مَن الإنسان الأخلاقي فعلاً؟

القرآن الكريم سبق كانط إلى تأسيس الأخلاق الكونية

إيمانويل كانط
إيمانويل كانط
TT

مَن الإنسان الأخلاقي فعلاً؟

إيمانويل كانط
إيمانويل كانط

بدايةً دعونا نطرح هذا السؤال الساذج: ما الأخلاق؟ قد يبدو الجواب سهلاً أو تحصيل حاصل أو معروفاً للجميع. الأخلاق هي ألا تسرق، ألا تكذب، ألا تقتل، إلخ... الوصايا العشر، أو مكارم الأخلاق الإسلامية. ولكن هل حقاً الأمور بدهية إلى مثل هذا الحد؟ فأنت قد لا تسرق لأنك تخشى أن يمسكوك بالجرم المشهود. ولا تغش ولا تكذب لذات السبب. لولا الخوف لمارست كل هذه الموبقات. لنفترض أنك تمتلك طاقية الإخفاء التي تمكّنك من التواري عن الأنظار ما إن تضعها على رأسك هل ستظل أخلاقياً بعدها؟ ألن تسرق المجوهرات الثمينة من ساحة الفاندوم في باريس لكي تهديها إلى حبيبتك الغالية؟ شوفي حبيبتي: هذا خاتم قيمته مليون دولار اشتريته إكراماً لعينيك! شكراً، شكراً حبيبي، من أين لك هذا؟ هذا من فضل ربي. تريدين قتل الناطور أم قطف العنب؟ العمى ما أغلظك!
لكن بما أننا تجاوزنا مرحلة المراهقة بسنوات ضوئية فالرجاء اسمحوا لنا أن نعود إلى صلب الموضوع لكي نطرح هذا السؤال: لو كنت أمتلك مثل هذه الطاقية السحرية أما كنت سأسرق أغلى الثياب وأحلى القمصان من شارع الشانزليزيه الشهير دون أن أدفع قرشاً واحداً؟ ولربما نهبت كل مكتبات الحي اللاتيني. أدخل بحقائب فارغة وأخرج بحقائب ملآنة أمام أنظار الجميع دون أن يراني أحد. ما أسهل الحياة! ما أحلى الحياة! هناك مئات الكتب الفلسفية والسياسية التي لم أقرأها بعد كما قال محمد عابد الجابري متحسراً قُبيل الرحيل. ولربما ضربت هذا الشخص في الشارع كفاً أو كفين فقط لأن شكله لم يعجبني. ولربما انتقمت من صديقتي السابقة وصفعتها صفعة مدوية لأنها خانتني وذهبت مع شخص آخر. ولربما، ولربما... هكذا تلاحظون أن مسألة الأخلاق أكثر تعقيداً مما نظن. فنحن نظل أخلاقيين بسبب الحذر والحيطة ومخافة أن ننكشف أمام الآخرين ونفقد هيبتنا وتتشوه سمعتنا أمام الجميع. هذا ناهيك بالحساب والعقاب والاعتقال والسجن. هذه ليست أخلاق. الأخلاق هي أن تمارس الفضيلة حباً بها لا خوفاً من الآخرين ولا رجاء لثواب ولا رعباً من عقاب. في العالم المتقدم لا يسرقون ولا يكذبون ولا يُخلفون في المواعيد لأن ضميرهم يقف فوق رأسهم رقيباً عليهم.
ليسوا بحاجة إلى شرطة بوليسية تقف فوق رأسهم لكي يقوموا بواجبهم. ضميرهم يكفي. هو الشرطة وهو البوليس. هكذا توصلت أخيراً إلى تعريف الأخلاق. الإنسان الأخلاقي هو الإنسان الذي يكون ضميره هو الشرطي الوحيد الذي يقف فوق رأسه. هذا بالإضافة إلى الصورة الراقية والمحترمة التي يشكّلها عن نفسه. هل يمكن أن تحترم نفسك بعد أن تسرق وتصبح لصاً؟ في البلدان المتقدمة لا أحد يقطع الشارع والإشارة حمراء. وذلك لأن احترام القانون والنظام من صميم الأخلاق الحضارية. هذا ما لاحظته في بلدان الشمال الأوروبي المتطورة جداً.
عندما حاولت أن أفعل ذلك مرة في مدينة ميونيخ نظروا إليَّ نظرة مرعبة فتراجعت فوراً إلى الوراء. عندئذ فهمت سبب تقدم البلدان الأوروبية وتخلف البلدان الشرقية. والشيء الذي حيّرني أكثر هو التالي: على الرغم من أنهم غير متدينين في أغلبيتهم ولا يمارسون الطقوس والشعائر فإنهم لا يغشّون ولا يكذبون ولا يُخلّون بواجبهم في عملهم. جميعهم يعدّون العمل شيئاً مقدساً ينبغي أن يؤديه المواطن على أفضل وجه ممكن. العامل أو الفلاح أو الزبّال أو رئيس الجمهورية أو المعلّم أو الطبيب... إلخ، كلهم يعدّون الإخلال بالواجب والمواعيد عاراً أو نقيصة شنيعة. كيف يمكن أن تخشى على شعوب من هذا النوع؟
بعد أن وصلنا بالحديث إلى هذه النقطة دعونا نرَ كيف ناقش كبار فلاسفة الغرب مسألة الأخلاق. فمن الواضح أنهم هم المربّون الكبار للشعوب الأوروبية. الفلاسفة هم قادة الشعوب بعد الأنبياء. ولولاهم لما حصل كل هذا التطور والتقدم. من المتفق عليه أن أكبر فيلسوف أخلاقي في الغرب هو إيمانويل كانط. ومن المعلوم أيضاً أنه كان يضع على مكتبه صورة واحدة هي صورة جان جاك روسو الذي كان يعدّه بمثابة أستاذه وقدوته من الناحية الأخلاقية. وكان معجباً جداً به وبإسحاق نيوتن. لماذا؟ لأن «نيوتن اكتشف قوانين العالم الطبيعي وجان جاك روسو اكتشف قوانين العالم الأخلاقي» أو الإنساني. ومعلوم أن روسو كان يحاسب نفسه محاسبة شديدة بل ويقرّعها «ويمسح بها الأرض» إذا لزم الأمر. ضميره الأخلاقي كان قوياً جداً. اقرأوا «الاعترافات» الشهيرة. كان كانط طيلة حياته يقوم بنزهة طويلة خارج البيت في ساعة معينة بعد الظهر. ولم يكن يخلّ بهذا الموعد على الإطلاق إلى درجة أن الناس كانوا يعيرون ساعتهم على مجرد ظهوره على عتبة الباب.

جان جاك روسو

لم يُخلّ بهذا الموعد إلا مرتين طيلة حياته المديدة كلها: المرة الأولى عندما ظهر كتاب روسو عن التربية (إميل) عام 1762، والمرة الثانية عندما اندلعت الثورة الفرنسية عام 1789. في كلتا الحالتين ذهب فوراً إلى المكتبة وبيت الجرائد لتسقط الأخبار وشراء هذا الكتاب الثمين للفيلسوف السويسري الشهير. هل يعني ذلك أن صدور كتاب عبقري يعادل من حيث الأهمية حدثاً سياسياً ضخماً أو حتى زلزالاً سياسياً كالثورة الفرنسية؟ لمَ لا؟ على أي حال هذه من ذاك. لولا أفكار روسو لما كانت الثورة الفرنسية.
لذلك رُفعت صوره على رؤوس الأشهاد في شوارع باريس. لا ثورة تحريرية من دون ثورة تنويرية تسبقها وتحتضنها وتمهد لها الطريق. الربيع الفكري قبل الربيع السياسي وليس العكس! لماذا فشلت الثورات المضادة لحركة التاريخ وروح الأزمنة الحديثة؟ هذا ما شرحته مطولاً في كتابي الصادر عن «دار المدى» بعنوان: لماذا يشتعل العالم العربي؟
يقول كانط إنه قبل الاطلاع على فكر روسو كان يولي للمظاهر الخارجية أهمية كبرى. وكان يعتقد أن المثقفين والمتعلمين وأصحاب الوجاهات هم أفضل بطبيعة الحال من الناس العاديين أو البسطاء الأميين. ولكنه اكتشف لاحقاً أن الفلاح أو الإنسان البسيط قد يكون أفضل أخلاقياً من حَمَلة أرفع الشهادات العليا. وعندئذ عرف أن هناك فرقاً بين العلم والأخلاق. لا توجد علاقة أتوماتيكية بينهما على عكس ما نظن. وبالفعل فقد تكون خريج السوربون وأوكسفورد وهارفارد ومع ذلك تظل وصولياً انتهازياً على المستوى الشخصي. تظل شخصاً رديئاً فعلاً من الناحية الأخلاقية والإنسانية. هناك أشخاص كلما زاد علمهم زاد خبثهم ومكرهم. وقد حذّرنا رابليه من ذلك قبل كانط عندما قال عبارته الشهيرة: «علم بلا ضمير خراب للروح». وبالتالي فالأخلاق أو النزاهة الشخصية أولاً وقبل كل شيء. وقد تكون الخادمة البسيطة في المنزل أفضل من أكبر مثقف من الناحية الأخلاقية والإنسانية. لهذا السبب عدّ كانط الإرادة الطيبة والخيّرة أهم شيء في الوجود. هناك أناس إرادتهم طيبة ونيتهم صادقة وهناك أناس أشرار بالمعنى الحرفي للكلمة. وكلما زادت معرفتهم وشهاداتهم زاد شرهم. البشر ليسوا من طينة واحدة.
يقول الفيلسوف المعاصر أندريه كونت سبونفيل هذه الكلمات الجوهرية: «عندما نستهجن التصرفات العدوانية الفظّة ونرفض ازدراء الآخر لأسباب طائفية أو عنصرية فإننا نفعل ذلك حفاظاً على المجتمع والحضارة والكرامة الإنسانية». كل إنسان له كرامة سواء أكان أقلية أو أكثرية وينبغي أن تُحترم كرامته بصفته تلك وبخاصة إذا كان إنساناً طيباً صادقاً. وبالتالي فالطيبة الداخلية قبل كل شيء. إنها المعيار الأساسي. فقد يكون هناك شخص أجنبي غريب عنّا كلياً ولكنه طيب فاعل للخير، وقد يكون هناك شخص من عقيدتنا ومذهبنا ولحمنا ودمنا ولكنه شرير، فهل نضعهما على ذات المستوى؟ هل نستسلم للتعصب والعصبية؟ وهذا ما علّمنا إياه كانط أيضاً. فهو المبلور الأساسي للأخلاق الكونية. فالأخلاق إما أن تنطبق على الجميع وإما أنها ليست أخلاقاً.
فمثلاً لو كان جميع الناس يكذبون فلن يعود أحد يصدّق أحداً وعندئذ تختلّ العلاقات في المجتمع ويصبح التعامل بين البشر مستحيلاً أو عبثياً. ولو كان جميع الناس لصوصاً يسرقون فعندئذ لن تعود هناك ملكية خاصة، ولا ازدهار لأي شخص، ولا ثروة لكي تُسرق أصلاً. وعندئذ تصبح الحياة الاجتماعية جحيماً لا يطاق. وإذا كان الجميع يقتلون فلن يعود هناك أمان لأحد وسوف تنهار الحضارة البشرية كلها. وإذا كان كل الناس يبصقون في الشوارع ويوسخونها فسوف تصبح المدينة مليئة بالقاذورات. فيلسوف التنوير الأكبر يقول لنا ما معناه: افعل الخير من أجل الخير حباً بالفضيلة والخير، وشغفاً بالاستقامة والصدق. ولكن القرآن الكريم سبق كانط إلى تأسيس الأخلاق الكونية عندما قال هاتين الآيتين الكريمتين: «فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره. ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره». هنا تكمن الأخلاق القويمة المستقيمة والعدالة الإلهية كلها. وعلى هذا المنوال سار أمير الشعراء أحمد شوقي في بيته الشهير:

وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

محمد رحيم... رحيل يستدعي حزن جيل التسعينات

الملحن المصري محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)
الملحن المصري محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)
TT

محمد رحيم... رحيل يستدعي حزن جيل التسعينات

الملحن المصري محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)
الملحن المصري محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)

ما أن تم الإعلان عن خبر الرحيل المفاجئ للملحن المصري محمد رحيم، حتى سيطرت أجواء حزينة على الوسط الفني عامة والموسيقي خاصة بمصر، كما أعرب عدد كبير من متابعي «السوشيال ميديا» من جيل التسعينات والثمانينات عن حزنهم العميق لرحيل ملحنهم «المحبوب» الذي يعتبرونه أفضل من عبّر عن أحلامهم وصدماتهم، مشيرين إلى أن رحيله «خسارة فادحة» لعالم الموسيقى والغناء عربياً.

وبدأ الملحن المصري محمد رحيم مسيرته المهنية مبكراً، إذ تعاون مع نخبة كبيرة من النجوم بمصر والعالم العربي، وكان قاسماً مشتركاً في تألقهم، كما صنع لنفسه ذكرى داخل كل بيت عبر أعماله التي تميزت بالتنوع ووصلت للعالمية، وفق نقاد.

الشاعر فوزي إبراهيم والمطربة آية عبد الله والملحن محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)

ومن بين النجوم الذين تعاون معهم رحيم عمرو دياب، ونانسي عجرم، ومحمد منير، وأصالة، وإليسا، ونوال الزغبي، وأنغام، وآمال ماهر، وروبي، ومحمد حماقي، وتامر حسني، وغيرهم.

وقدم رحيم أول ألحانه مع الفنان عمرو دياب أواخر تسعينات القرن الماضي، قبل أن يكمل عامه الـ20، من خلال أغنية «وغلاوتك» ضمن شريط «عودوني»، التي حققت نجاحاً كبيراً وكانت بداية الطريق لأرشيف غنائي كبير صنع اسم رحيم في عالم الفن.

وقدم رحيم، الذي رحل السبت عن عمر يناهز الـ45 عاماً، مع عمرو دياب أغنية «حبيبي ولا على باله»، التي حصد عنها دياب جائزة «ميوزك أورد» العالمية عام 2001.

بدأ رحيم في عصر ازدهار «شرائط الكاسيت»، التي كانت الملاذ الوحيد لمحبي الأغاني وخصوصاً في مواسم الإجازات، وانتظار محلات وأكشاك بيع الشرائط في الشوارع والميادين بمصر كي تعلن عبر صوت صاخب طرح «شريط جديد».

الملحن محمد رحيم والمطربة جنات (حساب رحيم على فيسبوك)

ووفق موسيقيين؛ فإن الملحن الراحل قد نجح في صناعة ألحان يعتبرها جيل التسعينات والثمانينات «نوستالجيا»، على غرار «أنا لو قلت» لمحمد فؤاد، و«الليالي» لنوال الزغبي، و«يصعب علي» لحميد الشاعري، و«ياللي بتغيب» لمحمد محيي، و«أحلف بالله» لهيثم شاكر، و«جت تصالحني» لمصطفى قمر، و«مشتاق» لإيهاب توفيق، و«أنا في الغرام» لشيرين، وغيرهم. لذلك لم يكن مستغرباً تعليقات نجوم الغناء على رحيل رحيم بكلمات مؤثرة.

ويرى الشاعر والناقد الموسيقى المصري فوزي إبراهيم أن «محمد رحيم ملحن كان يتمتع بموهبة فريدة، وألحانه تميزت بالبساطة والقرب من ذائقة الجمهور التي يعرفها بمجرد سماعها، لذلك اقتربت موسيقاه من أجيال عدة».

لم يقم الموسيقار الراحل باستعارة أو اقتباس جمل موسيقية مطلقاً خلال مشواره، بل اعتمد على موهبته الإبداعية، برغم ترجمة أعماله للغات عدة، وفق إبراهيم، الذي أشار في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى «أن محمد منير وصف رحيم بأنه (أمل مصر في الموسيقى)، مثلما قالها عبد الحليم حافظ للموسيقار بليغ حمدي».

محمد حماقي ومحمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)

«بدأ شاباً وكان يعي متطلبات الشباب»، على حد تعبير الناقد الموسيقى المصري أمجد مصطفى، الذي يقول في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «ارتباط جيل التسعينات بأعماله يرجع لكونه نجح في القرب منهم والتعبير عن أحلامهم ومشاعرهم، بجانب ثقافته الموسيقية المبكرة التي حملت أبعاداً مختلفة».

ولفت مصطفى إلى أن «رحيم كان تلميذاً للملحن الليبي ناصر المزداوي، الذي يتمتع بتجارب عالمية عديدة، كما أن رحيم كان متميزاً في فن اختيار الأصوات التي تبرز ألحانه، بجانب إحساسه الفني الذي صنع شخصيته وميزته عن أبناء جيله».

الملحن محمد رحيم والفنان محمد منير (حساب رحيم على فيسبوك)

وكان للملحن المصري بصمة واضحة عبر أشهر شرائط الكاسيت مثل «الحب الحقيقي» لمحمد فؤاد، و«عودوني» لعمرو دياب، و«غزالي» لحميد الشاعري، و«أخبارك إيه» لمايا نصري، و«صورة ودمعة» لمحمد محيي، و«شوق العيون» لرجاء بلمليح، و«وحداني» لخالد عجاج، و«حبيب حياتي» لمصطفى قمر، و«عايشالك» لإليسا، و«جرح تاني» لشيرين، و«قوم أقف» لبهاء سلطان، و«ليالي الشوق» لشذى، و«ليلي نهاري» لعمرو دياب، و«طعم البيوت» لمحمد منير، وغيرها من الألحان اللافتة.

الملحن محمد رحيم والفنانة نانسي عجرم (حساب رحيم على فيسبوك)

من جانبها قالت الشاعرة المصرية منة القيعي إنها من جيل التسعينات وارتباطها بأغاني رحيم لم يكن من فراغ، خصوصاً أغنية «غلاوتك»، التي أصرت على وجودها خلال احتفالها بخطبتها قبل عدة أشهر، رغم مرور ما يقرب من 26 عاماً على إصدارها.

وتوضح منة لـ«الشرق الأوسط» أن «رحيم كان صديقاً للجميع، ولديه حس فني وشعور بمتطلبات الأجيال، ويعرف كيف يصل إليهم بسهولة، كما أن اجتماع الناس على حبه نابع من ارتباطهم بأعماله التي عاشت معهم ولها ذكرى لن تزول من أذهانهم».

الملحن محمد رحيم والموسيقار الراحل حلمي بكر (حساب رحيم على فيسبوك)

وتؤكد منة أن «ألحان رحيم جزء لا يتجزأ من الهوية المصرية، والقوى الناعمة التي تملكها مصر، وفنه الراسخ هو (تحويشة) عمره، فقد بدأ صغيراً ورحل صغيراً، لكن عمره الفني كان كبيراً، وأثر في أجيال عديدة». على حد تعبيرها.