حسن عبد الله يعود إلى كنف «الدردارة»

الشاعر الذي حوّل برْكة ماء صغيرة إلى أسطورة

حسن عبد الله
حسن عبد الله
TT

حسن عبد الله يعود إلى كنف «الدردارة»

حسن عبد الله
حسن عبد الله

ليس حسن عبد الله مجرد تفصيل عابر في الحياة الثقافية اللبنانية، لكي أستحضر للحديث عنه، ما تيسر العثور عليه من متوفر القول ومفردات الرثاء العادي، بل هو الشاعر الاستثنائي الذي أضاف إلى فرادة موهبته، فرادة مماثلة في التواضع والنزاهة والحضور المحبب. وأنا على يقين تام من أن الشطر القليل من العمر الذي تبقى لنا، نحن أصدقاءه وأترابه ومجايليه، بعد غيابه، لن يكون أبداً مماثلاً لما عشناه، في ظل حضوره الوارف وروحه المرحة ولغته الآسرة. صحيح أن رحلة حسن مع المرض كانت طويلة وشاقة، وقد اضطر إلى العيش بثلث رئتيه، بعد أن فتك السرطان بالثلثين الآخرين، وأن الحياة التي أحبها حتى الثمالة باتت عبئه الثقيل لا متعته الكبرى، ولكن من يعرفونه عن قرب، لم يكونوا ليتصوروا أبداً حياتهم من دونه، أو يركنوا إلى كرة أرضية خالية من مروره الخفيف على أديمها المثقل بالمتاعب.
أتذكر الآن وأنا أعود خمسين عاماً إلى الوراء، الطريقة الطريفة والمشوقة التي زفّ لنا الشاعر محمد العبد الله بواسطتها، نحن الشبان القادمين من قرى الجنوب ودساكره للالتحاق بكلية التربية، نبأ وصول قريبه وصديقه حسن إلى بيروت، لإحياء أمسيته الشعرية الأولى في أحد منتدياتها الثقافية. قال محمد يومها، إن قريبه ليس شاعراً متمكناً من أدواته فحسب، بل هو شخص لمّاح وبالغ الذكاء، ليضيف بابتسامة ماكرة بأن لديه سحره الفريد في علاقته مع النساء، وأننا محظوظون تماماً لأن قدومه إلى بيروت سيقتصر على أيام معدودة، يعود بعدها إلى صيدا، التي وفد إليها من بلدته الخيام، ليعمل مدرساً في ثانويتها الرسمية.
«أنّى رحلتَ فسوف تتبعك الخيام»، هتف حسن عبد الله بالطفل الذي كانه، في نهاية أمسيته الرائعة التي فاجأ بها الحضور، موهبة وطرافة وبراعة في الإلقاء. وكان علينا أن ننتظر بعدها سنوات عدة، لكي يُكمل حسن زحفه البطيء و«المدروس» باتجاه بيروت، التي لن يغادرها بعد ذلك إلا على متن سيارة الإسعاف التي أقلته في رحلة العودة الأخيرة إلى الخيام.
كان حسن يشِيع أينما حلّ عدوى حضوره المحبب في المكان، في حين تثير تعليقاته الطريفة واللماحة عاصفة لا تهدأ من قهقهات الدهشة والاستحسان. ورغم قِصر قامته، وخلو رأسه الكامل من الشَّعر وعدم إفراطه في التأنق، فقد كانت لديه نجوميته اللافتة التي لم تكن وليدة الاحتفاء النرجسي بالذات، كما هو حال الكثير من المثقفين، بل كان ما يحمله من خصال، هو النعمة الخاصة التي امتلكها بالفطرة، والتي كانت تبعده دائماً عن الغرور والأبهة الاستعراضية والثمل بالنفس.
والحديث عن حسن عبد الله لا يستقيم بأي حال دون الحديث عن عينيه الواسعتين على جحوظ قليل، وعن نظراته الثاقبة التي تُظهره بمظهر الصياد المتربص بطرائده وغنائمه المقبلة. ولعل تفرسه الطويل في الأشياء، هو الذي كان يُشعرنا أحياناً بأن شخصاً مثله، نفّاذاً وواسع الحيلة، يمكن اختزاله في عينيه، وحمْله بالتالي على محمل الصقور. فهو رغم كونه قصير القامة و«قليل الجسد»؛ فقد كان يمتلك، كما يحدث في الأحلام، قدرة التحليق الشاهق فوق العالم، الذي ينبسط له «كالوادي تحت الطائر»، وفق تعبيره الحرفي. وإذ انعكست قدراته البصرية تلك، في صوره الشعرية المباغتة، فقد تجلت في الآن ذاته
عبر رسوماته الموزعة بين الزيت والأكواريل، والتي كشفت لدى عرضها قبل سنوات في إحدى صالات بيروت، عن قدراته التشكيلية التي امتلكها بالفطرة، شأن العديد من مواهبه.
والحقيقة، أن مجموعة حسن الأولى «أذكر أنني أحببت» الصادرة عام 1978، لم تكن تشبه البواكير المتعثرة في شيء؛ لأنها حملت بصمته الخاصة على قماشة اللغة، وأظهرت براعته الفائقة في الدمج بين المهارة والبساطة، بقدر ما أفصحت عن امتلائه بأسئلة الوجود الكبرى، كالحب والصداقة والتراث والوطن والحياة والزمن والحرب والموت. ومن يقرأ قصيدته الطويلة «صيدا»، لا بد أن يشعر بالدهشة إزاء نفَسه الدرامي الملحمي، وقراءته الثاقبة لواقع المدينة الراهن، كما لأساطيرها وحضورها في التاريخ. ولم يكن له بالطبع أن يحصل على مبتغاه، لو لم يحشد لقصيدته تلك، كل ما يملكه من غنى المخيلة وتقنيات السرد والنفس الحكائي والمسرحي، وصولاً إلى التنقل الرشيق بين الضمائر والإيقاعات والصيغ التعبيرية. وهو ما عكسه بوضوح مطلع القصيدة اللافت:
حفروا في الأرضْ
وجدوا فخّاراً، أفكاراً
لحناً جوفياً منسرباً من أعماق البحرْ
حفروا في الأرضْ
وجدوا رجلاً يحفر في الأرضْ...
خطأً وجدوا سيارةْ
قصفتْ طائرةٌ مركبةَ الفرعونِ،
انفجرتْ موسيقى يوم الاثنينِ،
ابتدأتْ صيدا
وإذا كان عبد الله قد راهن في بداية الحرب الأهلية اللبنانية، وككثر آخرين، على الطرف الذي اعتبره من زاويته، مجسداً فعلياً لقيم الحرية والعدالة والخروج من المأزق الطائفي، كما يظهر في قصيدته «من أين أدخل في الوطن» و«أجمل الأمهات التي انتظرت ابنها»، اللتين غناهما مرسيل خليفة، فإن قلقه المتأصل وحدسه الاستشرافي الثاقب، كانا يدفعان بمواقفه السياسية والآيديولوجية إلى الوراء، ليحل محلهما شعور مرير بانسداد الأفق، ولا جدوى التذابح الأهلي. ففي قصيدته «سقوط المهرج» تبدو «المسافة بين الهزيمة والانتصار، لها صورة الموت والمهزلة». كما تتصادى قصيدته «الحصرم» مع «لعازر» خليل حاوي، في إعلانها الموجع عن استحالة الرهان على الانبعاث في أرض عاقر:
تعبي حامضٌ
أوُدِع الأرض كفّي
فتعصرها حصرماً في عيوني
هذه الأرضُ، هذي الفصولُ، الشموسُ،
السماوات،
تُخطئني دائماً وتصيب بعيداً
كأنْ لم تُسوّ يدي لالتقاط الثمار،
كأنّ يدي سوّيتْ لتكون أداة الخساره
وإذا كانت المجموعة، كما سائر أعمال الشاعر اللاحقة، قد اتسمت على مستوى الرؤية والمضمون، بانحيازه الحاسم إلى صورة الوطن الواحد، والمقاوم لكل أشكال الاحتلال والعسف والتفتيت، فإن ذلك لم يتم بلوغه عبر الشعارات المؤدلجة والأسلوب التقريري والخطابة الجوفاء، بل تنصهر جميعها في مرجل اللغة النابضة بالصدق، والخارجة من الشغاف والمترعة بالمفارقات. كما تُحسب لحسن دينامية أسلوبه البعيد عن النمذجة والتنميط، وبراعته في تطويع الأوزان، ومهارته في تقسيم الجمل، وطريقته الحاذقة في إنهاء البيت الشعري، وفي اختيار القافية ووضعها في مكانها الملائم، دون تعسف أو افتعال.
أما قصيدته «الدردارة»، التي أصدرها في كتاب مستقل، مستلهماً عنوانها من مجمع مائي صغير في بلدته الخيام، فقد عبّرت أفضل تعبير حنين الشاعر الجارف جارف إلى الماضي الذي يلمع بفراديسه الأصفى قبالة كهولته الموحشة. وفي حين تقدم المطولة، على المستوى الأفقي، صورة بانورامية زاخرة بالمرئيات والأصوات والألوان وعناصر الطبيعة وكائناتها، تتجه على المستوى العمودي إلى التوغل في إشكاليات العلاقة بين الإنسان وذاته، وبين الذات كحاضر مستلب، والذات كمكان وزمان مفقودين. وكما لو أن الشاعر كان يدرك في أعماقه أن هذه القصيدة بالذات هي «يتيمته» وأيقونته ودرة أعماله؛ فقد حشد لها كل ما ادّخرته مخيلته من صور الطفولة وتمثلاتها وقصاصاتها الوردية، وكل ما اختزنه سمْعه من إيقاعات، وبصره من وجودات مرئية، وهو الذي حوّل البحر الكامل إلى سبيكة مدهشة من المجازات وتموجات النبر، مستعينا بالمفردات المحكية، والشجن الصوتي المتقلب بين السرعة والبطء، وبين العلو والخفوت. وهو يقول في مستهلها:
الماء يأتي راكباً تيناً وصفصافاً
يقيم دقيقتين على سفوح العين ،
ثم يعود في «سرفيس» بيروتَ – الخيامْ
سلّم على... سلّم على...
يا أيها الماء التحيةُ، أيها الماء الهديةُ
أيها الماء السلامْ
وعلى الذي في القبرِ
واسقِ القبرَ،
واجعل أيها الماء النهارَ مساحةً مزروعةً جزراً...
وطيرٌ راكضٌ تحت الشتاءْ
وإنني في الصيف من عشرين عامْ
أفعى على برّ الخيامْ
ولم يقلل اقتصار نتاج عبد الله الشعري على مجموعات أربع، وخامسة قيد الطبع، من خصوصية تجربته وتميزها، وهو الذي لطالما آثر النوع على الكم، والاختزال على الحشو والإطناب. ومع أنه احتفظ في مجموعته الثالثة «راعي الضباب»، التي تأخرت ثمانية عشر عاماً عن سابقتها، ببعض خصائص شعره الفنية السابقة، فقد اتجه بقصائده نحو المزيد من الحذف والإضمار والتخلص من الزوائد، مصوباً نحو جوهر المعنى، وممعناً في بساطته وطراوة أسلوبه وتقشفه اللغوي، إلى الحد الذي كادت تختفي معه المسافة بين الشعر والنثر. وهو ما أكدته مجموعته الرابعة «ظل الوردة» التي اتجه عبرها إلى نوع من الومضات النثرية التأملية والشبيهة بالتوقيعات، كما بدت محصلة طبيعية لعراكه مع الحذلقة الشكلية والزخرف اللغوي، والكلام الفائض.
وإذا كانت هذه المقالة لا تتسع للحديث عن تجربة حسن عبد الله الرائدة في مجال الكتابة الأطفال، فلن تفوتني الإشارة رغم ذلك، إلى أن ما أنتجه حسن في هذا المجال، وقد ناهز الكتب الستين، لا يقل براعة وإدهاشاً عن كتاباته الأخرى. لا بل ندر أن استطاع أحد من عشاق لغة الضاد والمشتغلين بها، أن يعبر عن جمالياتها وحكايا حروفها وكهربائها المختزنة، كما فعل حسن في مجموعته «أنا الألف»، المقررة في بعض مناهج الدراسة، والتي يحفظها الآلاف من الصغار، والكبار أيضاً، عن ظهر قلب.
على أن الشاعر لم يبرع إلى أبعد الحدود في الكتابة عن الطفولة، إلا لأنه احتفظ في داخله بكامل نقائه، وبكامل براءته الطفولية. وهو ولو انتقل جسداً إلى بيروت، فقد ظلت روحه مقيمة داخل ذلك الأرخبيل العجائبي المترع بالخضرة والماء، الذي يصل سهل الخيام بسهل مرجعيون. ولعل ما يسّر عليه وطأة الموت، رغم تعلقه المفرط بالحياة، هو حنينه الأبدي للعودة إلى كنف المياه الأم التي ظل يشحذ لغته على سندانها الصلب، ويرفد مخيلته بكل ما تحتاج إليه من تشابيه وصورٍ وتوريات. وحيث لم يكونوا كثرا أولئك الذين حملهم الوفاء لمبدعهم الأثير، إلى السير وراء نعشه، فإن المشهد على المقلب الآخر من الكائنات، كان مختلفاً تماماً، حيث خرجت الطيور والأشجار وفراشات الحقول والحشائش الصغيرة التي احتفت بها قصائده، لاستقبال الشاعر العائد بعد غربة مضنية، إلى مسقط رأسه ولغته وقلبه. أما الماء الذي تغلغل وادعاً وعذباً في شعر حسن عبد الله، فقد خرج بمفرده عن السرب لتحية الشاعر، وتنفيذاً لوصيته الاستشرافية التي اختتم بها قصيدة «الدردارة»:
قد لا أكون هناك في تموز ذاك العامْ
لكنْ ، أيها الماء الذي وثب الزمانَ
وجاء محروراً إليّْ
سلّم عليّْ
سلّم عليّْ


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

«القاهرة السينمائي» يوزّع جوائزه: رومانيا وروسيا والبرازيل تحصد «الأهرامات الثلاثة»

المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)
المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)
TT

«القاهرة السينمائي» يوزّع جوائزه: رومانيا وروسيا والبرازيل تحصد «الأهرامات الثلاثة»

المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)
المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)

أسدل مهرجان «القاهرة السينمائي الدولي» الستار على دورته الـ45 في حفل أُقيم، الجمعة، بإعلان جوائز المسابقات المتنوّعة التي تضمّنها. وحصدت دول رومانيا وروسيا والبرازيل «الأهرامات الثلاثة» الذهبية والفضية والبرونزية في المسابقة الدولية.

شهد المهرجان عرض 190 فيلماً من 72 دولة، كما استحدث مسابقات جديدة لأفلام «المسافة صفر»، و«أفضل فيلم أفريقي»، و«أفضل فيلم آسيوي»، إلى جانب مسابقته الدولية والبرامج الموازية.

وكما بدأ دورته بإعلان تضامنه مع لبنان وفلسطين، جاء ختامه مماثلاً، فكانت الفقرة الغنائية الوحيدة خلال الحفل لفرقة «وطن الفنون» القادمة من غزة مع صوت الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، وهو يُلقي أبياتاً من قصيدته «على هذه الأرض ما يستحق الحياة».

وأكد رئيس المهرجان الفنان حسين فهمي، أنّ «الفنّ قادر على سرد حكايات لأشخاص يستحقون الحياة»، موجّهاً الشكر إلى وزير الثقافة الذي حضر حفلَي الافتتاح والختام، والوزارات التي أسهمت في إقامته، والرعاة الذين دعّموه. كما وجّه التحية إلى رجل الأعمال نجيب ساويرس، مؤسِّس مهرجان «الجونة» الذي حضر الحفل، لدعمه مهرجان «القاهرة» خلال رئاسة فهمي الأولى له.

المخرجة السعودية جواهر العامري وأسرة فيلمها «انصراف» (إدارة المهرجان)

وأثار الغياب المفاجئ لمدير المهرجان الناقد عصام زكريا عن حضور الحفل تساؤلات، لا سيما في ظلّ حضوره جميع فعالياته؛ فقالت الناقدة ماجدة خير الله إنّ «عدم حضوره قد يشير إلى وقوع خلافات»، مؤكدةً أنّ «أي عمل جماعي يمكن أن يتعرّض لهذا الأمر». وتابعت لـ«الشرق الأوسط» أنّ «عصام زكريا ناقد كبير ومحترم، وقد أدّى واجبه كاملاً، وهناك دائماً مَن يتطلّعون إلى القفز على نجاح الآخرين، ويعملون على الإيقاع بين أطراف كل عمل ناجح». وعبَّرت الناقدة المصرية عن حزنها لذلك، متمنيةً أن تُسوَّى أي خلافات خصوصاً بعد تقديم المهرجان دورة ناجحة.

وفي مسابقته الدولية، فاز الفيلم الروماني «العام الجديد الذي لم يأتِ أبداً» بجائزة «الهرم الذهبي» لأفضل فيلم للمخرج والمنتج بوجدان موريشانو، كما فاز الفيلم الروسي «طوابع البريد» للمخرجة ناتاليا نزاروفا بجائزة «الهرم الفضي» لأفضل فيلم، وحصل الفيلم البرازيلي «مالو» للمخرج بيدرو فريري على جائزة «الهرم البرونزي» لأفضل عمل أول.

وأيضاً، حاز لي كانغ شنغ على جائزة أفضل ممثل عن دوره في الفيلم الأميركي «قصر الشمس الزرقاء»، والممثل الروسي ماكسيم ستويانوف عن فيلم «طوابع البريد». كما حصلت بطلة الفيلم عينه على شهادة تقدير، في حين تُوّجت يارا دي نوفايس بجائزة أفضل ممثلة عن دورها في الفيلم البرازيلي «مالو»، وحصل الفيلم التركي «أيشا» على جائزة أفضل إسهام فنّي.

الفنانة كندة علوش شاركت في لجنة تحكيم أفلام «المسافة صفر» (إدارة المهرجان)

وأنصفت الجوائز كلاً من فلسطين ولبنان، ففاز الفيلم الفلسطيني «حالة عشق» بجائزتَي «أفضل فيلم» ضمن مسابقة «آفاق السينما العربية»، ولجنة التحكيم الخاصة. وأعربت مخرجتاه منى خالدي وكارول منصور عن فخرهما بالجائزة التي أهدتاها إلى طواقم الإسعاف في غزة؛ إذ يوثّق الفيلم رحلة الطبيب الفلسطيني غسان أبو ستة داخل القطاع. ورغم اعتزازهما بالفوز، فإنهما أكدتا عدم شعورهما بالسعادة في ظلّ المجازر في فلسطين ولبنان.

وكانت لجنة تحكيم «أفلام من المسافة صفر» التي ضمَّت المنتج غابي خوري، والناقد أحمد شوقي، والفنانة كندة علوش؛ قد منحت جوائز لـ3 أفلام. وأشارت كندة إلى أنّ «هذه الأفلام جاءت طازجة من غزة ومن قلب الحرب، معبِّرة عن معاناة الشعب الفلسطيني». وفازت أفلام «جلد ناعم» لخميس مشهراوي، و«خارج التغطية» لمحمد الشريف، و«يوم دراسي» لأحمد الدنف بجوائز مالية قدّمتها شركة أفلام «مصر العالمية». كما منح «اتحاد إذاعات وتلفزيونات دول منظمة التعاون الإسلامي»، برئاسة الإعلامي عمرو الليثي، جوائز مالية لأفضل 3 أفلام فلسطينية شاركت في المهرجان، فازت بها «أحلام كيلومتر مربع»، و«حالة عشق»، و«أحلام عابرة».

ليلى علوي على السجادة الحمراء في حفل الختام (إدارة المهرجان)

وحصد الفيلم اللبناني «أرزة» جائزتين لأفضل ممثلة لبطلته دياموند بو عبود، وأفضل سيناريو. فأكدت بو عبود تفاؤلها بالفوز في اليوم الذي يوافق عيد «الاستقلال اللبناني»، وأهدت الجائزة إلى أسرة الفيلم وعائلتها.

وفي مسابقة الأفلام القصيرة التي رأست لجنة تحكيمها المخرجة ساندرا نشأت، فاز الفيلم السعودي «انصراف» للمخرجة جواهر العامري بجائزة لجنة التحكيم الخاصة. وقالت جواهر، في كلمتها، إن المهرجان عزيز عليها، مؤكدة أنها في ظلّ فرحتها بالفوز لن تنسى «إخوتنا في فلسطين ولبنان والسودان». أما جائزة أفضل فيلم قصير فذهبت إلى الصيني «ديفيد»، وحاز الفيلم المصري «الأم والدب» على تنويه خاص.

كذلك فاز الفيلم المصري الطويل «دخل الربيع يضحك» من إخراج نهى عادل بـ4 جوائز؛ هي: «فيبرسي» لأفضل فيلم، وأفضل إسهام فنّي بالمسابقة الدولية، وأفضل مخرجة، وجائزة خاصة لبطلته رحاب عنان التي تخوض تجربتها الأولى ممثلةً بالفيلم. وذكرت مخرجته خلال تسلّمها الجوائز أنها الآن فقط تستطيع القول إنها مخرجة.

المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)

كما فاز الفيلم المصري «أبو زعبل 89» للمخرج بسام مرتضى بجائزة أفضل فيلم وثائقي طويل، وجائزة لجنة التحكيم الخاصة، بالإضافة إلى تنويه خاص ضمن مسابقة «أسبوع النقاد». ووجَّه المخرج شكره إلى الفنان سيد رجب الذي شارك في الفيلم، قائلاً إنّ الجائزة الحقيقية هي في الالتفاف الكبير حول العمل. وأكد لـ«الشرق الأوسط» أنّ «النجاح الذي قُوبل به الفيلم في جميع عروضه بالمهرجان أذهلني»، وعَدّه تعويضاً عن فترة عمله الطويلة على الفيلم التي استغرقت 4 سنوات، مشيراً إلى قُرب عرضه تجارياً في الصالات. وحاز الممثل المغربي محمد خوي جائزة أفضل ممثل ضمن «آفاق السينما العربية» عن دوره في فيلم «المرجا الزرقا».

بدوره، يرى الناقد السعودي خالد ربيع أنّ الدورة 45 من «القاهرة السينمائي» تعكس السينما في أرقى عطائها، بفضل الجهود المكثَّفة لمدير المهرجان الناقد عصام زكريا، وحضور الفنان حسين فهمي، وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أنّ «الدورة حظيت بأفلام ستخلّد عناوينها، على غرار فيلم (هنا) لتوم هانكس، والفيلم الإيراني (كعكتي المفضلة)، و(أبو زعبل 89) الذي حقّق معادلة الوثائقي الجماهيري، وغيرها... وكذلك الندوات المتميّزة، والماستر كلاس الثريّة».