الجزائر تبحث عن دوافع اعتداء مسلح على رعاياها شمال مالي

تحقيقات أمنية لا تستبعد الأهداف السياسية وراء العملية

TT

الجزائر تبحث عن دوافع اعتداء مسلح على رعاياها شمال مالي

تتحرك الأجهزة الأمنية الجزائرية، بشكل مكثَّف، في شمال مالي الحدودي للتعرف على الجهة التي اعتدت على سائقي شاحنات جزائريين بمدينة غاوو، أثناء نقلهم بضائع إلى المنطقة. وبحسب مصادر أمنية، تحوم الشكوك حول مجموعة مسلحين من بقايا «تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي»، وبدرجة أقل على عصابات التهريب. كما أن هناك شكوكاً في وجود غرض سياسي وراء العملية، لعرقلة جهود الجزائر للبحث عن أسواق أفريقية لمنتجاتها.
وأكدت وزارة الخارجية الجزائرية في بيان، أن هجوماً وقع صباح الجمعة بمدينة غاوو بمالي، استهدف معسكراً يستخدمه سائقو شاحنات جزائريين للراحة، مبرزة أن أفراد الجماعة المسلحة طلبوا مالاً، وبعد فشلهم في الحصول عليه، استخدموا أسلحة حربية من نوع كلاشينكوف، حسب البيان الذي نقل هذه المعلومات عن ضحايا الهجوم.
وأفادت الخارجية، بأن عدد المعتدين أربعة وكانوا يركبون دراجات نارية، وقد أصاب إطلاق النار ثلاثة سائقين تم نقلهم إلى مستشفى غاوو حيث تم التكفل بهم. وغادر أحد سائقي الشاحنات المصابين المستشفى، فيما لا يزال آخران تحت العناية الطبية، حسب البيان.
وأضاف البيان، أن «معلومات تفيد بأن حالتهم ليست في خطر»، مشيراً إلى أنه «لم يتم تبني هذا العمل الإجرامي، الذي ينسبه سكان من هذه المدينة إلى العصابات الإجرامية التي تنشط في هذه المنطقة من مالي». وتابع أن قافلة التجارة تتكون من سبع شاحنات وسبعة سائقين، وظفتهم شركة جزائرية في أنشطة نقل البضائع بين البلدين»، وأشار إلى أن السفارة الجزائرية في باماكو، عاصمة مالي، «تتابع عن كثب أوضاع هؤلاء الرعايا».
وبعد ساعات قليلة من الاعتداء المسلح، أطلقت الأجهزة الأمنية الجزائرية، التي تملك موطئ قدم في شمال مالي الحدودي، تحريات لتحديد هوية الأشخاص الذين نفذوا الهجوم. وذكرت مصادر أمنية متابعة للقضية، أن الجهات الأمنية ترجح فرضيتين أساسيتين لتفسير ما حدث. الأولى أن يكون عناصر من «تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي»، أو إحدى الفصائل التابعة له بمنطقة الساحل، وراء العملية. والهدف في هذه الحالة، حسب ذات المصادر، تحذير الجزائر من دعمها السياسي والأمني للحكومة المالية في حربها على نشاط المتشددين.
أما الفرضية الثانية، فتحيل إلى عصابات تهريب السلع والمواد الممنوعة التي دأبت على سلب التجار أموالهم ونهب بضائعهم في المسالك الصحراوية. كما يوجد احتمال، حسب نفس المصادر الأمنية، أن يكون الهدف ذا طابع سياسي، لإثناء الجزائر عن خطتها الاقتصادية الحديثة، في البحث عن أسواق لها في منطقة الساحل، وخصوصاً في مالي والنيجر.
يشار إلى أن قنصلية الجزائر في غاوو، تعرضت عام 2012 لاعتداء من طرف «جماعة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا» (فرع من تنظيم القاعدة)، وخطفت الدبلوماسيين العاملين بها، منهم القنصل بوعلام سياس الذي توفي متأثراً بمرضه، أثناء فترة الاحتجاز، في حين قتل الإرهابيون دبلوماسياً. وبعد مفاوضات طويلة، أفرج المعتدون عن بقية المحتجزين الخمسة.
وفي 2013 شنت القوات الفرنسية عمليات عسكرية على مواقع الجهاديين في مالي. وعلى أرضه، شكلت قوة عسكرية قوامها آلاف الجنود، لتتبع أثر الإرهابيين. وكان من نتائجها مقتل زعيم «القاعدة ببلاد المغرب» الجزائري عبد المالك دروكدال، المدعو «أبو مصعب»، في يونيو (حزيران) 2020 خلال عملية استخباراتية.
لكن تدهورت العلاقة بين باماكو وباريس منذ أشهر، ما أدى إلى انسحاب القوات الفرنسية. وتظل الجزائر الحليف العسكري الأهم لمالي في المنطقة، خصوصاً ما يتعلق بمكافحة الإرهاب.
وتقود الجزائر جهود وساطة دولية لحل الأزمة السياسية، بين الحكومة وفصائل المعارضة المسلحة في شمال البلاد، منذ بداية تسعينات القرن الماضي. وفي 15 يونيو 2015، وقع الطرفان على «اتفاق سلام» بالجزائر، ولاحقاً تم إطلاق «لجنة» تسهر على تنفيذ الاتفاق، يرأسها السفير الجزائري بمالي.


مقالات ذات صلة

الجزائر تحشد إمكانات كبيرة لتجنب عودة حرائق الغابات

شمال افريقيا الجزائر تحشد إمكانات كبيرة لتجنب عودة حرائق الغابات

الجزائر تحشد إمكانات كبيرة لتجنب عودة حرائق الغابات

أكد وزيران جزائريان استعداد سلطات البلاد لتجنب سيناريو موسم الحرائق القاتل، الذي وقع خلال العامين الماضيين، وسبّب مقتل عشرات الأشخاص. وقال وزير الفلاحة والتنمية الريفية الجزائري، عبد الحفيظ هني، في ندوة استضافتها وزارته مساء أمس، إن سلطات البلاد أعدت المئات من أبراج المراقبة والفرق المتنقلة، إضافة لمعدات لوجيستية من أجل دعم أعمال مكافحة الحرائق، موضحاً أنه «سيكون هناك أكثر من 387 برج مراقبة، و544 فرقة متنقلة، و42 شاحنة صهريج للتزود بالمياه، و3523 نقطة للتزود بالمياه، و784 ورشة عمل بتعداد 8294 عوناً قابلاً للتجنيد في حالة الضرورة القصوى».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

بحثت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش مع نظيرها الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها اليوم الخميس إلى الجزائر، في فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الاشخاص، بعد سنوات طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والامنية في ليبيا.

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا الجزائر: التماس بسجن وزير سابق 12 سنة مع التنفيذ

الجزائر: التماس بسجن وزير سابق 12 سنة مع التنفيذ

التمست النيابة بمحكمة بالجزائر العاصمة، أمس، السجن 12 سنة مع التنفيذ بحق وزير الموارد المائية السابق، أرزقي براقي بتهمة الفساد. وفي غضون ذلك، أعلن محامو الصحافي إحسان القاضي عن تنظيم محاكمته في الاستئناف في 21 من الشهر الحالي، علماً بأن القضاء سبق أن أدانه ابتدائياً بالسجن خمس سنوات، 3 منها نافذة، بتهمة «تلقي تمويل أجنبي» لمؤسسته الإعلامية. وانتهت أمس مرافعات المحامين والنيابة في قضية الوزير السابق براقي بوضع القضية في المداولة، في انتظار إصدار الحكم الأسبوع المقبل.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا رئيس الشورى السعودي يدعو من الجزائر لتوسيع الاستثمار ومصادر الدخل

رئيس الشورى السعودي يدعو من الجزائر لتوسيع الاستثمار ومصادر الدخل

استقبل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في مقر القصر الرئاسي بالجزائر، الثلاثاء، الدكتور عبد الله آل الشيخ، رئيس مجلس الشورى السعودي الذي يقوم بزيارة رسمية؛ تلبية للدعوة التي تلقاها من رئيس مجلس الأمة الجزائري. وشدد آل الشيخ على «تبادل الخبرات لتحقيق المصالح التي تخدم العمل البرلماني، والوصول إلى التكامل بين البلدين اللذين يسيران على النهج نفسه من أجل التخلص من التبعية للمحروقات، وتوسيع مجالات الاستثمار ومصادر الدخل»، وفق بيان لـ«المجلس الشعبي الوطني» الجزائري (الغرفة البرلمانية). ووفق البيان، أجرى رئيس المجلس إبراهيم بوغالي محادثات مع آل الشيخ، تناولت «واقع وآفاق العلاقات الثنائية الأخوية، واس

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الجزائر: السجن بين 10 و15 سنة لوجهاء نظام بوتفليقة

الجزائر: السجن بين 10 و15 سنة لوجهاء نظام بوتفليقة

قضت محكمة الاستئناف بالعاصمة الجزائرية، أمس، بسجن سعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس الراحل، 12 سنة مع التنفيذ، فيما تراوحت الأحكام بحق مجموعة رجال الأعمال المقربين منه ما بين ثماني سنوات و15 سنة مع التنفيذ، والبراءة لمدير بنك حكومي وبرلماني، وذلك على أساس متابعات بتهم فساد. وأُسدل القضاء الستار عن واحدة من أكبر المحاكمات ضد وجهاء النظام في عهد بوتفليقة (1999 - 2019)، والتي دامت أسبوعين، سادها التوتر في أغلب الأحيان، وتشدد من جانب قاضي الجلسة وممثل النيابة في استجواب المتهمين، الذي بلغ عددهم 70 شخصاً، أكثرهم كانوا موظفين في أجهزة الدولة في مجال الاستثمار والصفقات العمومية، الذين أشارت التحقيقات إلى تو

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

تراكم أحداث وصدامات أدى إلى القطيعة بين الجزائر وفرنسا

من لقاء سابق بين الرئيسين الفرنسي والجزائري (الرئاسة الفرنسية)
من لقاء سابق بين الرئيسين الفرنسي والجزائري (الرئاسة الفرنسية)
TT

تراكم أحداث وصدامات أدى إلى القطيعة بين الجزائر وفرنسا

من لقاء سابق بين الرئيسين الفرنسي والجزائري (الرئاسة الفرنسية)
من لقاء سابق بين الرئيسين الفرنسي والجزائري (الرئاسة الفرنسية)

في وقت سابق، كانت العلاقات بين الجزائر وفرنسا تجد من يأخذ بها إلى مخرج من المطبات التي تقع فيها بأقل الأضرار... أما منذ بداية العام، فلا يبدو أن هناك استعداداً لدى الطيف السياسي الحاكم في البلدين، للبحث عن أي صيغة لوقف الأزمة بينهما، وهي تكبر مثل كرة ثلج تتدحرج في منحدر شديد الانخفاض.

كتب صحافي جزائري مقيم بفرنسا: «لم تصل العلاقات بين باريس والجزائر إلى حافة القطيعة كما هي الآن. لقد غطيت الجزائر، وما زلت، تحت 6 رؤساء: جاك شيراك ونيكولا ساركوزي وفرنسوا هولاند وإيمانويل ماكرون، و(الراحل) عبد العزيز بوتفليقة وعبد المجيد تبون، وعرفت العديد من السفراء من كلا الجانبين، ولم أرَ قَطّ تصعيداً من هذا النوع. لقد تم قطع جميع الروابط، ولا يبدو لي أن هناك في أي من الجانبين، سبلاً حكيمة للعمل على التهدئة».

وزير خارجية فرنسا (حسابه بالإعلام الاجتماعي)

وثبت من خلال رد وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، الأحد، على اتهامات جزائرية لمخابرات بلاده بـ«محاولة ضرب استقرارها»، أن الحوار منعدم بين البلدين المتوسطيين الكبيرين؛ إذ قال في مقابلة مع إذاعة «فرنسا أنتر»، إن الاتهامات «لا أساس لها من الصحة وخيالية»، مؤكداً ما نشرته صحف جزائرية بأن الخارجية الجزائرية استدعت السفير الفرنسي في الجزائر ستيفان روماتيه، للاحتجاج ضد «ممارسات الأمن الخارجي الفرنسي». وأضاف: «أنا أؤكد هذا الاستدعاء وأعبر عن أسفي له... لقد اتصلت بسفيرنا عبر الهاتف لأؤكد له دعمنا».

وتابع بارو: «في ما يتعلق بعلاقتنا مع الجزائر، قلنا، بل كتبنا حتى في عام 2022، إن الرئيس تبون والرئيس ماكرون وضعا خريطة طريق لتمتين العلاقة بين بلدينا في المستقبل، ونحن نأمل أن تستمر هذه العلاقة، فهذا في مصلحة كل من فرنسا والجزائر»، في إشارة إلى زيارة قادت ماكرون إلى الجزائر في أغسطس (آب) 2022، وتتويجها بـ«وثيقة شراكة متجددة». يومها، قال مراقبون إن العلاقات «في أفضل حالاتها»، خصوصاً أن ماكرون كان قد دان «الجريمة الاستعمارية في الجزائر»، عندما زارها في 2017 وهو مرشح للرئاسة.

الرئيس الفرنسي أمام «مقام الشهيد» في العاصمة الفرنسية عام 2022 (رويترز)

وأعلنت عدة وسائل إعلام جزائرية، بما في ذلك الصحيفة الحكومية «المجاهد»، الأحد، أن وزارة الشؤون الخارجية أبلغت السفير روماتيه «رفض السلطات العليا في الجزائر للعديد من الاستفزازات والأعمال العدائية الفرنسية تجاه الجزائر»، مبرزة أن غضب السلطات «ناتج عن الكشف عن تورط أجهزة المخابرات الفرنسية في حملة تجنيد إرهابيين سابقين في الجزائر بهدف زعزعة استقرار البلاد». كما قالت إن الجزائر «تأخذ على باريس احتضانها التنظيمين الإرهابيين: حركة الحكم الذاتي في القبائل، وجماعة رشاد الإسلامية». غير أن هذه الاتهامات غير المعتادة في خطورتها، سبقتها أحداث ومواقف وتصريحات شكلت تراكماً مستمراً حتى وصلت العلاقات بين البلدين إلى القطيعة، آخرها كان احتجاج السلطات الفرنسية على اعتقال الكاتب بوعلام صنصال ومطالبتها الجزائر بـ«الإفراج عنه فوراً». هذا الخطاب رأى فيه الجزائريون «وصاية يريد مستعمر الأمس أن يفرضها علينا».

وقبل «حادثة صنصال»، سحبت الجزائر سفيرها من باريس بعد أن وجّه ماكرون خطاباً إلى تبون نهاية يوليو (تموز) الماضي، يعلمه فيه أنه قرر الاعتراف بخطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء. وعدّت الجزائر ذلك «تفاهماً بين القوى الاستعمارية القديمة والحديثة». وكان هذا «الصدام» كافياً، من جانب الجزائر، لإلغاء زيارة لرئيسها إلى باريس، اتفق الجانبان على إجرائها في خريف هذا العام.

الروائي المسجون بوعلام صنصال (متداولة)

ومنذ بداية 2024 توالت أحداث مهّدت للقطيعة الحالية، كان أقواها سياسياً هجمات مكثفة لليمين الفرنسي التقليدي والمتطرف على «اتفاق 1968» الذي يسيّر الهجرة والإقامة و«لمّ الشمل العائلي» والدراسة والتجارة في فرنسا، بالنسبة للجزائريين. وفي تقدير الجزائر، فقد «بقي ماكرون متفرجاً أمام هذه الهجمات». ومما زاد الطينة بلّة، رفض الحكومة الفرنسية تسليم الجزائر برنس وسيف الأمير عبد القادر، رمز المقاومات الشعبية ضد الاستعمار في القرن الـ19، والذي عاش أسيراً في قصر بوسط فرنسا بين 1848و1852.

أمّا الفرنسيون، فيرون أن ماكرون خطا خطوات إيجابية في اتجاه الاعتراف بالجريمة الاستعمارية، لكنها لم تلقَ التقدير اللازم من جانب الجزائريين، أبرزها الإقرار بتعذيب وقتل عدد من المناضلين على أيدي الشرطة والجيش الاستعماريين، في حين كانت الرواية الرسمية تقول إنهم «انتحروا»، وهو ما زاد من حدّة التباعد بين الطرفين.