لغز التصوّف الفلسفي وتجربة الوعي

TT

لغز التصوّف الفلسفي وتجربة الوعي

هناك مشكلة كبيرة قديمة تتعلق بالتصوف، ألا وهي أن معظم الناس لا يدرون ما هو. يصر عظماء المتصوفة دائماً على أن تجربة التصوف لا تصفها اللغة ولا يُعبّر عنها بالكلمات، ولا بد أن تحضرنا هنا كلمة النفريّ: «كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة». أي أن تجربة التصوف أقدس من أن تُقرّب للعموم وإن تكاثرت محاولات القربان. ولذلك، لا بد أن نحمد لكل تلك الأسماء الكبيرة كالغزالي وابن عربي وابن سبعين خروجهم عن هذا التقليد، وأنهم تكلموا ووصفوا وكتبوا الأشعار الجميلة القوية فأصبحوا فلاسفة يصفون التصوف أكثر من كونهم متصوفة. هذه المخالفة كانت أمراً جيداً لقلة ممن يرغبون في تحديد التصوف ووصفه. ففي كل أنحاء العالم، وفي مختلف الشرائح الاجتماعية بمن فيهم المتعلمون والمثقفون، لا يزال الناس يشعرون بالارتباك والشك في التصور عندما ترد كلمة تصوف. إنها كلمة غامضة وفضفاضة يفسرها كل مترجم بطريقته الخاصة برغم كونها تجربة واحدة في كل العالم. هناك من يرى أن التصوف أتى من لبس الصوف، وهناك من يفسره بالزهد في الحياة، وقائل يقول هو كثرة العبادة. وفي اللغة الإنجليزية، نجد أن المفردة (Mystic) يتوسع مدلولها ليرمز لكل ما هو غامض أو سحري.
ومن لا يحبون التصوف يتخيلون أن المتصوفة مجموعة من الناس يُحبون الرقص ويعشقون الاحتفالات، أو يعبدون من في القبور، أو من يملكون قدرات خارقة للتواصل بين حين وآخر مع الجن ومع من هو بعيد أو ميت وجلب روحه لاجتماع سري مع أسرته، أو قراءة المستقبل والحصول على معلومات غيبية. وكل هذا بعيد عن جوهر التصوف، وإن مارسه بعض متصوفة الارتزاق.
الصوفية أنفسهم شاركوا في تشويه صورة التصوف. رغم أنهم كانوا أقدر الناس على الخروج إلى الناس بقراءة تُجلّي الحقائق، فإنهم زادوا على النص ونقصوا، وانشغلوا بسرد قصص الكرامات الخاصة، حتى صاروا هم أنفسهم غير قادرين على تمييز الأصيل من غير الأصيل في تجربتهم، وحصل التناقض. بالنسبة لرموز التصوف الكبار، لكي نفهم أي شيء على الإطلاق، يجب أن نذهب إلى القلب مباشرة، بدلاً من أن نكتفي بالقشور، فكل هذا الحديث عن كرامات الصوفية هو من القشور. هل التصوف هو الدين؟ الجواب: لا. هو شيء أوسع من اليهودية والمسيحية والإسلام، لكن الشعور بالله أساسي في معظم أنواع التصوف، باستثناء تصوف الشرق الأقصى. ومن الممكن أن يتصالح التصوف مع الدين بحيث يحتفظ المتصوف بدينه ويكيّف تصوفه بحسب الشريعة التي يتبعها، فالأمر في النهاية تجربة شخصية اختيارية، وتنطوي على راحة وبهجة يحتاجها كل أحد. لكن برغم هذه السمة الشخصية، هناك جامع مشترك لكل التصوف الذي نرى تشكلاته وكياناته في العالم منذ القِدم. لا يمكن أن يقال إن التصوف مجرد فلسفة ذاتية غير موضوعية لا يمكن تعميمها بحيث تكون معرفة تواصلية، فالمشترك الحقيقي موجود، وهو يشكل وحدة يمكن أن نسميها بالتصوف العالمي. فبرغم البعد الشخصي، هناك مساحة توافقية يرضى بها كل صوفي. وهناك نتائج وصل إليها المتصوفة في الشرق والغرب من دون أن يسمع بعضهم عن بعض، أو أن يقرأ بعضهم لبعض. من ذلك وجدنا الصوفي المسيحي مايستر إيكهارت من القرن الثالث عشر يفسر التصوف الهندوسي والتصوف البوذي بلا مزيد عليه، مع أنه لم يعرفهما قط في حياته. هناك انتماء، أقوى من القواسم المشتركة، يجمع شتات المتصوفين في كل مكان. وبرغم هذا الانتماء، كان من الطبيعي أن يكون ثمة اختلاف في مصطلحات المتصوفة حول العالم بحسب اختلاف الثقافات، فالتصوف كان يلبس ثياب ثقافته أنى كانت، إلا أن اختلاف المصطلحات لا يعني اختلاف المعاني. على سبيل المثال، عندما يتحدث الفيلسوف اليوناني المصري أفلوطين عن الواحد، فإن الواحد هو الله عند الصوفية المسلمين، وعالم سبينوزا هو نفسه عالم ابن عربي، وبناء هيغل يشبه بناء ابن عربي، والصلاة شيء مشترك عند اليهود والمسيحيين والمسلمين، قد يؤديها المتدين التقليدي من دون إحساس بقيمتها. أما الصوفي، من أي دين، فيعتقد أن تلك الكلمات التي يقولها في صلاته سوف تحمله عالياً صوب ما هو إلهي ومقدس، وأن هذا سينعكس انعكاساً إيجابياً على حياته وسيريحه في كل أوجاعه وعذاباته، سواء سمّيناه اتحاداً أو استقواءً أو اعتصاماً، العبارات غير ذات بال هنا، لأن المعنى واحد.
الوصول إلى حالة الوعي الصوفي هذه، قد يحتاج إلى تدريب روحي صبور، يقوم على الانفصال عن الوعي بأشياء هذا العالم المحسوس، واقتلاع كل الرغبات المتمركزة حول النفس، وإسقاط الإرادة والتخلي عن الكبرياء والتحلّي بالتواضع، حُبّاً في الله. وإذا كان المتصوف من أتباع الديانات السماوية، سار تصوفه في طريق الدين وأخذ صبغته الأخلاقية. وهكذا رسم المتصوفة المسلمون حدود تصوفهم بناء على العقيدة الإسلامية، ومصطلحهم الأكبر «الفناء» هو تجربة فعلية تجعل الفرد يعيش مباشرة تجربة اختفاء فردانيته، التي تذوب في الله. هذا الذوبان يجلب شعوراً بسلام عميق وفرح ومسيرة تلقيه عند بوابة الإلهي، بوابة الخلاص. التصوف ليس الدين لكن التصوف بطبيعته، مرتبط ارتباطاً حميمياً بأي دين تتبناه بيئته، مع أنه لا يفضّل ديناً على دين، فالتجربة الصوفية نفسها لا ترغب في أن تجعل من الإنسان مسلماً أو مسيحياً أو بوذياً، هي فقط ترغب في أن تصله بالإلهي مباشرة بلا واسطة. والوعي الصوفي هو ينبوع لكل أنواع الحب: محبة الله، ومحبة الناس والإحسان إليهم. فالحب هو مصدر العطاء والفضيلة وكل ما هو جميل. والتصوف هو المصدر الذي تفيض منه كل القيم الأخلاقية، وفيه يصبح كل البشر إخوة وأخوات، فلا غرباء ولا حواجز تفرقهم أو تبعدهم؛ بعضهم عن بعض، فلا حروب ولا أحقاد. الكل كيان واحد لا تمييز فيه. الحب سر الوجود وبه وجد العالم، والرحمة هي الدم الذي يجري في الشرايين، في هذه الحياة والحياة التي تليها.
هل يمكن أن يكون الصوفي من نفاة وجود الله؟ الجواب: هو نعم، فالتصوف البوذي والطاوي، لم يوجد فيهما مفهوم الإله الخالق الشاخص المفارق للطبيعة، قط. ذلك أن أسلافهم لم يسألوا: من أين جاء العالم؟ بل اكتفوا بالسؤال: كيف يعمل هذا العالم؟ لكنهم لا يشبهون نفاة وجود الله لأسباب علمية أو عقلية كما عند دعاة العلموية، بل يشعر أحدهم في الغالب بأنه قد وجد شيئاً مقدساً. هذا الشعور بالمقدس، هو من قبيل «الشعور الديني». في مقابل تصوف أولئك، هناك المتصوفة اليهود والمسيحيون والمسلمون، وهؤلاء لغز من الألغاز الخالدة، وقد بقيت وستبقى نصوصهم هاربة ومفتوحة ومغرية لشتى القراءات.
- باحث ومترجم سعودي


مقالات ذات صلة

لماذا علينا أن نسامح الآخرين؟

تحقيقات وقضايا لماذا علينا أن نسامح الآخرين؟

لماذا علينا أن نسامح الآخرين؟

بعد ظهر أحد أيام ربيع عام 1985 في مدينة غاري بولاية إنديانا، الولايات المتحدة الأميركية، قتلت فتاة تبلغ من العمر خمسة عشر عاماً امرأة مسنّة بعد أن اقتحمت منزلها. مدينة غاري لها تاريخ طويل من التوترات العرقية بين السكان البيض والسود، وحيث إن الفتاة، واسمها بولا كوبر، كانت سوداء البشرة والضحية، روث بيلك (77 سنة)، من العرق الأبيض، سارعت الصحافة المحلية لتغطية الحادثة لصب الزيت على النار وفسرت الجريمة على أنها ذات بعد عرقي. لكن الشرطة قالت حينها، إن الجريمة حدثت بدافع السرقة، وإن ثلاث فتيات أخريات شاركن في ارتكاب الجريمة، إلا أن الفتيات الأخريات قلن إن بولا كانت زعيمة العصابة.

تحقيقات وقضايا الصوم... قاسم مشترك للضمير الإنساني

الصوم... قاسم مشترك للضمير الإنساني

يكاد يكون الصوم الشعيرة التعبدية الوحيدة في مختلف الأديان والمعتقدات ذات الالتصاق الوثيق بالضمير الإنساني؛ إذ لاحظ باحثون في تاريخ الحضارات القديمة أن ظاهرة الصوم كانت حاضرة بقوة لدى مختلف الشعوب. وتُجمِع معظم الأديان والثقافات على اعتبار الصوم فرصة للتجدّد الروحي والبدني. فقد كان الصوم عبادة يتبارك بها البشر قبل الذهاب إلى الحروب، ولدى بعض الحضارات ممارسة جماعية لاتقاء الكوارث والمجاعات. شعوب أخرى حوّلته طقساً للإعلان عن بلوغ أفرادها اليافعين سن الرشد.

أحمد الفاضل
تحقيقات وقضايا هل يجوز أن تتحوّل الحقيقة إلى موضوع حواريّ؟

هل يجوز أن تتحوّل الحقيقة إلى موضوع حواريّ؟

لا ريب في أنّ أشدّ ما يهزّ الوجدان الإنسانيّ، في بُعدَيه الفرديّ والجماعيّ، أن يجري تناولُ الحقيقة الذاتيّة على لسان الآخرين، وإخضاعُها لمقتضيات البحث والنقد والاعتراض والتقويم. ما من أحدٍ يرغب في أن يرى حقيقته تتحوّل إلى مادّةٍ حرّةٍ من موادّ المباحثة المفتوحة. ذلك أنّ الإنسان يحبّ ذاتَه في حقيقته، أي في مجموع التصوّرات والرؤى والأفكار والاقتناعات التي تستوطن قاعَ وعيه الجوّانيّ.

باسيل عون (مشير)
تحقيقات وقضايا مجموعة احتجاجية تطلق على نفسها «بقيادة الحمير» تصب طلاء أصفر على طريق في لندن 23 فبراير الماضي (رويترز)

هل يجب أن نقبل ما يقوله الآخرون في امتداح هويّتهم؟

غالباً ما نسمع الناس يمتدحون ما هم عليه، سواءٌ على مستوى هويّتهم الفرديّة أو على مستوى هويّتهم الجماعيّة. لذلك نادراً ما وقعتُ على إنسانٍ يعيد النظر في هويّته الذاتيّة الفرديّة والجماعيّة. ذلك أنّ منطق الأمور يقتضي أن يَنعم الإنسانُ بما فُطر ونشأ عليه، وبما انخرط فيه والتزمه، وبما اكتسبه من عناصر الانتماء الذاتيّ. فضلاً عن ذلك، تذهب بعض العلوم الإنسانيّة، لا سيّما علوم النفس، مذهباً قصيّاً فتوصي بامتداح الأنا حتّى يستقيم إقبالُ الإنسان على ذاته، إذ من الضروريّ أن نتصالح وذواتنا حتّى نستمرّ في الحياة.

باسيل عون (مشير)
تحقيقات وقضايا أناس يشاهدون انطلاق مركبة «سبيس إكس» إلى الفضاء في 27 فبراير الماضي (رويترز)

عن «الإنتروبيا» والجدل والتسبيح

من نقطة «مُفرَدة» أولى، لا «أين» فيها ولا «متى»، فيها كل الزمان وكل المكان وكل الطاقة، مدمجين بنظام لا عبث فيه ولا خلل. كانت البداية، ومنها كانت كل البدايات، ينبعث من عِقالِ المفردة الأولى وتراتبيتها الصارمة فوضى كبيرة في انفجار كبير. ومن تلك الفوضى ينبت الزمكان وتنبعث الطاقة وتتخلق المادة، منها كان الكون بأجرامه ومخلوقاته، بل وكانت الأكوان وأجرامها ومجراتها ومخلوقاتها. فكأن قصة الكون وقصتنا معه، «هي أن تراتبية ونظاماً مكثفاً مدمجاً.


غزة... تاريخ من المواجهات والحروب قبل السابع من أكتوبر

TT

غزة... تاريخ من المواجهات والحروب قبل السابع من أكتوبر

مخيم نازحين في دير البلح عند شاطئ غزة (أرشيفية - أ.ب)
مخيم نازحين في دير البلح عند شاطئ غزة (أرشيفية - أ.ب)

في المنطقة الجنوبية من الساحل الفلسطيني على البحر المتوسط، على مساحة لا تزيد على 360 كيلومتراً مربعاً، بطول 41 كم، وعرض يتراوح بين 5 و15 كم، يعيش في قطاع غزة نحو مليوني نسمة، ما يجعل القطاع البقعة الأكثر كثافة سكانية في العالم.

تبلغ نسبة الكثافة وفقاً لأرقام حديثة أكثر من 27 ألف ساكن في الكيلومتر المربع الواحد، أما في المخيمات فترتفع الكثافة السكانية إلى حدود 56 ألف ساكن تقريباً بالكيلومتر المربع.

تأتي تسمية القطاع «قطاع غزة» نسبة لأكبر مدنه، غزة، التي تعود مشكلة إسرائيل معها إلى ما قبل احتلالها في عام 1967، عندما كانت تحت الحكم المصري.

فقد تردد ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، في احتلال القطاع بعد حرب 1948، قبل أن يعود بعد 7 سنوات، في أثناء حملة سيناء، لاحتلاله لكن بشكل لم يدُم طويلاً، ثم عاد واحتله وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان عام 1967.

خيام النازحين الفلسطينيين على شاطئ دير البلح وسط قطاع غزة الأربعاء (إ.ب.أ)

في عام 1987، أطلق قطاع غزة شرارة الانتفاضة الشعبية الأولى، وغدا مصدر إزعاج كبيراً لإسرائيل لدرجة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إسحاق رابين، تمنى لو يصحو يوماً ويجد غزة وقد غرقت في البحر.

لكن غزة لم تغرق كما يشتهي رابين، ورمتها إسرائيل في حضن السلطة الفلسطينية عام 1994 على أمل أن تتحول هذه السلطة إلى شرطي حدود. لكن هذا كان أيضاً بمثابة وهم جديد؛ إذ اضطرت إسرائيل إلى شن أولى عملياتها العسكرية ضد غزة بعد تسليمها السلطة بنحو 8 سنوات، وتحديداً في نهاية أبريل (نيسان) 2001.

وفي مايو (أيار) 2004، شنت إسرائيل عملية «قوس قزح»، وفي سبتمبر (أيلول) 2004، عادت ونفذت عملية «أيام الندم». ثم في 2005، انسحبت إسرائيل من قطاع غزة ضمن خطة عرفت آنذاك بـ«خطة فك الارتباط الأحادي الجانب».

بعد الانسحاب شنت إسرائيل حربين سريعين، الأولى في 25 سبتمبر (أيلول) 2005 باسم «أول الغيث»، وهي أول عملية بعد خطة فك الارتباط بأسبوعين، وبعد عام واحد، في يونيو (حزيران) 2006، شنت إسرائيل عملية باسم «سيف جلعاد» في محاولة فاشلة لاستعادة الجندي الإسرائيلي الذي خطفته «حماس» آنذاك جلعاد شاليط، بينما ما زالت السلطة تحكم قطاع غزة.

عام واحد بعد ذلك سيطرت حماس على القطاع ثم توالت حروب أكبر وأوسع وأضخم تطورت معها قدرة الحركة وقدرات الفصائل الأخرى، مثل «الجهاد الإسلامي» التي اضطرت في السنوات الأخيرة لخوض حروب منفردة.

ظلت إسرائيل تقول إن «طنجرة الضغط» في غزة تمثل تهديداً يجب التعامل معه حتى تعاملت معها «حماس» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) بانفجار لم تتوقعه أو تستوعبه إسرائيل وجر حرباً دموية على غزة، وأخرى على لبنان، وسلسلة مواجهات باردة في جبهات أخرى في حرب تبدو نصف إقليمية، وما أسهل أن تتحول إلى نصف عالمية.

أبرز الحروب

«الرصاص المصبوب» حسب التسمية الإسرائيلية أو «الفرقان» فلسطينياً:

بدأت في 27 ديسمبر (كانون الأول) 2008، وشنت خلالها إسرائيل إحدى أكبر عملياتها العسكرية على غزة وأكثرها دموية منذ الانسحاب من القطاع في 2005. واستهلتها بضربة جوية تسببت في مقتل 89 شرطياً تابعين لحركة «حماس»، إضافة إلى نحو 80 آخرين من المدنيين، ثم اقتحمت إسرائيل شمال وجنوب القطاع.

خلفت العمليات الدامية التي استمرت 21 يوماً، نحو 1400 قتيل فلسطيني و5500 جريح، ودمر أكثر من 4000 منزل في غزة، فيما تكبدت إسرائيل أكثر من 14 قتيلاً وإصابة 168 بين جنودها، يضاف إليهم ثلاثة مستوطنين ونحو ألف جريح.

وفي هذه الحرب اتهمت منظمة «هيومان رايتس ووتش» إسرائيل باستخدام الفسفور الأبيض بشكل ممنهج في قصف مناطق مأهولة بالسكان خلال الحرب.

«عمود السحاب» إسرائيلياً أو «حجارة السجيل» فلسطينياً:

أطلقت إسرائيل العملية في 14 نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 باغتيال رئيس أركان «حماس»، أحمد الجعبري. واكتفت إسرائيل بالهجمات الجوية ونفذت مئات الطلعات على غزة، وأدت العمليات إلى مقتل 174 فلسطينياً وجرح 1400.

شنت «حماس» أعنف هجوم على إسرائيل آنذاك، واستخدمت للمرة الأولى صواريخ طويلة المدى وصلت إلى تل أبيب والقدس وكانت صادمة للإسرائيليين. وأطلق خلال العملية تجاه إسرائيل أكثر من 1500 صاروخ، سقط من بينها على المدن 58 صاروخاً وجرى اعتراض 431. والبقية سقطت في مساحات مفتوحة. وقتل خلال العملية 5 إسرائيليين (أربعة مدنيين وجندي واحد) بالصواريخ الفلسطينية، بينما أصيب نحو 500 آخرين.

مقاتلون من «كتائب القسام» التابعة لـ«حماس» في قطاع غزة (أرشيفية - «كتائب القسام» عبر «تلغرام»)

«الجرف الصامد» إسرائيلياً أو «العصف المأكول» فلسطينياً:

بدأتها إسرائيل يوم الثلاثاء في 8 يوليو (تموز) 2014، ظلت 51 يوماً، وخلفت أكثر من 1500 قتيل فلسطيني ودماراً كبيراً.

اندلعت الحرب بعد أن اغتالت إسرائيل مسؤولين من حركة «حماس» اتهمتهم أنهم وراء اختطاف وقتل 3 مستوطنين في الضفة الغربية المحتلة.

شنت إسرائيل خلال الحرب أكثر من 60 ألف غارة على القطاع ودمرت 33 نفقاً تابعاً لـ«حماس» التي أطلقت في هذه المواجهة أكثر من 8000 صاروخ وصل بعضها للمرة الأولى في تاريخ المواجهات إلى تل أبيب والقدس وحيفا وتسببت بشل الحركة هناك، بما فيها إغلاق مطار بن غوريون.

قتل في الحرب 68 جندياً إسرائيلياً، و4 مدنيين، وأصيب 2500 بجروح.

قبل نهاية الحرب أعلنت «كتائب القسام» أسرها الجندي الإسرائيلي شاؤول آرون، خلال تصديها لتوغل بري لجيش الاحتلال في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وما زال في الأسر.

«صيحة الفجر»:

عملية بدأتها إسرائيل صباح يوم 12 نوفمبر عام 2019، باغتيال قائد المنطقة الشمالية في سرايا القدس (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي) في غزة، بهاء أبو العطا، في شقته السكنية في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وردت «حركة الجهاد الإسلامي» بهجوم صاروخي استمر بضعة أيام، أطلقت خلالها مئات الصواريخ على مواقع وبلدات إسرائيلية.

كانت أول حرب لا تشارك فيها «حماس» وتنجح إسرائيل في إبقائها بعيدة.

طفل فلسطيني يسير أمام أنقاض المباني في مدينة غزة (أ.ف.ب)

«حارس الأسوار» أو «سيف القدس»:

بدأت شرارتها من القدس بعد مواجهات في حي الشيخ جراح، واقتحام القوات الإسرائيلية للمسجد الأقصى ثم تنظيم مسيرة «الأعلام» نحو البلدة القديمة، وهي المسيرة التي حذرت «حماس» من أنها إذا تقدمت فإنها ستقصف القدس، وهو ما تم فعلاً في يوم العاشر من مايو (أيار) عام 2021.

شنت إسرائيل هجمات مكثفة على غزة وقتلت في 11 يوماً نحو 250 فلسطينياً، وأطلقت الفصائل أكثر من 4 آلاف صاروخ على بلدات ومدن في إسرائيل، ووصلت الصواريخ إلى تخوم مطار رامون، وقتل في الهجمات 12 إسرائيلياً.

 

«الفجر الصادق» أو «وحدة الساحات»:

كررت إسرائيل هجوماً منفرداً على «الجهاد» في الخامس من أغسطس (آب) 2022 واغتالت قائد المنطقة الشمالية لـ«سرايا القدس» (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي) في غزة، تيسير الجعبري، بعد استنفار أعلنته «الجهاد» رداً على اعتقال مسؤول كبير في الحركة في جنين في الضفة الغربية، وهو بسام السعدي.

ردت «حركة الجهاد الإسلامي» بمئات الصواريخ على بلدات ومدن إسرائيلية، وقالت في بيان إنها عملية مشتركة مع كتائب المقاومة الوطنية وكتائب المجاهدين وكتائب شهداء الأقصى (الجناح العسكري لحركة فتح)، في انتقاد مبطن لعدم مشاركة «حماس» في القتال. توقفت العملية بعد أيام قليلة إثر تدخل وسطاء. وقتل في الهجمات الإسرائيلية 24 فلسطينياً بينهم 6 أطفال.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام خريطة لغزة خلال مؤتمره الصحافي في القدس ليلة الاثنين (إ.ب.أ)

«السهم الواقي» أو «ثأر الأحرار»:

حرب مفاجئة بدأتها إسرائيل في التاسع من مايو 2023، باغتيال 3 من أبرز قادة «سرايا القدس» (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة)، أمين سر المجلس العسكري لسرايا القدس، جهاد غنام (62 عاماً)، وقائد المنطقة الشمالية في السرايا خليل البهتيني (44 عاماً)، وعضو المكتب السياسي أحد مسؤولي العمل العسكري في الضفة الغربية، المبعد إلى غزة، طارق عز الدين (48 عاماً).

وحرب عام 2023 هي ثالث هجوم تشنه إسرائيل على «الجهاد الإسلامي» منفرداً، الذي رد هذه المرة بتنسيق كامل مع «حماس» عبر الغرفة المشتركة وقصف تل أبيب ومناطق أخرى كثيرة بوابل من الصواريخ تجاوز الـ500 صاروخ على الأقل.

... ثم الحرب الحالية في السابع من أكتوبر 2023.