروضوئية في المملكة العربية السعودية. ووفقاً للاتفاقية، يبلغ إجمالي حجم الاستثمار في المشروع المشترك نحو 2.08 مليار دولار. التعاون السياسي والدبلوماسي تتعاون المملكة والصين على مستوى عالٍ في القضايا الدولية والإقليمية. وتستند العلاقات السياسية بين البلدين إلى احترام السيادة الوطنية والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية. كذلك تتبادل الدولتان الدعم في المحافل الدولية، مثل الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، ولقد لعبت الصين دوراً محوَرياً في الوساطة بين السعودية وإيران، ما أدى إلى تحقيق نوع من التوافق بين البلدين، أسهم في توطيد الاستقرار، وقلّل من حدة التوترات، وعزّز من الأمن الإقليمي. الزيارات الرسمية والقمم المعروف أنه في مارس (آذار) 2017، قام الملك سلمان بن عبد العزيز بزيارة رسمية للصين حيث التقى الرئيس الصيني شي جينبينغ. وخلال الزيارة، وُقّعت 14 اتفاقية ومذكرة تفاهم، تضمنت التعاون في مجالات الطاقة والاستثمارات والعلوم والتكنولوجيا. وفي وقت سابق، كان خادم الحرمين الشريفين الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز قد زار الصين رسمياً عام 2006، كانت تلك الزيارة بمثابة نقطة تحوّل في تعزيز العلاقات الثنائية، وشملت مباحثات مع القيادة الصينية وشهدت توقيع اتفاقيات عدة في مجالات الطاقة والتجارة والاستثمار. كما زار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الصين في فبراير (شباط) 2019 كجزء من جولته الآسيوية. خلال هذه الزيارة، وقّعت 35 اتفاقية تعاون بين البلدين بقيمة تجاوزت 28 مليار دولار، وشملت مجالات النفط والطاقة المتجددة والبتروكيماويات والنقل. بعدها، في ديسمبر (كانون الأول) 2022، قام الرئيس الصيني شي جينبينغ بزيارة تاريخية إلى الرياض، حيث شارك في «قمة الرياض»، التي جمعت قادة دول مجلس التعاون الخليجي والصين. وتركّزت هذه القمة على تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والأمنية بين الجانبين، وخلالها وقّع العديد من الاتفاقيات في مجالات الطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا. من الزيارات البارزة الأخرى، زيارة وزير الخارجية الصيني إلى السعودية في مارس (آذار) 2021، حيث نوقش التعاون في مكافحة جائحة «كوفيد 19» وتعزيز العلاقات الاقتصادية،