مصادر أوروبية لـ«الشرق الأوسط»: قدمنا تنازلات لإيران وعليها اقتناص الفرصة

الغربيون تنازلوا عن مطلبي تأطير برنامج طهران الباليستي وتغيير سياستها الإقليمية

وزيرة خارجية فرنسا كاترين كولونا على يسار بوريل في اجتماع مجموعة الـ20 في بالي الإندونيسية الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)
وزيرة خارجية فرنسا كاترين كولونا على يسار بوريل في اجتماع مجموعة الـ20 في بالي الإندونيسية الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)
TT

مصادر أوروبية لـ«الشرق الأوسط»: قدمنا تنازلات لإيران وعليها اقتناص الفرصة

وزيرة خارجية فرنسا كاترين كولونا على يسار بوريل في اجتماع مجموعة الـ20 في بالي الإندونيسية الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)
وزيرة خارجية فرنسا كاترين كولونا على يسار بوريل في اجتماع مجموعة الـ20 في بالي الإندونيسية الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)

مع انتهاء الجولة الأخيرة من المحادثات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، بوساطة أوروبية، كانت العواصم الغربية الأربع (واشنطن ولندن وباريس وبرلين)، إضافة إلى ممثل الاتحاد الأوروبي، مقتنعين بأن ما أنجز في فيينا يمهد للعودة السريعة إلى الاتفاق النووي المبرم في صيف العام 2015. وتم الاتفاق على مبدأ التلازم بين رفع الطرف الأميركي التدريجي للعقوبات التي أعادت الإدارة السابقة فرضها ربيع العام 2018 مع تراجع الجانب الإيراني عن الانتهاكات الخطيرة لمضمون الاتفاق، والتي قربت إيران من الحافة النووية.
وكانت قناعة الغربيين وعلى رأسهم واشنطن أنهم أظهروا خلال جلسات التفاوض الطويلة والمضنية الكثير من الليونة لإقناع طهران بأن النص المتفق عليه يصب في مصلحتها ويوفر لها الكثير من الميزات التي تبرر التوقيع عليه وإعادة إحيائه وبالتالي كان يتعين عليه «وما زال» اقتناص الفرصة المقدمة لها.
وترى مصادر دبلوماسية أوروبية في باريس أن الغربيين قدموا لطهران «هدية قيمة» وأن من شأنها أن تدفع القيادة الإيرانية للتخلي عن تحفظاتها وعن المطالب الإضافية التي ترفعها. وكشفت هذه المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن الغربيين قبلوا، نزولا عند رغبة طهران، التخلي عن المطالبة بربط المفاوضات النووية مع ملفين آخرين هما القدرات الصاروخية - الباليستية الإيرانية من جهة ومن جهة أخرى، سياسة طهران الإقليمية المزعزعة للاستقرار.
والحال أن هذين الملفين شكلا جزءاً رئيسياً من مقاربة الرئيس الأميركي جو بايدن للمف النووي الإيراني منذ أن كان مرشحا للانتخابات الرئاسية وبعد أن دخل البيت الأبيض. وفي السياق عينه، فإن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كان أول من عرض على دونالد ترمب الامتناع عن الخروج من اتفاق العام 2015 مع استكماله بملاحق ثلاثة تتناول زمنية الاتفاق والموضوعين اللذين يثيران القلق في منطقة الشرق الأوسط، وهما توسع برامج إيران الصاروخية والباليستية، ما يخالف التزامات طهران ولكونها تستخدم كوسيلة ضغط على دول الجوار حيث بقيت الصواريخ إيرانية الصنع تتساقط في المنطقة. والملف الثاني عنوانه سياسة التدخل الإيرانية في شؤون الآخرين عبر سبل أصبحت معروفة ومتكررة من اليمن إلى العراق وسوريا ولبنان. ولا شك أن زيارة الرئيس بايدن إلى المملكة السعودية والقمة المرتقبة مع قادة خليجيين وعرب ستوفر الفرصة للبحث في هذين الملفين وطرح التصور الأميركي النهائي.
ثمة ثلاثة ملفات عالقة أصبحت تؤخر أو تمنع اليوم التوقيع على مسودة اتفاق فيينا وهي موضوع الضمانات التي تطالب بها طهران لعدم الخروج مجددا من الاتفاق أو على الأقل لعدم فرض عقوبات من جديد وملف «الحرس الثوري» الإيراني الموجود على لائحة المنظمات الأميركية الإرهابية وثالثها ملف العقوبات.
ترى المصادر الدبلوماسية الأوروبية أن ثمة حلولاً اقترحت وكانت إيران تستطيع قبولها. إلا أنها رفضتها وتمسكت بمواقف «متصلبة» بما في ذلك المحادثات غير المباشرة التي حصلت في الدوحة بوساطة مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل ومساعده أنريكي مورا. ووفق المصادر المشار إليها، فإن مواقف إيران المتشددة «تضر بالرئيس الأميركي وتضعفه سياسيا» وتجعله «عاجزاً عن تقديم تنازلات إضافية ما لا يخدم المصالح الإيرانية».
وتضيف هذه المصادر أن واشنطن «لم تعد قادرة على التراجع ولا على تلبية المطالب الإضافية الإيرانية» وأن وجه الشبه بين الطرفين أن كليهما «يتصرف على ضوء الوضع السياسي الداخلي». وعملياً، ترى هذه المصادر أن العرض المقدم لطهران هو «النهائي» وعليها اقتناصه فإما أن يقبل أو أن يرفض ولكل من الخيارين تبعاته السياسية والدبلوماسية والأمنية والعسكرية.
من هنا، تأكيد الغربيين وإصرارهم على أن «نافذة العودة» إلى الاتفاق لن تبقى مفتوحة إلى الأبد ربطا بالتقدم المطرد للبرنامج النووي الإيراني واعتبار أنه اقترب كثيراً من العتبة النووية وبالتالي فإن أي تأخير إضافي سيجعله بلا معنى. وفي هذا السياق، أعلنت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا هذا الأسبوع أنه لم يتبق سوى بضعة أسابيع قبل أن تنغلق نافذة الفرصة أمام إحياء الاتفاق النووي الإيراني.
ثمة قناعة لدى المصادر الأوروبية أن هناك حلولا لـ«العقد» الإيرانية الثلاث. فموضوع «الحرس الثوري» يمكن تجزئته إذ أن ما يطرح مشكلة للجانب الأميركي هو «فيلق القدس» الذي يعد الذراع الإيرانية الضاربة في الخارج والذي تحمله واشنطن مسؤولية عدة عمليات إرهابية. وسبق لجوزيب بوريل أن طرح مخرجاً بهذا المعنى بحيث يخرج «الحرس الثوري» من اللائحة ككيان يهم إيران لدوره في الاقتصاد الإيراني. لكن يبدو أن هذا المخرج قد عفا عليه الزمن بعد تصريحات بايدن في إسرائيل. كذلك، أفادت هذه المصادر أن حلولا اقترحت لموضوع العقوبات التي تريد طهران أن يكون رفعها شاملاً كاملاً ومرة واحدة. وأخيرا، في موضوع الضمانات، يرى الغربيون أن ما تطلبه إيران «ليس ممكن التحقيق سياسيا» بالنسبة للرئيس الأميركي بالنظر لوضعه وللانتخابات النصفية في الخريف المقبل. وفي أي حال، فإن الغربيين متفقون على أن بقاء واشنطن أو خروجها مجددا من الاتفاق «سيكون مرهونا بأداء طهران وبمدى التزامها الصارم بمضمون الاتفاق الجديد».
بيد أن هذه القراءة كانت صالحة قبل جولة بايدن الشرق أوسطية والتي من شأنها أن تحدد المسار الأميركي على أعلى المستويات. والواضح أن الملف الإيراني مقبل على تطورات رئيسية لأن وضع المراوحة لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية. وفي هذا السياق، نقلت وكالة «رويترز» أمس عن مصدر أوروبي في بروكسل قوله إن المفاوضات مع إيران تقترب من نهايتها ولكن ليس من المؤكد أنها ستفضي إلى اتفاق. وجاء في حرفية ما نقلته «رويترز»: «نحن متقدمون جداً جداً في المفاوضات. أجرينا جولة مما يسمى بمحادثات التقارب في الدوحة.
لم تسفر عن نتائج والسبب واضح جدا لأننا تفاوضنا على كل ما كان مطروحا على الطاولة». وتابع قائلا «يمكننا أن نكون أكثر دقة في بعض التفاصيل التي لا تزال عالقة، فنحن ننتظر بعض الأفكار من طهران وما يجب على الأميركيين قوله... لا أعرف (إذا كانت هذه) نهاية العملية، لكن هل هي نهاية المفاوضات؟ نعم».


مقالات ذات صلة

«الطاقة الذرية» تؤكد وضع كاميرات في إيران

شؤون إقليمية «الطاقة الذرية» تؤكد وضع كاميرات في إيران

«الطاقة الذرية» تؤكد وضع كاميرات في إيران

أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التقارير بشأن إعادة وضع كاميرات مراقبة في إيران، في سياق الاتفاق الأخير بين مدير الوكالة التابعة للأمم المتحدة والمنظمة الإيرانية للطاقة الذرية. وقال فريدريك دال، المتحدث باسم الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية، أمس، إن «العمل جار» دون تحديد عدد الكاميرات أو المواقع التي وصلتها الوكالة الدولية. وأفادت «جمعية الحد من التسلح» التي تراقب امتثال لدول لمعاهدة حظر الانتشار النووي ومقرها واشنطن، بأن الوكالة الدولية بدأت في إعادة تركيب كاميرات المراقبة في بعض منشآت إيران التي تقترب من عتبة الأسلحة النووية. وتوصل غروسي في طهران بداية مارس

«الشرق الأوسط» (فيينا)
شؤون إقليمية أنباء عن إعادة كاميرات المراقبة «الأممية» في منشآت نووية إيرانية

أنباء عن إعادة كاميرات المراقبة «الأممية» في منشآت نووية إيرانية

أفادت «جمعية الحد من التسلح» بأن الوكالة الدولية للطاقة الذرية بدأت في إعادة تركيب كاميرات المراقبة في بعض المنشآت النووية الإيرانية بموجب الاتفاق الأخير بين مدير الوكالة رافائيل غروسي، وإيران التي تقترب من عتبة الأسلحة النووية. وتوصل غروسي طهران في بداية مارس (آذار) إلى اتفاق مع المسؤولين الإيرانيين بشأن إعادة تشغيل كاميرات المراقبة في مواقع نووية عدة وزيادة عمليات التفتيش في منشأة فوردو. وتسبب الاتفاق في تفادي مجلس محافظي التابع للوكالة الدولية إصداراً جديداً يدين طهران بسبب عدم تجاوبها مع مطالب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، خصوصاً تلك المتعقلة بالتحقيق في ثلاثة مواقع سرية، عثر فيها على آثا

«الشرق الأوسط» (فيينا)
شؤون إقليمية الكشف عن «فوردو»... أبرز تسريبات مسؤول أعدمته إيران بتهمة التجسس

الكشف عن «فوردو»... أبرز تسريبات مسؤول أعدمته إيران بتهمة التجسس

بعد نحو 5 أشهر على إعدام علي رضا أكبري، النائب السابق لوزير الدفاع الإيراني، على خلفية اتهامه بالتجسس لصالح بريطانيا، نقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن مصادر إسرائيلية وإيرانية أن المسؤول السابق «كان جاسوساً غير متوقع» بسبب ولائه الشديد للنظام، لكنه لعب دوراً رئيسياً في الكشف عن منشأة فوردو التي ضمت أنشطة سرية لإيران قبل أن تعترف طهران بوجود موقع تخصيب اليورانيوم الواقع تحت الأرض في عام 2009. وأعدم أكبري (62 عاماً)، الذي يحمل الجنسية البريطانية، فجر 14 يناير (كانون الثاني)، بعد ثلاثة أيام من تسريب قضية اعتقاله لوسائل الإعلام.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية موسكو تُحمل الغرب تعثر إحياء «الاتفاق النووي»

موسكو تُحمل الغرب تعثر إحياء «الاتفاق النووي»

حذر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أمس من ضياع فرص إحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، وحمّل الغرب مسؤولية تعثر المفاوضات. وقال لافروف خلال مؤتمر صحافي في نيويورك أمس: «سيكون من الخطأ الفادح تفويت فرصة استئناف خطة العمل الشاملة المشتركة بشأن برنامج إيران النووي»، وحمّل «تصرفات الغرب» المسؤولية إذ قال «في هذه المرحلة، لا يعتمد استئناف الاتفاق، على إيران أو روسيا أو الصين... الذين دمروه يجب عليهم إعادته إلى الحياة الآن». وانتقد لافروف «متطلبات جديدة لم يتم ذكرها في المسودة الأولى للاتفاق». وأضاف «لنفترض أنه تم التوصل إلى اتفاق لاستئنافه منذ فترة طويلة.

شؤون إقليمية عبداللهيان يتحدث عن «مبادرات» لاستئناف مفاوضات «النووي»

عبداللهيان يتحدث عن «مبادرات» لاستئناف مفاوضات «النووي»

أعلن وزير الخارجية الإيراني أمير حسين عبداللهيان، أمس أن بلاده تلقت أفكاراً بشأن مفاوضات إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 عن إيران، معرباً عن امتنانه للدور البناء لسلطان عمان ونواياه الصادقة في هذا الصدد. وفي اليوم الثاني لزيارته إلى عمان التي اختتمها أمس متوجهاً إلى بيروت، قال عبداللهيان عقب لقائه مع نظيره العماني إن مسقط «تلعب دائماً دوراً بناء» في محادثات النووية، وأضاف «قد أجرينا المشاورات اللازمة في هذا الصدد». وفي وقت لاحق، نقلت وكالة الأنباء العمانية عن عبداللهيان القول إن سلطنة عُمان لديها «مبادرات جدية» فيما يخص الملف النووي الإيراني «ستسهم» في عودة المفاوضات. وذكرت وزارة الخارجية العما

ميرزا الخويلدي (مسقط)

الجيش الإيراني يدشن مدمرة للرصد المخابراتي

صورة وزعها الجيش الإيراني من مدمرة «زاغروس» اليوم (أ.ب)
صورة وزعها الجيش الإيراني من مدمرة «زاغروس» اليوم (أ.ب)
TT

الجيش الإيراني يدشن مدمرة للرصد المخابراتي

صورة وزعها الجيش الإيراني من مدمرة «زاغروس» اليوم (أ.ب)
صورة وزعها الجيش الإيراني من مدمرة «زاغروس» اليوم (أ.ب)

أعلنت البحرية الإيرانية عن تدشين أول مدمرة للرصد المخابراتي ورصد الذبذبات، وذلك بعد أيام قليلة من تسلم الجيش ألف طائرة مسيرة جديدة.

وأفادت وكالة «تسنيم»، التابعة لـ«الحرس الثوري»، بأن المدمرة «زاغروس» فئة جديدة من السفن العسكرية المزودة بأجهزة استشعار إلكترونية، ولديها القدرة على اعتراض العمليات السيبرانية وإجراء رصد مخابراتي، حسبما نقلت وكالة «رويترز». وقال قائد البحرية الإيرانية شهرام إيراني إن السفينة ستكون «العين الساهرة للبحرية الإيرانية في البحار والمحيطات».

وبدأت إيران هذا الشهر تدريبات عسكرية سنوية، شملت بالفعل مناورات حربية تدافع فيها قوات «الحرس الثوري» عن منشآت نووية رئيسية وسط البلاد، في نطنز وفوردو ومفاعل أراك للمياه الثقيلة، خلال محاكاة لهجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة. وتستمر التدريبات لمدة شهرين.

صورة وزعها الجيش الإيراني من مدمرة «زاغروس» اليوم (أ.ب)

وتأتي التدريبات والمشتريات العسكرية في وقت تشهد فيه إيران توتراً شديداً مع عدوّيها اللدودين إسرائيل والولايات المتحدة، مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الأسبوع المقبل.

كان ترمب، خلال ولايته الأولى (2017 - 2021)، مهندس ما يسمى سياسة «الضغوط القصوى» على إيران، وأعاد فرض عقوبات شديدة عليها، أبقت عليها إدارة جو بايدن.

وأفاد موقع «أكسيوس» الإخباري الأميركي بأن مستشار الأمن القومي جيك ساليفان عرض مؤخراً على الرئيس جو بايدن خيارات لشنّ ضربة أميركية محتملة ضد منشآت نووية إيرانية، في حال تحرّكت طهران نحو تطوير سلاح نووي قبل تولي ترمب منصبه.

وتقول القوى الغربية إنه ليس هناك مبرر مدني موثوق لتخصيب اليورانيوم بنسبة 60 في المائة، القريبة من نسبة 90 في المائة اللازمة لصنع سلاح نووي. وتنفي طهران السعي لحيازة قنبلة ذرية. وقال المتحدث باسم الحكومة الإيرانية في أكتوبر (تشرين الأول) إن البلاد تخطط لزيادة ميزانيتها العسكرية بنحو 200 في المائة لمواجهة التهديدات المتزايدة.