أعلن مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، أمس أن طهران وواشنطن «قررتا» استئناف المحادثات غير المباشرة في فيينا بعد توقف دام نحو أربعة أشهر من الجمود، لكنه هون من شأن التوقعات.
وقال بوريل في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في طهران «سنستأنف المحادثات بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة في الأيام المقبلة» في إشارة إلى الاتفاق النووي الإيراني المبرم في عام 2015.
أفاد بوريل الذي رافقه نائبه إنريكي مورا مفاوض الاتحاد الأوروبي المكلّف تنسيق المحادثات حول الملف النووي في الزيارة التي استمرّت يوماً واحداً بأن «الهدف الأساسي» لزيارته «كسر الدينامية الحالية، أي دينامية التصعيد» وكسر الجمود في المحادثات.
وصرح بوريل للصحافيين «مرت ثلاثة شهور ونحن في حاجة لتسريع العمل. أنا سعيد للغاية بالقرار الذي اتخذ في طهران وواشنطن».
وبعد المؤتمر الصحافي كتب بوريل في سلسلة تغريدات على تويتر، أن «نحن بحاجة إلى إغلاق الصفقة الآن». وأوضح المزايا الاقتصادية التي يمكن أن يجنيها الطرفان من إحياء اتفاق عام 2015، خاصة طهران التي تعاني من ضغوط اقتصادية. وقال في تغريدة على «تويتر»، «تتمتّع علاقاتنا الثنائية بإمكانات هائلة، لكن دون خطة العمل الشاملة المشتركة لا يمكننا تطويرها بشكل كامل».
وقال بوريل على تويتر «اتفقنا على استئناف المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة في الأيام المقبلة، وهي المفاوضات التي ينسقها الفريق التابع لي، لحل القضايا الأخيرة القائمة». ومضى قائلا «والأيام المقبلة تعني الأيام المقبلة، أعني بسرعة، وفورا». ولم يحدد مكان عقد الاجتماع. ولم يحدّد موعداً لاستئناف المحادثات.
وأفاد بوريل بأنه أثار في الاجتماع الذي استمر ساعتين، «قضايا عاجلة» مثل «الاحتجاز المقلق للغاية» لمواطني الاتحاد الأوروبي في إيران، مؤكدا أنه طالب المسؤولين الإيرانيين بالافراج الفوري عنهم، في إشارة إلى العديد من الغربيين المعتقلين في إيران بتهمة التجسّس أو بتهم أخرى.
وذكرت وكالة الصحافة الفرنسية أن بوريل لفت إلى أنّ إحدى العقبات الرئيسية التي تعرقل التقدّم في المفاوضات هي العداء بين إيران والولايات المتحدة، وهما دولتان قطعتا علاقاتهما الدبلوماسية منذ عام 1980.
لكن بوريل بدا أنه يهون من شأن توقعات بقرب التوصل لاتفاق. وقال بوريل في مؤتمر صحافي نشر على الموقع الإلكتروني للاتحاد الأوروبي «لا أستطيع التكهن... نحن ندفع من أجل ذلك. أقدر حسن النية من الجانب الإيراني. هناك أيضا نوايا حسنة من الجانب الأميركي»، بحسب رويترز.
بدوره، قال عبد اللهيان «نأمل في أن يقوم الجانب الأميركي هذه المرة بإجراءات مسؤولة في مسار المفاوضات والتوصل إلى نقطة نهائية للاتفاق»، مشيرا إلى أنه أجرى «مباحثات تفصيلية وإيجابية مع الاتحاد الاوروبي». وتابع «سنسعى إلى حل المشاكل والتباينات عبر المفاوضات التي تستأنف قريباً». وقال «نحن مستعدون لاستئناف المحادثات في الأيام المقبلة. ما يهم إيران هو الاستفادة الكاملة من المزايا الاقتصادية لاتفاق 2015».
كما استغل عبد اللهيان حضوره في مؤتمر صحافي إلى جانب بوريل لتمرير رسائل داخلية، للرد على الانتقادات ضد نهج الحكومة الحالية وفريقها الدبلوماسي، وقال إن «الحكومة الإيرانية تولي أهمية لمصالح شعبها»، منوهاً أن «حفظ وتوسيع العلاقات مع هذا الاتحاد يأتي ضمن أولويات الجمهورية الإسلامية لمواصلة تعاونها مع قارة أوروبا، وبما يشمل جميع الدول الأعضاء وغير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي» وفقا لوسائل إعلام رسمية إيرانية. ومن جانبه قال الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني، الذي يتخذ القرارات في المحادثات النووية، لبوريل إن إيران ستواصل تطوير برنامجها النووي حتى يغير الغرب «سلوكه غير القانوني».
وأضاف شمخاني أن «إجراءات إيران الانتقامية في المجال النووي هي مجرد ردود قانونية تتسم بالعقلانية على الممارسات الأحادية الأميركية والتقاعس الأوروبي وسوف تستمر طالما لم تتغير ممارسات الغرب غير القانونية»، حسبما أوردت وكالة «أرنا» الرسمية.
- اقترحات نهائية
وكان باديا في مارس (آذار) أن اتفاق 2015 يقترب من إعادة العمل به مجددا عندما وجه الاتحاد الأوروبي، الذي ينسق المفاوضات، دعوات إلى وزراء خارجية الدول أطراف الاتفاق للاجتماع في فيينا لوضع اللمسات النهائية على اتفاق بعد مرور 11 شهرا على بدء المحادثات غير المباشرة بين طهران وإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن. لكن المحادثات توقفت منذ ذلك الحين لإصرار إيران بالأساس على أن ترفع واشنطن «الحرس الثوري» من القائمة الأميركية للمنظمات الإرهابية الأجنبية.
وهذه المرة الثالثة التي حاول فيها الاتحاد الأوروبي إنعاش المفاوضات، وسط استمرار إيران في تسريع عملية تخصيب اليورانيوم. كما تخشى الأوساط المؤيدة للاتفاق النووي في واشنطن وطهران تأثر المفاوضات بالتصعيد المتبادل بين إيران وإسرائيل، في أحدث فصول «حرب الظل» بينهما.
جاءت زيارة بوريل المفاجئة إلى طهران، بعدما أرسل عبد اللهيان إشارات واضحة برغبة طهران في استئناف المفاوضات، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الروسي سيرغي لافروف الأربعاء الماضي. وقال عبد اللهيان إن نائبه وكبير المفاوضين الإيرانيين في الملف النووي، علي باقري كني كان على اتصال مستمر يوم الأربعاء لترتيب استئناف المفاوضات.
ومساء الخميس، اجتمع المبعوث الأميركي الخاص بإيران روبرت مالي مع بوريل ومورا في بروكسل، قبل ساعات من إعلان زيارة الوسيط الأوربي إلى طهران. وجدد مالي التأكيد على «الالتزام الأميركي بالعودة إلى اتفاق 2015». وشكر في تغريدة نشرها مساء الجمعة، المسؤولين الأوروبيين «لتنسيقهما الوثيق والمتواصل مع الولايات المتحدة». وكتب «نبقى متمسّكين بمسار الدبلوماسية المفيدة، بالتنسيق مع شركائنا الأوروبيين».
وقبل أن يصل بوريل مساء الجمعة إلى طهران، قالت الخارجية الفرنسية «نحن مستعدّون لإبرام هذا الاتفاق ونحض إيران على اغتنام هذه الفرصة الدبلوماسية لإبرامه الآن، طالما لا يزال ذلك ممكنًا» معربةً عن «دعمها الكامل» لجهود بوريل الذي تعود زيارته الأخيرة لإيران إلى فبراير( شباط) 2020.
وكانت مصادر دبلوماسية رفعية قد أبلغت «الشرق الأوسط» الجمعة أن بوريل لا يحمل في زيارته المفاجئة أي «مبادرات جديدة» لطرحها على الطرف الإيراني، وأن الزيارة تهدف «لإعادة إطلاق المفاوضات».
وقال مسؤولان، أحدهما إيراني والآخر أوروبي، لرويترز قبل زيارة بوريل إن «مسألتين، إحداهما تتعلق بالعقوبات، ما زالتا تنتظران الحل»، و لم تنكرها وزارة الخارجية الإيرانية أو تؤكدها.
وفي طهران، قال المحلل السياسي الإيراني أحمد زيد أبادي إن «بوريل جاء لتقديم اقتراحات نهائية وتحديد مهلة، عبر الإعلان أنه في حال لم تؤد المباحثات إلى اتفاق، فإن فشل المفاوضات سيتم إعلانه في الأيام والأسابيع المقبلة». وأضاف «أعتقد أن هناك فرصا كبيرة للتوصل إلى اتفاق» لأن ذلك يصب في مصلحة مختلف الأطراف.
- لائحة الإرهاب
وتضغط طهران من أجل الحصول على ضمانات بعدم سحب أي رئيس أميركي مستقبلي البلاد من الاتفاقية. ومن المسائل الأخرى التي لم يتم حلها المدى الذي يمكن أن يصل إليه خفض العقوبات.
لكن ملف «الحرس الثوري» يحظى بأهمية قصوى للحكومة التي يرأسها المحافظ المتشدد إبراهيم رئيسي. وكانت قضية «الحرس الثوري» مطروحة منذ بداية المفاوضات في أبريل (نيسان) العام الماضي، لكن لم تظهر للعلن إلا مع اقتراب المفاوضات من خط النهاية.
ومنذ بداية المفاوضات، أغلقت طهران الباب على «ربط مفاوضات فيينا والأنشطة الإقليمية وبرنامج الصواريخ الباليستية، التي يرعاها (الحرس الثوري) وذراعه الخارجية (فيلق القدس)». وحمّلت وزارة الخارجية الأميركية طهران مسؤولية التقدم بطلبات لا صلة لها بالملف النووي.
وفي 12 أبريل( نيسان)، قال قائد القوات البحرية بـ«الحرس الثوري» علي رضا تنكسيري إن طهران رفضت «عروضا متكررة من أعدائها» لرفع العقوبات مقابل تخلي طهران عن خططها للثأر من الولايات المتحدة لاغتيال قاسم سليماني قائد «فيلق القدس»، الذي قضي بضربة جوية في بغداد مطلع 2020، أمر بها ترمب.
وفي 13 أبريل (نيسان)، قال قائد القوة البرية في «الحرس الثوري» الجنرال محمد باكبور إن «قتل جميع القادة الأميركيين لن يكون كافيا للثأر لمقتل سليماني».
وكان أحد الحلول المطروحة إسقاط التصنيف الإرهابي من «الحرس الثوري» ككيان من قائمة الإرهاب، مقابل إبقاء «فيلق القدس» على اللائحة السوداء.
في عام 2018، أعلن الرئيس الأميركي في ذلك الوقت دونالد ترمب انسحاب بلاده من اتفاق عام 2015 الذي وافقت إيران بموجبه على فرض قيود على برنامجها النووي مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.
ودفع الانسحاب الأميركي من الاتفاق وإعادة فرض العقوبات الأميركية القاسية على إيران طهران إلى أن تبدأ بعد نحو عام في انتهاك القيود الأساسية المفروضة عليها بموجب الاتفاق.
- مخاوف غربية
وتخشى الدول الغربية من أن تكون إيران قريبة من امتلاك القدرة على صناعة قنبلة نووية. وقالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تقرير سري الأسبوع الماضي، تستعد لتشغيل سلسلة جديدة من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة (آي.آر-6) مؤلفة من 166 جهازا في منشأة فوردو تحت الأرض.
ويمنع الاتفاق النووي تخصيب اليورانيوم في المنشأة الحساسة. و تحتوي الأجهزة الجديدة على ما يسمى «الرؤوس الفرعية المعدلة» التي تسهل عملية التحول إلى التخصيب بدرجات نقاء أخرى. ويشير دبلوماسيون غربيون منذ فترة طويلة إلى هذه الأجهزة كمصدر قلق، إذ يمكنها أن تجعل إيران تسرع في تخصيب اليورانيوم لمستويات أعلى.
تأتي الخطوة بعدما فصلت إيران بعض كاميرات اللطاقة الذرية في مواقعها النووية، مطلع الشهر الحالي، بعيد تصويت الولايات المتحدة والأوروبيين على قرار في الوكالة يدين تقاعس طهران في تحقيق دولي بشأن ثلاثة مواقع سرية، عُثر فيها على آثار اليورانيوم.
وبعدما فصلت طهران كاميرات المراقبة، حذّر المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافايل غروسي من أنه إذا ما استمرّت الأمور على هذا النحو، فلن تكون الوكالة «في غضون ثلاثة أو أربعة أسابيع» قادرةً على توفير المعلومات اللازمة حول متابعة البرنامج النووي الإيراني. واعتبر أنّ هذا الأمر «سيشكّل ضربة قاضية» لاتفاق 2015.