مثقفون يحيون ذكرى رحيل الكاتب السوداني إبراهيم دقش

كتاب عن سيرته وإطلاق جائزة سنوية باسمه

مثقفون يحيون ذكرى رحيل الكاتب السوداني إبراهيم دقش
TT

مثقفون يحيون ذكرى رحيل الكاتب السوداني إبراهيم دقش

مثقفون يحيون ذكرى رحيل الكاتب السوداني إبراهيم دقش

عن الذكريات، وسنوات الصبا والنضال والحب، يدور كتاب «د. إبراهيم دقش - اسم لا يمحوه الرحيل» الذي قامت بإعداده والتقديم له زوجته الزميلة الصحافية الدكتورة بخيتة أمين.
يقع الكتاب الصادر حديثاً عن المكتبة الوطنية للنشر بالسودان، في نحو 150 صفحة من القطع الكبير، ويضم ملحقاً به بعض الوثائق والصور للكاتب مع عائلته، وبعض الزعماء الأفارقة والشخصيات الشهيرة، التي جمعته بهم علاقة عمل وصداقات وطيدة.
ولد الراحل بمدينة عطبرة شمال السودان، ورحل عن عالمنا قبل عامين بمستشفى علياء التخصصي بأم درمان بعد صراع مع أمراض الكلى.
تحكي زوجته عن زواجهما في 6 أبريل (نيسان) 1968، وكيف شكلت مغامرة السفر إلى العاصمة البريطانية لندن نقطة انطلاقهما إلى الحياة الجديدة، واكتساب معارف أكثر اتساعاً بالبشر والثقافة واللغة، رفدها زوجها والذي تخرج في كلية الآداب قسم الفلسفة والاجتماع، بجامعة القاهرة فرع الخرطوم، بمواصلة دراسته العليا والحصول على درجتي الماجستير والدكتوراه في مجال الصحافة والتنمية بجامعة «ردنك» بإنجلترا.
ومن بين مشاق هذا الرحلة وطأة الحاجة الملحة إلى المال؛ مما اضطره إلى العمل بعدد من المهن. فقد عمل خبازاً بمركز «ودلي» لإنتاج المخبوزات، وتذكر أنه كان ماهراً في تخمير «اللقيمات»، كما عمل حمّالاً عند السكة الحديد، بين لندن وريدنق وشمالها المسكون بالمشكلات العنصرية، كما عمل مترجماً لدى مكتب الأجانب بحي كرويدون جنوبي لندن.
وتشير إلى أن الإعانة المالية التي كانت تصرف للمبعوث السوداني لبريطانيا، في ذلك الوقت، لم تكن كافية لتغطية مستلزمات الأسرة.
بعد عودته للسودان التحق في العام 1977 للعمل بمنظمة الوحدة الأفريقية بأديس أبابا، ويرجع إليه الفضل في تأسيس وكالة الأنباء الأفريقية (بانا)، وفي فضاء العمل ارتقى في عدد من المناصب المهمة بالمنظمة حتى أصبح مديراً للإعلام والمتحدث الرسمي باسم المنظمة.
اكتسب دقش خلال عمله بمنظمة الوحدة الأفريقية علاقات واسعة في الوسط العربي والأفريقي، ومن بعدها عمل مستشاراً لوكالة أنباء أفريقيا ومفوضية شؤون منظمة التجارة العالمية. وكان يكتب المقالات في العديد من الصحف السودانية واشتهر بعمود الصحافي «عابر سبيل». عن هذا التنوع في الشخصية، ورحابة الفكر يقول الكاتب السوداني صلاح الباشا في شهادة له بالكتاب «كان بروفسور دقش عاملاً مهماً في تشكيل الوجدان السوداني، عبر مقالاته الرشيقة التي بدأت منذ ستينات القرن الماضي، حين كانت الصحافة السودانية مزدهرة ومنتعشة بفضل كتابات أصحاب الرأي السديد، الذين كانوا يمثلون حركة الوعي في المجتمع». ويلفت الباشا إلى أن القراء لاحظوا أن في أعمدة تنافساً، فقد كانت تنافس بعضها بعضاً. ففي كل عمود تجد فكرة، وفي كل فكرة تجد نقداً بناءً للظواهر الاجتماعية وحلولاً لمشكلات المجتمع. لذلك؛ كانت تشكل كتابات دقش العمل المشترك في حركة الوعي عبر الحقب السياسية التي مرت بها بلادنا«.
ويخلص الباشا مؤكداً، أن دقش «كان موسوعي الثقافة، ومتعدد المواهب، تسنده في ذلك روحه الخفيفة، وتمدد علاقته الاجتماعية، كذلك نراه ينأى بنفسه عن الالتزام السياسي الصارم، وهذا ما أعطى الاستقلالية في كتاباته وآرائه».
وفي الكتاب ظللت حالة من الشجن والحزن العميق أجواء المقالات التي احتواها، وبلغت نحو 130 مادة، تنوعت ما بين المقالة المطولة نسبياً والشهادة الخاطفة، واللمحة التوثيقية لموقف أو ذكرى ما أو مشهد عابر صنعته مصادفة اللقاء.
استهل الكتاب الدكتور على محمد شمو (الخرطوم)، مشيراً إلى أن المساهمين في محتوى الكتاب يمثلون طيفاً نادراً من الناس، ويمثلون نسيجاً من أعضاء المجتمعين السوداني والعالمي اللذين كان فقيدنا منتمياً إليهما، ومؤثرَين في نشاطه.
مضيفاً، أن «فريق التحرير رأى أن تكون غالبية الكلمات قصيرة وموجزة دون إخلال بالمضمون، وأن تتناول كل المراحل والتجارب التي خاضها الراحل المقيم، في حياته الحافلة بجلائل الإعمال».
من بين هذه المراحل عالم النشأة والطفولة، وعلاقته بأسرته والديه وقريته «دقش»، مروراً بمناطق السودان المختلفة، وانتهاء بسطوع نجمه في سماء العالمية والإقليمية. إضافة إلى هذا، تركز الكثير من المقالات على خفة الدم وروح الدعابة والابتسامة وسرعة البديهة، التي اتسم بها الراحل، وتحت مظلتها شكّل ثنائية متناغمة مع زوجته الكاتبة الإعلامية والأكاديمية السودانية الدكتورة بخيتة أمين.
عن هذه الروح الشغوفة بالمحبة والتفاؤل والتسامح تدور مقالة الدكتور بابكر محمد توم (الخرطوم)، التي يخلص من خلالها، إلى ثلاث نقاط أساسية يرى أن إبراهيم دقش تفرد بها، وصارت علامة بارزة على شخصيته وخصاله السمحة، وهي: حسن الظن بالناس، روح الدعابة وخفة الروح، الكرم والسخاء. ويقول، فما يخص حسن الظن بالناس، فقد عايشته في عمله، عندما أصبح مشرفاً عاماً على «النيباد»، والآلية الأفريقية، لمراجعة النظراء. كان يعامل كل مرؤوسيه بودٍ وكسب ثقة، وعدم التفرقة في المعاملة، فكان حب الناس له والعمل معه بأريحية وتفانٍ. وبتقدير واحترام، وحرص على أداء الواجب، لم يعنّف عاملاً معه من أدنى سلم الوظيفة إلى أعلاها، ولم يحتد طيلة فترة عمله مع عامل... كان مجتمع العمل خالياً من كل ما ينكّد صفو العالمين، وكان يثق في مرؤوسيه، وتقديم مبدأ حسن الظن بهم، فكانوا جميعا سعداً بالعمل في رفقته.
وعن خفة الدم، يقول بابكر «المرح والدعابة التي تميز بها دقش لا تحتاج مني إلى بيان، فكل من كان يعرفه يشهد له بخفة الدم والابتسامة الملازمة لشخصه، وكأنك لا تراه إلا مبتسماً، فهو لا يلقى أحداً إلا استقبله بفكاهة خفيفة، أو ابتسامة واسعة أو نكتة، أو ذِكر موقف جميل التقاه من قبل. أما عن الكرم والجود، فقد شاهدت مرارات ومرات يقصده أصحاب الحاجات من المعارف، ويعطيهم بلا منٍّ ولا أذى».
أما الجائزة التي أطلقت باسمه فستمنح لمن يقدم إنتاجاً جيداً عن القضايا السودانية والأفريقية. وذلك في احتفال سنوي يقام في 22 من يونيو (حزيران)، وهو اليوم الذي رحل فيه الدكتور إبراهيم دقش.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

الذكاء الاصطناعي يعزز فرص الحمل

الذكاء الاصطناعي يسهم في تحسين نتائج التلقيح الصناعي (جامعة إمبريال كوليدج لندن)
الذكاء الاصطناعي يسهم في تحسين نتائج التلقيح الصناعي (جامعة إمبريال كوليدج لندن)
TT

الذكاء الاصطناعي يعزز فرص الحمل

الذكاء الاصطناعي يسهم في تحسين نتائج التلقيح الصناعي (جامعة إمبريال كوليدج لندن)
الذكاء الاصطناعي يسهم في تحسين نتائج التلقيح الصناعي (جامعة إمبريال كوليدج لندن)

توصلت دراسة من جامعة إمبريال كوليدج لندن في بريطانيا إلى أن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي يمكن أن يعزز فرص الحمل لدى السيدات الخاضعات للتلقيح الصناعي.

وأوضح الباحثون أن هذه النتائج تسلط الضوء على إمكانات الذكاء الاصطناعي في تحسين نتائج العلاج وتقديم رعاية أكثر دقة للمريضات، ونُشرت النتائج، الأربعاء، في دورية (Nature Communications).

ويذكر أن التلقيح الصناعي إجراء طبي يساعد الأزواج الذين يعانون من مشاكل في الإنجاب على تحقيق الحمل. وفي هذا الإجراء، يتم استخراج البويضات من المبايض لدى السيدات بعد تحفيزها بواسطة أدوية هرمونية، ثم يتم تخصيبها بالحيوانات المنوية للرجال في المختبر. وبعد التخصيب، يتم مراقبة نمو الأجنة في المختبر، ثم يتم اختيار أفضل الأجنة لنقلها إلى رحم المرأة في أمل حدوث الحمل.

وتمر العملية بخطوات أولها تحفيز المبايض باستخدام أدوية هرمونية لزيادة إنتاج البويضات، ثم مراقبة نمو الحويصلات التي تحتوي على البويضات عبر جهاز الموجات فوق الصوتية. وعند نضوج البويضات، تُجمع بواسطة إبرة دقيقة وتُخصّب في المختبر. وبعد بضعة أيام، تنُقل الأجنة المتطورة إلى الرحم لتحقيق الحمل.

ويُعد توقيت إعطاء حقنة الهرمون أمراً حاسماً في نجاح العملية، حيث يستخدم الأطباء فحوصات الموجات فوق الصوتية لقياس حجم الحويصلات، لكن تحديد التوقيت المناسب يعد تحدياً.

وفي هذه الدراسة، استخدم الباحثون تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل بيانات أكثر من 19 ألف سيدة خضعن للعلاج. ووجدوا أن إعطاء حقنة الهرمون عندما يتراوح حجم الحويصلات بين 13 و18 ملم كان مرتبطاً بزيادة عدد البويضات الناضجة المسترجعة، مما أدى إلى تحسن ملحوظ في معدلات الحمل.

وبينما يعتمد الأطباء حالياً على قياس الحويصلات الأكبر فقط (أكثر من 17-18 ملم) لتحديد توقيت الحقن، أظهرت الدراسة أن الحويصلات المتوسطة الحجم قد تكون أكثر ارتباطاً بتحقيق نتائج إيجابية في العلاج.

كما أظهرت النتائج أن تحفيز المبايض لفترات طويلة قد يؤدي لارتفاع مستويات هرمون البروجستيرون، مما يؤثر سلباً على نمو بطانة الرحم ويقلل من فرص نجاح الحمل.

وأشار الفريق إلى أن استخدام الذكاء الاصطناعي يمكن أن يتيح للأطباء اتخاذ قرارات أكثر دقة في توقيت هذا الإجراء، مع الأخذ في الاعتبار أحجام الحويصلات المختلفة، وهو ما يتجاوز الطرق التقليدية التي تعتمد فقط على قياس الحويصلات الكبرى.

وأعرب الباحثون عن أهمية هذه النتائج في تحسين فعالية التلقيح الصناعي وزيادة نسب النجاح، مشيرين إلى أن هذه التقنية تقدم أداة قوية لدعم الأطباء في تخصيص العلاج وفقاً لاحتياجات كل مريضة بشكل فردي.

كما يخطط الفريق لتطوير أداة ذكاء اصطناعي يمكنها التفاعل مع الأطباء لتقديم توصيات دقيقة خلال مراحل العلاج؛ ما سيمكنهم من تحسين فرص نجاح العلاج وتحقيق نتائج أفضل.