عرض مسرحي في بغداد يثير الجمهور ويبتعد عن المألوف

«سجادة حمراء» مزج الفن التشكيلي والمسرحي والسينمائي والموسيقي

إحدى لوحات العمل الفني  -  الموسيقى صاحبت العرض
إحدى لوحات العمل الفني - الموسيقى صاحبت العرض
TT

عرض مسرحي في بغداد يثير الجمهور ويبتعد عن المألوف

إحدى لوحات العمل الفني  -  الموسيقى صاحبت العرض
إحدى لوحات العمل الفني - الموسيقى صاحبت العرض

تجربة فنية جديدة وغريبة أقدم عليها مخرج عراقي، زاوجت بين الفن التشكيلي والمسرحي والسينمائي والموسيقى في عرض واحد اختلف عن كل العروض التي سبقته وأثار انتباه الجمهور الذي وصف العرض بالمثير وغير المألوف. العرض يعطي الحرية للمتلقي باختيار وقت المشاهدة واختيار المشهد الذي يريده.
التجربة التي أقدم عليها المخرج والسينوغرافي جبار جودي حملت اسم «سجادة حمراء» وتضمنت 11 لوحة فنية على مدى ساعتين، اختار لها إحدى قاعات المتحف الوطني للفن الحديث (كوبلنيكان)، وتقع في قلب العاصمة العراقية بغداد، وقد احتفلت قبل أيام بإعادة افتتاحها من جديد بعد إكمال أعمال تأهيلها.
يقول الفنان جبار جودي في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «حاولت في العمل كسر جمود اللوحات الفنية الصامتة على الجدران، والاستعاضة عنها بعرض يزاوج بين كل الفنون مع وسائل الميديا في خطوة لاستثمار الفكرة الفلسفية والتحليق بها في فضاءات مغايرة من طرق التقديم الفني حيث من الممكن أن يتبنى هذا المشروع الجمالي الحداثوي الذي ساد الفنون في العالم على مستوى الفكر وعلى المستوى التقني، لمغايرة المألوف وكسر البنى التقليدية لأعراف العرض المسرحي التقليدي في محاولة للخروج إلى فضاءات الإبداع وإثارة الدهشة الممكنة عن طريق توليد مشاهد عرض مسرحية (أحد عشر مشهدًا) يكون سياق تقديمها فضاء المعارض التشكيلية باستثمار المكان والشكل».
العمل يشابه الكولاج في كسره بين الفنون، وهو يبتعد عن نمط التلقي المتعارف عليه في المشاهدة المسرحية أو مشاهدة المعارض التشكيلية حيث يسهم حضور المتفرج بصناعة أكثر من مشهد، أي إن المشهد لا يكون مكتملا إلا بوجود المتلقي فيه ليكون هو نفسه موضوعة الحدث في صياغة المشهد.
ولفت جودي إلى أنه بانتظار تقييم النقاد والفنانين والجمهور لعمله الذي ينتمي للمسرح التجريبي الحديث.
العمل أسهم به مجموعة من الفنانين الشباب وهم غسان إسماعيل، وأحمد مونيكا وياس خضير وتحرير الأسدي وعلاء قحطان وحيدر سعد وضرغام البياتي وآخرون.. مع مجموعة من طلبة معهد الفنون الجميلة.
يقول الدكتور شفيق المهدي مدير عام دائرة الفنون التشكيلية، خلال حضوره العرض المسرحي الذي افتتح مساء في بغداد: «جميل أن يمتزج المسرح والتشكيل والسينما بمعرض واحد، وجميل أن تحتضن قاعة كولبنكيان هذا المنجز المهم، بعد غياب دام طويلا، وبجهود الفنانين بجميع اشتغالاتهم الثقافية الفنية ستعود القاعة كما كانت من قبل تتنفس هواء الفن النقي، كما ستحتضن المعارض التشكيلية والنشاطات الأخرى عن قريب وليس لفناني بغداد فحسب، بل تحتضن أعمال فناني كل محافظات عراقنا الحبيب». وأضاف: «أراد الفنان هنا أن يغير من المتعارف عليه وتحريك اللوحات الساكنة على الجدران عبر عرض متحرك حيوي ومتفاعل، باستثمار الأفكار الفلسفية والتحليق بها إلى فضاءات أوسع».
بينما كتب الدكتور رياض موسى سكران قائلا: معرض جبار جودي بئر ثرية تمد مريديها كلما ظمأوا وأقبلوا على النهل من منهلهم، وأن متعة البحث عن المعنى تنمو شيئا فشيئا، فهي تنتج قراءات متعددة ومعاني لا تنضب ولا تنتهي، بل تتوارد باستمرار، وربما لن يكشف المتلقي أن لعبة العرض هي التي أغوته، وأن دهاء السينوغراف هو الذي أسقطه في حبائله، وسيبقى الاحتفاء بهذا المعرض مائلا لزمن طويل، ومتعة القراءة ستترك أريج فعلها نافذا في مفازات الذاكرة.
عن القيمة الفنية للعرض يقول الناقد التشكيلي الفنان قاسم العزاوي خلال حضوره العرض: سجادة حمراء زاوجت بين المسرح والتشكيل والسينما والموسيقى أيضا، واعتمدت على المتلقي أن يكتشف ماهية العمل من خلال تراكم خبراته ومعرفياته، أي بمعنى ترك الحرية للمتلقي لتحقيق عدة قراءات وتأويلات لهذا النوع من الفنون الذي ينتمي للمسرح التجريبي الحديث.
وأضاف: هكذا عروض موجودة في مزاوجتها للفنون وقد اعتمد معد العمل على السينوغرافيا وعلى لغة الجسد أيضا لإيصال فكرته للمتلقي، التي ركزت على البحث عن المكنونات الداخلية واستنهاض الخزين المعرفي للمتلقي. أما عن موضوعة اللوحات فقال تناولت أفكار عدة من بينها خطاب «داعش» التحريضي والتكفيري، وكذلك دور الإعلام في صياغة المشهد السياسي والاجتماعي للبلاد، عبر لوحة جسدت بائع الصحف وهو يسترخي على صحفه التي بدت كأريكة فيما يمارس هوايته بالتلاعب بالصحيفة وكأنه يقول إن الإعلام المقروء تستطيع أن توظفه حسب الحدث الذي تريده في إشارة إلى دور الإعلام في خلق مناخات جديدة في العراق وله دور في حياة الناس. وهناك لوحة كتب في مقدمتها تعرف على نفسك تحاول أن تسحب المشاهد للتعرف على ملامح وجهه بصورة دقيقة كما لم يراها من قبل.
الفنان جبار جودي من مواليد 1967 في المشخاب، حاصل على شهادة الماجستير في التقنيات المسرحية 2009 ويدرس دكتوراه فلسفة في التقنيات. له: فوفي وفافي وسيد المنزل 2005 ومحنة 2002 والأغنية الأخيرة 2004 وحصان الدم 2007 وأخيرا سجادة حمراء 2015. وهو مؤسس قسم التقنيات الفنية عام 2007 بدائرة السينما والمسرح وله الكثير من التصاميم السينوغرافية.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».