ميقاتي يقف بين خيارين: حكومة فاعلة أو تفعيل تصريف الأعمال

الرئيس نجيب ميقاتي متحدثاً في قصر بعبدا بعد تكليفه تشكيل الحكومة (رويترز)
الرئيس نجيب ميقاتي متحدثاً في قصر بعبدا بعد تكليفه تشكيل الحكومة (رويترز)
TT

ميقاتي يقف بين خيارين: حكومة فاعلة أو تفعيل تصريف الأعمال

الرئيس نجيب ميقاتي متحدثاً في قصر بعبدا بعد تكليفه تشكيل الحكومة (رويترز)
الرئيس نجيب ميقاتي متحدثاً في قصر بعبدا بعد تكليفه تشكيل الحكومة (رويترز)

إن أقل ما يقال في المشاورات التي يجريها اليوم وغداً الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي مع الكتل النيابية لاستمزاج رأيها في تأليفها، بأنها تبقى في إطار رفع العتب، ليست لأنها غير مُلزمة له فحسب، بل لأن الآفاق لا تزال مسدودة أمام إمكانية التفاهم حول تأليف حكومة كاملة الأوصاف تقطع الطريق على التمديد لحكومة تصريف الأعمال، إضافة إلى أن علاقة ميقاتي برئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل إلى مزيد من التأزم في ضوء إعلان الأخير عدم رغبته المشاركة في الحكومة.
فالرئيس المكلف سيسعى جاهداً لإعداد تشكيلة حكومية يعرضها لاحقاً على رئيس الجمهورية ميشال عون للوقوف على رأيه ليكون في وسعه أن يبني على الشيء مقتضاه، وإن كان يدرك سلفاً أنه سيعترض عليها رافضاً توقيعها إلا في حال أن التركيبة الوزارية العتيدة جاءت لتلبي شروط وريثه السياسي باسيل وتأتي على قياس طموحاته السياسية.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر سياسية مواكبة للأجواء السائدة حالياً لدى ميقاتي أن الرئيس المكلف وإن كان يحرص على التشاور مع رئيس الجمهورية فإنه في المقابل ليس في وارد التمديد للمشاورات إلى ما لا نهاية، وسيضطر في الوقت المناسب لأن يتقدم منه بتشكيلة وزارية في مهلة زمنية أقصاها عشرة أيام، فإما أن يوافق عليها مع إدخال تعديلات طفيفة لا تبدل من توزيع الحقائب الوزارية بشكل جذري يطيح بها، ويعيد المشاورات إلى نقطة الصفر، أو أن يرفضها بالكامل ما يؤدي حكماً إلى تفعيل حكومة تصريف الأعمال.
وفي المقابل تعتقد مصادر نيابية بارزة أن «الجهاد الأكبر» بدأ لتشكيل حكومة جديدة لأن هناك ضرورة لوجود حكومة فاعلة، وتقول لـ«الشرق الأوسط» إنه لا مفر من تشكيل هذه الحكومة التي لن يُطلب منها بأن تخترع البارود بمقدار ما أن وجودها ضروري لتلبية احتياجات المواطنين من كهرباء ودواء من جهة، ولرفع معاناتهم اليومية بتأمين لقمة عيشهم بغية الإبقاء على الوضع تحت السيطرة وصولاً لتأمين الأجواء المطلوبة لانتخاب رئيس جمهورية جديد في خلال المهلة الزمنية المنصوص عليها في الدستور وعدم الإخلال بها لئلا نُقحم البلد في أزمة حكم نحن في غنى عنها.
وتلفت المصادر النيابية إلى الخطورة المترتبة على هدر الوقت في حال أن الحكومة لم تُشكل اليوم قبل الغد لإنجاز الاتفاق مع صندوق الدولي، خصوصا أن مندوبه يقيم حالياً لفترة طويلة في لبنان وعلينا أن ننتهز فترة وجوده لإعداد كل ما هو مطلوب من الحكومة للوصول معه إلى اتفاق نهائي يتيح لنا الانتقال إلى مرحلة التعافي، ونظن أن البرلمان مستعد لملاقاة الحكومة للوصول إلى بر الأمان في التفاوض مع صندوق النقد.
وتؤكد المصادر نفسها أن هناك ضرورة لمعاودة المفاوضات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل حول ترسيم الحدود البحرية بوساطة أميركية وبرعاية الأمم المتحدة، وتقول إن لبنان يترقب من الوسيط الأميركي آموس هوغشتاين أن يحمل إليه الجواب النهائي في اليومين المقبلين رداً على الجواب الذي حمله له الجانب اللبناني.
لذلك فإن البدائل المطروحة في حال تعذر التفاهم حول تشكيل حكومة جديدة ليست في محلها، ولن تقدم أو تؤخر ما دام أنها تتراوح بين تعويم حكومة تصريف الأعمال بتجديد ثقة البرلمان فيها أو باستبدال وزراء بواسطة آخرين شرط الالتزام بالتوزيع المعتمد حالياً للحقائب الوزارية على الطوائف.
وتقول المصادر السياسية المواكبة إن الحكومة تُعتبر مستقيلة فور انتخاب برلمان جديد، ولا يمكن تعويمها دستورياً لأن استقالتها لم تكن بسبب استقالة رئيسها، وبالتالي فإن مثل هذه الخطوة غير المسبوقة تُعتبر بمثابة محاولة للهروب إلى الأمام.
ورداً على سؤال توضح المصادر بأن دور المجتمع الدولي وتحديداً الفرنسي يبقى في إطار حث الأطراف السياسية المعنية بتشكيل الحكومة على الإسراع بتأليفها، ولا تستطيع أن تنوب عنهم لأنها تنأى بنفسها عن التدخل على المكشوف في الشأن الداخلي، وأن ليس بيدها من وسائل للضغط سوى إسداء النصائح لمن يعنيهم الأمر بضرورة مساعدة أنفسهم كشرط لمبادرة أصدقاء لبنان لتقديم المساعدات المطلوبة.
وتكشف المصادر نفسها أن ما يهم المجتمع الدولي الحفاظ على الاستقرار في لبنان، وتقول إن الحكومة اللبنانية تعرف جيداً ما هو المطلوب منها دولياً، وتحديداً بالنسبة إلى التزامها بالإصلاحات التي من دونها لا يمكن للبنان أن يترجم إعلان النيات الذي توصل إليه مع صندوق النقد إلى خطوات تنفيذية، وتحذر من التلكؤ في الاستجابة لدفتر الشروط الذي وضعه لأن من دونه يبقى إعلان النيات حبراً على ورق.
وتنقل المصادر عن كبار المسؤولين الفرنسيين المولجين بالملف اللبناني أن الانتخابات الرئاسية ستجري في موعدها، وأن لا مبرر لتأجيلها أو ترحيلها إلى أجل غير مسمى، وتدعو إلى عدم الرهان على تعذر إنجاز الاستحقاق الرئاسي لأن من يراهن منذ الآن على ذلك سيكتشف أن رهانه ليس في محله على خلاف رهانه في السابق وأن الانتخابات النيابية ستؤجل، وأن البلد ذاهب إلى فراغ تلو الآخر.
وتلفت إلى أن الدول المعنية باستقرار لبنان وعلى رأسها فرنسا لن تتسامح مع من يعيق إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها، وتحذر بأنه سيترتب على من يعيقها عواقب وخيمة أقلها تعريضه إلى عقوبات تتجاوز الدول الأوروبية إلى المجتمع الدولي.
وعليه يستعد ميقاتي فور انتهائه من المشاورات النيابية غير الملزمة للدخول في «الجهاد الأكبر» المطلوب منه لتشكيل الحكومة لاستكشاف مدى استعداد القوى السياسية، أكانت سمته لتولي رئاسة الحكومة أو لم تسمه للانخراط بلا شروط تعجيزية في عملية تشكيل الحكومة، وإلا سيكون البديل أمامه الخوض في معركة الجهاد الأصغر بتفعيل حكومة تصريف الأعمال، خصوصا أنه سبق له ولمح إلى إمكانية دعوة مجلس الوزراء للانعقاد إذا ما استدعت الضرورة ذلك، معتبراً في نفس الوقت أن حكومة تصريف الأعمال ما زالت كاملة الأوصاف.
وفي هذا السياق، يتردد أن باريس لا تمانع تفعيل حكومة تصريف الأعمال إذا ما اصطدم ميقاتي بعوائق تحول دون تشكيل حكومة جديدة مشترطة توفير الحماية لها من قبل القوى الرئيسة الداعمة لها.
ويبقى السؤال: هل يلجأ ميقاتي إلى استخدام آخر خرطوشة لديه بتفعيل حكومة تصريف الأعمال في حال استحال عليه تشكيل حكومة جديدة؟ وما هو موقف عون منها؟ وهل يوفر الغطاء السياسي لها أم أنه يبادر إلى مقاومتها استجابة لرغبة باسيل؟ وبالتالي كيف سيتصرف البرلمان المنتخب؟ ومن يوافق من الكتل النيابية في إبقاء القديم على قدمه؟ وماذا سيقول للرأي العام اللبناني؟ وأين يقف من إعادة الاعتبار لتشريع الضرورة الذي اضطر إليه المجلس النيابي بوجود حكومة تصريف أعمال حينها برئاسة حسان دياب؟
لذلك يقف ميقاتي أمام مهمة صعبة لا يُحسد عليها وإن كان لا يُسقط من حسابه إمكانية تفعيل حكومة تصريف الأعمال باعتبار أن هذه الخطوة تبقى أقل تكلفة من تشكيل حكومة تتأرجح بين فريق يصر على أن تكون سياسية وآخر غير سياسية، وإنما من طراز آخر لا يسيطر عليها «حزب الله»، فيما أصبحت المطالبة بحكومة وحدة وطنية من الماضي تجمع بين الأضداد تحت سقف واحد وتعاني من شرور التعطيل التي أصابت جميع الحكومات الجامعة!


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

شبكة حوثية لتجنيد مئات اليمنيين للقتال في أوكرانيا

تكريم أحد المقاتلين اليمنيين في صفوف القوات الروسية (إعلام محلي)
تكريم أحد المقاتلين اليمنيين في صفوف القوات الروسية (إعلام محلي)
TT

شبكة حوثية لتجنيد مئات اليمنيين للقتال في أوكرانيا

تكريم أحد المقاتلين اليمنيين في صفوف القوات الروسية (إعلام محلي)
تكريم أحد المقاتلين اليمنيين في صفوف القوات الروسية (إعلام محلي)

في تسجيل مصور مدته نحو دقيقة، يروي شاب يمني أنه تم التغرير به وبزملائه الذين يظهرون معه في الفيديو، للذهاب إلى روسيا للعمل لدى شركات أمنية خاصة، ليجدوا أنفسهم في جبهات الحرب الروسية مع أوكرانيا.

وأبدى الشاب الذي غطى وجهه، وزملاؤه رغبتهم في العودة إلى اليمن، ورفضهم أن يقتلوا كما قُتِل زملاؤهم.

وتكشّف، أخيراً، كثير من التفاصيل حول تجنيد القوات المسلحة الروسية لمئات الرجال اليمنيين للقتال في أوكرانيا، من خلال عملية تهريب غامضة، تبين وجود كثير من أوجه التعاون المتنامية بين موسكو والجماعة الحوثية في اليمن.

كما كشفت صحيفة «فايننشيال تايمز» البريطانية في تقرير لها، الأحد الماضي، عن تفاصيل تحويل مئات الرجال اليمنيين إلى مقاتلين في صفوف الجيش الروسي، من خلال «عملية تهريب غامضة».

وفي هذه التسجيلات تتكشف جوانب من تفاصيل ما تمارسه مجموعة من المهربين الحوثيين الذين يستغلون الظروف الاقتصادية الصعبة لليمنيين لتنفيذ حملة تجنيد للمئات منهم، وإرسالهم للقتال إلى جانب القوات الروسية، وتعمل هذه المجموعة من داخل اليمن ومن دول عربية أخرى، بالتعاون مع آخرين داخل الأراضي الروسية.

وتسهل الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية في اليمن قبل نحو عشرة أعوام، تجنيدَ كثير من الشباب اليمنيين الذين نزحوا خارج البلاد وفشلوا في البحث عن فرص عمل أو الوصول إلى دول أوروبا، سواء بالهجرة الشرعية أو غير الشرعية لتقديم طلبات لجوء.

وتمكن السماسرة من تجنيد المئات من هؤلاء وإرسالهم للقتال في روسيا، وفق ما أكدته مصادر مقربة من عائلاتهم وأخرى في الحكومة اليمنية.

وفي مقطع مصور آخر، يظهر مجموعة من الشبان اليمنيين، ويذكر أحدهم أنهم كانوا يعملون في سلطنة عمان، وأن شركة للمعدات الطبية تابعة للقيادي الحوثي عبد الولي الجابري أغرتهم بالحصول على عمل لدى شركة روسية في المجال الأمني وبرواتب مجزية.

مجموعة من الشبان اليمنيين المجندين في معسكر تدريب روسي يرفعون العلم اليمني (إكس)

ويضيف: «غرورا بنا بأنهم سيدفعون رواتب شهرية تعادل 2500 دولار لكل فرد، وعند وصولنا إلى المطار في روسيا، استقبلنا مندوبون عن وزارة الدفاع الروسية، وأبلغونا أنه سيتم توظيفنا حراسَ أمن في منشآت».

وبعد يومين من وصولهم، تم إرسالهم إلى معسكرات للتدريب، حيث يجري إعدادهم للقتال منذ شهرين، ولم يتقاضوا من الرواتب التي وُعِدوا بها سوى ما بين 185 دولاراً و232 دولاراً (ما بين 20 إلى 25 ألف روبل فقط).

ويؤكد الشاب أن الروس أخذوا 25 من زملائه إلى الجبهات، وأن هؤلاء جميعاً لقوا مصرعهم؛ إما داخل العربات التي كانوا يستقلونها، أو داخل المباني التي كانوا يتمركزون فيها، بينما هو وبقية زملائه ينتظرون، بقلق، نقلهم من موقع وجودهم في معسكر قريب من الحدود الأوكرانية، إلى الجبهات. وطالب الحكومة اليمنية بالتدخل لإعادتهم إلى بلدهم.

شركة أدوية للسمسرة

لكن أحد اليمنيين، واسمه أحمد، وهو على معرفة بإحدى المجموعات التي تم تجنيدها، يوضح أنه وأصدقاء له حذروا هؤلاء الشبان من الذهاب إلى روسيا؛ لأن هناك حرباً قد يتورطون فيها، إلا أنهم ردوا عليه بأنهم قادرون على الفرار إلى أوروبا لطلب اللجوء كما فعل المئات من اليمنيين سابقاً، حين وصلوا إلى روسيا البيضاء، ومن هناك تم تسهيل نقلهم إلى الأراضي البولندية.

أحد الشباب اليمنيين داخل عربة عسكرية روسية وتفيد المعلومات بمصرعه داخل العربة (فيسبوك)

وبحسب ما أفاد به أحد أعضاء الجالية اليمنية في روسيا لـ«الشرق الأوسط»، فإن سماسرة يقومون بإغراء شبان يمنيين للذهاب إلى روسيا للعمل لدى شركات مقابل رواتب تصل إلى 2500 دولار شهرياً، ويتم نقل الراغبين إلى عواصم عربية؛ منها مسقط وبيروت ودمشق، ليجري نقلهم إلى الأراضي الروسية.

ويتابع أنه، وبعد وصولهم، تم إدخالهم معسكرات للتدريب على الأسلحة، بزعم أنهم موظفون لدى شركة أمنية، لكنهم بعد ذلك يرسلون إلى جبهات القتال في أوكرانيا، حيث يوجد شبان عرب من جنسيات أخرى ذهبوا إلى روسيا للغرض نفسه.

ويقدر ناشطون وأفراد في الجالية اليمنية في روسيا بأن هناك نحو 300 شاب يمني يرفضون الذهاب إلى جبهات القتال ويريدون العودة إلى بلدهم، وأن هؤلاء كانوا ضحية إغراءات بسبب الظروف الاقتصادية التي يعيشها اليمن نتيجة الحرب المستمرة منذ عشرة أعوام.

وطبقاً لأحد الضحايا الذين نشروا أسماء وأرقام المتورطين في هذه العملية، فإن أبرز المتهمين في عمليات التجنيد، عبد الولي الجابري، وهو عضو في البرلمان التابع للجماعة الحوثية، ويساعده في ذلك شقيقه عبد الواحد، الذي عينته الجماعة مديراً لمديرية المسراخ في محافظة تعز.

القيادي الحوثي الجابري المتهم الرئيسي بتجنيد الشبان اليمنيين خلال زيارة صالح الصماد رئيس مجلس الحكم الحوثي السابق له بعد إصابته في المعارك (إعلام حوثي)

وتضم المجموعة، وفقاً لهذه الرواية، شخصاً يدعى هاني الزريقي، ومقيم في روسيا منذ سنوات، ومحمد العلياني المقيم في دولة مجاورة لليمن.

تخفّي السماسرة

ويتهم اثنان من أقارب المجندين الجابري ومعاونيه بترتيب انتقال المجندين من اليمن إلى البلد المجاور، ومن هناك يتم إرسالهم إلى موسكو، بحجة العمل لدى شركات أمنية خاصة، وأن هؤلاء السماسرة يحصلون على مبالغ بين 10 إلى 15 ألف دولار عن الفرد الواحد.

وانتقل القيادي الحوثي الذي يدير الشركة أخيراً إلى مكان غير معروف، وبدّل أرقام هواتفه وانقطع تواصله مع الضحايا، بعد انتشار مقاطع مسجلة لمناشداتهم الحكومة اليمنية التدخل لإعادتهم إلى بلدهم.

وعينت الجماعة الحوثية الجابري، إلى جانب عضويته بالبرلمان التابع لها، قائداً لما يسمى بـ«اللواء 115 مشاة»، ومنحته رتبة عميد، بينما صدر بحقه حكم إعدام في عام 2020 من محكمة في مناطق سيطرة الحكومة، كما أن ابن أخيه، جميل هزاع، سبق وعُيِّن في اللواء نفسه، في منصب أركان عمليات، وهو حالياً عضو ما يسمى مجلس الشورى التابع للجماعة.

ولا تقتصر مهام سماسرة التجنيد على إرسال شبان من اليمن للقتال في روسيا، بل تتضمن تجنيد عدد من اليمنيين المقيمين هناك للقتال في صفوف الجيش الروسي.

وأُعْلِن منتصف العام الحالي عن مقتل الدبلوماسي اليمني السابق في موسكو، أحمد السهمي، في إحدى الجبهات، حيث كان يقاتل إلى جانب القوات الروسية، وبحسب رواية زملاء له، أنه وبعد انتهاء فترة عمله، أقدم على المشاركة في القتال من أجل الحصول على راتب يمكنه من مواجهة التزاماته لعائلته وأطفاله.

ومنذ شهر، كرّم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الشاب اليمني، سعد الكناني، الذي قُتل في جبهة لوغانسك، وكان قد حصل على الجنسية الروسية قبل فترة قصيرة من التحاقه بالقتال في صفوف القوات الروسية.