في الصراع الصيني الأميركي: إلى البحر دُر

TT

في الصراع الصيني الأميركي: إلى البحر دُر

يقول المؤرخ والمفكر الاستراتيجي الأميركي ألفرد ماهان، إن سيطرة بريطانيا على البحار، في ظل تراجع القوى الأوروبية، جعلت الإمبراطورية البريطانية من أكبر الإمبراطوريات في التاريخ. ألم يُقل إن الشمس لا تغيب عن أراضيها؟ هذه الإمبراطورية لم تكن متواصلة جغرافياً مع بعضها البعض، مع التذكير بأن كل القوى البحرية كانت قوى إمبريالية تنظر إلى خارج أراضيها.
وينصح المفكر ماهان بعدم تقسيم الأسطول البحري خلال القتال، بل يجب أن يقاتل وحدةً متكاملةً. من هنا كانت فكرة فتح قناة بنما لربط الشرق الأميركي بغربه، بدل دوران الأسطول حول مضيق ماجلان للوصول إلى الغرب. وبذلك، لا يُقسم الأسطول إلى غربي وشرقي.
في الحرب الأولى، احتل سلاح المشاة الصدارة، خصوصاً إذا كان السلاح الرشاش الأوتوماتيكي. وفي الحرب الثانية، عادت الدبابة لتحتل الصدارة، إلى جانب الطائرة.
لكن الأساس بالنسبة للقوى والدول البحرية (Maritime) كان دائماً يتمركز حول السيطرة البحرية عبر حاملة الطائرات. فمن حاملات الطائرات البحرية خاضت اليابان مغامرة بيرل هاربور، عندما انطلقت 353 طائرة من 4 حاملات يابانية. وأسقطت أميركا اليابان بالسلاح نفسه، بالطبع إلى جانب السلاح النووي الذي أنهى الحرب وأدى إلى الاستسلام الياباني.
رؤية ومشروع الرئيس الصيني شي جينبينغ
من ينظر إلى مشروع الرئيس الصيني شي جينبينغ، المسمى «الحزام والطريق»، إنما يخوض في نظريتين جيوسياسيتين في الوقت نفسه. لكن كيف؟
يتضمن القسم البري، أي الحزام، نظرية هالفورد ماكندر حول «هارتلاند العالم»، أو السهل الأوراسي، الذي يُعد من يسيطر عليه يسيطر على العالم. أما القسم البحري، فهو يتضمن نظرية المفكر الأميركي نيكولا سبياكمان، التي تقوم على «الريملاند»، وهي تلك المناطق التي تلامس البر من البحر بهدف تطويق «الهارتلاند» ومنعها من الخروج إلى المحيطات والبحار. إذن، هو صراع تاريخي مستمر بين القوى البحرية والقوى القارية، منذ حرب «البيليبونيز» بين إسبارطة وأثينا وحتى الآن.
هنا يدخل المشروع البحري الصيني عبر تدشين ثالث حاملة طائرات صينية، إضافة إلى مشاريع امتلاك أو تشغيل قواعد عسكرية بحرية على طول امتداد الجزء البحري من مشروع الرئيس تشي. وتنتشر القواعد من سريلانكا إلى جيبوتي، ومؤخراً كمبوديا، مروراً بباكستان ومرفأ غوادار. وأهمية هذه القواعد أنها تقع قرب الممرات والمضائق البحرية: مضيق مالاكا، باب المندب ومضيق هرمز.
هل الصين دولة قارية أم بحرية؟
أكبر مغامرة بحرية للصين حدثت مع الأميرال «زينغ هي» في القرن الخامس عشر، حيث وصل في حملاته البحرية إلى جزيرة مدغشقر. بعدها، عانت الصين من الخطر المغولي الآتي من الشرق، الأمر الذي أعادها إلى الداخل.
ويتميز تاريخ الصين بدينامية العلاقة والتوازن بين الساحل الصيني، حيث الثروات، وبين الداخل الفقير. وكي يحصل التوازن، على الصين أن تنغلق على ذاتها. هكذا فعل الزعيم ماو تسي تونغ. لكن لخليفة ماو، دينغ تشاو بينغ، رأي آخر. فهو الذي فتح الصين على العالم، ويعود الفضل له لما وصلت إليه الصين حالياً.
ويحاول الزعيم الحالي شي جينبينغ، التوفيق بين الانغلاق والانفتاح، من خلال اعتماد آيديولوجية وسطية تزاوج بين الشيوعية واقتصاد السوق. وقد أُطلق على هذه المقاربة الآيديولوجية اسم «الازدهار المُشترك». ففيها يُؤخذ من الغني، لكن من دون تأميم ثروته، ويُعطى المحروم مؤقتاً، وذلك بانتظار أن ينهض ليلحق بالركب.
ويريد الرئيس شي أن يعتمد الدخل القومي الصيني على الاستهلاك الداخلي، بدل الاتكال على التصدير للخارج. لكن، في الوقت نفسه، يريد منطقة نفوذ حول الصين، خصوصاً في البحر، كما يريد حماية طرق التجارة الصينية، التي تخضع في أغلبها للرقابة البحرية الأميركية. ومن هذا المنظار، يمكن فهم المشروع البحري الصيني مع تدشين ثالث حاملة طائرات. هذا بالإضافة إلى مشروعين لا يقلان أهمية عن القوة البحرية، وهما: تحديث الترسانة النووية، وذلك إلى جانب الصواريخ فرط صوتية، وكلها تهدف إلى الردع والمنع (Deterrence &Denial).
أميركا تواجه الصين في البحر
تتفوق الصين على أميركا في عدد القطع البحرية، كما تعد الصين أهم مُصنع للسفن في العالم. وتمتلك أميركا 11 حاملة طائرات، أغلبها يعمل على الدفع النووي، بينما تمتلك الصين 3 حاملات فقط، كلها تعمل بالطريقة التقليدية.
ولدى الأميركيين تراكمات وخبرات في الحرب البحرية، تعود في حدها الأدنى إلى الحرب العالمية الثانية، وإلى كل الحروب المحدودة التي خاضتها أميركا خلال الحرب الباردة وبعدها، بينما لا تملك الصين هذه الخبرات، الأمر الذي يُرجح كفة الميزان لصالح العم سام. كذلك الأمر، لم يُختبر الجيش الصيني في أي حرب منذ السبعينات، حين قاتلت الصين فيتنام وخرجت منها تقريباً خاسرة عسكرياً.
ضوابط الحرب الممكنة
«إذا أردت السلام، فما عليك إلا الاستعداد للحرب». إنها مقولة قد تصح على التوتر الحالي بين الصين وأميركا، إذ يُعتبر، وحسب ما أظهرت الحرب على أوكرانيا، أن حماية الحرب التقليدية تأتي عبر التهديد بالسلاح بالنووي. والصين وأميركا دولتان نوويتان.
وهناك مقولة ثانية أيضاً نُسبت إلى أكثر من قائد: «عدم خوض أي حرب برية في آسيا»، بسبب المسافات الشاسعة والكثافة السكانية.
إذن، من المُحتمل أن تُخاض الحرب المقبلة في آسيا من ضمن الإطار التالي:
حرب للسيطرة على البحار والمحيطات.
حرب مضبوطة إلى درجة لا تؤدي إلى استعمال السلاح النووي، لكن تحدث في ظله.
حرب لرسم مناطق نفوذ جديدة، سيكون محورها جزيرة تايوان، نظراً لأهميتها الاستراتيجية.
هنا تأتي أهمية حاملات الطائرات، وإلا فما معنى تحالف «الكواد» (Quad) بين كل من أميركا وأستراليا واليابان والهند؟ وما معنى تحالف «الأوكوس» (Aukus) بين كل من أميركا وبريطانيا وأستراليا؟
إذن، يبدو أن شعار المرحلة المقبلة من الصراع في منطقة الإندو - باسفيك سيكون: «إلى البحر دُر».


مقالات ذات صلة

زيلينسكي يطلب مساعدة الرئيس الصيني لإعادة أطفال أوكرانيين من روسيا

العالم زيلينسكي يطلب مساعدة الرئيس الصيني لإعادة أطفال أوكرانيين من روسيا

زيلينسكي يطلب مساعدة الرئيس الصيني لإعادة أطفال أوكرانيين من روسيا

أدلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بمزيد من التصريحات بشأن مكالمة هاتفية جرت أخيراً مع الرئيس الصيني شي جينبينغ، في أول محادثة مباشرة بين الزعيمين منذ الغزو الروسي لأوكرانيا. وقال زيلينسكي في كييف، الجمعة، بعد يومين من الاتصال الهاتفي، إنه خلال المكالمة، تحدث هو وشي عن سلامة الأراضي الأوكرانية ووحدتها «بما في ذلك شبه جزيرة القرم (التي ضمتها روسيا على البحر الأسود)» وميثاق الأمم المتحدة.

«الشرق الأوسط» (كييف)
العالم الصين ترفض اتهامها بتهديد هوية «التيبتيين»

الصين ترفض اتهامها بتهديد هوية «التيبتيين»

تبرأت الصين، اليوم (الجمعة)، من اتهامات وجهها خبراء من الأمم المتحدة بإجبارها مئات الآلاف من التيبتيين على الالتحاق ببرامج «للتدريب المهني» تهدد هويتهم، ويمكن أن تؤدي إلى العمل القسري. وقال خبراء في بيان (الخميس)، إن «مئات الآلاف من التيبتيين تم تحويلهم من حياتهم الريفية التقليدية إلى وظائف تتطلب مهارات منخفضة وذات أجر منخفض منذ عام 2015، في إطار برنامج وُصف بأنه طوعي، لكن مشاركتهم قسرية». واكدت بكين أن «التيبت تتمتع بالاستقرار الاجتماعي والتنمية الاقتصادية والوحدة العرقية وموحّدة دينياً ويعيش الناس (هناك) ويعملون في سلام». وأضافت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ، أن «المخاوف المز

«الشرق الأوسط» (بكين)
العالم البرلمان الياباني يوافق على اتفاقيتي التعاون الدفاعي مع أستراليا وبريطانيا

البرلمان الياباني يوافق على اتفاقيتي التعاون الدفاعي مع أستراليا وبريطانيا

وافق البرلمان الياباني (دايت)، اليوم (الجمعة)، على اتفاقيتين للتعاون الدفاعي مع أستراليا وبريطانيا، ما يمهّد الطريق أمام سريان مفعولهما بمجرد أن تستكمل كانبيرا ولندن إجراءات الموافقة عليهما، وفق وكالة الأنباء الألمانية. وفي مسعى مستتر للتصدي للصعود العسكري للصين وموقفها العدائي في منطقة المحيطين الهادئ والهندي، سوف تجعل الاتفاقيتان لندن وكانبيرا أول وثاني شريكين لطوكيو في اتفاق الوصول المتبادل، بحسب وكالة كيودو اليابانية للأنباء. ووافق مجلس المستشارين الياباني (مجلس الشيوخ) على الاتفاقيتين التي تحدد قواعد نقل الأفراد والأسلحة والإمدادات بعدما أعطى مجلس النواب الضوء الأخضر لها في وقت سابق العام

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
يوميات الشرق الصين تُدخل «الحرب على كورونا» في كتب التاريخ بالمدارس

الصين تُدخل «الحرب على كورونا» في كتب التاريخ بالمدارس

أثار كتاب التاريخ لتلاميذ المدارس الصينيين الذي يذكر استجابة البلاد لوباء «كورونا» لأول مرة نقاشاً على الإنترنت، وفقاً لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي). يتساءل البعض عما إذا كان الوصف ضمن الكتاب الذي يتناول محاربة البلاد للفيروس صحيحاً وموضوعياً. أعلن قادة الحزب الشيوعي الصيني «انتصاراً حاسماً» على الفيروس في وقت سابق من هذا العام. كما اتُهمت الدولة بعدم الشفافية في مشاركة بيانات فيروس «كورونا». بدأ مقطع فيديو قصير يُظهر فقرة من كتاب التاريخ المدرسي لطلاب الصف الثامن على «دويين»، النسخة المحلية الصينية من «تيك توك»، ينتشر منذ يوم الأربعاء. تم تحميله بواسطة مستخدم يبدو أنه مدرس تاريخ، ويوضح

«الشرق الأوسط» (بكين)
العالم تقرير: القوات البحرية الأوروبية تحجم عن عبور مضيق تايوان

تقرير: القوات البحرية الأوروبية تحجم عن عبور مضيق تايوان

شجّع مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، (الأحد) أساطيل الاتحاد الأوروبي على «القيام بدوريات» في المضيق الذي يفصل تايوان عن الصين. في أوروبا، تغامر فقط البحرية الفرنسية والبحرية الملكية بعبور المضيق بانتظام، بينما تحجم الدول الأوروبية الأخرى عن ذلك، وفق تقرير نشرته أمس (الخميس) صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية. ففي مقال له نُشر في صحيفة «لوجورنال دو ديمانش» الفرنسية، حث رئيس دبلوماسية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أوروبا على أن تكون أكثر «حضوراً في هذا الملف الذي يهمنا على الأصعدة الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية».

«الشرق الأوسط» (بيروت)

اتهام لرجل عرض علم «حزب الله» خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين

عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
TT

اتهام لرجل عرض علم «حزب الله» خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين

عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)

وجهت الشرطة الفيدرالية الأسترالية اتهاماً لرجل يبلغ من العمر 36 عاماً بعرض رمز منظمة مصنفة «إرهابية» علناً، وذلك خلال مظاهرة في منطقة الأعمال المركزية بمدينة ملبورن في سبتمبر (أيلول) الماضي.

الرجل، المقيم في منطقة فيرنتري غولي، سيمثل أمام محكمة ملبورن الابتدائية في 6 مارس (آذار) المقبل؛ حيث يواجه عقوبة قد تصل إلى 12 شهراً من السجن إذا ثبتت إدانته، وفقاً لصحيفة «الغارديان».

جاءت المظاهرة ضمن فعاليات يوم وطني للعمل من أجل قطاع غزة، الذي نظمته شبكة الدعوة الفلسطينية الأسترالية في 29 سبتمبر الماضي، وشهد تنظيم مسيرات مماثلة في مختلف أنحاء البلاد احتجاجاً على التصعيد المتزايد للعنف في الشرق الأوسط.

وأطلقت الشرطة الفيدرالية الأسترالية بولاية فيكتوريا عملية تحقيق تحت اسم «أردفارنا»، عقب احتجاج ملبورن؛ حيث تلقت 9 شكاوى تتعلق بعرض رموز محظورة خلال المظاهرة.

ووفقاً للشرطة، تم التحقيق مع 13 شخصاً آخرين، مع توقع توجيه اتهامات إضافية قريباً. وصرح نيك ريد، قائد مكافحة الإرهاب، بأن أكثر من 1100 ساعة قُضيت في التحقيق، شملت مراجعة أدلة من كاميرات المراقبة وكاميرات الشرطة المحمولة، إضافة إلى مصادرة هواتف محمولة وقطعة ملابس تحتوي على رمز المنظمة المحظورة.

تأتي هذه الإجراءات بعد قرار الحكومة الفيدرالية الأسترالية في ديسمبر (كانون الأول) 2021 بتصنيف «حزب الله» منظمة إرهابية، ومع التشريعات الفيدرالية الجديدة التي دخلت حيز التنفيذ في يناير (كانون الثاني) 2024، التي تحظر عرض رموز النازيين وبعض المنظمات.

وقالت نائبة مفوض الأمن القومي، كريسي باريت، إن الادعاء يحتاج إلى إثبات أن الرمز المعروض مرتبط بمنظمة إرهابية وأنه قد يحرض على العنف أو الترهيب.

المظاهرة، التي استمرت في معظمها سلمية، جاءت بعد إعلان مقتل قائد «حزب الله» حسن نصر الله في غارة جوية إسرائيلية، وهو ما اعتبره العديد تصعيداً كبيراً في الصراع المستمر في الشرق الأوسط.

وفي وقت لاحق، نُظمت مظاهرات أخرى في سيدني وملبورن وبريزبين، وسط تحذيرات للمتظاهرين بعدم عرض رموز محظورة.