إيمانويل ماكرون... من حاكم مطلق إلى باحث عن حلفاء وتسويات

نتائج الانتخابات النيابية في فرنسا تعيد خلط الأوراق

جان لوك ميلونشون زعيم كتلة «الاتحاد الشعبي الاجتماعي والاقتصادي الجديد» (رويترز)
جان لوك ميلونشون زعيم كتلة «الاتحاد الشعبي الاجتماعي والاقتصادي الجديد» (رويترز)
TT

إيمانويل ماكرون... من حاكم مطلق إلى باحث عن حلفاء وتسويات

جان لوك ميلونشون زعيم كتلة «الاتحاد الشعبي الاجتماعي والاقتصادي الجديد» (رويترز)
جان لوك ميلونشون زعيم كتلة «الاتحاد الشعبي الاجتماعي والاقتصادي الجديد» (رويترز)

دخلت فرنسا، منذ ليل الأحد - الاثنين الماضي، عند ظهور نتائج الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية، في منطقة من المطبات الهوائية العنيفة التي عنوانها فشل الرئيس إيمانويل ماكرون ومعه كتلته النيابية في الحصول على الأكثرية النيابية المطلقة في البرلمان الجديد في واقعة هي الأولى من نوعها منذ العام 1988. اللافت بالنسبة لماكرون أن فشله يأتي بعد أقل من شهرين على إعادة انتخابه لولاية ثانية من خمس سنوات. وللتذكير، فإنه منذ اعتمد تعديل مدة الولاية الرئاسية من سبع إلى خمس سنوات، حددت الانتخابات التشريعية مباشرة بعد الرئاسية. وكان الهدف من ذلك توفير نوع من الاستقرار السياسي وتسهيل عمل المؤسسات بحيث يستفيد الرئيس المنتخب حديثا من الديناميكية الرئاسية للحصول على أكثرية نيابية تضمن له تنفيذ برنامجه الانتخابي وتساعده على استصدار القوانين التي يريدها بالاعتماد على أكثرية صلبة. لكن ما حصل أن ماكرون فشل في الاستفادة من هذه القاعدة غير المكتوبة، ومع أن حزبه «الجمهورية إلى الأمام» - الذي غير اسمه إلى «النهضة» - حصل منفردا على أكبر عدد من المقاعد (175 نائباً) وأن تكتله النيابي حصد 250 مقعداً ليحتل المرتبة الأولى، فإن ماكرون يجد نفسه في حالة دونية لأن عليه البحث عن أصوات إضافية لدى الكتل والأحزاب الأخرى ليتمكن من تسيير أمور الدولة. وليس سراً لأحد أن على الرئيس الفرنسي أن «يدفع الثمن» السياسي ولا شك أنه سيكون مرتفعا. ومن هنا، جاءت مسارعته، بعد يوم واحد من إعلان النتيجة التي بينت عن حصوله على أكثرية نسبية - وبالتالي حاجته إلى دعم ما لا يقل عن 45 نائبا لضمان الأكثرية المطلقة - إلى إجراء جولة واسعة من المشاورات شملت مختلف رؤساء الأحزاب بحثا عن مخارج سياسية لتجنب شلل المؤسسات ولانعدام الاستقرار السياسي... وباختصار، إنقاذ ولايته الثانية.
خلال العقود التي مرت على قيام الجمهورية الخامسة في فرنسا عام 1958 على يدي الجنرال شارل ديغول، كانت اللعبة السياسية - البرلمانية واضحة القواعد: كانت هناك أكثرية تحكم وأقلية تعارض، وكان الحكم متداولا بين اليمين واليسار. بيد أنه مع وصول إيمانويل ماكرون إلى قصر الإليزيه الرئاسي، تغيرت اللعبة لأنه أراد تخطي الأحزاب فاختلط الحابل بالنابل، ونجح طيلة خمس سنوات، في جمع الأضداد في حزبه وحكومته وأكثريته بحيث غابت الخطوط الفاصلة التقليدية. وكانت نتيجة ذلك ضمور اليمين الذي أعطى فرنسا، منذ قيام الجمهورية الخامسة، خمسة رؤساء، وأيضاً ضمور اليسار الاشتراكي الذي أوصل رئيسين إلى الإليزيه. ماكرون، لا هو من اليمين ولا من اليسار، بل وسطي تأرجح بين اليمين واليسار، اجتذب إلى صفه شخصيات من هذا وذاك مع ميل واضح إلى اليمين الليبرالي. وظهر ذلك في سياساته الاقتصادية والاجتماعية، وفي الشخصيتين اللتين اختارهما لترؤس حكومات عهده الأول وهما إدوار فيليب ثم جان كاستيكس... والرجلان ينتميان إلى اليمين وتحديدا إلى حزب الجمهوريين.
في المقابل، وفر الوهن الذي أصاب الحزبين التقليديين بسبب سياسات ماكرون الفرصة للأحزاب الراديكالية كي يشتد عودها. وأبلغ دليل على هذا نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية حين حل ماكرون في المرتبة الأولى تتبعه مرشحة اليمين المتطرف وزعيمة حزب «التجمع الوطني» مارين لوبن ثم مرشح اليسار المتشدد وزعيم حزب «فرنسا المتمردة» جان لوك ميلونشون. ثم جاءت الانتخابات التشريعية لتثبت صورة المشهد السياسي حيث تتجاور ثلاث قوى: واحدة وسطية هي كتلة ماكرون التي تضم حزبه وثلاثة أحزاب رديفة تدور في فلكه، وقوتان على طرفي الخريطة السياسية هما كتلة اليسار «الاتحاد الشعبي الاجتماعي والاقتصادي الجديد» بزعامة ميلونشون، وكتلة اليمين المتطرف بزعامة مارين لوبن. الأولى حصدت 150 مقعدا موزعة على أطرافها الأربعة وأهمها «فرنسا الأبية» (84 مقعداً). والثانية أوصلت 89 نائبا إلى البرلمان، الأمر الذي يُعد حدثاً تاريخياً قياساً لما كان لديها في البرلمان السابق (ثمانية نواب).
اليمين المتطرف
لم يسبق للبرلمان الفرنسي في تاريخه أن شهد توزيعاً بهذا الشكل. ورغم أهمية النجاح الذي أحرزه ميلونشون في رص صفوف اليسار والبيئويين الذين تنافسوا في الحملة الرئاسية ما حرمه من الحلول في المرتبة الثانية والتنافس على الرئاسة مع إيمانويل ماكرون، فإن الظاهرة الأهم تكمن في القفزة التاريخية التي حققها اليمين المتطرف. هذا اليمين أوصل لوبن إلى الجولة الرئاسية الحاسمة بحصولها على 42 في المائة من الأصوات، ثم فاز بـ89 مقعدا في البرلمان الجديد رغم أن القانون الانتخابي القائم على دورتين وعلى أساس الدائرة الصغرى ليس الأكثر ملاءمة بالنسبة لـ«التجمع الوطني»: إذ أثبتت النتائج الأخيرة أن سير اليمين المتطرف إلى السلطة قائم ومتواصل، وأنه مع كل استحقاق انتخابي تشريعي أو رئاسي يتقدم خطوات. بل الأهم من ذلك، وفق المحللين السياسيين، أن ما يسمى «السقف الزجاجي» الذي كان يمنعه من تحقيق اختراقات سياسية قد تصدع. والسبب هنا أن «الجبهة الجمهورية» التي كانت تتشكل من اليمين واليسار كلما لاح في الأفق خطر اليمين المتطرف العنصري والمعادي للسامية وللمهاجرين قد تفككت بدورها.
في تفسير هذه النقلة التاريخية، اعتبر جان بيار ليفي من معهد «هاريس إنتراكتيف»، أن «تبدلاً عميقاً قد حصل في علاقة الفرنسيين مع حزب التجمع الوطني» الذي يطرح نفسه الآن حزب المعارضة الأول في مجلس النواب. ووصف الخبير السياسي جان - إيف كامو تقدم الحزب المذكور بـ«الصاروخي» ذلك أن حضوره لم يعد مقتصراً على «المناطق المؤيدة له، بل إنه تغلغل إلى مناطق ودوائر جديدة، وهو ما تعكسه الخريطة السياسية بحيث لم يعد محصوراً في الأرياف بل بات موجوداً في المدن الصغرى والمتوسطة. أما الخبير باسكال بيرينو فقد اعتبر أن «التجمع الوطني يتحول رويداً رويداً إلى حزب يتمتع بجذور محلية (...) وقد أصبح حامل لواء الانقسامات في المجتمع والمناطق».
تغييرات مارين لوبن
حقيقة الأمر أن القفزة الاستثنائية التي حققها «التجمع الوطني» تعود بالدرجة الأولى إلى سياسة «التطبيع» التي تنتهجها مارين لوبن لتغيير صورة حزبها، وطمس ما كان ينفر جميع الفرنسيين منه. وهي بذلك تفعل عكس ما فعله والدها جان ماري لوبن، أحد مؤسسي «الجبهة الوطنية» التي غيرت اسمها وأداءها وجددت كوادرها وركزت على المشاكل الحياتية للفرنسيين بدل المسائل الآيديولوجية. وها هي اليوم تطرح نفسها كالمعارضة الأولى لعهد ماكرون، مطالبة بنيابة رئاسة المجلس النيابي وبرئاسة اللجنة المالية وبكل ما يتيحه لها وضع حزبها كأكبر أحزاب المعارضة.
لقد تعلمت لوبن أن تبتسم وأن تتحدث بهدوء واتزان، ولكن من غير أن تغير شيئا في المفاهيم التي يدافع عنها حزبها الذي يبقى يمينياً متطرفاً معاديا للأجانب وللمهاجرين، ومندداً بالتطرف الإسلامي وبتراجع الأمن في البلاد وفشل الحكومات المتعاقبة في التصدي للهجرات غير الشرعية.
بل لعل مارين لوبن استفادت من وجود إريك زيمور، المرشح الرئاسي اليميني والشعبوي السابق الذي يتجاوزها في تطرفه ومواقفه بحيث إنها بدت «معتدلة» إلى جانبه. ورأى جيل إيفالدي، الخبير في برنامج التجمع الوطني الاقتصادي في المركز الوطني للبحث العلمي، في مقابلة إذاعية، أن ثمة ثلاثة تفسيرات لتقدم الحزب المتطرف: أولاها تنظيمه حملة خفية وبعيدة عن الأضواء ركزت على مواضيع تقع في صلب اهتمامات الفرنسيين مثل القدرة الشرائية والغلاء وما إلى ذلك، وثانيها اعتماد استراتيجية لمواجهة «شيطنته»، وثالثها اعتماده على كوادر جديدة تمكنت من ترسيخ وجودها المحلي.
لقد سعت لوبن إلى تقديم نفسها على أنها «مرشحة الشعب مقابل مرشح النخبة» (أي ماكرون) و«مرشحة فرنسا مقابل مرشح العولمة». والخلاصة أن «التجمع الوطني» أفلح في بلوغ هدفه الأول أي أن يتحول إلى حزب كبقية الأحزاب، وأن يخرج من التهميش... فيصبح لاعباً رئيساً على الخريطة السياسية، الأمر الذي سيضع عقبة كبيرة بوجه إيمانويل ماكرون. وإذا أضيف إلى ذلك وجود كتلة «الاتحاد الشعبي الجديد»، وخصوصاً نواب حزب ميلونشون «فرنسا المتمردة»، فهذا السيناريو كفيل بتحويل البرلمان إلى ساحة حرب دائمة بين مجموعتين، رئاسية من جهة ومعارضة من جهة أخرى، لا شيء يجمع بينهما.
عودة إلى الجمهورية الرابعة
ما يميز الجمهورية الرابعة في فرنسا عن تابعتها أن السلطة الحقيقية في الأولى كانت موجودة في البرلمان، الذي كان يقيم الحكومات ويسقطها بوتيرة مرتفعة. في حين أن مركز السلطة والقرار في الجمهورية الخامسة واقع في رئاسة الجمهورية.
خسارة ماكرون الآن للأكثرية المطلقة تفقده هذه السلطة إلى حد بعيد وتضعف موقعه في الداخل - والأرجح في الخارج أيضاً - وتحول عهده إلى عهد من المساومات المتواصلة بحثا عن أكثرية تقبل الوقوف إلى جانبه والتصويت لصالح مشاريع القوانين التي ستتقدم بها حكوماته المتعاقبة.
خلال السنوات الخمس المنقضية، مارس ماكرون الحكم «عمودياً»، بمعنى أن التوجيهات التي كان يطرحها كانت تترجم مشاريع قوانين تنقلها الحكومة إلى المجلس النيابي، الذي يتمتع بالكلمة الفصل في حال خلافه مع مجلس الشيوخ.
في المجلس الأول كان ماكرون يتمتع بأكثرية كاسحة لم تخذله مرة واحدة بل صوتت دائماً لصالحه. أما في المجلس الجديد، فإن الأمور ستختلف جذريا. إذ قال دومينيك روسو، أستاذ القانون الدستوري في جامعة بانثيون - سوربون لوكالة الصحافة الفرنسية: «ليس هناك تجديد لرئاسة قوية جدا» كما في ولاية ماكرون الأولى بل إن الولاية الجديدة «ستغلب عليها مفاوضات وتسويات برلمانية. لم يعد الأمر حكم رجل مهيمن إنما رئيس يعاني من نقص في الغالبية في الجمعية الوطنية». وخلاصته «نحن نتجه نحو ولاية سيعاد فيها تأهيل دور البرلمان. هذه هي ممارسة كل الدول الأوروبية الأخرى».
من جهة ثانية، يتعين على الرئيس الفرنسي الآن حل إشكاليتين مترابطتين: الأولى، أن يغير أسلوبه في الحكم الذي كان في الأغلب أحاديا وفوقياً، فيقبل أن تكون للمعارضة رؤيتها في إدارة شؤون فرنسا وللحلول المقترحة لمشاكلها. والإشكالية الثانية تتناول تعيين الجهة التي سيتمكن من التعاون معها للتغلب على عقبة افتقاره للأكثرية المطلقة.
منذ صبيحة الثلاثاء أطلق ماكرون، ليومين، جولة استشارات موسعة مع مختلف الأحزاب، لإيجاد حل مقبول لمعادلة تبدو عصية على الحل. وفُهم من تصريحات الذين التقاهم أن أحد السيناريوهات التي يفكر بها تشكيل «حكومة اتحاد وطني». غير أن هذا الخيار أجهضه، كل من جانبه، ولقي رفضا من كل الأطراف. ولكن وزير شؤون البرلمان أوليفيه فيران سارع إلى القول إن فهمه للمشروع الرئاسي هو أنه لا يشمل «التجمع الوطني» ولا حزب «فرنسا المتمردة» لأنهما في نظره «لا ينتميان إلى القوس الجمهوري» بسبب تطرفهما. ومن جانبه، دعا إدوار فيليب، رئيس الحكومة الأسبق، إلى بناء «أوسع تحالف» من شأنه توفير «إدارة مستقرة» لشؤون البلاد. وهو ما نادى به أيضاً - ولو بعبارات مختلفة - فرنسوا بايرو، رئيس حزب «الحركة الديمقراطية». وللعلم، فيليب وبايرو حليفان لماكرون وحزباهما جزء من كتلته السياسية «معاً». ومع استبعاد اليمين المتطرف واليسار المتشدد لا يبقى في الميدان أمام ماكرون سوى مجموعة نواب اليمين الكلاسيكي من التابعين لحزب الجمهوريين، وتضم هذه المجموعة مع حليفها «اتحاد الديمقراطيين والمستقلين» 64 نائبا.
الساعات القليلة الماضية
خلال الساعات القليلة الماضية، كانت الاتصالات على أشدها لمحاولة إيجاد مخارج للأزمة السياسية التي يمكن أن تتحول إلى أزمة مؤسسات ونظام. ويبدو اليوم بوضوح أن أمام الرئيس ماكرون احتمالين لا ثالث لهما: إما أن ينجح في إقناع مجموعة نواب اليمين الكلاسيكي بالدخول مع تكتله في ائتلاف حكومي يجري التفاوض على شروطه بين الطرفين، على غرار ما هو حاصل في ألمانيا مثلا، بحيث يكون الرابط بين المجموعتين الالتزام بمضمون الاتفاق... أي السياسات التي ستنفذها الحكومة للسنوات الخمس القادمة. إلا أن التوصل إلى اتفاق كهذا له ثمن على ماكرون دفعه إن عن طريق توزير شخصيات من الجمهوريين أو عن طريق الانفتاح على قبول التعديلات التي يطرحها شريكه المفترض على السياسات الحكومية. والحل الثاني يقوم على السعي لإيجاد أكثرية متحركة أو متغيرة وفق الحاجة، إن لدى اليمين أو اليسار، وبحسب مشاريع القوانين المعروضة.
وفي هذا السياق، يمكن تصور أن نواب حزب الجمهوريين أو الحزب الاشتراكي، أو حتى «الخضر» - الذين يتمتعون بثقافة الحكم الذي مارسوه لسنوات - يمكن أن يقبلوا التصويت لصالح مشاريع قوانين محددة تقترحها الحكومة إذا وجدوا أنها تتوافق مع توجهاتهم. وبكلام آخر، ستكون الحكومة مضطرة في جميع مشاريعها، إلى التفاوض والمهادنة، وأن تتوجه أحياناً إلى نواب اليمين وأحياناً أخرى إلى نواب اليسار... كما فعل رئيس الحكومة الاشتراكي الأسبق ميشال روكار ما بين العامين 1988 و1991.
ليل الأربعاء - الخميس، توجه ماكرون بكلمة متلفزة للفرنسيين بعد أن أنجز مشاوراته مع مختلف الأحزاب. وخلاصة ما جاء فيها ثلاثة أمور:
- الأول، دعوة القوى السياسية لتحمل مسؤولياتها وقبول التوصل إلى «حلول وسط» للخروج من الأزمة.
- الثاني، طرح المخارج الممكنة، وهي ثلاثة: تشكيل حكومة وحدة وطنية وقد استبعده، أو التوصل إلى إنشاء ائتلاف حكومي، وآخرها «العمل على القطعة» أي القبول على التصويت الإيجابي على مشاريع قوانين محددة وعلى الميزانية وغير ذلك.
- الثالث، أعطى ماكرون القوى السياسية مهلة 48 ساعة للرد عليه معترفا بالحاجة «للعمل بشكل مختلف» عما حصل في السنوات الماضية. لكنه نبه، في الوقت عينه، إلى عزمه «عدم فقدان تماسك المشروع» الذي حمله مجددا إلى رئاسة الجمهورية، بمعنى أنه سيتعين على القوى الأخرى الالتحاق به لأن تكتله يشكل القوة الأولى في البرلمان الجديد.
الرد جاء سريعاً وفاتراً على المقترح الرئاسي، ولم يعرب أحد عن استعداده للمشاركة في ائتلاف حكومي، بينما لم يغلق الباب أمام التعاون حول مشاريع قوانين معينة انطلاقا من مبدأ المحافظة على مصلحة الفرنسيين. وحتى الساعة، تبدو الصورة ضبابية. إذ بغض النظر عن أقصى طرفي الخريطة السياسية - أي «التجمع الوطني» و«فرنسا المتمردة» - ثمة مواقف تبدو قابلة للتبدل. فداخل مجموعة نواب الجمهوريين، هناك خطان، الأول رافض للدخول في ائتلاف حكومي مع ماكرون، والثاني راغب فيه رغم أن الموقف «الرسمي» للحزب المذكور يقول إنه «معارض»، وأنه «لن يشكل سترة نجاة» لرئيس الجمهورية. الخط الميال للتعاون يشدد على أن مواقف الطرفين السياسية والاقتصادية والأمنية ليست متباعدة. وكانت رئاسة الحكومات الماكرونية المتعاقبة في أيدي اليمين، ثم إن أبرز وزيرين في حكومته الحالية - وهما وزيرا الاقتصاد والمالية برونو لومير وجيرالد درامانان - كانا عضوين في حزب الجمهوريين قبل أن يجتذبهما ماكرون. وثمة وزراء آخرون جاءوا أخيراً من اليمين إلى حضن ماكرون أشهرهم داميان آباد، وزير شؤون المُعاقين الذي كان رئيس مجموعة النواب الجمهوريين في البرلمان السابق.


مقالات ذات صلة

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

شؤون إقليمية فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

ندّدت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع عَلَم بنما، في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس، التابع لـ«البحرية» الأميركية، وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم «الخارجية» الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجَزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)
العالم باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

قالت وزارة الخارجية الفرنسية إنها تأمل في أن يُحدَّد موعد جديد لزيارة وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني بعدما ألغيت بسبب تصريحات لوزير الداخلية الفرنسي حول سياسية الهجرة الإيطالية اعتُبرت «غير مقبولة». وكان من المقرر أن يعقد تاياني اجتماعا مع وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا مساء اليوم الخميس. وكان وزير الداخلية الفرنسي جيرار دارمانان قد اعتبر أن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني «عاجزة عن حل مشاكل الهجرة» في بلادها. وكتب تاياني على «تويتر»: «لن أذهب إلى باريس للمشاركة في الاجتماع الذي كان مقررا مع الوزيرة كولونا»، مشيرا إلى أن «إهانات وزير الداخلية جيرالد دارمانان بحق الحكومة وإي

«الشرق الأوسط» (باريس)
طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي»  بالألعاب النارية

طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي» بالألعاب النارية

يستخدم فريق أساليب جديدة بينها الألعاب النارية ومجموعة أصوات لطرد الطيور من مطار أورلي الفرنسي لمنعها من التسبب بمشاكل وأعطال في الطائرات، حسب وكالة الصحافة الفرنسية. وتطلق كولين بليسي وهي تضع خوذة مانعة للضجيج ونظارات واقية وتحمل مسدساً، النار في الهواء، فيصدر صوت صفير ثم فرقعة، مما يؤدي إلى فرار الطيور الجارحة بعيداً عن المدرج. وتوضح "إنها ألعاب نارية. لم تُصنّع بهدف قتل الطيور بل لإحداث ضجيج" وإخافتها. وتعمل بليسي كطاردة للطيور، وهي مهنة غير معروفة كثيراً لكنّها ضرورية في المطارات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

تتجه الأنظار اليوم إلى فرنسا لمعرفة مصير طلب الموافقة على «الاستفتاء بمبادرة مشتركة» الذي تقدمت به مجموعة من نواب اليسار والخضر إلى المجلس الدستوري الذي سيصدر فتواه عصر اليوم. وثمة مخاوف من أن رفضه سيفضي إلى تجمعات ومظاهرات كما حصل لدى رفض طلب مماثل أواسط الشهر الماضي. وتداعت النقابات للتجمع أمام مقر المجلس الواقع وسط العاصمة وقريباً من مبنى الأوبرا نحو الخامسة بعد الظهر «مسلحين» بقرع الطناجر لإسماع رفضهم السير بقانون تعديل نظام التقاعد الجديد. ويتيح تعديل دستوري أُقرّ في العام 2008، في عهد الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، طلب إجراء استفتاء صادر عن خمسة أعضاء مجلس النواب والشيوخ.

ميشال أبونجم (باريس)
«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

عناصر أمن أمام محطة للدراجات في باريس اشتعلت فيها النيران خلال تجدد المظاهرات أمس. وأعادت مناسبة «يوم العمال» الزخم للاحتجاجات الرافضة إصلاح نظام التقاعد الذي أقرّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)


موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)
لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)
TT

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)
لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)

لم تُخفِ موسكو ارتياحها للهزيمة القاسية التي مُنيت بها الإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة. إذ في عهد الرئيس جو بايدن تدهورت العلاقات بين البلدين إلى أسوأ مستوياتها منذ تفكّك الاتحاد السوفياتي السابق، وجرى تقويض كل قنوات الاتصال السياسية والدبلوماسية والأمنية. وحتى «الخط الساخن» الذي طالما عوّل عليه البلدان لمواجهة الظروف الطارئة وتجنّب الانزلاق إلى احتكاكات مقصودة أو غير مقصودة، جرى تجميده كلياً. كانت تلك، وفقاً لمسؤولين روس، أسوأ أربع سنوات في العلاقات، ولقد تحوّلت فيها الولايات المتحدة إلى خصم مباشر، و«شريك رئيس في الحرب الهجينة ضد روسيا». ولم ينعكس التدهور فقط في ملفات أوكرانيا والأمن الاستراتيجي والوضع في أوروبا - وهي القضايا المركزية التي تشغل بال الكرملين - بل أيضاً امتد في تأثيره بعيداً عن الجغرافيا الحيوية لروسيا... ليصل إلى الملفات الإقليمية الساخنة في الشرق الأوسط التي شهدت تصعيداً متواصلاً فاقم تأجيج الأزمة في العلاقات.

بمجرد اتضاح نتائج الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، بدأ محللون روس في وضع «سيناريوهات» للتقارب مع الإدارة الجمهورية الجديدة في واشنطن. ولطالما كان ينظر في موسكو للرئيس المنتخب دونالد ترمب على أنه «قادر على إعادة تشغيل العلاقات مع موسكو»، والتوصل إلى تسويات أو «صفقات» حول القضايا الأكثر خلافية.

بيد أن الكرملين كان قد خاض تجربة مريرة مع ولاية ترمب الأولى، عندما بدا الرئيس - المتهم بالتعاون سرّاً مع روسيا - عاجزاً عن مواجهة تركة باراك أوباما الثقيلة في العلاقة مع موسكو. لذلك لم ينجح التفاؤل الروسي في حينه، ولا الخطوات المحدودة التي انتهجها ترمب في تحسين العلاقات جدياً، ووضع «سيناريوهات» للتعاون في ملفات دولية أو إقليمية. بل بالعكس من ذلك، فقد واجهت روسيا في ولاية ترمب السابقة أضخم رُزم عقوبات فرضتها واشنطن. ومن ناحية ثانية، فشل الطرفان أيضاً في تحسين شروط التعاون حيال ملفات إقليمية مهمة، فتدهور الوضع حول إيران بعد انسحاب ترمب من الاتفاقية النووية، وتراجع الأخير عن تنفيذ تعهد الانسحاب من سوريا.

ثلاثة أفخاخ

بناءً عليه، بدت موسكو أكثر حذراً هذه المرة وهي تستقبل أنباء فوز ترمب الساحق. وحقاً، تجنّبت تعليق آمال جدية، بانتظار ما ستقدم عليه الإدارة الجديدة من خطوات عملية فور تسلم الرئيس منصبه رسمياً في يناير (كانون الثاني) المقبل.

لكن هذا لم يمنع التوقّعات المتشائمة، التي غلبت على العلاقة، من البروز بشكل مباشر أو غير مباشر. والحال أن موسكو تبدو حالياً ضعيفة الثقة بقدرة «ترمب الجديد» على تجاوز التغيّرات الكبرى التي شهدتها الأوضاع الإقليمية والدولية خلال السنوات الأخيرة. وفي هذا الإطار، أجمل أليكسي بوشكوف، عضو مجلس الشيوخ الروسي وأحد خبراء السياسة المقربين من الرئيس فلاديمير بوتين، المأزق الذي يواجه ترمب بأنه يشتمل على «ثلاثة أفخاخ صعبة».

الفخ الأول، بطبيعة الحال، هو ملف أوكرانيا: فلقد استثمرت الولايات المتحدة بالفعل الكثير في أوكرانيا لدرجة أنها ما عادت تعرف كيفية الخروج من هذه الأزمة. وهنا لا تتوقف موسكو كثيراً عند الوعود الانتخابية لترمب بإنهاء الحرب في 24 ساعة. ويتساءل بوشكوف: «هل ستتخلى واشنطن عنها مثل أفغانستان؟ لم يعد يمكنها ذلك». أو تكمل ما بدأته الإدارة الديمقراطية؟ عندها... وكما حذّر ترمب بحق، فإن هذا قد يؤدي إلى صراع نووي مع روسيا. تدرك موسكو حجم الصعوبات التي تواجه ترمب في هذا الملف.

أما الفخ الثاني، فهو شرق أوسطي. وهنا - حسب بوشكوف - «لا يمكن لترمب التراجع عن دعم إسرائيل بسبب وجود لوبي قوي جدّاً مؤيد لإسرائيل في الولايات المتحدة. لكنه لا يستطيع دعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو علناً في كل ما يفعله، لأن هذا يضرّ بمكانة الولايات المتحدة في العالم العربي (...) ولأن المخطط الأميركي لمصالحة إسرائيل مع جيرانها ما زال موضع شك. لقد حاولت الولايات المتحدة إخراج إسرائيل من عزلتها في المنطقة... لكن هذا المدخل لم يعد يعمل. وعلاوة على ذلك: يُصرّ العالم العربي على إقامة الدولة الفلسطينية، وهو ما ترفضه إسرائيل بشكل قاطع. إذن فهذا أيضًاً فخ».

وأما الفخ الثالث فهو تايوان. ووفقاً لبوشكوف: «من الممكن أن تصبح قضية تايوان فخاً كبيراً للولايات المتحدة. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل ستدعم أوروبا الأميركيين إذا دخلت الولايات المتحدة في صراع مع الصين؟ لقد قوّضت أوروبا نفسها اقتصادياً بشدة بالفعل بسبب انفصالها عن روسيا. وإذا فتحت أيضاً معركة مع الصين، التي يبلغ حجم تجارة الاتحاد الأوروبي معها تريليون دولار أميركي، فمن المرجح أن ينهار الاقتصاد الأوروبي ببساطة».

قنابل موقوتة

السياسي الروسي يرى أن «الأفخاخ الثلاثة» تمثل قنابل موقوتة بالنسبة إلى دونالد ترمب... مهما كانت طبيعة التركيبة النهائية لفريقه الرئاسي، أو خطواته الأولى على صعيد السياسة الخارجية.

فضلاً عن ذلك، يرى بوشكوف، أن ترمب الذي تعهد بإيلاء القدر الأكبر من الاهتمام للإصلاح الداخلي، سيواجه صعوبة كبرى في إيجاد توازن بين الانكفاء إلى الداخل من أجل تحسين الأداء الاقتصادي ومواجهة الهجرة و«إعادة أميركا عظيمة» بقدراتها واقتصادها ومستوى المعيشة لشعبها، وبين العمل بسرعة لتنفيذ وعود انتخابية بإنهاء حروب وتقليص التوتر في أزمات خارجية. ويضيف متسائلاً: «كيف يمكن أن تكون أميركا عظيمة مجدّداً... وهي تنكفئ في السياسة الدولية؟».

تبدو موسكو حالياً ضعيفة الثقة بقدرة «ترمب الجديد» على تجاوز

التغيّرات الكبرى التي شهدتها الأوضاع الإقليمية والدولية خلال السنوات الأخيرة

تباين حيال التسوية في الشرق الأوسط

لا يبدو أن موسكو تثق كثيراً بقدرة ترمب على لعب دور نشط لإنهاء الحرب على غزة ولبنان، ودفع الإسرائيليين إلى التوصّل لحلول سياسية تعيد الهدوء - ولو نسبياً - إلى الشرق الأوسط.

وهنا، يذكر خبراء أن المدخل الأميركي السابق قام على أساس تعزيز اتفاقات تطبيع وفرض سلام من نوع خاص، لا يؤدي إلى تسوية سياسية حقيقية تنهي العنف في المنطقة وتنزع ذرائعه.

وترمب نفسه أعرب خلال فترة ولايته الرئاسية الأولى عن نيته التوسط في حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لكنه أظهر لاحقاً التقارب مع إسرائيل من أجل كسب دعم المانحين الرئيسيين والناخبين الرئيسيين، وخاصة الصهاينة المسيحيين الإيفانجيليين.

بحسب خبراء، هذا الموقف يتوافق مع النهج القائل: «أميركا تفعل ما تريد، وبالتالي أصدقاء أميركا يفعلون ما يريدون». مع الإشارة هنا إلى أن هذا النهج المائل إلى عقد «صفقات» ينصّ على «امتيازات خاصة للحلفاء كدفعة مقابل الأمن». غير أن موسكو ليست مقتنعة بأن هذا المدخل سيعزّز طريق الحلول النهائية للمنطقة.

ومقابل القناعة الروسية بالعودة إلى الآليات التي توافر عليها نوعٌ من الإجماع الدولي، كإحياء «الرباعية الدولية» وتوسيعها بضم بعض الأطراف الإقليمية المهمة (المملكة العربية السعودية ومصر وجامعة الدول العربية)، وأيضاً العودة إلى مبادئ التسوية القائمة على أساس رفض التوسّع الجغرافي للاحتلال، وإعلاء «مبدأ حل الدولتين» ووضع خرائط طريق جديدة بينها «المبادرة العربية للسلام»، فإن مدخل ترمب يقوم على عقد صفقات سريعة للتهدئة، وترك المناطق أمام «برميل بارود» قابل للانفجار مجدداً في أي وقت.

في هذا الإطار لا يتوقّع خبراء روس أن تكون التسوية في الشرق الأوسط بين أولويات الحوار المنتظر مع الإدارة الأميركية الجديدة، بالنظر إلى أن هذا الموضوع فيه تباعد واسع في وجهات النظر، ولا يدخل ضمن الملفات التي قد يكون بوسع الطرفين التوصل إلى صفقات حولها.

وفي الوقت ذاته، ترى موسكو - وفقاً لتحركات محدَّدة برزت في سوريا، ومن خلال حوارات مكثفة أجريت غالباً خلف أبواب مغلقة مع الجانب الإسرائيلي - أن بوسعها لعب دور أساسي في تأكيد دورها بضمان أمن إسرائيل من جهة سوريا وإيران مستقبلاً. وهو ما يعني أن هذا الموضوع قد يكون جزئياً على طاولة حوار روسي - أميركي في وقت لاحق.

تأهب للحوار حول سوريا

في هذه الأثناء، لدى الأوساط الروسية نظرة إيجابية، ولكن حذرة، بشأن احتمالات سحب ترمب القوات الأميركية من سوريا إبان ولاية ترمب الجديدة.

موسكو تتذكر الإرادة الأميركية في الانسحاب من سوريا إبان ولاية ترمب السابقة، لكن يومذاك كان التهديد الإرهابي ما زال نشطاً، والخطوط الفاصلة ومناطق النفوذ لم تكن قد تبلورت بشكل شبه نهائي. لذا يرى خبراء روس أن ترمب عندما يتكلّم عن سحب القوات حالياً فهو ينطلق من واقع ميداني وسياسي جديد. وبالتالي، سيكون حذراً للغاية عند مناقشة هذه المشكلة مجدداً.

أيضاً، ونظراً لوعود ترمب الانتخابية المتكررة، يُرجح أن ترغب واشنطن في سحب قواتها من سوريا، لكن لا يبدو لموسكو أن هذه القضية ستكون مُدرجة على جدول الأعمال ضمن أولويات التحرك الأميركي حالياً.

لقد قوبلت خطط ترمب لسحب القوات في السابق بمقاومة مفتوحة، خاصة من «القيادة الوسطى» الأميركية وشخصيات، مثل بريت ماكغورك، الذي عمل مبعوثاً خاصاً لمكافحة «داعش» حتى أواخر عام 2018، واستقال قبل شهرين من انتهاء فترة ولايته، مباشرة بعد قرار إدارة ترمب سحب القوات من سوريا في 19 ديسمبر (كانون الأول) 2018. بعدها عيّن جو بايدن، الرئيس الأميركي المنتخب، عام 2020، ماكغورك منسقاً لمجلس الأمن القومي الأميركي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، واكتسبت سياسة واشنطن في سوريا لدعم حزب العمال الكردستاني «وحدات حماية الشعب» زخماً.

حالياً يعود الملف إلى دائرة النقاش، ولقد برز بشكل واضح خلال اجتماعات «جولة آستانة للحوار» التي انعقدت أخيراً. وأكد المبعوث الرئاسي الروسي ألكسندر لافرنتييف إلى سوريا في ختام الاجتماعات أن موسكو منفتحة على الحوار مع الإدارة الأميركية الجديدة فور تشكيلها، لبحث الملفات المتعلقة بسوريا. وقال الدبلوماسي الروسي: «إذا كانت هناك مقترحات، فإن الجانب الروسي منفتح، ونحن على استعداد لمواصلة الاتصالات مع الأميركيين».

وفي هذا المجال، تنطلق موسكو من قناعة بأنه لا يمكن التوصل إلى بعض الحلول الوسط إلا من خلال المفاوضات المباشرة. وهي هنا مستعدة للاستماع إلى وجهات النظر الأخرى، وربما تقديم بعض الضمانات التي تحتاج إليها واشنطن لتسريع عملية الانسحاب ودعم التسوية في سوريا برعاية روسية تضمن مصالح الأخيرة.