الحروب... هل حقاً تختار موعدها؟

كان الفارابي يرى أنها طبيعة جوهرية في الإنسان

مارشال روزمبيرغ
مارشال روزمبيرغ
TT

الحروب... هل حقاً تختار موعدها؟

مارشال روزمبيرغ
مارشال روزمبيرغ

ليس بغريب أن يحتاط الإنسان من كل شيء قد يتسبب في تعطيل نبض الحياة فيه. يتشبث بتلابيبها ويحرص على استمراريتها فيه واستمراريته فيها. لكنه رغم ذلك يأسره شغف المغامرة بأنواعها، ويستهويه ركوب الأخطار، ومحاذاة شبح الموت، بل مشاكسته وملامسته أحياناً.
ليس بعجيب أن يمجد الإنسان الحياة أيما تمجيد، ثم يذهب منصاعاً إلى الحرب. جندياً بسيطاً. يختبئ خلف سلاحه العاج بالذخيرة. يحتمي به. يتمترس خلفه وهو يدرك أنه لن يقدر على صد خطر الموت عنه. ثم إن شعوراً بالوحدة والاغتراب سيجتاحه رغم وجود آلاف المقاتلين حوله، وخلفه، وأمامه، وترسانة الأسلحة الضخمة والمتطورة. سينتابه الإحساس أنه سيموت وحيداً وغريباً إن أصابته شظية. لن ينتبه له أحد. فكل مجند من هؤلاء الآلاف بل الملايين، سيراوغ الحياة عن نفسها وحيداً، ويتشبث بالجحيم الذي هو فيه، بكل ما أوتي من قوة وحيلة، حتى لا يعبُر إلى العالم الآخر بجحيمه وجناته.عالم الأموات. رغم أنه عالم آخر يشمل الحياة الأخرى التي يؤمن بها بشدة وعمق، ويوصلها بحياته المؤقتة، كأفق جديد مفتوح على الخلود والجمال والعدالة والحرية... نعم...سيكون وحيداً في موته، مثل آلاف المحاربين الآخرين. سيكونون جميعاً وحيدين في ميتاتهم.
- الحياة جميلة لكن بها أشياء حمقاء.
- مثل ماذا؟
- الحرب مثلاً.
لا شك فهي لعنة دائمة. تغيرت قناعات كثيرة عند المخلوق البشري، من دهشته حيال ظاهرة شروق الشمس وغروبها، وصولاً إلى علم الأنساب الجيني. ما عدا الحرب فقد ظلت هي الحرب.
ويا للغرابة. فقد تغيرت عنده قناعات عدة، من بينها أن الأرض لم تعد مركز الكون، وأنها ليست ثابتة، وتبدّى له أيضاً أنها تدور حول نفسها وتدور حول الشمس. إلا الحرب ظلت حالة ثابتة. يدور الزمن، ويخبرنا التاريخ منذ «ملحمة جلجامش» أول نص بشري كُتب على الأرض وحتى عصرنا هذا الحافل بثمار التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، بأن الحرب نشاط بشري بامتياز. إنها حالة درامية تتكرر عبر الأزمنة. لا تهدأ الصدامات بكل أنواعها ومنها الدبلوماسية، ويحتدم الصراع، وتتواصل الانقلابات، والتسابق نحو التسلح، وحروب العصابات، والنزاعات، والاحتلالات، والمواجهات الداخلية، والحروب الطويلة، والاحتجاجات، والمظاهرات الدامية، والهجرات الجماعية، والعصيانات المدنية، والانتفاضات، والاستثمار في تطوير الأسلحة الفتاكة وليس يهم إذا ما فتكت بالكون كله.
لكن من قال إن المخلوق البشري يستطيع أن يُشفى من إدمانه من نشاطه الأثير الموجع: الحرب؟ إنه فقط يتناساها ليسترجع أنفاسه منها ولها، كما يفعل عصفور حين يغرد صباحاً بشغف، وكأنها لم تكن عاصفة البارحة...
نعم منذ أقدم حرب، حرب الحاضرتين السومريتين لغاش وأُمّا، وحروب بلاد ما بين النهرين، إلى حرب طروادة في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، إلى غزوات المغول التي خلفت ثلاثة وخمسين مليون قتيلٍ، وحروب روما القديمة، وآسيا الشرق الأوسط، واليونان، وأوروبا، وأميركا الجنوبية، وتمرد التابينغ في الصين الذي خلف أربعة وأربعين مليون قتيلٍ وغيرها وغيرها... وحتى الحربين العالميتين المدمرتين حيث خلفت الأولى 1914 - 1918 حوالي 18 مليونا كخسائر بشرية، والثانية 1939 - 1945 تسببت في 60 مليون ضحية لتأتي الحروب الارتدادية التي توالدت بعدها وحتى الآن. حروب تشاهَد على المباشر بدم بارد. تتسارع أحداثها المأساوية على الشاشات. أمام أعين الناس الباردة. وكأن وباء خطيراً انتشر بين البشر اسمه: التحديق البارد في المجازر.
هل حقاً تختار الحروب موعدها؟ هل هذا ما يحدث الآن... إذ يدور الكوكب دورته، وينتصف القرن بالكاد أو يزيد، كما ينتصف نهارٌ تتوسط سماءَه شمسُ صيف حارق. يبدو أنه الوقت الملائم لموعد انطلاق الحروب الكبرى. فبعد أن اختمرت، بدأت تتململ آلياتُها وتزمجر على الأبواب. انقضت فترة الاستراحة الباردة من الحروب الحامية السابقة. فترة ليست للسلام ولكن من أجل الاستعداد لحرب جديدة، من أجل سن السيوف، والنصال، والحِراب، والمجانيق، وتصنيع الرصاص، والقنابل البيولوجية البكتيرية الجرثومية، والمهجنة وراثياً، وتحديث المدرعات، والراجمات، والقباب السماوية الواقية، وتحديث الترسانة النووية، ومداعبة الرؤوس الحربية النووية الغافية إلى حين، قبل أن تحملها الصواريخ العابرة للقارات، وتطوير تكنولوجيا السلاح، والتخطيط لاستراتيجيات نووية، وعد الصواريخ فرط - صوتية، والأزرار النووية، وتوفير أقراص اليود والملاجئ النووية...
هل يجب الهلع؟! لماذا يهجم البشر على بشر آخرين ويرومون إفناءَهم... ما الذي يجب فعله بما أن الحرب ليست أمراً طارئاً، وأنها متجذرة في جينات المخلوق البشري منذ البدء، وأن فاعليتها بدت جلية في نواميس الكون منذ الصراع الدموي الأول لسليلي آدم، قابيل ضد أخيه هابيل، إلى ما يخترعه خيال عرافي التاريخ البشري المسكون بحرب نجوم قادمة ونهاية العالم...
ما الخطب؟ أليس من سبيل إلى واقع جديد، تستحدِث فيه مهاراتُ العقول الخلاقة في مراكز أبحاثها العلمية العالمية مصْلاً ناجعاً يُسمى «مصل السلام العالمي»، يقي البشرَ ويحميهم من فيروس الوباء العضال المسمى: «الحرب»؟ وتفنيد الفكرة الشائعة أنها شر لا بد منه، وأنها حتمية كي يستعيد بها الإنسان طبيعته السياسية التي خلق من أجلها كما يرمي إلى ذلك الفيلسوف أرسطو، لتتردد حتى زمن دوركهايم وميكافيلي وسيغموند فرويد. وأنها ضرورية كما يخبرنا بذلك ابن خلدون حاسماً، وهو فيلسوف الحروب بامتياز، يسوغ الحرب علانية مستنداً إلى ما استقاه من آراء الفلاسفة والملاحظين لشؤون الحروب قبله، من فلاسفة اليونان ومن فلاسفة المسلمين، من بينهم الفيلسوف اليوناني هيراقليطس الذي مجد الحرب في كتاب له، والقديس أوغسطين الذي اعتبرها مرتبطة بطبيعة السوء الكامن في جوهر الإنسان منذ خطيئته الأولى وخروجه من الجنة. لكن فيلسوف الحرب ابن خلدون يستند أكثر في هذه المسألة إلى الفيلسوف والعالم أبي نصر الفارابي. أقربهم إليه، ومرجِعه في تأسيس رأيه القائل بأن الحرب طبيعة جوهرية في الإنسان. تنتج من رغبته في حب التسيد والسيطرة وأخذ ما في يد الغير، والاستيلاء على ما ليس يملكه من خير. ومنطلقاً من معرفته لملابسات الحروب في عصره وما سبقه، يذهب ابن خلدون، إلى تحليل ظاهرة الحرب وزعمائها وأسباب قيامها، وأشكالها، وخِدعها، وحِيلها، ويعالج تأثيراتها السلبية من خراب وتدمير، ويعرض نتائجها الإيجابية باعتبارها من أسباب التمدن. فهل سيفيد اختراع المصل في شيء يا ترى؟ لا بأس... فلنحلم ما دام الحلم لا يحاسب عليه بالقتل.
لا شك أن التفكير في السلام أجدى للإنسانية... فالتنظير للحرب وتسويغها يصير من باب الترف الفكري ما دامت كل حرب تجرّ حرباً أخرى جديدة بكل حمولتها المأساوية... ماذا لو تم التنظير للسلام والبحث عن شروطه وأسباب انتفائه ومسوغات دوامه. ما دامت الحرب حماقة فردية لمن يأمر بها ويشعل فتيلها، وحماقة وسذاجة جماعية لمن يصير حطباً ونثار رماد لها.
لماذا الانحدار المريع نحو جحيم الحرب، بينما العقل البشري بعبقريته وهو الذي اخترع الحوار، ربما قبل أن يفعل ذلك أفلاطون في جمهوريته، يستطيع إيجاد طرق وأسباب لتفاديها.
ولأن لا جمهورية فاضلة مشتهاة على الأرض، تظل تركيبة الإنسان المركبة المتناقضة، تشغل أذهان الذين يحفرون في طبقات التاريخ وجيوبه، ويؤمنون بقدرات العقل البشري على الهدم وعلى البناء على السواء. ويؤذي ضمائرَهم ما تركته الحروبُ من أحزان وجروح ومصائب وآلام للإنسانية منذ غابر الأزمان.
لا مصل هناك... لكن العقل البشري بعبقريته تفطن بأن لكل شيء نقيضه. الحرب لها نقيضها: إنه السلام ولن يتحقق إلا بالحوار العالِم والهادئ، وبالدبلوماسية الماهرة، وتجاوز منطلقات «الحوار» الذي يدخله كل طرف مدججاً - مسبقاً - بقناعاته ومعتقداته الراسخة بِنية تَخطيء الآخر وتكذيبه وشيطنته. منطلقات مغلوطة تؤدي إلى العنف كما يؤكد ذلك صاحب نظرية «التواصل غير العنيف»، الفيلسوف مارشال روزمبيرغ Marshall Rosenberg. الحوار يضحى لعبة خطيرة وعنيفة عندما يأتيه كل طرف بقناعة امتلاك الحقيقة كلها. ينصتُ إلى الآخر ليس بنية محاولة فهمه، بل بنية تفنيد رأيه. إنها سبل لن توصل إلا إلى مزيد من العنف، ولن تتمخض إلا عن قرقعة السلاح، وبدل أن تتكلل بمصافحة الأيدي للسلام، ستدفع باليد القلقة لتتسلل أصابعُها، وتضغط على الزر السري للسلاح النووي لا قدر الله.
أحقاً أن الإنسان لا يطيق العيش في سلام، ولا يستطيع أن يقاوم مضاعفات إدمان رؤية الدم بدم بارد، فيعود للُعبتِه الأثيرة، لعبة القتال، بعد الشعور القاتل بالحرمان منها...؟ أم أن المواطن البسيط في كل أنحاء البسيطة، يريد أن يعيش حياة تنعم بالسلام لمقاومة موت آخر؟ لعل الحقيقة أن هذا يتعارض مع الأقوياء، لأنهم يدركون أن «السلام» لا يخلق أبطالاً، ولا الدبلوماسية قادرة أن تخلق رموزاً. بل هي الحرب، الحرب وحدها تسجل أسماءهم في سجلاتها حتى وإن كانت سجلات سوداء ودامية.

- روائية وشاعرة جزائرية


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

جهاز منزلي لقياس التوتر

التوتر يشكل جزءاً من حياتنا اليومية (جامعة ستانفورد)
التوتر يشكل جزءاً من حياتنا اليومية (جامعة ستانفورد)
TT

جهاز منزلي لقياس التوتر

التوتر يشكل جزءاً من حياتنا اليومية (جامعة ستانفورد)
التوتر يشكل جزءاً من حياتنا اليومية (جامعة ستانفورد)

طوّر باحثون من الصين والمملكة المتحدة جهازاً جديداً، للكشف عن مستويات التوتر في الدم من المنزل، وأوضح الباحثون، أن الجهاز يمكن أن يسهم في تحسين دقة وسهولة قياس مستويات التوتر، ما يجعل من الممكن مراقبة الصحة النفسية والتعامل مع التوتر بشكل أفضل، ونُشرت النتائج، الجمعة، في دورية «Talent».

ويشكّل التوتر جزءاً من حياتنا اليومية، بدءاً من متطلّبات العمل المستمرة، وصولاً إلى ضغوط الحياة اليومية، مثل توصيل الأطفال إلى المدرسة، ويمكن لتجاهُل مستويات التوتر المرتفعة أن يؤدي لمشاكل صحية ونفسية خطيرة، مثل الاكتئاب ومرض ألزهايمر، ولرصد هذه الحالة ابتكر فريق البحث الجهاز الذي يمكنه قياس مستويات هرمون الكورتيزول، وهو مؤشر حيوي للتوتر في الدم بدقة.

ويُعَد الكورتيزول من أهم الهرمونات التي تعكس مستويات التوتر، ومن ثم فإن قياسه بدقة يمكن أن يُحدث فرقاً كبيراً في تشخيص التوتر. ويستخدم الجهاز الجديد جزيئات نانوية من أكسيد الإيريديوم، وهي جزيئات صغيرة جداً تعمل على تحسين فاعلية الجهاز، وهذه الجزيئات تغطي الأقطاب الكهربائية في الجهاز.

وأكسيد الإيريديوم مركب كيميائي يستخدم في الإلكترونيات والمحفزات الكيميائية بفضل استقراره وحساسيته العالية، ويُعدّ مثالياً لتحسين أداء أجهزة قياس الكورتيزول بفضل فاعليته في ظروف متنوعة.

ويقيس الجهاز مستويات الكورتيزول من خلال وضع عينة من الدم على الجهاز، حيث يتفاعل الكورتيزول مع الأقطاب الكهربائية المُعدّلة بالجزيئات النانوية من أكسيد الإيريديوم.

ويولد التفاعل بين الكورتيزول والجزيئات النانوية إشارات كهربائية، وهذه الإشارات تُترجَم إلى قراءة لمستويات الكورتيزول في العينة، كما يقيس الجهاز التغيرات في الإشارات الكهربائية بدقة لتحديد كمية الكورتيزول.

ووجد الباحثون أن الجهاز قادر على قياس مستويات الكورتيزول بدقة حتى عندما تكون الكميات منخفضة جداً، ما يجعله مناسباً لاستخدامه في المنزل، ويتفوق الجهاز الجديد على الأجهزة المماثلة الحالية التي غالباً ما تكون أقل حساسية ولا يمكنها قياس الكورتيزول بكفاءة في التركيزات المنخفضة.

كما يستطيع الجهاز تمييز الكورتيزول عن هرمونات مشابهة مثل التستوستيرون والبروجيستيرون، بفضل التحسينات في الأقطاب الكهربائية، بينما تواجه الأجهزة الحالية صعوبة في هذا التمييز، ما قد يؤدي إلى نتائج غير دقيقة.

وقال الباحث الرئيسي للدراسة بجامعة شيان جياوتونغ - ليفربول في الصين، الدكتور تشيوشن دونغ: «هذه هي المرة الأولى التي يُستخدم فيها أكسيد الإيريديوم بهذه الطريقة، حيث أنتجنا جهازاً بسيطاً وقليل التكلفة لقياس الكورتيزول».

وأضاف عبر موقع «يوريك أليرت» أن الجهاز يمكنه الكشف عن جزيئات الكورتيزول بتركيز أقل بمقدار 3000 مرة من النطاق الطبيعي في الدم.

وأشار الباحثون إلى أن هذا التقدم في التكنولوجيا يعزّز الآمال في إمكانية إجراء اختبارات التوتر في المنزل بطريقة دقيقة وسهلة، ما قد يُحدِث ثورة في كيفية إدارة مستويات التوتر بشكل يومي.