بينما بدأت الترتيبات الخاصة بالزيارة المرتقبة قبل نهاية هذا العام من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الجزائر، طُرحت تساؤلات حول مدى استعداد الجزائريين لإظهار «ليونة» في التعاطي مع «قضية الذاكرة وآلام الاستعمار»، بعد صدور تصريحات في هذا الاتجاه من المؤرخ الفرنسي الشهير بنجامان ستورا الذي يعمل على هذا الملف بتكليف من «قصر الإليزيه».
هل يمكن للجزائر أن تقيم علاقة كاملة مع فرنسا من دون شرط الاعتذار من جرائم الاستعمار؟ يثير هذا السؤال انشغال قطاع من الجزائريين والفرنسيين المهتمين بـ«مسألة الذاكرة»، على أثر ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية عن المختص في شؤون التاريخ ستورا الذي تباحث، الاثنين الماضي، مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون حول القضية. فقد ذكر أن تبون «عرض القيام بعمل على الذاكرة» المشتركة طوال فترة الاستعمار الفرنسي للجزائر الذي استمر 132 سنة (1830 - 1962).
وأكد ستورا، الذي ولد في أسرة يهودية بقسنطينة شرق الجزائر، أن «هذه أول مرة تجري خلالها مناقشة المسائل الجوهرية» المتعلقة بالذاكرة من الجانب الجزائري منذ صدور تقرير للمؤرخ مطلع 2021 يحمل رؤية باريس لمعالجة «قضية الذاكرة المشتركة مع الجزائر». وأضاف ستورا: «أعتقد أن هناك إرادة في إحياء؛ لا أدري إن كانت هذه الكلمة المناسبة، وإنما في مواصلة حوار». وتحدث عن «تغيير في النبرة» بين البلدين، مبرزا أن تبون شرح له «الأهمية الكبرى للعمل على ذاكرة كامل مرحلة الاستعمار»، وليس الاقتصار على حرب الجزائر وحدها (1954 - 1962)، وهو ما يؤيده المؤرخ، حسب تصريحاته.
وأفاد ستورا بأن «حرب احتلال الجزائر كانت طويلة جداً ودموية جداً (...) وترافقت مع تجريد من الأملاك والهوية؛ إذ حين كان الناس يخسرون أراضيهم، كانوا يخسرون أسماءهم، ومع إقامة مستوطنة، بوصول عدد الأوروبيين في نهاية المطاف إلى مليون مقابل تعداد سكاني قدره 9 ملايين نسمة، وكلها صدمات لا تزال تبعاتها ماثلة إلى اليوم في نظرة كل من الشعبين إلى الآخر». وهي برأيه «تفسر صعوبة العلاقات الفرنسية - الجزائرية»، مشيراً إلى أن «الناس لا يعرفون ما الذي جرى. إنها مشكلة الانتقال إلى الأجيال الشابة والعمل المشترك».
ولفت ستورا إلى أنه «تم التركيز بشكل أساسي في الجزائر على (حرب التحرير الوطني). حصل استقطاب شديد سواء في فرنسا وفي الجزائر حول حقبة الحرب حصراً، بل حتى نهاية الحرب، بين 1960 و1962».
وترافق هذا التركيز، حسب تصريحاته، مع مواجهات بين مجموعات ذاكرة مختلفة حول المجازر، وفرار المستوطنين الأوروبيين الذين يطلق عليهم اسم «الأقدام السوداء»، والصراعات على السلطة داخل الحركة القومية الجزائرية. وقال: «انصب اهتمامنا جميعاً على تاريخ 1962، من توقيع (اتفاقات إفيان) في مارس (آذار) إلى استقلال الجزائر في 5 يوليو (تموز)». لكنه عدّ أنه «لا يمكن أن نبقى أسرى تاريخ واحد هو 1962. علينا توسيع حقل أبحاثنا».
والتقى ستورا مع تبون في إطار احتفال الجزائر بستينية استقلالها. ويفهم كلامه عن «تغير في النبرة»، حسب قراءات محللين، بأن الجزائر قد تغير من مقاربتها حيال العلاقة مع فرنسا، بعدم التشدد في مسألة «إعلان الاعتراف بأن الاستعمار كان جريمة ضد الإنسانية»، وبضرورة أن تقدم فرنسا الاعتذار منها. وعندما يزور ماكرون الجزائر قد تتضح الرؤية أكثر حول هذه القضية، التي حالت منذ عشرات السنين دون إقامة شراكة سياسية وعلاقات اقتصادية كاملة بين البلدين.
وكانت الرئاسة الفرنسية استبعدت تقديم الاعتذار أو التعبير عن «التوبة» بخصوص ماضيها الاستعماري في الجزائر، لما أعلنت في 20 يناير (كانون الثاني) 2021 أنها تسلمت تقريراً من ستورا، كان طلبه ماكرون، بهدف إخراج العلاقة بين البلدين من الشلل الذي تسببه قضايا الذاكرة العالقة.
جدل حول مدى استعداد الجزائر للتعاطي بـ«ليونة» مع «جراح الذاكرة»
مؤرخ فرنسي تحدث عن «عرض» قدمه تبون حول القضية
جدل حول مدى استعداد الجزائر للتعاطي بـ«ليونة» مع «جراح الذاكرة»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة