لم تَحُل المسافات التي لا تسمح باللقاءات وجهاً لوجه، دون حديثٍ قلباً لقلب مع الفنانة لطيفة. بحماسة لا تخلو من القلق والتوتّر، تستعدّ لإطلاق عملها الجديد: ميني ألبوم «لطيفة 22» الذي يضم 6 أغنيات تتعدّد لهجاتها وإيقاعاتها.
مَن قال إنّ تَراكُم التجارب والنجاحات والسنوات يروّض القلق والحلم؟ ثمّة دائماً حلمٌ جديد يلمع في رأس لطيفة. الفنانة التونسية التي سعت منذ بداية رحلتها الفنية إلى أن تجمع العالم العربي بصوتها، ها هي اليوم تضيف لهجة عربية إلى رصيد اللهجات المتعدّدة التي سبق أن غنّتها. فإلى جانب المصرية والتونسيّة، يحتوي الألبوم على أغنيتَين باللهجة العراقية التي تقدّمها للمرة الأولى.
وبالحديث عن الحلم، تقول لطيفة لـ«الشرق الأوسط» إنّ أحلامها الشخصية والفنية موحّدة: «لا أحلام شخصية لدي سوى أحلامي الفنية التي تحقق ذاتي وإنسانيّتي. أحلم بالغناء في كل حي وشارع في الوطن العربي، من المحيط إلى الخليج. ثم أتمنى أن أجول حول العالم مع كل أغاني التي تعبت لإنتاجها وإنجازها».
لطيفة 2022
في رصيد لطيفة أكثر من 35 ألبوماً، وهي تضيف إلى ذلك الرصيد اليوم ألبوماً مصغّراً، بالتعاون مع شركة روتانا، تفتح من خلاله آفاقاً فنية جديدة لنفسها، متطرّقة إلى أفكارٍ مختلفة تُجاري نسخة 2022 من لطيفة، المثابرة على تقديم الفن الراقي منذ مشاركتها في برنامج «نادي المواهب» في تونس وهي بعدُ مراهقة.
عن «لطيفة 22» تقول إنّ «5 من الأغاني ستنزل في المرحلة الأولى، لتلحق بها الأغنية السادسة بعد شهرين». أما عن المحتوى، فتوضح أنه إلى جانب الأغنيتَين العراقيتَين اللتَين ألّفهما الشاعر تراث نمير والملحّن علي سالم، يضمّ العمل أغنية تونسية بنكهة عصرية وبموسيقى الـ«هاوس» عنوانها «طار طار» (تأليف رضا شعير)، و3 أغانٍ باللهجة المصرية
عبر منابرها على وسائل التواصل الاجتماعي، حمّست لطيفة جمهورها إلى العمل الجديد مستبقة صدوره بأيام، من خلال نشرِها مجموعة من فيديوهاتٍ وصور تعكس الهويّة العصرية التي اختارت أن تطلّ بها.
«تعاملتُ مع شعراء وملحّنين جدُد في بعض أغاني الميني ألبوم، فأنا منفتحة دائماً على المقترحات ونماذج الأغاني التي تصلني عبر واتساب والسوشيال ميديا وأسمع كل ما يرسله لي المؤلفون الشباب». ولدى سؤالها عن الانطباع الراقص الذي تُعطيه الفيديوهات المنشورة، توضح أن «ليست كل الأغاني راقصة، فأغنية (من بلدي) (تأليف كريم حكيم وخالد عبد الفتّاح) توجع، وهي تتطرّق إلى الغربة والاغتراب الذي يعيشه ويشعر به أشخاص كثيرون في هذا الزمن».
أما أغنية «أحسن أحسن» فتعاملت فيها مع كلٍ من عزيز الشافعي وتامر حسين. و«هنعيشها مرة واحدة» التي يرافقها فيديو كليب صيفي بامتياز، هي من كلمات ملاك عادل وألحان محمد يحيى.
تؤمن لطيفة بالفيديو كليب منذ أول ظهور لها: «في هذا الميني ألبوم صوّرت كل الأغاني بين دبي وبيروت ومصر. أعتبر أن الأغنية التي لا تُصوّر تُظلَم، وأنا حزينة لأن ثمة أغانٍ كثيرة من أرشيفي لم أصوّرها، لكنّي سأفعل وهذا من أهم المشاريع التي أفكر فيها». برأي لطيفة، الكليب مهم جداً ليس لإثارة عين المتلقّي فحسب، بل لإثراء الأغنية كذلك.
لا تميّز لطيفة بين أغنية وأخرى، وترفض اعتبار واحدة أقرب إلى قلبها من الثانية. توضح هذا الموقف قائلة: «كلما دخلت إلى الاستديو، تكون الأغنية التي سأسجّلها داخل قلبي. لا يمكن أن أنتج وأؤدّي بصدق وحب وإخلاص إلا إذا كانت الأغنية تسكنني».
هي لا تقاوم قناعاتها والمبادئ الفنية التي رسمتها لنفسها. ففي عزّ فورة وسائل التواصل الاجتماعي والأغنية السريعة، اختارت منذ أشهر قليلة أن تقدّم القصيدة العربية بقالبٍ طربيّ. بدت أغنية «حلم» التي تتخطّى الـ10 دقائق، وكأنها طالعة من زمنٍ آخر: «إنها من أجمل ما قدّمت. لا أغنّي إلا ما أنا مقتنعة به ولا أنتظر مشورة أحد، وقد يكون هذا من أهم الدوافع التي جعلتني أنتج لنفسي منذ بداياتي»، تقول لطيفة. وتتابع بثقة الفنانة التي جرّبت كل الأنواع الغنائية: «إن أغني قصيدة في زمن السوشيال ميديا قرارٌ لا علاقة له بكل هذه الأرقام التي لا تعنيني. أغني ما يمليه علي ضميري وحبّي للفن. أنا أقدّم القصيدة المغنّاة والأغنية الراقصة كذلك. هذا هو الخليط الذي يشبهني ولا يشبه أحداً».
الحلم الأكبر... على مشارف التحقيق
في بال لطيفة مشاريع كثيرة، قد يكون أقربها إلى التنفيذ الألبوم المقبل مع زياد الرحباني، وهو التعاون الثاني بينهما بعد «معلومات أكيدة».
بينها وبين الرحابنة حلمُ طفلة كبرت على أعمالهم، لتجد نفسها بعد سنوات بطلة على مسرح منصور الرحباني في مسرحية «حكم الرعيان». تضع تلك التجربة في خانة الأجمل: «كنت كل ليلة قبل صعودي إلى الخشبة في المشهد الأوّل، أصلّي وأشكر ربي لأنني واقفة تلك الوقفة أحقّق أحد أحلامي... أنا التي لطالما اعتبرتُ نفسي تلميذة في مدرسة الرحابنة».
حلمٌ آخر حققته لطيفة أمام عدسة يوسف شاهين، يوم أدّت دور البطولة في فيلمه «سكوت حنصوّر». تحنّ إلى أيام المجد تلك التي بات من الصعب تكرارها: «للأسف مع كل ما يمر به العالم العربي والعالم من أزمات منذ سنوات، ومع كثافة المنصات، تَراجع الطموح لإنجاز هكذا إنتاجات ضخمة. الجميع يستسهل وهذا محزن».
الفنانة لطيفة (الشرق الأوسط)
تتمنّى لطيفة أن تكرّر تجربتَي المسرح والتلفزيون، لكنها الآن منشغلة بالإعداد لمشروعها الفنّي الأكبر على الإطلاق. ولدى استيضاحها عمّا يدور في مخيّلتها، تجيب: «أفضّل ألا أفصح عن التفاصيل حالياً، لكن يمكنني اختصار هذا المشروع بالقول إنه عبارة عن وجود مسرحي مختلف... ليس فرقة وعازفين فحسب بل هو عرض كامل متكامل، وأنا أتحضّر حالياً لهذه المرحلة الجديدة من حياتي».
بانتظار أن تتوّج لطيفة أحلامها، وفي الأيام التي لا تكون فيها منشغلة بتسجيلٍ أو تصوير أو حفلات، تمضي معظم وقتها بهدوءٍ إلى جانب إخوتها ووالدتها: «أقدّم لها طعام الفطور، أرقص وأغنّي لها... أنا لم أنجب أطفالاً لكن أمي هي ابنتي»، تقول. وتتابع: «من غير أمي ما كنت لطيفة التي يعرفها الناس. يعود لها الفضل في كل شيء... في التزامي الفنّي، وفي ولائي لوطني، وفي إرادتي القوية. علاقتي بأمي تُشعرني بالأمان».
من والدتها تستمدّ لطيفة القوّة، ومن جمهورها كذلك. هذا الجمهور المتعدّد الجنسيات العربية، الذي تصفُه بالسند الحقيقي وتخاطبه راجية أن تكون عند حسن ظنّه. تصرّ على أنه، مهما تنوّعت المشاريع والأحلام، كل ما تريد أن تحافظ عليه هو بصمتها الفنية الصادقة التي تشبه روحَها.