إيمانويل ماكرون... من حاكم مطلق إلى باحث عن حلفاء وتسويات

نتائج الانتخابات النيابية في فرنسا تعيد خلط الأوراق

جان لوك ميلونشون زعيم كتلة «الاتحاد الشعبي الاجتماعي والاقتصادي الجديد» (رويترز)
جان لوك ميلونشون زعيم كتلة «الاتحاد الشعبي الاجتماعي والاقتصادي الجديد» (رويترز)
TT

إيمانويل ماكرون... من حاكم مطلق إلى باحث عن حلفاء وتسويات

جان لوك ميلونشون زعيم كتلة «الاتحاد الشعبي الاجتماعي والاقتصادي الجديد» (رويترز)
جان لوك ميلونشون زعيم كتلة «الاتحاد الشعبي الاجتماعي والاقتصادي الجديد» (رويترز)

دخلت فرنسا، منذ ليل الأحد - الاثنين الماضي، عند ظهور نتائج الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية، في منطقة من المطبات الهوائية العنيفة التي عنوانها فشل الرئيس إيمانويل ماكرون ومعه كتلته النيابية في الحصول على الأكثرية النيابية المطلقة في البرلمان الجديد في واقعة هي الأولى من نوعها منذ العام 1988. اللافت بالنسبة لماكرون أن فشله يأتي بعد أقل من شهرين على إعادة انتخابه لولاية ثانية من خمس سنوات. وللتذكير، فإنه منذ اعتمد تعديل مدة الولاية الرئاسية من سبع إلى خمس سنوات، حددت الانتخابات التشريعية مباشرة بعد الرئاسية. وكان الهدف من ذلك توفير نوع من الاستقرار السياسي وتسهيل عمل المؤسسات بحيث يستفيد الرئيس المنتخب حديثا من الديناميكية الرئاسية للحصول على أكثرية نيابية تضمن له تنفيذ برنامجه الانتخابي وتساعده على استصدار القوانين التي يريدها بالاعتماد على أكثرية صلبة. لكن ما حصل أن ماكرون فشل في الاستفادة من هذه القاعدة غير المكتوبة، ومع أن حزبه «الجمهورية إلى الأمام» - الذي غير اسمه إلى «النهضة» - حصل منفردا على أكبر عدد من المقاعد (175 نائباً) وأن تكتله النيابي حصد 250 مقعداً ليحتل المرتبة الأولى، فإن ماكرون يجد نفسه في حالة دونية لأن عليه البحث عن أصوات إضافية لدى الكتل والأحزاب الأخرى ليتمكن من تسيير أمور الدولة. وليس سراً لأحد أن على الرئيس الفرنسي أن «يدفع الثمن» السياسي ولا شك أنه سيكون مرتفعا. ومن هنا، جاءت مسارعته، بعد يوم واحد من إعلان النتيجة التي بينت عن حصوله على أكثرية نسبية - وبالتالي حاجته إلى دعم ما لا يقل عن 45 نائبا لضمان الأكثرية المطلقة - إلى إجراء جولة واسعة من المشاورات شملت مختلف رؤساء الأحزاب بحثا عن مخارج سياسية لتجنب شلل المؤسسات ولانعدام الاستقرار السياسي... وباختصار، إنقاذ ولايته الثانية.
خلال العقود التي مرت على قيام الجمهورية الخامسة في فرنسا عام 1958 على يدي الجنرال شارل ديغول، كانت اللعبة السياسية - البرلمانية واضحة القواعد: كانت هناك أكثرية تحكم وأقلية تعارض، وكان الحكم متداولا بين اليمين واليسار. بيد أنه مع وصول إيمانويل ماكرون إلى قصر الإليزيه الرئاسي، تغيرت اللعبة لأنه أراد تخطي الأحزاب فاختلط الحابل بالنابل، ونجح طيلة خمس سنوات، في جمع الأضداد في حزبه وحكومته وأكثريته بحيث غابت الخطوط الفاصلة التقليدية. وكانت نتيجة ذلك ضمور اليمين الذي أعطى فرنسا، منذ قيام الجمهورية الخامسة، خمسة رؤساء، وأيضاً ضمور اليسار الاشتراكي الذي أوصل رئيسين إلى الإليزيه. ماكرون، لا هو من اليمين ولا من اليسار، بل وسطي تأرجح بين اليمين واليسار، اجتذب إلى صفه شخصيات من هذا وذاك مع ميل واضح إلى اليمين الليبرالي. وظهر ذلك في سياساته الاقتصادية والاجتماعية، وفي الشخصيتين اللتين اختارهما لترؤس حكومات عهده الأول وهما إدوار فيليب ثم جان كاستيكس... والرجلان ينتميان إلى اليمين وتحديدا إلى حزب الجمهوريين.
في المقابل، وفر الوهن الذي أصاب الحزبين التقليديين بسبب سياسات ماكرون الفرصة للأحزاب الراديكالية كي يشتد عودها. وأبلغ دليل على هذا نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية حين حل ماكرون في المرتبة الأولى تتبعه مرشحة اليمين المتطرف وزعيمة حزب «التجمع الوطني» مارين لوبن ثم مرشح اليسار المتشدد وزعيم حزب «فرنسا المتمردة» جان لوك ميلونشون. ثم جاءت الانتخابات التشريعية لتثبت صورة المشهد السياسي حيث تتجاور ثلاث قوى: واحدة وسطية هي كتلة ماكرون التي تضم حزبه وثلاثة أحزاب رديفة تدور في فلكه، وقوتان على طرفي الخريطة السياسية هما كتلة اليسار «الاتحاد الشعبي الاجتماعي والاقتصادي الجديد» بزعامة ميلونشون، وكتلة اليمين المتطرف بزعامة مارين لوبن. الأولى حصدت 150 مقعدا موزعة على أطرافها الأربعة وأهمها «فرنسا الأبية» (84 مقعداً). والثانية أوصلت 89 نائبا إلى البرلمان، الأمر الذي يُعد حدثاً تاريخياً قياساً لما كان لديها في البرلمان السابق (ثمانية نواب).
اليمين المتطرف
لم يسبق للبرلمان الفرنسي في تاريخه أن شهد توزيعاً بهذا الشكل. ورغم أهمية النجاح الذي أحرزه ميلونشون في رص صفوف اليسار والبيئويين الذين تنافسوا في الحملة الرئاسية ما حرمه من الحلول في المرتبة الثانية والتنافس على الرئاسة مع إيمانويل ماكرون، فإن الظاهرة الأهم تكمن في القفزة التاريخية التي حققها اليمين المتطرف. هذا اليمين أوصل لوبن إلى الجولة الرئاسية الحاسمة بحصولها على 42 في المائة من الأصوات، ثم فاز بـ89 مقعدا في البرلمان الجديد رغم أن القانون الانتخابي القائم على دورتين وعلى أساس الدائرة الصغرى ليس الأكثر ملاءمة بالنسبة لـ«التجمع الوطني»: إذ أثبتت النتائج الأخيرة أن سير اليمين المتطرف إلى السلطة قائم ومتواصل، وأنه مع كل استحقاق انتخابي تشريعي أو رئاسي يتقدم خطوات. بل الأهم من ذلك، وفق المحللين السياسيين، أن ما يسمى «السقف الزجاجي» الذي كان يمنعه من تحقيق اختراقات سياسية قد تصدع. والسبب هنا أن «الجبهة الجمهورية» التي كانت تتشكل من اليمين واليسار كلما لاح في الأفق خطر اليمين المتطرف العنصري والمعادي للسامية وللمهاجرين قد تفككت بدورها.
في تفسير هذه النقلة التاريخية، اعتبر جان بيار ليفي من معهد «هاريس إنتراكتيف»، أن «تبدلاً عميقاً قد حصل في علاقة الفرنسيين مع حزب التجمع الوطني» الذي يطرح نفسه الآن حزب المعارضة الأول في مجلس النواب. ووصف الخبير السياسي جان - إيف كامو تقدم الحزب المذكور بـ«الصاروخي» ذلك أن حضوره لم يعد مقتصراً على «المناطق المؤيدة له، بل إنه تغلغل إلى مناطق ودوائر جديدة، وهو ما تعكسه الخريطة السياسية بحيث لم يعد محصوراً في الأرياف بل بات موجوداً في المدن الصغرى والمتوسطة. أما الخبير باسكال بيرينو فقد اعتبر أن «التجمع الوطني يتحول رويداً رويداً إلى حزب يتمتع بجذور محلية (...) وقد أصبح حامل لواء الانقسامات في المجتمع والمناطق».
تغييرات مارين لوبن
حقيقة الأمر أن القفزة الاستثنائية التي حققها «التجمع الوطني» تعود بالدرجة الأولى إلى سياسة «التطبيع» التي تنتهجها مارين لوبن لتغيير صورة حزبها، وطمس ما كان ينفر جميع الفرنسيين منه. وهي بذلك تفعل عكس ما فعله والدها جان ماري لوبن، أحد مؤسسي «الجبهة الوطنية» التي غيرت اسمها وأداءها وجددت كوادرها وركزت على المشاكل الحياتية للفرنسيين بدل المسائل الآيديولوجية. وها هي اليوم تطرح نفسها كالمعارضة الأولى لعهد ماكرون، مطالبة بنيابة رئاسة المجلس النيابي وبرئاسة اللجنة المالية وبكل ما يتيحه لها وضع حزبها كأكبر أحزاب المعارضة.
لقد تعلمت لوبن أن تبتسم وأن تتحدث بهدوء واتزان، ولكن من غير أن تغير شيئا في المفاهيم التي يدافع عنها حزبها الذي يبقى يمينياً متطرفاً معاديا للأجانب وللمهاجرين، ومندداً بالتطرف الإسلامي وبتراجع الأمن في البلاد وفشل الحكومات المتعاقبة في التصدي للهجرات غير الشرعية.
بل لعل مارين لوبن استفادت من وجود إريك زيمور، المرشح الرئاسي اليميني والشعبوي السابق الذي يتجاوزها في تطرفه ومواقفه بحيث إنها بدت «معتدلة» إلى جانبه. ورأى جيل إيفالدي، الخبير في برنامج التجمع الوطني الاقتصادي في المركز الوطني للبحث العلمي، في مقابلة إذاعية، أن ثمة ثلاثة تفسيرات لتقدم الحزب المتطرف: أولاها تنظيمه حملة خفية وبعيدة عن الأضواء ركزت على مواضيع تقع في صلب اهتمامات الفرنسيين مثل القدرة الشرائية والغلاء وما إلى ذلك، وثانيها اعتماد استراتيجية لمواجهة «شيطنته»، وثالثها اعتماده على كوادر جديدة تمكنت من ترسيخ وجودها المحلي.
لقد سعت لوبن إلى تقديم نفسها على أنها «مرشحة الشعب مقابل مرشح النخبة» (أي ماكرون) و«مرشحة فرنسا مقابل مرشح العولمة». والخلاصة أن «التجمع الوطني» أفلح في بلوغ هدفه الأول أي أن يتحول إلى حزب كبقية الأحزاب، وأن يخرج من التهميش... فيصبح لاعباً رئيساً على الخريطة السياسية، الأمر الذي سيضع عقبة كبيرة بوجه إيمانويل ماكرون. وإذا أضيف إلى ذلك وجود كتلة «الاتحاد الشعبي الجديد»، وخصوصاً نواب حزب ميلونشون «فرنسا المتمردة»، فهذا السيناريو كفيل بتحويل البرلمان إلى ساحة حرب دائمة بين مجموعتين، رئاسية من جهة ومعارضة من جهة أخرى، لا شيء يجمع بينهما.
عودة إلى الجمهورية الرابعة
ما يميز الجمهورية الرابعة في فرنسا عن تابعتها أن السلطة الحقيقية في الأولى كانت موجودة في البرلمان، الذي كان يقيم الحكومات ويسقطها بوتيرة مرتفعة. في حين أن مركز السلطة والقرار في الجمهورية الخامسة واقع في رئاسة الجمهورية.
خسارة ماكرون الآن للأكثرية المطلقة تفقده هذه السلطة إلى حد بعيد وتضعف موقعه في الداخل - والأرجح في الخارج أيضاً - وتحول عهده إلى عهد من المساومات المتواصلة بحثا عن أكثرية تقبل الوقوف إلى جانبه والتصويت لصالح مشاريع القوانين التي ستتقدم بها حكوماته المتعاقبة.
خلال السنوات الخمس المنقضية، مارس ماكرون الحكم «عمودياً»، بمعنى أن التوجيهات التي كان يطرحها كانت تترجم مشاريع قوانين تنقلها الحكومة إلى المجلس النيابي، الذي يتمتع بالكلمة الفصل في حال خلافه مع مجلس الشيوخ.
في المجلس الأول كان ماكرون يتمتع بأكثرية كاسحة لم تخذله مرة واحدة بل صوتت دائماً لصالحه. أما في المجلس الجديد، فإن الأمور ستختلف جذريا. إذ قال دومينيك روسو، أستاذ القانون الدستوري في جامعة بانثيون - سوربون لوكالة الصحافة الفرنسية: «ليس هناك تجديد لرئاسة قوية جدا» كما في ولاية ماكرون الأولى بل إن الولاية الجديدة «ستغلب عليها مفاوضات وتسويات برلمانية. لم يعد الأمر حكم رجل مهيمن إنما رئيس يعاني من نقص في الغالبية في الجمعية الوطنية». وخلاصته «نحن نتجه نحو ولاية سيعاد فيها تأهيل دور البرلمان. هذه هي ممارسة كل الدول الأوروبية الأخرى».
من جهة ثانية، يتعين على الرئيس الفرنسي الآن حل إشكاليتين مترابطتين: الأولى، أن يغير أسلوبه في الحكم الذي كان في الأغلب أحاديا وفوقياً، فيقبل أن تكون للمعارضة رؤيتها في إدارة شؤون فرنسا وللحلول المقترحة لمشاكلها. والإشكالية الثانية تتناول تعيين الجهة التي سيتمكن من التعاون معها للتغلب على عقبة افتقاره للأكثرية المطلقة.
منذ صبيحة الثلاثاء أطلق ماكرون، ليومين، جولة استشارات موسعة مع مختلف الأحزاب، لإيجاد حل مقبول لمعادلة تبدو عصية على الحل. وفُهم من تصريحات الذين التقاهم أن أحد السيناريوهات التي يفكر بها تشكيل «حكومة اتحاد وطني». غير أن هذا الخيار أجهضه، كل من جانبه، ولقي رفضا من كل الأطراف. ولكن وزير شؤون البرلمان أوليفيه فيران سارع إلى القول إن فهمه للمشروع الرئاسي هو أنه لا يشمل «التجمع الوطني» ولا حزب «فرنسا المتمردة» لأنهما في نظره «لا ينتميان إلى القوس الجمهوري» بسبب تطرفهما. ومن جانبه، دعا إدوار فيليب، رئيس الحكومة الأسبق، إلى بناء «أوسع تحالف» من شأنه توفير «إدارة مستقرة» لشؤون البلاد. وهو ما نادى به أيضاً - ولو بعبارات مختلفة - فرنسوا بايرو، رئيس حزب «الحركة الديمقراطية». وللعلم، فيليب وبايرو حليفان لماكرون وحزباهما جزء من كتلته السياسية «معاً». ومع استبعاد اليمين المتطرف واليسار المتشدد لا يبقى في الميدان أمام ماكرون سوى مجموعة نواب اليمين الكلاسيكي من التابعين لحزب الجمهوريين، وتضم هذه المجموعة مع حليفها «اتحاد الديمقراطيين والمستقلين» 64 نائبا.
الساعات القليلة الماضية
خلال الساعات القليلة الماضية، كانت الاتصالات على أشدها لمحاولة إيجاد مخارج للأزمة السياسية التي يمكن أن تتحول إلى أزمة مؤسسات ونظام. ويبدو اليوم بوضوح أن أمام الرئيس ماكرون احتمالين لا ثالث لهما: إما أن ينجح في إقناع مجموعة نواب اليمين الكلاسيكي بالدخول مع تكتله في ائتلاف حكومي يجري التفاوض على شروطه بين الطرفين، على غرار ما هو حاصل في ألمانيا مثلا، بحيث يكون الرابط بين المجموعتين الالتزام بمضمون الاتفاق... أي السياسات التي ستنفذها الحكومة للسنوات الخمس القادمة. إلا أن التوصل إلى اتفاق كهذا له ثمن على ماكرون دفعه إن عن طريق توزير شخصيات من الجمهوريين أو عن طريق الانفتاح على قبول التعديلات التي يطرحها شريكه المفترض على السياسات الحكومية. والحل الثاني يقوم على السعي لإيجاد أكثرية متحركة أو متغيرة وفق الحاجة، إن لدى اليمين أو اليسار، وبحسب مشاريع القوانين المعروضة.
وفي هذا السياق، يمكن تصور أن نواب حزب الجمهوريين أو الحزب الاشتراكي، أو حتى «الخضر» - الذين يتمتعون بثقافة الحكم الذي مارسوه لسنوات - يمكن أن يقبلوا التصويت لصالح مشاريع قوانين محددة تقترحها الحكومة إذا وجدوا أنها تتوافق مع توجهاتهم. وبكلام آخر، ستكون الحكومة مضطرة في جميع مشاريعها، إلى التفاوض والمهادنة، وأن تتوجه أحياناً إلى نواب اليمين وأحياناً أخرى إلى نواب اليسار... كما فعل رئيس الحكومة الاشتراكي الأسبق ميشال روكار ما بين العامين 1988 و1991.
ليل الأربعاء - الخميس، توجه ماكرون بكلمة متلفزة للفرنسيين بعد أن أنجز مشاوراته مع مختلف الأحزاب. وخلاصة ما جاء فيها ثلاثة أمور:
- الأول، دعوة القوى السياسية لتحمل مسؤولياتها وقبول التوصل إلى «حلول وسط» للخروج من الأزمة.
- الثاني، طرح المخارج الممكنة، وهي ثلاثة: تشكيل حكومة وحدة وطنية وقد استبعده، أو التوصل إلى إنشاء ائتلاف حكومي، وآخرها «العمل على القطعة» أي القبول على التصويت الإيجابي على مشاريع قوانين محددة وعلى الميزانية وغير ذلك.
- الثالث، أعطى ماكرون القوى السياسية مهلة 48 ساعة للرد عليه معترفا بالحاجة «للعمل بشكل مختلف» عما حصل في السنوات الماضية. لكنه نبه، في الوقت عينه، إلى عزمه «عدم فقدان تماسك المشروع» الذي حمله مجددا إلى رئاسة الجمهورية، بمعنى أنه سيتعين على القوى الأخرى الالتحاق به لأن تكتله يشكل القوة الأولى في البرلمان الجديد.
الرد جاء سريعاً وفاتراً على المقترح الرئاسي، ولم يعرب أحد عن استعداده للمشاركة في ائتلاف حكومي، بينما لم يغلق الباب أمام التعاون حول مشاريع قوانين معينة انطلاقا من مبدأ المحافظة على مصلحة الفرنسيين. وحتى الساعة، تبدو الصورة ضبابية. إذ بغض النظر عن أقصى طرفي الخريطة السياسية - أي «التجمع الوطني» و«فرنسا المتمردة» - ثمة مواقف تبدو قابلة للتبدل. فداخل مجموعة نواب الجمهوريين، هناك خطان، الأول رافض للدخول في ائتلاف حكومي مع ماكرون، والثاني راغب فيه رغم أن الموقف «الرسمي» للحزب المذكور يقول إنه «معارض»، وأنه «لن يشكل سترة نجاة» لرئيس الجمهورية. الخط الميال للتعاون يشدد على أن مواقف الطرفين السياسية والاقتصادية والأمنية ليست متباعدة. وكانت رئاسة الحكومات الماكرونية المتعاقبة في أيدي اليمين، ثم إن أبرز وزيرين في حكومته الحالية - وهما وزيرا الاقتصاد والمالية برونو لومير وجيرالد درامانان - كانا عضوين في حزب الجمهوريين قبل أن يجتذبهما ماكرون. وثمة وزراء آخرون جاءوا أخيراً من اليمين إلى حضن ماكرون أشهرهم داميان آباد، وزير شؤون المُعاقين الذي كان رئيس مجموعة النواب الجمهوريين في البرلمان السابق.


مقالات ذات صلة

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

شؤون إقليمية فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

ندّدت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع عَلَم بنما، في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس، التابع لـ«البحرية» الأميركية، وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم «الخارجية» الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجَزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)
العالم باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

قالت وزارة الخارجية الفرنسية إنها تأمل في أن يُحدَّد موعد جديد لزيارة وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني بعدما ألغيت بسبب تصريحات لوزير الداخلية الفرنسي حول سياسية الهجرة الإيطالية اعتُبرت «غير مقبولة». وكان من المقرر أن يعقد تاياني اجتماعا مع وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا مساء اليوم الخميس. وكان وزير الداخلية الفرنسي جيرار دارمانان قد اعتبر أن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني «عاجزة عن حل مشاكل الهجرة» في بلادها. وكتب تاياني على «تويتر»: «لن أذهب إلى باريس للمشاركة في الاجتماع الذي كان مقررا مع الوزيرة كولونا»، مشيرا إلى أن «إهانات وزير الداخلية جيرالد دارمانان بحق الحكومة وإي

«الشرق الأوسط» (باريس)
طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي»  بالألعاب النارية

طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي» بالألعاب النارية

يستخدم فريق أساليب جديدة بينها الألعاب النارية ومجموعة أصوات لطرد الطيور من مطار أورلي الفرنسي لمنعها من التسبب بمشاكل وأعطال في الطائرات، حسب وكالة الصحافة الفرنسية. وتطلق كولين بليسي وهي تضع خوذة مانعة للضجيج ونظارات واقية وتحمل مسدساً، النار في الهواء، فيصدر صوت صفير ثم فرقعة، مما يؤدي إلى فرار الطيور الجارحة بعيداً عن المدرج. وتوضح "إنها ألعاب نارية. لم تُصنّع بهدف قتل الطيور بل لإحداث ضجيج" وإخافتها. وتعمل بليسي كطاردة للطيور، وهي مهنة غير معروفة كثيراً لكنّها ضرورية في المطارات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

تتجه الأنظار اليوم إلى فرنسا لمعرفة مصير طلب الموافقة على «الاستفتاء بمبادرة مشتركة» الذي تقدمت به مجموعة من نواب اليسار والخضر إلى المجلس الدستوري الذي سيصدر فتواه عصر اليوم. وثمة مخاوف من أن رفضه سيفضي إلى تجمعات ومظاهرات كما حصل لدى رفض طلب مماثل أواسط الشهر الماضي. وتداعت النقابات للتجمع أمام مقر المجلس الواقع وسط العاصمة وقريباً من مبنى الأوبرا نحو الخامسة بعد الظهر «مسلحين» بقرع الطناجر لإسماع رفضهم السير بقانون تعديل نظام التقاعد الجديد. ويتيح تعديل دستوري أُقرّ في العام 2008، في عهد الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، طلب إجراء استفتاء صادر عن خمسة أعضاء مجلس النواب والشيوخ.

ميشال أبونجم (باريس)
«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

عناصر أمن أمام محطة للدراجات في باريس اشتعلت فيها النيران خلال تجدد المظاهرات أمس. وأعادت مناسبة «يوم العمال» الزخم للاحتجاجات الرافضة إصلاح نظام التقاعد الذي أقرّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)


الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».