إعادة النظر... في تعريف السمنة

إعادة النظر... في تعريف السمنة
TT

إعادة النظر... في تعريف السمنة

إعادة النظر... في تعريف السمنة

أبدى عدد من الخبراء رغبتهم في إعادة صياغة الكيفية التي نتحدث بها عن «السمنة (obesity)» وأسلوب علاجنا هذه الحالة المرضية الشائعة، الذي يشكل تهديداً لصحة أوعية القلب.

- أفكار مغلوطة
يشيع حول السمنة كثير من الأفكار المغلوطة، مثل اعتقاد كثيرين أنه لو امتلك الأفراد الذين يعانون من السمنة قدراً أكبر من قوة الإرادة فحسب كي يقللوا حجم ما يتناولونه من طعام، ويمارسوا الرياضة بمعدل أكبر، فإنهم سيتمكنون بسهولة من الوصول إلى وزن صحي طبيعي، والاستقرار عند هذا الوزن.
وحتى بعض من يعانون من السمنة قد يصدقون هذا الأمر، رغم تجاربهم الشخصية المتكررة التي غالباً ما تخبرهم بالعكس تماماً. وفي الواقع، فإن الانتشار المتزايد للسمنة - التي تؤثر اليوم على ما يزيد قليلاً على 42 في المائة من الأفراد داخل هذا البلد (أميركا) - يعدّ دليلاً آخر على أن هذا المرض معقد ويشكل تحدياً ليس بالهين.
في الوقت ذاته، فإن «الافتراضات والتحيزات غير الصائبة حول السمنة يمكن أن تقوض بشدة الجهود الرامية لإحراز أي تقدم في مواجهة هذه المشكلة، التي أصبحت ثاني أكثر الأمراض المزمنة شيوعاً في العصر الحالي»، حسبما أوضحت الدكتورة فاطمة كودي ستانفورد، المساعدة بمجال الطب، وطب الأطفال، في «كلية هارفارد للطب».
كما أن تناول مثل هذه القضايا وتشجيع الأفراد على السعي وراء تلقي علاجات فاعلة يمكن أن يقلص مخاطر التعرض لحالات صحية متعددة خطيرة، والتي تصاحب السمنة في أغلب الأوقات. واللافت أن كثيراً من هذه الحالات؛ بما في ذلك داء السكري من النوع الثاني وارتفاع ضغط الدم وتوقف التنفس أثناء النوم، على صلة وثيقة بأمراض الأوعية القلبية.

- تحيز خاطئ
بداية؛ توصي الدكتورة ستانفورد بأن يتجنب المرء الإشارة إلى الآخرين أو إلى نفسه بلفظ «سمين (obese)، وإنما «شخص مصاب بالسمنة». وشرحت أن «التحيز والوصم منتشران على نطاق واسع ضد الأشخاص الذين يعانون من السمنة؛ الأمر الذي يعود في الغالب إلى الاعتقاد بأن الاختيارات الرديئة وغياب الحافز يشكلان معاً السبب الوحيد وراء السمنة». بيد أنه، ومثلما الحال مع كثير من الأمراض الأخرى، تقف وراء السمنة في واقع الأمر مجموعة من العوامل المتشابكة. ومن بين المشكلات الكبرى هنا البيئة المحفزة على السمنة التي نعيش فيها جميعاً على امتداد العقود القليلة الماضية. ومن بين جوانب هذه البيئة التعرض المستمر والإتاحة الدائمة لكميات ضخمة من الأطعمة المعالجة صناعياً التي تشكل اليوم أكثر عن نصف الأطعمة التي يتناولها الأميركيون. وتتسم هذه الأطعمة باحتوائها على كميات ضخمة من الدهون والملح والسكر، مما يسهل التهام مثل هذه الأطعمة المغرية بسرعة. وغالباً ما يخزن الجسم كل هذه السعرات الحرارية الإضافية في صورة دهون. وتتمثل مشكلة أخرى في عدم الاضطلاع بنشاط بدني، مما يزيد صعوبة الاحتفاظ بوزن صحي.

- تعريف السمنة
يتمثل التعريف الرسمي للسمنة في «قياس مؤشر كتلة الجسم body mass index (BMI) عند مستوى 30 أو أعلى». ولكن «مقياس مؤشر كتلة الجسم»، الذي يعكس تقديراً غير مباشر للدهون داخل الجسم بناءً على الطول والوزن، لا يقوم على أساس علمي.
ويرى كثير من الخبراء أن محيط الخصر يشكل سبيلاً أفضل لتقييم المخاطر الصحية المرتبطة بالدهون الزائدة في الجسم. ويعدّ محيط الخصر الزائد على 35 بوصة/ 89 سنتيمتراً (لدى النساء) أو 40 بوصة/ 120 سم (لدى الرجال)، مؤشراً على إمكانية التعرض لمخاطر صحية أكبر.
ومع هذا؛ ثمة عوامل أخرى على صلة بنمط الحياة والصحة يمكن أن تسهم في اكتساب الوزن وإحباط جهود خسارة الوزن، حسبما أوضحت الدكتورة ستانفورد. وفيما يلي بعض أبرز هذه العوامل:
* عدم الحصول على قسط كاف من النوم: إذ يعد الحصول على قدر ضئيل للغاية من النوم؛ خصوصاً 6 ساعات أو أقل في الليلة، من العوامل المعروفة التي تسهم في اكتساب الوزن. ورغم أنه يمكن إلقاء اللوم هنا على بعض اضطرابات النوم، مثل الأرق، فإن التركيز على الشاشات (الكومبيوتر والهواتف الذكية والتلفزيون) غالباً ما يحول دون حصولنا على وقت كاف لإغلاق العينين.
* الاكتئاب والتوتر والضغط العصبي: هذه بمقدورها جميعاً تقويض الحافز لدينا لممارسة الرياضة وإعداد وجبات صحية. كما أنها قد تحفز ما يسمى «الأكل العاطفي (emotional eating)»، الذي غالباً ما يؤدي إلى الإفراط في تناول أطعمة مرتفعة السعرات.
* وصفات الأدوية: يتناول واحد من كل نحو 5 أشخاص أدوية يمكن أن تسبب زيادة الوزن، تبعاً لما خلصت إليه دراسة أجرتها «مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها». وتتضمن هذه الأدوية العقاقير المستخدمة في علاج السكري وارتفاع ضغط الدم والاكتئاب وألم العضلات والالتهابات.
وتؤثر جميع هذه العوامل - بجانب العوامل الجينية - على الأيض (التمثيل الغذائي)، الذي تحكمه منطقة «ما تحت المهاد (الهايبوثلاموس hypothalamus)». وتتولى هذه المنطقة من المخ تنظيم كثير من وظائف الجسم، مثل السيطرة على درجة الحرارة والجوع، وتعمل كذلك على إبقاء وزن الجسم داخل نطاق ضيق أو «نقطة محددة (set point)». ويعني ذلك أن الأشخاص الذين يعانون من السمنة غالباً ما يعاودون اكتساب الوزن الذي يفقدونه؛ بمعنى أن المخ لديهم يعمل ضدهم ليدفعهم نحو العودة إلى الوزن السابق الأعلى.

- خطوات العمل
لا يعني ما سبق أن الأشخاص الذين يعانون من السمنة ليس باستطاعتهم فقدان الوزن، لكنهم في الغالب يحتاجون إلى توجه أكثر دقة يحمل طابعاً شخصياً يتجاوز مجرد الالتزام بحمية غذائية وممارسة تدريبات رياضية، وربما يتطلب الأمر تناول عقاقير لإنقاص الوزن أو تدخل جراحي.
من ناحيتها؛ لا تقترح الدكتورة ستانفورد، التي تتولى علاج مرضى داخل «مركز مشكلات الوزن» التابع لـ«مستشفى ماساتشوستس العام»، مطلقاً أنظمة غذائية محددة. وبدلاً من ذلك، تنصح الأفراد غالباً بتناول البروتينات الخالية من الدهون والحبوب الكاملة والفواكه والخضراوات وممارسة تمرينات رياضية يجد المرء متعة في ممارستها كل يوم.
أيضاً، تحرص الدكتورة ستانفورد على معاونة مرضاها على تناول القضايا المتعلقة بأسلوب الحياة الذي يمكن أن يؤثر على الوزن، مثل الحصول على قسط كاف من النوم، ومعالجة المشكلات المرتبطة بالصحة الذهنية، والتخلي عن العقاقير المسببة لزيادة الوزن إذا أمكن ذلك.
* «رسالة هارفارد للقلب»
- خدمات «تريبيون ميديا»


مقالات ذات صلة

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

آسيا أحد أفراد الطاقم الطبي يعتني بمريض مصاب بفيروس كورونا المستجد في قسم كوفيد-19 في مستشفى في بيرغامو في 3 أبريل 2020 (أ.ف.ب)

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

قالت منظمة الصحة العالمية إن زيادة حالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي الشائعة في الصين وأماكن أخرى متوقعة

«الشرق الأوسط» (لندن )
صحتك تمارين النهوض بالرأس من التمارين المنزلية المعروفة لتقوية عضلات البطن

لماذا قد تُغير ممارسة التمارين الرياضية لساعتين في الأسبوع حياتك؟

نصح أستاذ أمراض قلب بجامعة ليدز البريطانية بممارسة التمارين الرياضية، حتى لو لفترات قصيرة، حيث أكدت الأبحاث أنه حتى الفترات الصغيرة لها تأثيرات قوية على الصحة

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك دراسة: عادات العمل قد تصيبك بالأرق

دراسة: عادات العمل قد تصيبك بالأرق

خلصت دراسة إلى أن عادات العمل قد تهدد نوم العاملين، حيث وجدت أن الأشخاص الذين تتطلب وظائفهم الجلوس لفترات طويلة يواجهون خطراً أعلى للإصابة بأعراض الأرق

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك رجل يحضّر فنجانين من القهوة بمقهى في كولومبيا (أرشيفية - إ.ب.أ)

ما أفضل وقت لتناول القهوة لحياة أطول؟... دراسة تجيب

أشارت دراسة جديدة إلى أن تحديد توقيت تناول القهوة يومياً قد يؤثر بشكل كبير على فوائدها الصحية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

تساءلت صحيفة «غارديان» البريطانية عن جاهزية دول العالم للتصدي لجائحة جديدة بعد التعرض لجائحة «كوفيد» منذ سنوات.

«الشرق الأوسط» (لندن)

نظام غذائي يحسّن الذاكرة ويقلل خطر الإصابة بالخرف

امرأة تشتري الخضراوات في إحدى الأسواق في هانوي بفيتنام (إ.ب.أ)
امرأة تشتري الخضراوات في إحدى الأسواق في هانوي بفيتنام (إ.ب.أ)
TT

نظام غذائي يحسّن الذاكرة ويقلل خطر الإصابة بالخرف

امرأة تشتري الخضراوات في إحدى الأسواق في هانوي بفيتنام (إ.ب.أ)
امرأة تشتري الخضراوات في إحدى الأسواق في هانوي بفيتنام (إ.ب.أ)

أصبحت فوائد اتباع النظام الغذائي المتوسطي معروفة جيداً، وتضيف دراسة جديدة أدلة أساسية على أن أسلوب تناول الطعام الطازج المدعم بزيت الزيتون يمكن أن يعزز صحة الدماغ من خلال تعزيز بكتيريا أمعاء معينة، وفقاً لصحيفة «نيويورك بوست».

وجد الباحثون في كلية الطب بجامعة تولين الأميركية أن الفئران المعملية التي اتبعت النظام الغذائي المتوسطي طوّرت أنماطاً مختلفة من بكتيريا الأمعاء عن تلك التي التزمت بالنظام الغذائي الغربي.

وجدت الدراسة، التي نُشرت في Gut Microbes Reports، أن التغييرات البكتيرية المرتبطة بالنظام الغذائي المتوسطي أدت إلى تحسن الأداء الإدراكي.

قالت الدكتورة ريبيكا سولش أوتايانو، المؤلفة الرئيسية للدراسة من مركز أبحاث الأعصاب السريرية بجامعة تولين: «لقد علمنا أن ما نأكله يؤثر على وظائف المخ، لكن هذه الدراسة تستكشف كيف يمكن أن يحدث ذلك».

وتابعت: «تشير نتائجنا إلى أن الاختيارات الغذائية يمكن أن تؤثر على الأداء الإدراكي من خلال إعادة تشكيل ميكروبيوم الأمعاء».

النظام الغذائي المتوسطي، الذي تُوج أفضل نظام غذائي على الإطلاق لمدة 8 سنوات متتالية من قبل US News & World Report، قائم على النباتات ويعطي الأولوية للخضراوات والفواكه والحبوب الكاملة والدهون الصحية والمكسرات والبذور مع الحد من اللحوم الحمراء والسكر.

وثبت أن النظام الغذائي المتوسطي يساعد في إنقاص الوزن وتحسين نسبة السكر في الدم وخفض ضغط الدم والكوليسترول. كما ارتبط بانخفاض خطر الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية والخرف وأنواع معينة من السرطان.

هذه الدراسة الأخيرة في جامعة تولين هي الأولى التي تبحث في العلاقة بين النظام الغذائي المتوسطي والغربي، والميكروبات والوظيفة الإدراكية.

لنمذجة تأثيرات النظام الغذائي خلال فترة حرجة من التطور، استعان الباحثون بفئران. ووجدوا أن الفئران التي تغذت على نظام غذائي متوسطي، مع تناول كميات كبيرة من زيت الزيتون والأسماك والألياف، أظهرت زيادة ملحوظة في البكتيريا المعوية المفيدة مقارنة بتلك التي تناولت نظاماً غذائياً غربياً عالي الدهون ومنخفض الخضار وغني جداً باللحوم.

وقد ارتبطت التحولات البكتيرية في الفئران المتوسطية، التي تضمنت مستويات أعلى من البكتيريا مثل Candidatus Saccharimonas، بتحسن الأداء الإدراكي والذاكرة. وعلى النقيض من ذلك، ارتبطت المستويات المتزايدة من بعض البكتيريا، مثل Bifidobacterium، في الفئران التي اتبعت نظاماً غربياً بضعف وظيفة الذاكرة.

وقد أثبتت دراسات سابقة وجود صلة بين النظام الغذائي الغربي والتدهور المعرفي، فضلاً عن السمنة والقضايا العاطفية والسلوكية.

ولاحظ الباحثون أن مجموعة النظام الغذائي المتوسطي أظهرت أيضاً مستويات أعلى من المرونة المعرفية، أي القدرة على التكيف واستيعاب المعلومات الجديدة، مقارنة بمجموعة النظام الغذائي الغربي.

وتشير الفوائد الواضحة للالتزام بالنظام الغذائي المتوسطي إلى أن التأثيرات المماثلة قد تنعكس على الشباب الذين لا تزال أدمغتهم وأجسامهم في طور النمو.

وقال المؤلف المشارك الدكتور ديميتريوس م. ماراجانوري: «تشير نتائجنا إلى أن النظام الغذائي المتوسطي أو تأثيراته البيولوجية يمكن تسخيرها لتحسين الأداء الدراسي لدى المراهقين أو أداء العمل لدى الشباب».

وتابع: «في حين أن هذه النتائج تستند إلى نماذج حيوانية، إلا أنها تعكس الدراسات البشرية التي تربط النظام الغذائي المتوسطي بتحسين الذاكرة وتقليل خطر الإصابة بالخرف».

واستناداً إلى هذه النتائج، يدعو الباحثون إلى إجراء دراسات بشرية واسعة النطاق للتحقيق في العلاقة بين الوظيفة الإدراكية والنظام الغذائي وبكتيريا الأمعاء.