بوصفه من الأصوات الهامة في المشهد الفني السعودي يعمل الفنان أحمد ماطر في ممارسته الفنية على توثيق وتحقيق واقع السعودية المعاصرة، وفي عمله المشارك في «وادي الفن»، يستكشف الفنان المساحة الأسطورية ما بين الخيال والواقع عبر خلق سراب وسط كثبان الرمال في الجزيرة العربية.
«أنا متحمس جداً لهذا المشروع وأعتبره مشروع عمري»، يطلق ماطر حوارنا عن عمله الذي منحه عنواناً من عمق الثقافة المحلية وهو «أشهب اللال»، ويقول إن العبارة التي تعني «أقبل السراب»، هي مستوحاة من قصائد الشعر النبطي. يشرح فكرة عمله: «العمل به جانب كبير من التفاعل ما بين الناس وبين الطبيعة بمعنى أن الزائر سيدخل البناء وسيصبح سراباً للآخرين». يلجأ ماطر لعرض ماكيت خرائط عمله في معرض بقرية الجديدة في العلا لتقريب الفكرة لنا. عبر المعرض يتحدث الفنان عبر المراحل المختلفة لعمله بدءاً من الرسومات الأولية والماكيتات التي صنع بها مجسمات مصغرة توضح تفاصيل العمل.
يتكون العمل من نفقين يمتدان على مساحة كبيرة تحت الرمال وفي نقطة التقائهما مساحة، وهي بناء تحت سطح الأرض يفضل أن يسميه «مرايا القطع المكافئ» قطره 37 متراً وارتفاعه 12 متراً. يستطيع الزائر التوقف به لينظر لأعلى حيث يرى انعكاسات و«هولوغرام» لجبال العلا كما سيرى هولوغرام لنفسه في الأعلى، كأن شخصه وروحه يقيمان حواراً مع الطبيعة حولهما أو كما يشرح لنا: «عبر المشي في النفق نصل للمنتصف حيث نرى صوراً لأجسامنا، أو بمعنى آخر أرواحنا، منعكسة في الأعلى».
يأخذنا في جولة شرح من خلال الرسوم التخطيطية ومجسم العمل، يتوقف أمام رسومات لطبوغرافية الموقع، ويشرح سبب اختيار المكان بقوله: «هذا الممر بين الجبال محصور ومناسب جداً لمفهوم العمل».
بالنظر للماكيت ولصور المكان الذي سيقام فيه العمل أسأله عن سبب اختياره لهذه البقعة تحديداً وعن المواصفات التي حددها، يقول إنه قام بجولات في المنطقة من أعلى بالهليكوبتر ثم أرضاً مستخدماً برنامج لقياس مسار الشمس «حاولت أن أضيف عامل تحرك الشمس والإضاءة في الموقع إلى الجانب المعماري».
في الرسومات التوضيحية في المعرض نلاحظ الأسلوب المألوف الذي استخدمه الفنان في عدد من أعماله في البدايات، وهو مستوحى من الزخارف الذهبية التي زينت صفحات الكتب والوثائق والمصاحف القديمة. يرجع ذلك لكون عمله الحالي يستوحي المعطيات العلمية لعلماء المسلمين في عصرهم الذهبي. يشير إلى رسم لتجربة علمية من عمل الحسن بن الهيثم: «أخذتها وأعدت رسمها وأمدتني بالكثير من الإلهام».
بعد الرسومات يأخذنا الفنان لرؤية تفاصيل العمل عبر نماذج مصغرة نستطيع من خلاله رؤية ما سيتعامل معه الزائر. في نموذج البناء المركزي نرى مثلثاً مفرغاً محفوراً في المجسم يحثنا الفنان على النظر من خلاله. عبر الفتحة يمتد ممر الرؤية داخل المجسم، ويمر بتجويف دائري نرى فيه مجسماً لشخص، ثم ننظر من أعلى المجسم لنرى خيالاً (هولوغرام) للشخص القابع أسفل داخل التجويف. يصبح الأمر بمثابة تجربة طريفة حيث يحاول كل منا لمس ذلك الخيال، ولكننا لا نستطيع لأنه «سراب»، هو السراب الذي يتحدث عنه العمل، هنا تتخذ رؤية الفنان شكلاً أوضح وأعمق بالنسبة للزائر. عند الوقوف داخل المساحة الداخلية (والمبطنة بستاينلس ستيل) للعمل ماذا سيرى الزائر؟ يجيب ماطر: «أنت في الداخل ترى انعكاسات شخصك وانعكاسات الخارج أيضاً. الناس في الداخل إذا نظروا لأعلى سيروا أولاً جبال العلا مقلوبة (مثل فيلم أنسيبشن)».
أما الزائر خارج العمل والذي ينظر لأسفل فسيرى الناس يتحركون ولكن بهيئة الهولوغرام، فتصبح التجربة كأن الجسد والروح مندمجان في محادثة مع الطبيعة. يرى أن العمل يمكن أن يكون مكاناً للتأمل والتفكير أو يمكن أن يحث الزوار على الرقص أو الغناء: «أو ما يخطر ببالهم. فالمكان يتسع لأعداد زوار من سبعة إلى 15 شخصاً. يمكنهم الغناء أو الرقص أو الحديث أو حتى الاكتفاء بالاستمتاع بالمكان». أسأله: هل هناك تفكير مستقبلي بتسجيل ذلك من باب الأرشفة؟ يقول إن هناك أفكاراً كثيرة لم تزل في حيز النقاش، وما زالت «في أوراقه» حسب تعبيره.
وهنا نتخيل أن يمر الزائر من خلال النفق الممتد تحت الرمال لمسافة 90 متراً، المرور عبر النفق هو الرحلة التي يريدنا الفنان القيام بها بحثاً عن الحقيقة، عن السراب، «الرحلة هي الأهم برأيي وليس الوصول». أسأله إن كان النفق سيكون مضاءً، يجيب قائلاً: «سيكون هناك مسارات للضوء متضمنة داخل بناء النفق، ستكون التجربة طبيعية».
الحفاظ على المكان وطبيعته والبيئة المحلية من أولويات ماطر «العمل سيكون منسجماً مع الطبيعة المحيطة، سيكون رفيقاً بها، أتخيل مثل ما كان النبطيون يفعلون عند حفر الآبار، نحن جزء من الطبيعة ونتفاعل معها، فإذا فعلنا ذلك بالطريقة الصحيحة فسنكون ممن يعمرون الأرض. لن ألمس الجبال أو الصخور. التدخل في الطبيعية يجب أن يتم بكل حساسية ولطف واحترام للطبيعة المجاورة».
أما فيما يخص المواد التي ستستخدم في البناء فيقول: «حالياً نبحث في المواد التي نستطيع استخدامها والتي تتبع الكود العمراني للعلا، ستكون صديقة للبيئة ومستدامة، لن نستخدم أي مصدر من مصادر الطاقة، ولا حتى الشمسية... سيبدو العمل مثل معبد قديم».