«استباحة» المال العام الليبي... «موجات فساد» متواصلة

النيابة العامة تحقق مع عشرات المتهمين

تعاون ليبي لمكافحة الفساد بين رئيس مجلس النواب عقيلة صالح والنائب العام الصديق الصور (مكتب النائب العام)
تعاون ليبي لمكافحة الفساد بين رئيس مجلس النواب عقيلة صالح والنائب العام الصديق الصور (مكتب النائب العام)
TT

«استباحة» المال العام الليبي... «موجات فساد» متواصلة

تعاون ليبي لمكافحة الفساد بين رئيس مجلس النواب عقيلة صالح والنائب العام الصديق الصور (مكتب النائب العام)
تعاون ليبي لمكافحة الفساد بين رئيس مجلس النواب عقيلة صالح والنائب العام الصديق الصور (مكتب النائب العام)

في نهايات الشهر الماضي، تمكن عدد من العاملين في مصرف الصحارى الليبي، من استغلال مناصبهم والدخول على حسابات العملاء والاستيلاء على ملايين الدينارات، في وقت تشير فيه التقارير الرسمية إلى تبديد واسع للمال العام في قطاعات الدولة الليبية المختلفة.
والواقعة، التي بدأت النيابة العامة الليبية التحقيق فيها، تعد واحدة من جرائم الاستيلاء على المال العام في البلاد، المتزايدة خلال العقد الماضي، وتبدأ من الفساد داخل مؤسسات الدولة، والتي تورط فيها عدد من الوزراء، وصولاً إلى السطو على الأراضي والبنايات العامة، بجانب سطو موظفين على ما تحت يديهم من عهده مالية.
ومنذ عام 2012 تراجع ترتيب ليبيا إلى الأسوأ، وصولاً إلى تصنيفها من بين الدول العشر الأكثر فساداً وفقاً لـ«مؤشر مدركات الفساد»، الصادر عن منظمة الشفافية الدولية هذا العام، وهو ما دفع نجلاء المنقوش، وزيرة الخارجية والتعاون الدولي بحكومة «الوحدة» المؤقتة التي يترأسها عبد الحميد الدبيبة، إلى القول بأن «الفساد يتفشى في بلادها بشكل كبير».
وكشف النيابة العامة عن واحدة من جرائم السطو على أموال المودعين، وقالت إن التحقيقات كشفت ملابسات تورط عدد من العاملين في مصرف الصحارى باختلاس مليونين وثلاثـمائة وثـمـانين ديناراً عبر النفاذ إلى منظومة الحسابات؛ باستخدام إجراءات احتيالية. وأشارت النيابة أنها أمرت بحبس جميع مرتكبي واقعة الفساد في المصرف لحين استكمال باقي القضية.

وعقب ثلاثة أيام كشفت النيابة عن واقعة استيلاء جديدة على الأموال العامة من خلال تورط تشكيل عصابي في تزوير الصكوك المصرفية؛ واستعمالها في سحب أموال حكومية من حسابات بعض الجهات الممولة من الميزانية العامة.
وقالت النيابة إن الجناة قدموا هذه الصكوك إلى المصرف وحصلوا على أكثر من 739 ألف دينار، من حسابات وزارة الزراعة والثروة الحيوانية؛ وإدارة الإنتاج بهيئة الإمداد والتموين العسكري؛ ومراقبة الخدمات المالية بمدينة الأصابعة.
واحتلت ليبيا في تقرير العام الماضي المرتبة 173، من أصل 180 لتراجعها 5 مراكز مقارنة مع عام 2019، الذي كانت تحتل فيه المرتبة 168. وتتنوع أشكال الفساد في ليبيا من التربح من المال العام، والحصول على عمولات، والازدواج الوظيفي، بشكل وصف بأنه «موجات عاتية تستهدف التربح بشكل غير مسبوق».
واللافت أن الجميع في ليبيا يتحدثون عن الفساد، بداية من رأس السلطة وانتهاء بالمواطنين والخبراء ورؤساء الأجهزة الرقابية في ليبيا، لكن مسؤولاً مقرباً من الدبيبة رأى أن حكومة «الوحدة» تكاد تكون الحكومة الوحيدة التي تجرأت على تقديم عدد من وزرائها للتحقيق في وقائع فساد انتهت بحبسهم على ذمة القضية، لافتاً إلى أن الدبيبة لم يتحرج عندما تحدث عن «استشراء الفساد في عدد من القطاعات الحكومية».
ويُعيّر خصوم الدبيبة بوجود حالات مسؤولين في حكومته تورطوا في قضايا فساد، لكن الأول أعلن «تبرؤ حكومته من المفسدين، وعدم التسامح معهم»، وقال إن الفساد «يكبّد الاقتصاد الوطني خسائر كبيرة».
ويرى المحلل السياسي عبد العظيم البشتي أن «الأموال التي يتقاضاها أعضاء السلطة التشريعية في البلاد، منذ سنوات، دون مقابل تدخل في باب الفساد»، وذهب إلى أن «أكثر شيء بات مُستهلكا للمال العام ولا يشكل إلا استنزافا له دون قيمة أو نتائج حقيقية أو فائدة يتمثل في المؤتمرات واللقاءات والاجتماعات التي يقيمها المسؤولون الليبيون في الكثير من بلدان العالم».
وعلى الرغم من أن هذه الاجتماعات عادة تتكفل نفقتها الدول المستضيفة، لكن هناك من يرى أن سفريات النواب والأعضاء في تكليفات رسمية من مجالسهم تكلف ليبيا ملايين في الانتقال والإقامة.
وتتعدد في ليبيا أبواب الفساد، نظراً لما يره مختصون «ضعف قبضة الدولة» وعدم تفعيل المحاسبة إلا ما يتكشف للنيابة العامة. وتحدث سليمان الشحومي الخبير الاقتصادي الليبي، عن ضرورة أن «تصب عوائد الشركات الحكومية مثل الاتصالات وشركات الاستثمار الحكومية الأخرى في الخزانة العامة للدولة كإيرادات».
وقال الشحومي في إدراج له عبر حسابه على «فيسبوك»: «لا يجوز أن يفرض رئيس الحكومة على هذه الشركات تغطية مصروفات يريدها؛ أو أن تُحيل له مبالغ لحساب مجلس الوزراء ليتصرف بها رئيس الحكومة، أو يُطلب منها تخصص مبالغ للإنفاق بناءً على تعليمات مهما كانت الدواعي والأسباب».
ورأى الشحومي أن هذه الإجراءات تخرج الشركة عن الإطار الذي حدده القانون ويجعلها أداة في يد الإدارة الحكومية ويخرج مجلس إدارتها وجمعيتها العمومية عن دورهما المرسوم»، وتابع: «هذا باب واسع للفساد حتى وإن كانت النوايا حسنة».
ودعا الشحومي ديوان المحاسبة بـ«التحرك قبل فوات الأوان، ولا يترك الأمر للعرض في تقريره السنوي، بعد أن يكون قد وقعت الواقعة ولم يعد لنا إلا التحسر على اللبن المسكوب في ردهات مجلس وزراء حكومة (الوحدة الوطنية)».
كما كشفت مخاطبات النائب العام الليبي الصديق الصور، لمحافظ المصرف المركزي الصديق الكبير، عن أن تحقيقات النيابة أثبتت وقائع تزوير بيانات الخدمات الطبية المقدمة للمرضى في الخارج، بقصد الحصول على 436 مليون دولار، فضلا عن تجاوزات مالية وإدارية أخرى.
ودعا الصور المصرف بإيقاف أي إجراءات إدارية أو مالية تفضي إلى سداد المبالغ المالية المترتبة عن تقديم الخدمات الطبية من المؤسسات العلاجية في الأردن، خلال السنوات الماضية حتى انتهاء الإجراءات القضائية.


مقالات ذات صلة

المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

شمال افريقيا المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

بحثت نجلاء المنقوش مع نظيرها وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها أمس إلى الجزائر، فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الأشخاص، بعد سنين طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والأمنية في ليبيا. وذكرت الخارجية الجزائرية في بيان أن الوزيرين بحثا قضايا جارية في الساحتين المغاربية والعربية، منها تطورات ملف الصحراء، والمساعي العربية والدولية لوقف الاقتتال وحقن الدماء في السودان. وأكد البيان أن عطاف تلقى من المنقوش «عرضا حول آخر مستجدات العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، لإنهاء الأزمة في ليبيا».

شمال افريقيا وفدان أميركي وفرنسي يبحثان في ليبيا تطوير الجيش

وفدان أميركي وفرنسي يبحثان في ليبيا تطوير الجيش

بحث وفدان عسكريان، أميركي وفرنسي، في ليبيا سبل إعادة بناء وتطوير المؤسسة العسكرية المُنقسمة، بين شرق البلاد وغربها، منذ إسقاط النظام السابق، في وقت زار فيه المشير خليفة حفتر، القائد العام لـ«الجيش الوطني» روما، والتقى برئيسة الوزراء بالحكومة الإيطالية جورجا ميلوني، وعدد من وزراء حكومتها. وفي لقاءين منفصلين في طرابلس (غرباً) وبنغازي (شرقاً)، التقى الوفدان الأميركي والفرنسي قيادات عسكرية للتأكيد على ضرورة توحيد الجيش الليبي.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

بحثت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش مع نظيرها الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها اليوم الخميس إلى الجزائر، في فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الاشخاص، بعد سنوات طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والامنية في ليبيا.

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا «حبوب الهلوسة»... «سلاح قاتل» يستهدف عقول الليبيين

«حبوب الهلوسة»... «سلاح قاتل» يستهدف عقول الليبيين

لم يكن من قبيل الصدفة أن تقذف أمواج البحر المتوسط كميات متنوعة من المخدرات إلى السواحل الليبية، أو أن تتلقف شِباك الصيادين قرب الشاطئ «حزماً» من «الحشيش والكوكايين وحبوب الهلوسة»، فالبلاد تحوّلت -وفق تقرير أممي- إلى «معبر مهم» لهذه التجارة المجرّمة. وتعلن السلطات الأمنية في عموم ليبيا من وقت لآخر عن ضبط «كميات كبيرة» من المخدرات قبل دخولها البلاد عبر الموانئ البحري والبرية، أو القبض على مواطنين ووافدين وهو يروّجون هذه الأصناف التي يُنظر إليها على أنها تستهدف «عقول الشباب الليبي». غير أنه بات لافتاً من واقع عمليات الضبط التي تعلن عنها السلطات المحلية تزايُد تهريب المخدرات وتعاطيها، خصوصاً «حبوب

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا «النواب» و«الدولة» يقران آلية عمل لجنة قوانين الانتخابات الليبية

«النواب» و«الدولة» يقران آلية عمل لجنة قوانين الانتخابات الليبية

استهلّت اللجنة المُشتركة لممثلي مجلسي «النواب» و«الدولة» (6+6) المكلفة بإعداد قوانين الانتخابات الليبية، اجتماعاتها في العاصمة طرابلس بـ«الاتفاق على آلية عملها». وطبقاً لما أعلنه عبد الله بليحق، المتحدث الرسمي باسم مجلس النواب، فقد شهد الاجتماع ما وصفه بتقارب في وجهات النظر بين أعضاء اللجنة حول القوانين الانتخابية، مشيراً، في بيان مقتضب مساء أول من أمس، إلى أنه «تم أيضاً الاتفاق على التواصل مع الجهات والمؤسسات ذات العلاقة بالعملية الانتخابية».

خالد محمود (القاهرة)

6 قتلى في قصف لـ«الدعم السريع» على مخيم للنازحين في شمال دارفور

تصاعد الدخان فوق المباني بعد قصف جوي، خلال اشتباكات بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني في الخرطوم 1 مايو 2023 (رويترز)
تصاعد الدخان فوق المباني بعد قصف جوي، خلال اشتباكات بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني في الخرطوم 1 مايو 2023 (رويترز)
TT

6 قتلى في قصف لـ«الدعم السريع» على مخيم للنازحين في شمال دارفور

تصاعد الدخان فوق المباني بعد قصف جوي، خلال اشتباكات بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني في الخرطوم 1 مايو 2023 (رويترز)
تصاعد الدخان فوق المباني بعد قصف جوي، خلال اشتباكات بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني في الخرطوم 1 مايو 2023 (رويترز)

قُتل 6 أشخاص على الأقل في قصف نفذته «قوات الدعم السريع» طال مخيماً للنازحين في شمال دارفور بغرب السودان، وفق ما أفاد ناشطون الاثنين.

وكانت حصيلة أولية قد أفادت بمقتل شخصين وإصابة 12 آخرين، بحسب المصدر نفسه.

وأوضحت لجان المقاومة، وهي مجموعة من الناشطين المؤيدين للديمقراطية، أن مخيم زمزم الواقع جنوب الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، تعرّض لقصف عنيف بالصواريخ والمدفعية صباح الأحد.

وأعلنت منظمة أطباء بلا حدود، الاثنين، أن فرقها استقبلت 8 جرحى في اليوم السابق، بينهم نساء وأطفال في الرابعة من العمر يعانون «إصابات خطرة مثل صدمات في الصدر وكسور»، وفق وكالة الصحافة الفرنسية.

وأضافت أن 4 مرضى أصيبوا بجروح خطرة نُقلوا إلى منشأة أخرى صباح الاثنين، قبيل عمليات قصف جديدة طالت مناطق قريبة من إحدى الأسواق والمستشفى الميداني التابع للمنظمة في المخيم.

كما أُخلي مستشفى أطباء بلا حدود ونقل آخر 3 مرضى في العناية المشددة.

صورة ملتقطة في 27 أغسطس 2024 في أم درمان بالسودان تظهر شباناً يسيرون في شارع لحق به الدمار نتيجة الصراع في البلاد (د.ب.أ)

وأكدت منظمة أطباء بلا حدود على منصة «إكس» أن «الوضع أكثر من فوضوي: فالمرضى والطاقم الطبي يغادرون المخيم ويحاولون الفرار لإنقاذ حياتهم».

ويشهد السودان منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023 حرباً بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان و«قوات الدعم السريع» بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بـ«حميدتي»، أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف وفرار أكثر من 11 مليون شخص، انتقل بعضهم إلى دول مجاورة مثل مصر وتشاد.

وشدد وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ توم فليتشر في ختام زيارة إلى السودان وتشاد على ضرورة تحرك المجتمع الدولي للتعامل مع تداعيات الأزمة المتواصلة في السودان.

صورة لأشخاص سودانيين فروا من العنف المتصاعد في ولاية الجزيرة في مخيم للنازحين في مدينة القضارف بشرق البلاد 23 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

وقال فليتشر في بيان الأحد: «أتحدث من دارفور في نهاية مهمة... كانت مهمة صعبة للغاية لأن الوضع صعب. إنها أكبر أزمة إنسانية في العالم».

أضاف: «في نهاية المطاف، من دون سلام، لن يتمكنوا (الفارّون داخل السودان وإلى دول الجوار) من العودة إلى ديارهم وإعادة بناء حياتهم ومنح أطفالهم وأحفادهم الحياة التي يستحقونها»، مؤكداً أنه يتوجب على العالم «بذل المزيد من الجهد لدعمهم».

ونبه إلى ضرورة إيصال «سيل من الدعم» نظراً لوجود نحو 25 مليون شخص، أي زهاء نصف عدد سكان السودان، في حاجة إلى مساعدة، مضيفاً: «هذه الأرقام مذهلة، ولا يمكننا أن ندير ظهورنا».