بروفايل: ليز تراس... وزيرة الخارجية البريطانية التي تطرح نفسها صوت اليمين المحافظ

ابنة الأكاديمي اليساري أكملت استدارة كاملة في قناعاتها السياسية

بروفايل: ليز تراس... وزيرة الخارجية البريطانية التي تطرح نفسها صوت اليمين المحافظ
TT

بروفايل: ليز تراس... وزيرة الخارجية البريطانية التي تطرح نفسها صوت اليمين المحافظ

بروفايل: ليز تراس... وزيرة الخارجية البريطانية التي تطرح نفسها صوت اليمين المحافظ

بسُترة عسكرية واقية وخوذة للمعارك، وقفت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس معتلية ظهر دبابة، أثناء زيارتها لجنود بلادها في إستونيا خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وتداولت الصورة وسائل إعلام عدة وحسابات لمواقع التواصل الاجتماعي بجوار صورة شبيهة لرئيسة الوزراء السابقة مارغريت ثاتشر. تراس، التي كانت هذا الأسبوع بين أبرز الطامحين لخلافة بوريس جونسون في زعامة حزب المحافظين الحاكم، وتالياً، رئاسة قيادة الحكومة البريطانية، اختارت أن تركز لدى عرض سياساتها أمام زملائها النواب على مواقفها المتشددة، في مسعى جادّ لاجتذاب أصوات التيار اليميني المتشدد في الحزب. وبالفعل، واكب تأثير صورة تراس، مع انتشار تقارير إعلامية غربية قالت، إنها «طردت السفير الروسي لدى بلادها أندريه كيلين، من مكتبها بوزارة الخارجية البريطانية، في فبراير (شباط) الماضي، بعد نقاش حاد بسبب هجوم روسيا على أوكرانيا»، وإنها خاطبت السفير قائلة «ينبغي أن تشعر بالخجل لأن روسيا كذبت بشكل متكرّر، وفقدت آخر شرارة للثقة لدى المجتمع الدولي».

إبان تقدم معركة «غربلة» مواقف المرشحين المتنافسين على زعامة حزب المحافظين الحاكم في بريطانيا، سعت وزيرة الخارجية الحالية ليز تراس على تثبيت موقعها في قلب الجناح اليميني داخل الحزب. وكان السباق لخلافة رئيس الوزراء المستقبل بوريس جونسون قد افتتح في مطلع الأسبوع بـ11 مرشحاً، سرعان ما انسحب منهم وزير النقل غرانت شابس. ومن ثم تساقطت الأسماء تباعاً في الأيام التالية وتزايدت الاصطفافات التكتيكية وضوحاً داخل الحزب بين ممثلي الجناح المعتدل (يمين الوسط)، ومن أبرز وجوهه وزير الخارجية السابق جيريمي هنت، ممثلو الجناح المتشدد (أقصى اليمين) ومنهم المدعية العامة سويلا برافرمان، وزميلتها كيمي بادينوك وزيرة الحكم المحلي والبيئات الإيمانية والمحلية. غير أن تطور السباق واستطلاعات الرأي أشارت إلى تقدم وزير المالية ريشي سوناك ووزيرة التجارة بيني موردنت ووزيرة الخارجية ليز تراس. لكن، بينما بدا كل من سوناك وموردنت حريصين على طرح نفسيهما كمرشحي «وحدة» بين أجنحة الحزب اختارت تراس العمل على تزعم الجناح المتشدد اليميني.
في تقديم تراس «رؤيتها» أمام الحزب، قالت في كلمة لها بعد عودتها من إندونيسيا في أعقاب استقالة جونسون «لدي رؤية واضحة لاقتصاد البلاد، والخبرات والحلول لتنفيذ هذه الرؤية... سأخوض المنافسة في هذه الانتخابات بصفتي محافظة وسأحكم بصفتي محافظة. إنني أضع نفسي في المقدّمة لأنني أستطيع أن أقود، وأتخذ القرارات الصعبة. لدي رؤية واضحة للمكان الذي نحتاج إلى أن نكون فيه، ولدي الخبرة والعزم للوصول بنا إلى هناك»، مشددة تحمسها لموضوع خفض الضرائب الذي يعد أولوية عند الشارع السياسي المحافظ.

- نشأة يسارية
ولدت ماري إليزابيث «ليز» تراس، في مدينة أوكسفورد بجنوب وسط إنجلترا يوم 26 يوليو (تموز) عام 1975، لأسرة بريطانية من الطبقة المتوسطة ذات قناعات يسارية قوية، وترتيبها الابنة الكبرى بين أربعة أشقاء. أبوها كان بروفسوراً للرياضيات، أما أمها فكانت ممرضة ومدرّسة وناشطة سياسية. وحقا ترعرعت «ليز» في بيئة عائلية يسارية ملتزمة.
عندما كانت ليز في سن الرابعة من عمرها انتقلت الأسرة إلى مدينة بيزلي الاسكوتلندية المجاورة لمدينة غلاسغو، ولاحقاً إلى مدينة ليدز بشمال إنجلترا، تبعاً لمواقع أبيها البروفسور في جامعة ليدز. وفي ليدز أكملت تعليمها الثانوي قبل التحاقها بجامعة أوكسفورد (كلية ميرتون) العريقة، حيث تخصصت في الفلسفة والسياسة والاقتصاد. وفي الجامعة بدأ تحوّلها السياسي من اليسار إلى الوسط عندما نشطت في كقيادية طلابية في صفوف حزب الديمقراطيين الأحرار.

- من الوسط إلى اليمين
كانت رحلة ليز تراس إلى أوروبا الشرقية في التسعينات من القرن الماضي «لحظة حاسمة في حياتها» كما أخبرت بعض أصدقائها. وحقاً، التحقت بعد تخرجها في الجامعة إلى حزب المحافظين، معتبرة أمام أصدقاء لها، أن «(مارغريت) ثاتشر تبنّت النهج الصحيح».
بعد التخرّج في أوكسفورد، عام 1996، عملت تراس في شركة خاصة، وتزوجت من محاسب هو هيو أوليري، كانت قد التقته في مؤتمر المحافظين عام 1997، وتزوجا عام 2000، ولديها ابنتان، تذهب معهما في بعض الأحيان لركوب الدراجات، كما تساعدهما في واجباتهما المدرسية.
ككل المرشحين الجدد، احتاجت تراس إلى الفشل مرتين بالانتخابات البرلمانية، قبل أن تُرشَّح لمقعد مضمون وتغدو نائبة في مجلس العموم عام 2010، وخلال تلك الفترة دعت إلى إجراء تغييرات في عدد من المجالات، خاصة الصحة والتعليم والاقتصاد، وشغلت منصب وكيل وزارة برلماني لرعاية الأطفال والتعليم في الفترة من 2012 إلى 2014.

- الصعود الوزاري
إلا أن النقلة النوعية في مسيرة تراس جاءت على يد رئيس الوزراء الأسبق ديفيد كاميرون، الذي عيّنها وزيرة دولة للبيئة والأغذية والشؤون الريفية ما بين عامي 2014 و2016، فكانت أصغر وزيرة في الحكومة بعمر 38 سنة.
وبعد استقالة كاميرون، عُيّنت وزيرة للعدل في حكومة تيريزا ماي. وفي منتصف 2019، بعد استقالة ماي، دعمت تراس ترشح بوريس جونسون لرئاسة حزب المحافظين، ومع تولي الأخير رئاسة الحكومة عُيّنت وزير دولة للتجارة الخارجية ورئيس مجلس التجارة، ووزيرة لشؤون المرأة والمساواة في سبتمبر (أيلول) 2019، ثم وزيرة دولة للشؤون الخارجية وشؤون الكومنولث والتنمية في 15 سبتمبر 2021؛ لتصبح أول وزيرة خارجية من حزب المحافظين، وثاني امرأة تجلس على هذا المقعد.
في البداية، كانت تراس منحازة لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، وشاركت في حملة «بريطانيا أقوى في أوروبا»، غير أنها بعد تعيينها وزيرة للخارجية، تولت إدارة ملف «بريكست» خلفاً لديفيد فروست، حيث شغلت منصب كبير مفاوضي الحكومة البريطانية مع الاتحاد الأوروبي.

- شبح ثاتشر
منذ تولي ليز تراس مهام منصبها وزيرة للخارجية سطع نجمها دولياً، وصارت بين أنشط الوزراء وأشهرهم. وهكذا أخذ اسمها يتردد كخليفة محتمل لجونسون، حتى قبل أن تفصح هي عن رغبتها في ذلك. ورغم تأكيدات عدد من المصادر للصحف البريطانية على أنها «تركز عملها على إدارة ملفات البلاد الخارجية، ولا تنظر إلى منصب رئيس الوزراء»، ليبدو أن الأمر تغير عقب استقالة جونسون، وأنها كانت تعد لذلك منذ مدة.
تحاكي تراس بطلتها ثاتشر بالحديث عن الحرية والتجارة الحرة، وتخفيض الضرائب؛ وهو ما يجعل البعض يراها «تسير على خطى المرأة الحديدة»، وأنها «مارغريت ثاتشر جديدة».
ورغم أن تراس ترفض علانية المقارنة مع ثاتشر؛ فإن المقربين منها يرون أنها «تحبها»، بينما يقلل منتقدوها من التشابه بين ثاتشر وتراس، بقولهم، إن الأخيرة «تفتقد للرؤية والمبادئ التي كانت تعتقنها ثاتشر».
مواقف تراس الاقتصادية والسياسية، تجعل البعض الآخر يشكك في هذا، مشكلاً حالة من الانقسام حولها بين أعضاء حزب المحافظين أنفسهم، فوفقاً لاستطلاع رأي أجري في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، فإن «أداء حزب المحافظين سيكون أسوأ تحت قيادتها، مما هو قائم تحت قيادة جونسون»، بحسب صحيفة «الفاينانشيال تايمز».
ويصف دومينيك كمينغ، المستشار السابق لجونسون، تراس بأنها «قنبلة يدوية»، وتوقع في مقابلة نشرت أخيراً، أنها «ستكون أسوأ من بوريس جونسون لو تولت منصب رئاسة الوزراء».

- محبوبة... لكن غريبة
منذ طرح اسم تراس كمرشحة محتملة لرئاسة الوزراء بدأت المقارنات التقليدية بينها وبين ثاتشر، وهي مقارنة طبيعية مع أي سيدة تطمح لتولي كرسي «المرأة الحديدية»، ويقول الصحافي والنائب السابق ماثيو باريس، في تصريحات تلفزيونية «تراس تتظاهر بأنها ثاتشر، وتلقي خطابات غريبة... إنها شخصية محبوبة من جميع من عملوا معها، لكنها غريبة بعض الشيء»، وهذا الوصف تتناقله الصحف البريطانية عن زملاء لها في البرلمان من حزب المحافظين؛ إذ يقولون، إنها «غريبة... ليست سيئة أو جيدة، لكنها غريبة الأطوار».
أما شقيقها الأصغر فرنسيس فيصفها بأنها «شخصية تنافسية، دائماً ما تسعى للفوز، معتدة برأيها وواثقة من نفسها». ولا يبتعد أساتذة لها في جامعة أوكسفورد عن المعنى الإيجابي بوصفها «الذكية التي تفكر خارج الصندوق»، أو «الطموحة، تتحدث بما يدور في ذهنها».
في المقابل، لا تعدم تراس المنتقدين، بطبيعة الحال، الذين يعتقدون أنها «مهتمة فقط بالترويج لملفها الشخصي، بسبب حرصها على الترويج لنفسها على مواقع التواصل الاجتماعي». ويتخوف هؤلاء من تربع تراس على قمة السلطة بحجة أنها «خفيفة الثقافة». كذلك، يستند معارضو توليها رئاسة الحكومة إلى ما يرون أنه «انتهازية» في مسارها مركزين على «تحولها من معارضة لـ(بريكست) إلى مشاركة في مفاوضات تنفيذها. وأنها بينما تبشر بالتجارة الحرة، تدعم انسحاب بريطانيا من أكبر اتفاقية للتجارة الحرة»، بحسب ما نشرته مجلة «نيو ستيتمان» البريطانية اليسارية.
وللعلم، في خطابها نهاية العام الماضي، عكست تراس حجتها بشأن «بريكست»، فقالت «بعد ما يقرب من 50 سنة في الاتحاد الأوروبي، أصبحت جميع أدوات السياسة في يدينا، الدبلوماسية والتنمية والتجارة والأمن، نحن نعيد بناء عضلاتنا من جديد لتحقيق وعدنا ببريطانيا العالمية».

- أنا لست دبلوماسية
على صعيد آخر، باعترافها شخصياً، لا ترى تراس نفسها «دبلوماسية». إذ قالت في «بوكادست» لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) «لا أعتقد أن أحداً يصفني بالدبلوماسية، وأنا لست دبلوماسية»، عقب توليها مهام منصبها كوزيرة للخارجية. وهو المنصب الذي دفع كثيرين للتساؤل عن الوجه الجديد لبريطانيا أمام العالم.
ولكن، في سياق متصل، تتمتع تراس بطاقة هائلة للعمل؛ إذ يقول مقرّبون منها، إنها «لا تعرف الكلل أو الملل، وتعشق الوظيفة، لدرجة أنها تأكل وتشرب العمل، حتى أنها في إحدى المرات كتبت خطاباً مهماً في منتصف الليل، بعد 17 ساعة من المفاوضات التجارية الشاقة في طوكيو». وحسب بعض هؤلاء «كي تمضي ساعات طويلة في العمل، فإنها تشرب كميات كبيرة من القهوة... ولم ير شخصاً يشرب قهوة مثلها».

- الحرب الأوكرانية
أخيراً، كانت الحرب الروسية الأوكرانية اختباراً مهماً لليز نراس، التي طالبت بفرض عقوبات على روسيا، وشجعت المتطوعين البريطانيين على الانضمام للقتال. وكانت أيضاً تطالب بزيادة الإنفاق الدفاعي، وتصر على «ضرورة هزيمة روسيا وليس استرضاءها»، حتى أن الكرملين في وقت سابق «حمّل تراس المسؤولية عن قراره وضع ترسانته النووية في حالة تأهب». وفقاً لمجلة «نيو ستيتمان»، قال عنها سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، إن «المفاوضات معها أشبه بالحديث مع شخص أصم».


مقالات ذات صلة

شرطة لندن تقبض على «مسلّح» أمام قصر باكنغهام

العالم شرطة لندن تقبض على «مسلّح» أمام قصر باكنغهام

شرطة لندن تقبض على «مسلّح» أمام قصر باكنغهام

أعلنت شرطة لندن، الثلاثاء، توقيف رجل «يشتبه بأنه مسلّح» اقترب من سياج قصر باكينغهام وألقى أغراضا يعتقد أنها خراطيش سلاح ناري إلى داخل حديقة القصر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق شاشة لتوفير خصوصية خلال اللحظة الأهم في تتويج الملك تشارلز

شاشة لتوفير خصوصية خلال اللحظة الأهم في تتويج الملك تشارلز

قال قصر بكنغهام وصناع شاشة جديدة من المقرر استخدامها خلال مراسم تتويج الملك تشارلز الأسبوع المقبل إن الشاشة ستوفر «خصوصية مطلقة» للجزء الأكثر أهمية من المراسم، مما يضمن أن عيون العالم لن ترى الملك وهو يجري مسحه بزيت. فالشاشة ثلاثية الجوانب ستكون ساترا لتشارلز أثناء عملية المسح بالزيت المجلوب من القدس على يديه وصدره ورأسه قبل وقت قصير من تتويجه في كنيسة وستمنستر بلندن في السادس من مايو (أيار) المقبل. وقال قصر بكنغهام إن هذه اللحظة تاريخيا كان ينظر إليها على أنها «لحظة بين الملك والله» مع وجود حاجز لحماية قدسيته.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم استقالة رئيس هيئة «بي بي سي» على خلفية ترتيب قرض لجونسون

استقالة رئيس هيئة «بي بي سي» على خلفية ترتيب قرض لجونسون

قدّم رئيس هيئة «بي بي سي» ريتشارد شارب، أمس الجمعة، استقالته بعد تحقيق وجد أنه انتهك القواعد لعدم الإفصاح عن دوره في ترتيب قرض لرئيس الوزراء آنذاك بوريس جونسون. وقال شارب، «أشعر أن هذا الأمر قد يصرف التركيز عن العمل الجيد الذي تقدّمه المؤسسة إذا بقيت في المنصب حتى نهاية فترة ولايتي». تأتي استقالة شارب في وقت يتزايد التدقيق السياسي في أوضاع «بي بي سي».

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد كبير الاقتصاديين في «بنك إنجلترا»: على البريطانيين القبول بصعوباتهم المالية

كبير الاقتصاديين في «بنك إنجلترا»: على البريطانيين القبول بصعوباتهم المالية

أكد كبير الاقتصاديين في «بنك إنجلترا»، اليوم (الثلاثاء)، أنه يتعين على البريطانيين القبول بتراجع قدرتهم الشرائية في مواجهة أزمة تكاليف المعيشة التاريخية من أجل عدم تغذية التضخم. وقال هيو بيل، في «بودكاست»، إنه مع أن التضخم نجم عن الصدمات خارج المملكة المتحدة من وباء «كوفيد19» والحرب في أوكرانيا، فإن «ما يعززه أيضاً جهود يبذلها البريطانيون للحفاظ على مستوى معيشتهم، فيما تزيد الشركات أسعارها ويطالب الموظفون بزيادات في الرواتب». ووفق بيل؛ فإنه «بطريقة ما في المملكة المتحدة، يجب أن يقبل الناس بأن وضعهم ساء، والكف عن محاولة الحفاظ على قدرتهم الشرائية الحقيقية».

«الشرق الأوسط» (لندن)
«التنمر» يطيح نائب رئيس الوزراء البريطاني

«التنمر» يطيح نائب رئيس الوزراء البريطاني

قدّم نائب رئيس الوزراء البريطاني، دومينيك راب، استقالته، أمس، بعدما خلص تحقيق مستقلّ إلى أنّه تنمّر على موظفين حكوميين. وفي نكسة جديدة لرئيس الوزراء ريشي سوناك، خلص تحقيق مستقلّ إلى أنّ راب، الذي يشغل منصب وزير العدل أيضاً، تصرّف بطريقة ترقى إلى المضايقة المعنوية خلال تولّيه مناصب وزارية سابقة. ورغم نفيه المستمر لهذه الاتهامات، كتب راب في رسالة الاستقالة الموجّهة إلى سوناك: «لقد طلبتُ هذا التحقيق، وتعهدتُ الاستقالة إذا ثبتت وقائع التنمّر أياً تكن»، مؤكّداً: «أعتقد أنه من المهم احترام كلمتي». وقبِل سوناك هذه الاستقالة، معرباً في رسالة وجهها إلى وزيره السابق عن «حزنه الشديد»، ومشيداً بسنوات خدمة

«الشرق الأوسط» (لندن)

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.