لبنان: ميقاتي على موقفه وتحريك الملف الحكومي في مرمى عون

(تحليل إخباري)

TT

لبنان: ميقاتي على موقفه وتحريك الملف الحكومي في مرمى عون

لن يمر الخطأ الذي ارتكبه رئيس الجمهورية ميشال عون بعدم تحديد موعد للرئيس المكلف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي للقائه في بعبدا لمواصلة التشاور في عملية تأليفها مرور الكرام ما لم يبادر إلى دعوته إلى القصر الجمهوري لاستئناف المشاورات، خصوصاً أنه لم يسجّل في تاريخ العلاقات بين رئاستي الجمهورية والحكومة امتناع أحدهما عن لقاء الآخر لأن للمواقع الرئاسية كرامتها.
فالرئيس ميقاتي قال كلمته في البيان الذي صدر عن مكتبه الإعلامي من دون أن يقفل الأبواب في وجه ضرورة التواصل مع رئيس الجمهورية وهو ينتظر مدى تجاوب عون، في حين نأى بنفسه عن التدخّل لوضع النقاط على الحروف حيال خريطة الطريق التي رسمها الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله حول ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، بعد أن خاطب الداخل والخارج بمواقف نارية أراد أن يقول من خلالها «الأمر لي ونقطة على السطر»، رغم أن لبنان يستعد لمعاودة المفاوضات بوساطة أميركية تحت إشراف الأمم المتحدة.
والأمر نفسه ينسحب على صمت عون حيال الشروط التي وضعها رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، والتي يتوخى منها تعطيل مشاورات التأليف برمي المسؤولية الكاملة على ميقاتي بذريعة أنه ليس في وارد التعاون لتشكيل الحكومة بغية الإبقاء على حكومة تصريف الأعمال.
وكان يُفترض برئيس الجمهورية أن يقول كلمته لقطع الطريق على محاولات تعطيل تشكيل الحكومة من قبل باسيل بدلاً من أن يطلق يد وريثه السياسي باسيل بالنيابة عنه. كما كان يُفترض بعون، وقبل أن يتصرف نصر الله وكأنه المفاوض الأوحد وبشروطه في ملف ترسيم الحدود البحرية، أن يتدخل لتحديد موقفه من البيان الذي أذاعه وزير الخارجية عبد الله بو حبيب بعد اجتماعه بميقاتي وأورد فيه بأن إطلاق المسيّرات جاء خارج إطار مسؤوليات الدولة والسياق الدبلوماسي، خصوصاً أن المفاوضات الجارية بلغت مرحلة متقدمة، إضافة إلى ما صدر عن نائب رئيس المجلس النيابي إلياس بو صعب معتبراً أن إطلاقها في غير أوانه.
فرئيس الجمهورية بصمته يخلي الساحة لنصر الله بدلاً من أن يتبنى الموقفين، الأول الذي صدر عن ميقاتي وبو حبيب والآخر عن بو صعب، إلا إذا أراد أن يقول بأنهما يغردان خارج سرب رئاسة الجمهورية رغم أنهما محسوبان عليه، مع أن نصر الله بموقفه أراد أن يتقدم على موقف الدولة بخلاف قوله سابقاً بأنه يقف خلفها في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية.
وهذا ما دفع مصدراً دبلوماسياً أوروبياً إلى السؤال عن الأسباب الكامنة وراء صمت عون وكأنه أودع صلاحياته في عهدة نصر الله ليتصرف بالنيابة عنه في مفاوضات ترسيم الحدود بالتلازم مع تصرف باسيل وكأنه وحده صاحب القرار في عملية تأليف الحكومة. وسأل المصدر نفسه، إذا كان رئيس الجمهورية يحصر اهتمامه برعاية الهجمات التي تستهدف موقع رئاسة مجلس الوزراء وصلاحيات الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة وما يترتب عليها من تداعيات سلبية ترفع منسوب التأزم السياسي في البلد وصولاً إلى استنفار العصبيات لإقحام البلد في فتنة طائفية.
ويُفهم من كلام المصدر الدبلوماسي، أن المواقف التي صدرت وتوزّعت بين نصر الله وباسيل أساءت لسمعة لبنان في الخارج، خصوصاً بغياب رئيس الجمهورية الذي يحصر اهتمامه بتصفية حساباته مع ميقاتي لأنه يرفض التناغم وشروطه للإفراج عن الحكومة التي يراد منها بأن تأتي على قياس باسيل.
كما يُفهم من كلامه أيضاً أن البلد بات محكوماً بأكثر من رئيس للجمهورية، في إشارة إلى أن نصر الله يتصرف وكأنه الرئيس المعني بمفاوضات ترسيم الحدود، محمّلاً الدولة تبعات مواقفه على الصعيدين المحلي والخارجي، وفي إشارة إلى باسيل الذي يضغط بموافقة ضمنية من عون ليكون الشريك البديل عنه في التفاوض مع ميقاتي في تأليف الحكومة من جهة ثانية.
وفي المقابل، يبدو أن ميقاتي ليس في وارد الدخول في سجال مع عون وباسيل لأنه يرفض، كما يقول مصدر وزاري لـ«الشرق الأوسط»، بأن يقدّم هدية سياسية مجانية للأخير ليمعن في تطييفه عملية تشكيل الحكومة لجرّ البلد إلى مزيد من التأزم بذريعة أن ميقاتي لا يريد تأليفها ليجمع بين رئاسته للحكومة ورئاسته للجمهورية في حال انسداد الأفق أمام انتخاب رئيس جديد ضمن المهلة الدستورية.
لذلك فإن رفض ميقاتي، كما يقول المصدر الوزاري، بفتح معركة جانبية مع باسيل لا يعني بأن إصراره في الإبقاء على أبواب التفاوض مفتوحة مع عون سيقوده إلى التسليم بشروطه أو بموافقته على أن يكون باسيل الشريك الثالث في تأليف الحكومة.
فالرئيس المكلف باقٍ على موقفه ويخطئ من يعتقد بأنه لن يصمد إلى ما لا نهاية، وهذا ما أكد عليه في البيان الذي رمى كرة التعطيل في مرمى رئيس الجمهورية الذي يصرّ على استحضار نفس السيناريو الذي اتبعه مع زعيم تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري، وكان وراء اعتذاره لعله يدفع بميقاتي للاعتذار عن تشكيل الحكومة وإن كان يدرك سلفاً بأن حساباته ليست في محلها وتلقى معارضة داخلية ودولية.


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

وزير الدفاع الألماني: بعد الإطاحة بالأسد أعطوا فرصة للحكام الجدد في سوريا

لقطة جوية تظهر رجلاً سورياً يلوح بعلم الاستقلال السوري في ساحة الأمويين بوسط دمشق (أ.ف.ب)
لقطة جوية تظهر رجلاً سورياً يلوح بعلم الاستقلال السوري في ساحة الأمويين بوسط دمشق (أ.ف.ب)
TT

وزير الدفاع الألماني: بعد الإطاحة بالأسد أعطوا فرصة للحكام الجدد في سوريا

لقطة جوية تظهر رجلاً سورياً يلوح بعلم الاستقلال السوري في ساحة الأمويين بوسط دمشق (أ.ف.ب)
لقطة جوية تظهر رجلاً سورياً يلوح بعلم الاستقلال السوري في ساحة الأمويين بوسط دمشق (أ.ف.ب)

عقب الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد، دعا وزير الدفاع الألماني، بوريس بيستوريوس، إلى زيادة التعاون؛ لتحقيق استقرار الأوضاع في الشرق الأوسط. وعلى هامش محادثات حكومية في العراق، وعد الوزير بمشارَكةٍ ألمانيةٍ أكبر في العراق حال كانت هناك رغبةٌ في ذلك. وفيما يتعلق بالوضع في سوريا، قال إن التعاون مع الحكام الجدد قد يكون ممكناً في ظل ظروف معينة.

وأضاف بيستوريوس: «في الأشهر المقبلة سيدور الأمر بالطبع حول تصميم أشكال جديدة للتعاون الأمني في المنطقة؛ من أجل توضيح أننا نتحمَّل مسؤوليةً هنا، ونريد الاستمرار في تَحمُّل المسؤولية في المستقبل أيضاً بالنظر إلى سوريا»، موضحاً أن هذا يوسع «بشكل واضح مجدداً نطاق المهام».

والتقى بيستوريوس رئيسَ الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، ووزيرَ الدفاع العراقي ثابت العباسي في بغداد. وقال بيستوريوس إن كليهما أكد تقارير حول التهديد المستمر من تنظيم «داعش». ثم توجَّه بيستوريوس جواً؛ لإجراء محادثات في المنطقة الكردية بشمال العراق. ويعتزم الوزير التوجُّه إلى تركيا في يناير (كانون الثاني) المقبل؛ لإجراء محادثات، حيث تعتزم أنقرة إبقاء نفوذ الميليشيات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة في سوريا عند أدنى مستوى ممكن، وفقاً لما ذكرته «وكالة الأنباء الألمانية».

وفي بغداد زار بيستوريوس معسكر «يونيون 3» العسكري الذي يتمتع بحماية مشددة، حيث يقيم نحو 50 جندياً ألمانياً، يعمل معظمهم مستشارين عسكريين في مؤسسات. ولم يشهد المعسكر والمنطقة المحيطة به أي هجمات منذ أشهر، على الرغم من وجود تقارير عن تحليق طائرات مسيَّرة، ومحاولات تجسس.

وخلال توقفه في الأردن، تطرَّق بيستوريوس أيضاً إلى الهجمات الإسرائيلية المكثفة على منشآت عسكرية سورية ومستودعات أسلحة، وقال إنه نظراً للوضع غير المستقر في سوريا، فلا بد من «النظر إلى هذا الأمر في سياق أوسع»، وفهمه بوصفه إجراءً للأمن الإقليمي وخارجه.

وقال بيستوريوس: «فكرة أن أسلحة الغاز السام المُنتَجة من مصانع سورية، على سبيل المثال، يمكن أن ينتهي بها المطاف في الأيدي الخطأ وأن تلعب دوراً في هجمات ذات دوافع متشددة في أي مكان في العالم يصعب احتمالها».

وعقب الإطاحة بالأسد وانهيار جهاز سلطته، يعتقد بيستوريوس بأن ألمانيا بحاجة إلى الانخراط بشكل أكبر في المنطقة. وقال في مقابلة مع محطة «إيه آر دي» الألمانية التلفزيونية في بغداد: «يجب ألَّا ننسحب تحت أي ظرف من الظروف. بسبب سقوط الأسد في سوريا، لم يعد من الواضح في أي اتجاه ستتطور المنطقة، وفي أي اتجاه ستتطور سوريا».

وذكر الوزير أن «أوروبا وألمانيا لا تستطيعان ولا ينبغي لهما القبول بأن تكونا مجرد متفرجتَين هنا»، مشيراً في ذلك إلى أهمية المنطقة، موضحاً أن هذا قد يعني بالنسبة لألمانيا أيضاً التعاون مع الحكام الجدد في «سوريا الجديدة»، وذلك «إذا استغلوا الفرصة المتاحة لهم الآن واستطاعوا بسرعة ضمان بعض الهدوء الذي يمكننا البناء عليه بعد ذلك».

ويشارك الجيش الألماني في العراق، ومن الأردن بنحو 300 جندي، في مهام دولية لتحقيق الاستقرار في إطار التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة (عملية العزم الصلب) لمحاربة تنظيم «داعش»، ومهمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في العراق.

وقد حثَّ العراق أخيراً على أن تحلَّ أشكالٌ أخرى من التعاون الثنائي محلَّ عملية «العزم الصلب». كما أعربت الولايات المتحدة أخيراً عن رغبتها في إعادة تنظيم وجودها العسكري في العراق تدريجياً، بعيداً عن التحالف العسكري الدولي في البلاد، ونحو شراكة أمنية ثنائية.