كيف يمكن لـ«داعش» أن ينتصر؟

دعونا نفكر في ما لا يقبل التفكير: هل يمكن أن ينتصر تنظيم داعش؟ أقول: «لا يقبل التفكير» لأنه، من وازع الإحباط الذي أصاب الجميع، تتوقف جميع الآراء دون تخيل كيف سيبدو انتصار لـ«داعش» في الشرق الأوسط. إن الاعتقاد الشائع هو أن التنظيم بلغ من الشر مبلغًا، فباتت هزيمته أمرًا لا مفر منه، والمسألة ستستغرق فقط بعض الوقت. ولكن دعونا نجرب تلك الفرضية وأن نفكر لدقيقة عما يستلزم انتصار التنظيم. كيف سيبدو النجاح بالنسبة إلى «داعش»؟ بالأساس، سيكون ذلك مساويًا لاحتفاظ التنظيم، في المستقبل المنظور، بجل المناطق التي قام بغزوها – تقريبًا نصف العراق وسوريا – وممارسة نوع من الحوكمة البدائية هناك، فيما يطلق عليه هو «الخلافة». ما هو المستقبل المنظور؟ إن التنظيم شبه واثق من بقائه خلال رئاسة أوباما. إذا استمر التنظيم في حكم تلك المنطقة، فسيكون من الصعوبة، في رأيي، ألا نسمي ذلك انتصارًا.
وما الذي سيتعين حدوثه ليصبح ذلك نتيجة شبه محتومة؟ هناك على الأقل أربعة أشياء، وليس منها ما يعد ضربًا من الخيال:
أولاً، أن خصوم «داعش» سيكونون قد فشلوا في حشد القوة البرية الكافية لمواجهته، والقصف الجوي وحده لن يكون كافيًا. وفي الوقت الراهن، لا يعد الجيش العراقي أهلاً لهذه المهمة، وثمة تأييد لا يكاد يذكر، على نحو غير مفهوم، في أميركا لإرسال العدد اللازم من القوات، قد يتراوح بين عشرة آلاف و20 ألف جندي. وقد تحدثت الدول العربية عن تشكيل قوة عسكرية، ولكنها لا تملك خبرة قوية لهذا المشروع، ولا الوحدة الكافية لتنفيذه.
لا شك أننا لم نرفع يدنا عن تدريب القوات العراقية، كما أننا بدأنا تدريب نحو خمسمائة مقاتل لمواجهة «داعش» في سوريا. ولكن من الدروس التي أستقيها من فيتنام والنزاعات التي دارت خلال السنوات العشر الماضية، أن هناك فارقًا هائلاً ما بين تدريب قوة وجعلها قادرة على القتال. إن التدريب الجيد ضروري ولكنه ليس كافيًا.
والناس لا يقاتلون لأنهم حصلوا على التدريب؛ إنما يقاتلون لأنهم يؤمنون بشيء ما. وفي الوقت الراهن، أشد المؤمنين بشيء يقاتلون من أجله هم «داعش».
ثانيًا، سيكون لزامًا أن يدخل «داعش» بغداد. إن سيطرته على محافظة الأنبار تجعل هذه الخطوة، التي ستقطع به شوطًا طويلاً نحو تعزيز وضعه، في المتناول.
يدفع كثيرون بأن «داعش» الذي يغلب عليه السنة لا يمكنه «أخذ» بغداد، المدينة التي يغلب على سكانها الشيعة، والتي ستجد حماية شرسة من جانب الميليشيات الشيعية. ولكن التنظيم ليس مضطرًا إلى السيطرة على مدينة للقضاء على معنويات خصومه، تمامًا مثلما لم تكن جماعة «فيت كونغ» بحاجة إلى السيطرة على مدينة سايغون خلال هجوم «تيت». كانت الجماعة والفيتناميون الشماليون قد تعرضوا لهزيمة عسكرية ماحقة، ولكنهم كانوا لا يزالون قادرين على كسر إرادة القتال لدى الجنوب وإقناع كثيرين في الولايات المتحدة بأنها حرب لا يمكن كسبها.
وكل ما يحتاجه «داعش» هو أن يُظهر أن بمقدوره خرق دفاعات المدينة عبر دس المقاتلين والأسلحة وإحداث فوضى.
ثالثًا، سيتعين أن يواصل العراق طريقه نحو الانقسام. ومن شأن هذا أن يترك خصوم «داعش» في قاعدة أقل تأمينًا للقتال، كما سيجعل السنة والشيعة والأكراد من دون هدف أكثر من أي وقت مضى. ويظل لدى الأقلية السنية شعور بعدم الثقة لا يمكن علاجه تجاه الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة.
بينما يبدو تحرك الأكراد نحو الاستقلال مستمرًا، ولكن إذا أصبحوا القوة الرئيسية التي تقاتل «داعش» فسيزداد الحافز لديهم.
رابعًا، سيتعين أن تتخلى إيران عن لعب دور أكبر في هزيمة «داعش». تتولى الميليشيات التي دربتها إيران حاليًا مساعدة القوات العراقية، ولكن من دون تأثير حاسم. وفي حال عدم ظهور أي قوة أخرى، فإن إيران قد تستهويها فكرة لعب دور الفارس، ومن ثم تزج بأعداد أكبر من جنودها وعناصر ميليشيا حزب الله. ولكن أحدًا لا يريد هذا، على الأقل معظم دول الخليج، التي ستجد حينها قوات إيرانية محتشدة على حدودها. ولا يمكن للولايات المتحدة أن تذعن أبدًا لمثل هذا النوع من التدخل الإيراني من دون أن تدمر إيمان حلفائها بالمنطقة في قيادتها.
تلك هي الحقائق القاسية. ومن بين الخيارات السيئة المحتملة حدوث شلل سياسي هنا وفي الشرق الأوسط. ولكن الدرس الواضح من السنوات الكثيرة الماضية هو أن عدم اتخاذ أي قرار لا يزال من بين القرارات المتاحة، وهو أمر قد يسفر عن خيارات أكثر سوءًا.
* نائب المدير والقائم بأعمال مدير جهاز المخابرات المركزية «سي آي إيه» في الفترة من 2000 إلى 2004
* خدمة «واشنطن بوست»