بروفايل: ليز تراس... وزيرة الخارجية البريطانية التي تطرح نفسها صوت اليمين المحافظ

ابنة الأكاديمي اليساري أكملت استدارة كاملة في قناعاتها السياسية

بروفايل: ليز تراس... وزيرة الخارجية البريطانية التي تطرح نفسها صوت اليمين المحافظ
TT

بروفايل: ليز تراس... وزيرة الخارجية البريطانية التي تطرح نفسها صوت اليمين المحافظ

بروفايل: ليز تراس... وزيرة الخارجية البريطانية التي تطرح نفسها صوت اليمين المحافظ

بسُترة عسكرية واقية وخوذة للمعارك، وقفت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس معتلية ظهر دبابة، أثناء زيارتها لجنود بلادها في إستونيا خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وتداولت الصورة وسائل إعلام عدة وحسابات لمواقع التواصل الاجتماعي بجوار صورة شبيهة لرئيسة الوزراء السابقة مارغريت ثاتشر. تراس، التي كانت هذا الأسبوع بين أبرز الطامحين لخلافة بوريس جونسون في زعامة حزب المحافظين الحاكم، وتالياً، رئاسة قيادة الحكومة البريطانية، اختارت أن تركز لدى عرض سياساتها أمام زملائها النواب على مواقفها المتشددة، في مسعى جادّ لاجتذاب أصوات التيار اليميني المتشدد في الحزب. وبالفعل، واكب تأثير صورة تراس، مع انتشار تقارير إعلامية غربية قالت، إنها «طردت السفير الروسي لدى بلادها أندريه كيلين، من مكتبها بوزارة الخارجية البريطانية، في فبراير (شباط) الماضي، بعد نقاش حاد بسبب هجوم روسيا على أوكرانيا»، وإنها خاطبت السفير قائلة «ينبغي أن تشعر بالخجل لأن روسيا كذبت بشكل متكرّر، وفقدت آخر شرارة للثقة لدى المجتمع الدولي».

إبان تقدم معركة «غربلة» مواقف المرشحين المتنافسين على زعامة حزب المحافظين الحاكم في بريطانيا، سعت وزيرة الخارجية الحالية ليز تراس على تثبيت موقعها في قلب الجناح اليميني داخل الحزب. وكان السباق لخلافة رئيس الوزراء المستقبل بوريس جونسون قد افتتح في مطلع الأسبوع بـ11 مرشحاً، سرعان ما انسحب منهم وزير النقل غرانت شابس. ومن ثم تساقطت الأسماء تباعاً في الأيام التالية وتزايدت الاصطفافات التكتيكية وضوحاً داخل الحزب بين ممثلي الجناح المعتدل (يمين الوسط)، ومن أبرز وجوهه وزير الخارجية السابق جيريمي هنت، ممثلو الجناح المتشدد (أقصى اليمين) ومنهم المدعية العامة سويلا برافرمان، وزميلتها كيمي بادينوك وزيرة الحكم المحلي والبيئات الإيمانية والمحلية. غير أن تطور السباق واستطلاعات الرأي أشارت إلى تقدم وزير المالية ريشي سوناك ووزيرة التجارة بيني موردنت ووزيرة الخارجية ليز تراس. لكن، بينما بدا كل من سوناك وموردنت حريصين على طرح نفسيهما كمرشحي «وحدة» بين أجنحة الحزب اختارت تراس العمل على تزعم الجناح المتشدد اليميني.
في تقديم تراس «رؤيتها» أمام الحزب، قالت في كلمة لها بعد عودتها من إندونيسيا في أعقاب استقالة جونسون «لدي رؤية واضحة لاقتصاد البلاد، والخبرات والحلول لتنفيذ هذه الرؤية... سأخوض المنافسة في هذه الانتخابات بصفتي محافظة وسأحكم بصفتي محافظة. إنني أضع نفسي في المقدّمة لأنني أستطيع أن أقود، وأتخذ القرارات الصعبة. لدي رؤية واضحة للمكان الذي نحتاج إلى أن نكون فيه، ولدي الخبرة والعزم للوصول بنا إلى هناك»، مشددة تحمسها لموضوع خفض الضرائب الذي يعد أولوية عند الشارع السياسي المحافظ.

- نشأة يسارية
ولدت ماري إليزابيث «ليز» تراس، في مدينة أوكسفورد بجنوب وسط إنجلترا يوم 26 يوليو (تموز) عام 1975، لأسرة بريطانية من الطبقة المتوسطة ذات قناعات يسارية قوية، وترتيبها الابنة الكبرى بين أربعة أشقاء. أبوها كان بروفسوراً للرياضيات، أما أمها فكانت ممرضة ومدرّسة وناشطة سياسية. وحقا ترعرعت «ليز» في بيئة عائلية يسارية ملتزمة.
عندما كانت ليز في سن الرابعة من عمرها انتقلت الأسرة إلى مدينة بيزلي الاسكوتلندية المجاورة لمدينة غلاسغو، ولاحقاً إلى مدينة ليدز بشمال إنجلترا، تبعاً لمواقع أبيها البروفسور في جامعة ليدز. وفي ليدز أكملت تعليمها الثانوي قبل التحاقها بجامعة أوكسفورد (كلية ميرتون) العريقة، حيث تخصصت في الفلسفة والسياسة والاقتصاد. وفي الجامعة بدأ تحوّلها السياسي من اليسار إلى الوسط عندما نشطت في كقيادية طلابية في صفوف حزب الديمقراطيين الأحرار.

- من الوسط إلى اليمين
كانت رحلة ليز تراس إلى أوروبا الشرقية في التسعينات من القرن الماضي «لحظة حاسمة في حياتها» كما أخبرت بعض أصدقائها. وحقاً، التحقت بعد تخرجها في الجامعة إلى حزب المحافظين، معتبرة أمام أصدقاء لها، أن «(مارغريت) ثاتشر تبنّت النهج الصحيح».
بعد التخرّج في أوكسفورد، عام 1996، عملت تراس في شركة خاصة، وتزوجت من محاسب هو هيو أوليري، كانت قد التقته في مؤتمر المحافظين عام 1997، وتزوجا عام 2000، ولديها ابنتان، تذهب معهما في بعض الأحيان لركوب الدراجات، كما تساعدهما في واجباتهما المدرسية.
ككل المرشحين الجدد، احتاجت تراس إلى الفشل مرتين بالانتخابات البرلمانية، قبل أن تُرشَّح لمقعد مضمون وتغدو نائبة في مجلس العموم عام 2010، وخلال تلك الفترة دعت إلى إجراء تغييرات في عدد من المجالات، خاصة الصحة والتعليم والاقتصاد، وشغلت منصب وكيل وزارة برلماني لرعاية الأطفال والتعليم في الفترة من 2012 إلى 2014.

- الصعود الوزاري
إلا أن النقلة النوعية في مسيرة تراس جاءت على يد رئيس الوزراء الأسبق ديفيد كاميرون، الذي عيّنها وزيرة دولة للبيئة والأغذية والشؤون الريفية ما بين عامي 2014 و2016، فكانت أصغر وزيرة في الحكومة بعمر 38 سنة.
وبعد استقالة كاميرون، عُيّنت وزيرة للعدل في حكومة تيريزا ماي. وفي منتصف 2019، بعد استقالة ماي، دعمت تراس ترشح بوريس جونسون لرئاسة حزب المحافظين، ومع تولي الأخير رئاسة الحكومة عُيّنت وزير دولة للتجارة الخارجية ورئيس مجلس التجارة، ووزيرة لشؤون المرأة والمساواة في سبتمبر (أيلول) 2019، ثم وزيرة دولة للشؤون الخارجية وشؤون الكومنولث والتنمية في 15 سبتمبر 2021؛ لتصبح أول وزيرة خارجية من حزب المحافظين، وثاني امرأة تجلس على هذا المقعد.
في البداية، كانت تراس منحازة لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، وشاركت في حملة «بريطانيا أقوى في أوروبا»، غير أنها بعد تعيينها وزيرة للخارجية، تولت إدارة ملف «بريكست» خلفاً لديفيد فروست، حيث شغلت منصب كبير مفاوضي الحكومة البريطانية مع الاتحاد الأوروبي.

- شبح ثاتشر
منذ تولي ليز تراس مهام منصبها وزيرة للخارجية سطع نجمها دولياً، وصارت بين أنشط الوزراء وأشهرهم. وهكذا أخذ اسمها يتردد كخليفة محتمل لجونسون، حتى قبل أن تفصح هي عن رغبتها في ذلك. ورغم تأكيدات عدد من المصادر للصحف البريطانية على أنها «تركز عملها على إدارة ملفات البلاد الخارجية، ولا تنظر إلى منصب رئيس الوزراء»، ليبدو أن الأمر تغير عقب استقالة جونسون، وأنها كانت تعد لذلك منذ مدة.
تحاكي تراس بطلتها ثاتشر بالحديث عن الحرية والتجارة الحرة، وتخفيض الضرائب؛ وهو ما يجعل البعض يراها «تسير على خطى المرأة الحديدة»، وأنها «مارغريت ثاتشر جديدة».
ورغم أن تراس ترفض علانية المقارنة مع ثاتشر؛ فإن المقربين منها يرون أنها «تحبها»، بينما يقلل منتقدوها من التشابه بين ثاتشر وتراس، بقولهم، إن الأخيرة «تفتقد للرؤية والمبادئ التي كانت تعتقنها ثاتشر».
مواقف تراس الاقتصادية والسياسية، تجعل البعض الآخر يشكك في هذا، مشكلاً حالة من الانقسام حولها بين أعضاء حزب المحافظين أنفسهم، فوفقاً لاستطلاع رأي أجري في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، فإن «أداء حزب المحافظين سيكون أسوأ تحت قيادتها، مما هو قائم تحت قيادة جونسون»، بحسب صحيفة «الفاينانشيال تايمز».
ويصف دومينيك كمينغ، المستشار السابق لجونسون، تراس بأنها «قنبلة يدوية»، وتوقع في مقابلة نشرت أخيراً، أنها «ستكون أسوأ من بوريس جونسون لو تولت منصب رئاسة الوزراء».

- محبوبة... لكن غريبة
منذ طرح اسم تراس كمرشحة محتملة لرئاسة الوزراء بدأت المقارنات التقليدية بينها وبين ثاتشر، وهي مقارنة طبيعية مع أي سيدة تطمح لتولي كرسي «المرأة الحديدية»، ويقول الصحافي والنائب السابق ماثيو باريس، في تصريحات تلفزيونية «تراس تتظاهر بأنها ثاتشر، وتلقي خطابات غريبة... إنها شخصية محبوبة من جميع من عملوا معها، لكنها غريبة بعض الشيء»، وهذا الوصف تتناقله الصحف البريطانية عن زملاء لها في البرلمان من حزب المحافظين؛ إذ يقولون، إنها «غريبة... ليست سيئة أو جيدة، لكنها غريبة الأطوار».
أما شقيقها الأصغر فرنسيس فيصفها بأنها «شخصية تنافسية، دائماً ما تسعى للفوز، معتدة برأيها وواثقة من نفسها». ولا يبتعد أساتذة لها في جامعة أوكسفورد عن المعنى الإيجابي بوصفها «الذكية التي تفكر خارج الصندوق»، أو «الطموحة، تتحدث بما يدور في ذهنها».
في المقابل، لا تعدم تراس المنتقدين، بطبيعة الحال، الذين يعتقدون أنها «مهتمة فقط بالترويج لملفها الشخصي، بسبب حرصها على الترويج لنفسها على مواقع التواصل الاجتماعي». ويتخوف هؤلاء من تربع تراس على قمة السلطة بحجة أنها «خفيفة الثقافة». كذلك، يستند معارضو توليها رئاسة الحكومة إلى ما يرون أنه «انتهازية» في مسارها مركزين على «تحولها من معارضة لـ(بريكست) إلى مشاركة في مفاوضات تنفيذها. وأنها بينما تبشر بالتجارة الحرة، تدعم انسحاب بريطانيا من أكبر اتفاقية للتجارة الحرة»، بحسب ما نشرته مجلة «نيو ستيتمان» البريطانية اليسارية.
وللعلم، في خطابها نهاية العام الماضي، عكست تراس حجتها بشأن «بريكست»، فقالت «بعد ما يقرب من 50 سنة في الاتحاد الأوروبي، أصبحت جميع أدوات السياسة في يدينا، الدبلوماسية والتنمية والتجارة والأمن، نحن نعيد بناء عضلاتنا من جديد لتحقيق وعدنا ببريطانيا العالمية».

- أنا لست دبلوماسية
على صعيد آخر، باعترافها شخصياً، لا ترى تراس نفسها «دبلوماسية». إذ قالت في «بوكادست» لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) «لا أعتقد أن أحداً يصفني بالدبلوماسية، وأنا لست دبلوماسية»، عقب توليها مهام منصبها كوزيرة للخارجية. وهو المنصب الذي دفع كثيرين للتساؤل عن الوجه الجديد لبريطانيا أمام العالم.
ولكن، في سياق متصل، تتمتع تراس بطاقة هائلة للعمل؛ إذ يقول مقرّبون منها، إنها «لا تعرف الكلل أو الملل، وتعشق الوظيفة، لدرجة أنها تأكل وتشرب العمل، حتى أنها في إحدى المرات كتبت خطاباً مهماً في منتصف الليل، بعد 17 ساعة من المفاوضات التجارية الشاقة في طوكيو». وحسب بعض هؤلاء «كي تمضي ساعات طويلة في العمل، فإنها تشرب كميات كبيرة من القهوة... ولم ير شخصاً يشرب قهوة مثلها».

- الحرب الأوكرانية
أخيراً، كانت الحرب الروسية الأوكرانية اختباراً مهماً لليز نراس، التي طالبت بفرض عقوبات على روسيا، وشجعت المتطوعين البريطانيين على الانضمام للقتال. وكانت أيضاً تطالب بزيادة الإنفاق الدفاعي، وتصر على «ضرورة هزيمة روسيا وليس استرضاءها»، حتى أن الكرملين في وقت سابق «حمّل تراس المسؤولية عن قراره وضع ترسانته النووية في حالة تأهب». وفقاً لمجلة «نيو ستيتمان»، قال عنها سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، إن «المفاوضات معها أشبه بالحديث مع شخص أصم».


مقالات ذات صلة

شرطة لندن تقبض على «مسلّح» أمام قصر باكنغهام

العالم شرطة لندن تقبض على «مسلّح» أمام قصر باكنغهام

شرطة لندن تقبض على «مسلّح» أمام قصر باكنغهام

أعلنت شرطة لندن، الثلاثاء، توقيف رجل «يشتبه بأنه مسلّح» اقترب من سياج قصر باكينغهام وألقى أغراضا يعتقد أنها خراطيش سلاح ناري إلى داخل حديقة القصر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق شاشة لتوفير خصوصية خلال اللحظة الأهم في تتويج الملك تشارلز

شاشة لتوفير خصوصية خلال اللحظة الأهم في تتويج الملك تشارلز

قال قصر بكنغهام وصناع شاشة جديدة من المقرر استخدامها خلال مراسم تتويج الملك تشارلز الأسبوع المقبل إن الشاشة ستوفر «خصوصية مطلقة» للجزء الأكثر أهمية من المراسم، مما يضمن أن عيون العالم لن ترى الملك وهو يجري مسحه بزيت. فالشاشة ثلاثية الجوانب ستكون ساترا لتشارلز أثناء عملية المسح بالزيت المجلوب من القدس على يديه وصدره ورأسه قبل وقت قصير من تتويجه في كنيسة وستمنستر بلندن في السادس من مايو (أيار) المقبل. وقال قصر بكنغهام إن هذه اللحظة تاريخيا كان ينظر إليها على أنها «لحظة بين الملك والله» مع وجود حاجز لحماية قدسيته.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم استقالة رئيس هيئة «بي بي سي» على خلفية ترتيب قرض لجونسون

استقالة رئيس هيئة «بي بي سي» على خلفية ترتيب قرض لجونسون

قدّم رئيس هيئة «بي بي سي» ريتشارد شارب، أمس الجمعة، استقالته بعد تحقيق وجد أنه انتهك القواعد لعدم الإفصاح عن دوره في ترتيب قرض لرئيس الوزراء آنذاك بوريس جونسون. وقال شارب، «أشعر أن هذا الأمر قد يصرف التركيز عن العمل الجيد الذي تقدّمه المؤسسة إذا بقيت في المنصب حتى نهاية فترة ولايتي». تأتي استقالة شارب في وقت يتزايد التدقيق السياسي في أوضاع «بي بي سي».

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد كبير الاقتصاديين في «بنك إنجلترا»: على البريطانيين القبول بصعوباتهم المالية

كبير الاقتصاديين في «بنك إنجلترا»: على البريطانيين القبول بصعوباتهم المالية

أكد كبير الاقتصاديين في «بنك إنجلترا»، اليوم (الثلاثاء)، أنه يتعين على البريطانيين القبول بتراجع قدرتهم الشرائية في مواجهة أزمة تكاليف المعيشة التاريخية من أجل عدم تغذية التضخم. وقال هيو بيل، في «بودكاست»، إنه مع أن التضخم نجم عن الصدمات خارج المملكة المتحدة من وباء «كوفيد19» والحرب في أوكرانيا، فإن «ما يعززه أيضاً جهود يبذلها البريطانيون للحفاظ على مستوى معيشتهم، فيما تزيد الشركات أسعارها ويطالب الموظفون بزيادات في الرواتب». ووفق بيل؛ فإنه «بطريقة ما في المملكة المتحدة، يجب أن يقبل الناس بأن وضعهم ساء، والكف عن محاولة الحفاظ على قدرتهم الشرائية الحقيقية».

«الشرق الأوسط» (لندن)
«التنمر» يطيح نائب رئيس الوزراء البريطاني

«التنمر» يطيح نائب رئيس الوزراء البريطاني

قدّم نائب رئيس الوزراء البريطاني، دومينيك راب، استقالته، أمس، بعدما خلص تحقيق مستقلّ إلى أنّه تنمّر على موظفين حكوميين. وفي نكسة جديدة لرئيس الوزراء ريشي سوناك، خلص تحقيق مستقلّ إلى أنّ راب، الذي يشغل منصب وزير العدل أيضاً، تصرّف بطريقة ترقى إلى المضايقة المعنوية خلال تولّيه مناصب وزارية سابقة. ورغم نفيه المستمر لهذه الاتهامات، كتب راب في رسالة الاستقالة الموجّهة إلى سوناك: «لقد طلبتُ هذا التحقيق، وتعهدتُ الاستقالة إذا ثبتت وقائع التنمّر أياً تكن»، مؤكّداً: «أعتقد أنه من المهم احترام كلمتي». وقبِل سوناك هذه الاستقالة، معرباً في رسالة وجهها إلى وزيره السابق عن «حزنه الشديد»، ومشيداً بسنوات خدمة

«الشرق الأوسط» (لندن)

دانيال تشابو... رئيس موزمبيق الجديد الطامح إلى استعادة الاستقرار

تشابو يواجه تحديات عدة... من التمرد في منطقة كابو ديلغادو إلى السعي لتحقيق تنمية اقتصادية واستغلال موارد الغاز الطبيعي وإدارة تأثيرات التغير المناخي
تشابو يواجه تحديات عدة... من التمرد في منطقة كابو ديلغادو إلى السعي لتحقيق تنمية اقتصادية واستغلال موارد الغاز الطبيعي وإدارة تأثيرات التغير المناخي
TT

دانيال تشابو... رئيس موزمبيق الجديد الطامح إلى استعادة الاستقرار

تشابو يواجه تحديات عدة... من التمرد في منطقة كابو ديلغادو إلى السعي لتحقيق تنمية اقتصادية واستغلال موارد الغاز الطبيعي وإدارة تأثيرات التغير المناخي
تشابو يواجه تحديات عدة... من التمرد في منطقة كابو ديلغادو إلى السعي لتحقيق تنمية اقتصادية واستغلال موارد الغاز الطبيعي وإدارة تأثيرات التغير المناخي

أدَّى دانيال تشابو، الأربعاء الماضي، اليمين الدستورية، رئيساً لموزمبيق، مركِّزاً على اعتبار استعادة الاستقرار السياسي والاجتماعي «أولوية الأولويات». وجاء تولي السياسي المتخصص في القانون، بعد أكثر من 3 أشهر من انتخابات مثيرة للجدل، دفعت البلاد إلى موجة احتجاجات دامية راح ضحيتها أكثر من 300 شخص حتى الآن، وفق تقديرات منظمات حقوقية محلية ودولية. وبالفعل استمرت الاحتجاجات حتى أثناء مراسم حفل التنصيب؛ إذ بينما كان تشابو (البالغ من العمر 48 سنة) يخطب أمام حشد متحمس من أنصاره في العاصمة مابوتو، كان مناصرو المعارضة يتظاهرون ضده على بعد أمتار قليلة، بعدما منعتهم قوات الأمن من الوصول إلى مكان الحفل.

بدأ الرئيس الموزمبيقي الجديد دانيال تشابو القسم وسط حشد من أنصاره، وكذلك على مقربة من مظاهرات رافضة نتيجة الانتخابات التي وضعته على رأس السلطة في المستعمرة البرتغالية الكبيرة التي يقترب عدد سكانها من 34 مليون نسمة، وتقع على الساحل الغربي للمحيط الهندي بجنوب شرقي أفريقيا. ولقد نقلت وكالات الأنباء عن شهود عيان قولهم إن وسط العاصمة مابوتو كان شبه مهجور مع وجود كثيف للشرطة والجيش.

أما تشابو فقد قال في خطاب تنصيبه: «سمعنا أصواتكم قبل وأثناء الاحتجاجات، وسنستمر في الاستماع». وأقرَّ الرئيس الجديد بالحاجة إلى إنهاء حالة الاضطراب التي تهز البلاد، مضيفاً: «لا يمكن للوئام الاجتماعي أن ينتظر، لذلك بدأ الحوار بالفعل، ولن نرتاح حتى يكون لدينا بلد موحد ومتماسك».

والواقع أنه منذ إعلان المجلس الدستوري في موزمبيق، خلال ديسمبر (كانون الأول) الماضي، فوز تشابو في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بنسبة 65.17 في المائة من الأصوات، دخلت البلاد في موجة عنف جديدة، ولا سيما مع طعن فينانسيو موندلاني زعيم المعارضة الشعبوية اليمينية (الذي حلَّ ثانياً بحصوله على 24 في المائة من الأصوات) في صحة نتائجها، ودعوته للتظاهر، واستعادة ما سمَّاه «الحقيقة الانتخابية».

هذا، وتتهم المعارضة -ممثلةً بحزب «بوديموس» الشعبوي- حزب «فريليمو» الاستقلالي اليساري بتزوير الانتخابات، وهي تهمة ينفيها «فريليمو» الذي يحكم البلاد منذ الاستقلال عن البرتغال عام 1975. أما تشابو فقد بات الرئيس الخامس لموزمبيق منذ استقلالها. وكان في مقدمة حضور حفل تنصيبه الرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا، وزعيم غينيا بيساو عمر سيسوكو إمبالو، بينما أرسلت عدة دول أخرى -بما في ذلك البرتغال- ممثلين عنها.

الخلفية والنشأة

ولد دانيال فرنسيسكو تشابو، يوم 6 يناير (كانون الثاني) 1977 في بلدة إينهامينغا، المركز الإداري لمنطقة شيرينغوما بوسط موزمبيق. وهو الابن السادس بين 10 أشقاء. وكان والده فرنسيسكو (متوفى) موظفاً في سكك حديد موزمبيق، بينما كانت والدته هيلينا دوس سانتوس عاملة منازل. وهو متزوّج من غويتا سليمان تشابو، ولديهما 3 أولاد، وهو يهوى كرة القدم وكرة السلة، ويتكلم اللغتين البرتغالية والإنجليزية بطلاقة.

النزاع المسلح الذي اندلع بين «فريليمو» (جبهة تحرير موزمبيق) الاستقلالية اليسارية، ومنظمة «رينامو» اليمينية التي دعمها النظامان العنصريان السابقان بجنوب أفريقيا وروديسيا الجنوبية (زيمبابوي حالياً) وبعض القوى الغربية، دفع عائلة تشابو إلى مغادرة إينهامينغا، ولذا أمضى دانيال تشابو طفولته في منطقة دوندو؛ حيث التحق بمدرسة «جوزينا ماشيل» الابتدائية، ومن ثم، تابع دراسته في دوندو، وبعد إنهاء تعليمه الثانوي عمل مذيعاً في راديو «ميرامار»؛ حيث قدم برنامجاً رياضياً بين عامي 1997 و1999.

بعدها، التحق تشابو بجامعة «إدواردو موندلاني» في العاصمة مابوتو، وتزامناً مع دراسته الجامعية عمل في تلفزيون «ميرامار»، وقدَّم برنامجاً باسم «أفوكس دو بوفو».

ثم في عام 2004 حصل على شهادته الجامعية في القانون، واجتاز دورة المحافظين وكتَّاب العدل في «مركز ماتولا للتدريب القانوني» في العام نفسه. وهكذا شكَّلت خلفيته الأكاديمية أساساً قوياً لمسيرته المهنية اللاحقة في الخدمة العامة والإدارة.

من القانون إلى السياسة

بدأ تشابو حياته المهنية عام 2005، في مكتب كتَّاب العدل بمدينة ناكالا بورتو، وواصل عمله هناك حتى عام 2009. كما عمل أستاذاً للقانون الدستوري والعلوم السياسية في الجامعة.

وفي عام 2009 انضم إلى حزب «فريليمو» (جبهة تحرير موزمبيق)، وعُيِّن بسبب عمله ومشاركته السياسية في منصب إداري في مقاطعة ناكالا- آ- فيليا، ووفق موقعه الإلكتروني فإنه عمل خلال تلك الفترة على «خلق فرص عمل للشباب دون تمييز».

ضغط الأعمال الإدارية لم يمنع في الواقع تشابو من إكمال دراسته، وفعلاً التحق بجامعة موزمبيق الكاثوليكية للحصول على ماجستير التنمية عام 2014. كما حصل على تدريب في نقابة المحامين التي أوقف عضويته فيها طواعية بسبب عمله السياسي.

وعام 2015 عُيِّن تشابو مديراً لمقاطعة بالما؛ لكنه لم يمكث في المهمة طويلاً؛ لأن الرئيس السابق فيليبي غاستينيو نيوسي عيَّنه عام 2016 حاكماً لإينهامباني. وبعدها، في أبريل (نيسان) 2019 وافق البرلمان الموزمبيقي على حزمة تشريعية جعلت تعيين منصب حكام المقاطعات بالانتخاب، وكان تشابو على رأس قائمة «فريليمو» في إينهامباني، ليصبح أول حاكم منتخب للمحافظة التي ظل يحكمها حتى مايو (أيار) 2024.

دعم رئاسي

حظي دانيال تشابو بدعم قوي من الرئيس فيليبي نيوسي الذي شهد بكفاءته، وقال عنه: «مع أنه لم يبقَ في بالما سوى 6 أشهر، فإنه اكتسب تأييداً في هذا الجزء من البلاد، لدرجة أن قرار الرئيس بنقله إلى مقاطعة أخرى كان مثار تساؤلات عما إذا كانت بالما لا تستحق أن يحكمها شخص بكفاءة تشابو».

وخلال السنوات الثماني (2016 إلى 2024) التي أمضاها حاكماً لمحافظة إينهامباني، قاد تشابو المحافظة كي تغدو الأولى في البلاد التي تكمل تنفيذ البنوك في جميع المناطق، في إطار المبادرة الرئاسية «منطقة واحدة، بنك واحد».

وتشير وسائل إعلام محلية إلى أنه في عهد تشابو، وتحت قيادته، نظمت محافظة إينهامباني مؤتمرين دوليين للاستثمار، فضلاً عن منتديات لتنمية المناطق، ما حفَّز الاقتصاد المحلي، وقاد عجلة التنمية.

المسيرة الحزبية

مسيرة دانيال تشابو الحزبية والسياسية بدأت مبكراً؛ إذ شغل بين عامي 1995 و1996 منصب سكرتير منطقة في «منظمة الشباب الموزمبيقي» (OJM) في دوندو. ثم شغل بين عامي 1998 و1999 منصب أمين سر لجنة التثبيت بمجلس شباب المنطقة، إضافة إلى عضويته في «منظمة الشباب الموزمبيقي». وفي عام 2008 عُين مديراً للحملة الانتخابية للمرشح شالي إيسوفو، من «فريليمو»، في بلدية ناكالا بورتو، ويومها فاز الحزب بالانتخابات، وأطاح بالمعارضة.

بعدها، عام 2017، انتُخب دانيال تشابو عضواً في اللجنة المركزية لـ«فريليمو». وفي مايو 2024 اختارته اللجنة المركزية مرشحاً لـ«فريليمو» في الانتخابات الرئاسية. وهي الانتخابات التي فاز فيها أخيراً وسط اعتراضات المعارضة.

وبناءً عليه، يبدأ تشابو فترة رئاسته وسط تحدِّيات كبرى، وفي ظل مظاهرات واحتجاجات هي الأكبر ضد حزب «فريليمو». وراهناً تتصاعد المخاوف على استقرار موزمبيق، مع تعهد منافسه المعارض موندلاني (وهو مهندس زراعي يبلغ من العمر 50 سنة) باستمرار المظاهرات، قائلاً إن «دعوته للحوار قوبلت بالعنف».

وجدير بالذكر أن موندلاني كان قد عاد إلى موزمبيق من منفاه الاختياري، وسط ترحيب من أنصاره، يوم 9 يناير، وادَّعى أنه «غادر موزمبيق خوفاً على حياته، بعد مقتل اثنين من كبار أعضاء حزبه المعارض داخل سيارتهما على يد مسلحين مجهولين، في إطلاق نار خلال الليل في مابوتو، بعد الانتخابات».

في أي حال، يثير الوضع الحالي في موزمبيق مخاوف دولية، ولاحقاً أعرب مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، الأسبوع الماضي، عن قلقه. وقال في بيان: «نحن في غاية القلق بشأن التوترات المستمرة عقب الانتخابات في موزمبيق».

من ناحية ثانية، بصرف النظر عن الاحتجاجات التي أشعلتها الانتخابات الرئاسية، فإن تشابو يواجه تحديات عدة يتوجب عليه التعامل معها، على رأسها «التمرد» المستمر منذ 7 سنوات في مقاطعة كابو ديلغادو الشمالية الغنية بالنفط والغاز. وهذا إضافة إلى السعي لتحقيق تنمية اقتصادية، واستغلال موارد الغاز الطبيعي، وإدارة تأثيرات التغير المناخي والكوارث الطبيعية التي أثرت على موزمبيق في السنوات الأخيرة.

وراثة الإرث الثقيل

لا شك، ثمة إرث ثقيل ورثه دانيال تشابو، ذلك أنه يقود بلداً مزَّقه الفساد والتحديات الاقتصادية العميقة، بما فيها ارتفاع معدلات البطالة والإضرابات عن العمل المتكرِّرة التي جعلت موزمبيق -رغم مواردها الكبيرة- واحدة من أفقر دول العالم، وفقاً للبنك الدولي.

الرئيس الجديد قال -صراحة- في خطاب تنصيبه الأربعاء الماضي: «لا يمكن لموزمبيق أن تظل رهينة للفساد والجمود والمحسوبية والنفاق وعدم الكفاءة والظلم». وأردف -وفق ما نقلته وكالة «أسوشييتد برس»- بأنه «لمن المؤلم أن كثيراً من مواطنينا ما زالوا ينامون من دون وجبة لائقة واحدة على الأقل».

وعليه، في مواجهة هذا الإرث الثقيل، تعهد بتقليص عدد الوزارات والمناصب الحكومية العليا. ورأى أن من شأن هذا التدبير توفير أكثر من 260 مليون دولار، سيعاد توجيهها لتحسين حياة الناس.

بالطبع فإن المعارضين والمشككين غير مقتنعين، ويقولون إنهم استمعوا كثيراً إلى النغمة نفسها تتكرَّر بلا تغيير يُذكر. بيد أن رئاسة تشابو تمثِّل اليوم فصلاً جديداً في تاريخ موزمبيق، أو «مفترق طرق»، حسب تعبير تشابو الذي قال في خطاب فوزه: «تقف موزمبيق عند مفترق طرق، وعلينا أن نختار طريق الوحدة والتقدم والسلام».