ريما كركي لـ«الشرق الأوسط»: لا تغيير من دون هزّ مشاعر

كُرّمت في الأردن ونالت حلقة من برنامجها الميداني جائزة

الإعلامية اللبنانية ريما كركي (الشرق الأوسط)
الإعلامية اللبنانية ريما كركي (الشرق الأوسط)
TT

ريما كركي لـ«الشرق الأوسط»: لا تغيير من دون هزّ مشاعر

الإعلامية اللبنانية ريما كركي (الشرق الأوسط)
الإعلامية اللبنانية ريما كركي (الشرق الأوسط)

يصقل برنامج «2 دولار» (قناة «الحرة») صميم ريما كركي، وهي ابنة لأم شغلها شكسبير، وأب قرأ قصائد المتنبي. غيّرتها حلقاته وامتدّ تأثيرها ليعيد تشكيل هشاشتها وصلابتها. لم تكن أمام مانشيت جريدة أو تقرير نشرة أخبار، بل في صلب الوجع، تجول في مخيمات اللجوء العربية وتعاين ما لا يظهر للعالم. تُخبر «الشرق الأوسط» أنّ الأوقات الصعبة تكشف القوة البشرية، ويعدّل الواقع القاسي النظرة حيال الضعف. تقف أمام العطب الإنساني بشعور مَن تتقاذفه الأمواج فيتماسك، ثم يفقد السيطرة.
لا مفرّ من التماهي مع الفظاعة. فريما كركي حين تروي حكاية شابة مُغتصبة، مثلاً، تقفز إلى مخيّلتها صورة ابنتها في سنّها. وحين تسرد قصة شاب يتألم لاختطاف والده، تذكر ابنها في سنّه. يعلّمها البرنامج التحوّل إلى شخص «واسع الصبر». نوعها ينغمس في المسائل، وهي من الإعلاميات الصادقات، تغريها متعة مطاردة الأجوبة بعدما تنخر رأسها الأسئلة. تترك جانباً نظريات القوة حين تكون أمام آلام الإنسان: «أصبحُ جزءاً من الحكاية، فأتماسك حتى ينتهي التصوير. خارج الكاميرا، يطفح الحزن».
حكايا المُعذّبين تُصغّر مشاكل المرء وتساعده على التحمّل. أي دروس يضيفها برنامج «2 دولار» إلى حياة ريما كركي ونظرتها للأشياء؟ تجيب أنه يجعلها واثقة من تحلّيها بالصلابة ويشدّ عودها حتى تتحول إلى ركيزة لحل الأزمات داخل العائلة. «وأكتسبُ الإيمان والنظرة العميقة إلى الأديان، وأمتنع تماماً عن إطلاق الأحكام».
منذ «للنشر» و«إيه في أمل» (قناة «الجديد») وهي تتورّط. ترفض أن ينتهي دورها بنهاية الحلقة، «بل أتابع وأتابع، وقد أُقحم نفسي بما لا يعنيني وأدخل زوايا لستُ مخوّلة بدخولها». تلمح في المخيمات كراهية وغسيل أدمغة، وتحاول فهم ما عُبّئ في الرؤوس وما حُشي في القلوب. لا تخفي أنها تساءلت: «لِمَ تبلغ المعاناة هذه الدرجة؟». وقد يُفرط الناس في الشتيمة، «فأتفهّم وأُبقي الأولوية للوجع. لستُ في موقع لأعظ أو أحاضر. أصغي إلى المآسي وأتماهى مع إنسانها. أعترفُ بمحاولتي لعب أدوار أكبر مني أصابتني بالإحباط. وبّختُ نفسي: (مين مفكرة حالك؟)، وأدركتُ أنّ حجم الأسى يفوقني حجماً».
لربما تشعر بتعب وتشاء العودة من الميدان إلى الاستوديو. تصف نفسها بـ«المحظوظة» لمعاينة الواقع بظلماته. ريما كركي بعد التجارب، لم تعد تنتمي لمكان واحد، «صرتُ جزءاً من كل الأماكن». يتغيّر الإنسان، ومقدّمة «بدون زعل» (تلفزيون «المستقبل») تدرك بأنها «صغيرة» أمام الويلات الكبيرة، تستحضر على طريقة الـ«فلاش باك» حكايا اللاجئين لتخفيف وجع مُشابه. تحمدُ الله: «لعلّكَ تُريني كل هذا لأنال القدرة. تُحصّنني لأواجه».
لكن ما التداعيات؟ ما الآثار النفسية؟ الكوابيس؟ ثقل امتحانات الآخرين وأخبارهم؟ تعترف بأنّ بعض سلوكياتها تصبح «إكستريم»: «كأن أسمع الموسيقى بأعلى صوت أو أرقص بصخب. أمارس تفاهاتي بتطرّف حين أشاء العودة إلى الحياة الطبيعية».
تذكر أنّ والدتها الراحلة مؤخراً، لطالما تذمّرت من جملتها «مش مشكل»، في كل مرة تُطلعها على مأزق. لا توافق ريما كركي على مبدأ الفصل بين المهنة والحياة. وبرأيها «ليس طبيعياً ألا أحمل مشاكلي إلى عملي ومشاكل عملي إلى بيتي». هي أم لولدين تعاملهما كصديقين. وكما تُقدّم حلقات ميدانية في مخيمات اللجوء، تُقدّم حلقات داخل المنزل فتخبرهما بما عاينت وعانت: «أريدهما أن يشعرا بالآخرين ويقدّرا النعمة».
يصعب على الأم اتّباع الصفات المتناقضة في التربية، وهذه حالها: «أعلّمهما قمة الأنانية حين يتعلق الأمر بتعرّضهما لابتزاز عاطفي، وقمة العطاء حين يتعلق الأمر بالتقرّب من الله». وعلى أي تناقص تربّين ريما؟ جوابها: «على الزهد بالأشياء، فأشعر بكبر قيمتي التي أعرفها في سرّي عن نفسي. عندها أكتفي بتصفيق صامت لذاتي، لا يسمعه الآخرون ولا يتضايقون منه».
منحتها «The Telly Awards» الجائزة البرونزية بعد حلقة «الانتحار» ضمن برنامجها «2 دولار» عن الإحباط اللبناني وفقدان رغبات العيش، من بين أعمال كثيرة تقدّمت للمنافسة. وكانت كُرّمت في الأردن، بإشادة أردنية - مغاربية، ضمن «أوسكار الرائدات». وبرغم أنها «متمردة على الجوائز والألقاب التي تسقط على الإعلامي»، ملأها التقدير من جهة عالمية غبطة، «عساني أستعمل اسمي وما أحققه، حين تدعو الحاجة إلى تقديم مساعدة».
في ريما كركي كراكتير مرح، «مجنون»، «عبالي طلّعه ضمن شخصية جديدة». تضع يومياً عشر أفكار وتشاء طرق عشرة أبواب، فإذا بها في نهاية اليوم لا تنفّذ شيئاً: «مسألة وقت. أبحث عن قالب خارج جدّية عملي الميداني. أنهيتُ تصوير البرنامج، وبعد الاستراحة أنطلق من جديد».
ألا تكفي المُشاهد العربي أوجاعه حتى يأتيه برنامجكِ بأوجاع الآخرين؟ تتفهّم «الهروب إلى السطحية والترفيه. وبعض التفاهة على التلفزيون حاجة إلى الراحة. وقد أجدني أقدّم برنامجاً خفيفاً يهوّن الهموم. على مقلب مقابل، ثمة مُشاهد عربي يتساءل (لماذا حصل كل هذا؟)، فيبحث بين السطور عن إجابة. الأسئلة خلف المأساة أهم من مشاهدتها. ولا مجال للتغيير من دون تحريك العاطفة. هزّ المشاعر بداية الحل».


مقالات ذات صلة

«إيه بي سي نيوز» تدفع 15 مليون دولار لمكتبة ترمب الرئاسية لتسوية دعوى تشهير

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (إ.ب.أ)

«إيه بي سي نيوز» تدفع 15 مليون دولار لمكتبة ترمب الرئاسية لتسوية دعوى تشهير

وافقت شبكة «إيه بي سي نيوز» على دفع 15 مليون دولار لصالح مكتبة دونالد ترمب الرئاسية، لتسوية دعوى قضائية تتعلق بتصريح غير دقيق من المذيع جورج ستيفانوبولوس.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
رياضة عربية المهندس خالد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى للإعلام في مصر (صفحة المجلس على «فيسبوك»)

مصر: قرارات جديدة لمواجهة «فوضى الإعلام الرياضي»

أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، برئاسة المهندس خالد عبد العزيز مجموعة قرارات، اعتماداً لتوصيات لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي.

محمد الكفراوي (القاهرة)
أوروبا مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

قُتل 54 صحافياً حول العالم أثناء قيامهم بعملهم أو بسبب مهنتهم في عام 2024، ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية، وفق ما أظهر تقرير سنوي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

مصر والصومال وإريتريا لعقد اجتماع يستهدف «التنسيق في القضايا الإقليمية»

مؤتمر صحافي للرئيس الإريتري مع نظيريه المصري والصومالي في أسمرة أكتوبر الماضي (الرئاسة المصرية)
مؤتمر صحافي للرئيس الإريتري مع نظيريه المصري والصومالي في أسمرة أكتوبر الماضي (الرئاسة المصرية)
TT

مصر والصومال وإريتريا لعقد اجتماع يستهدف «التنسيق في القضايا الإقليمية»

مؤتمر صحافي للرئيس الإريتري مع نظيريه المصري والصومالي في أسمرة أكتوبر الماضي (الرئاسة المصرية)
مؤتمر صحافي للرئيس الإريتري مع نظيريه المصري والصومالي في أسمرة أكتوبر الماضي (الرئاسة المصرية)

بهدف «تنسيق المواقف في القضايا الإقليمية»، تستعد مصر والصومال وإريتريا لاجتماع ثلاثي على مستوى الوزراء، بحسب إفادة رسمية لوزارة الخارجية المصرية، الأحد، أشارت إلى اتصال هاتفي بين وزيري خارجية مصر والصومال أطلعت خلاله مقديشو، القاهرة على مخرجات «قمة أنقرة»، التي أنهت «مؤقتاً توتراً متصاعداً منذ نحو العام بين إثيوبيا والصومال».

وبينما لم يعلق البيان المصري صراحة على «مخرجات قمة أنقرة»، جدد التأكيد على «دعم القاهرة للحكومة الفيدرالية في مقديشو»، ما عدّه دبلوماسيون سابقون «منسجماً» مع الموقف المصري الرامي لتحقيق الاستقرار في القرن الأفريقي، والداعم لوحدة وسيادة الصومال، مشيرين إلى أن «القاهرة ستتابع التطورات في المنطقة كونها مرتبطة بالأمن القومي للبلاد».

وتلقى وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، اتصالاً هاتفياً، مساء السبت، من نظيره الصومالي، أحمد معلم فقي، «تناول العلاقات الاستراتيجية المتميزة بين البلدين، والحرص المتبادل على تطويرها في كل المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية بما يلبي طموحات البلدين، والبناء على الزخم الذي تشهده العلاقات خلال الفترة الأخيرة».

وأطلع وزير خارجية الصومال، نظيره المصري على «مخرجات قمة أنقرة الثلاثية التي عقدت أخيراً بين الصومال وتركيا وإثيوبيا»، مؤكداً «تمسك بلاده باحترام سيادة الصومال ووحدة وسلامة أراضيه».

وهو ما أكده وزير الخارجية المصرية، مشدداً على «دعم القاهرة الكامل للحكومة الفيدرالية في الصومال، وفي (مكافحة الإرهاب) وتحقيق الأمن والاستقرار».

وتطرق الاتصال إلى «متابعة نتائج القمة الثلاثية التي عقدت في أسمرة بين رؤساء مصر والصومال وإريتريا في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي»، واتفق «الوزيران على مواصلة التنسيق المشترك، والتحضير لعقد الاجتماع الوزاري الثلاثي بين مصر والصومال وإريتريا تنفيذاً لتوجيهات القيادات السياسية في الدول الثلاث لدعم التنسيق والتشاور بشأن القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك»، وفق البيان.

وأعلنت تركيا، الأسبوع الماضي، نجاح جهود الوساطة التي أطلقتها في يوليو (تموز) الماضي، في عقد اتفاق بين الصومال وإثيوبيا، وصفه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، بأنه «تاريخي»، ينهي، بشكل مبدئي، عاماً من التوتر بين مقديشو وأديس أبابا، بدأ مطلع يناير (كانون الثاني) الماضي، عقب «مذكرة تفاهم» وقعتها إثيوبيا مع إقليم «أرض الصومال» الانفصالي يمنح إثيوبيا منفذاً بحرياً. وهو الاتفاق الذي رفضته الصومال والجامعة العربية.

وأبدت مصر رفضاً حاسماً للاتفاق الإثيوبي مع «أرض الصومال». وأكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، عقب لقائه ونظيره الصومالي، في يناير الماضي، أن الصومال دولة عربية، وله حقوق طبقاً لميثاق الجامعة العربية، في الدفاع المشترك ضد أي تهديد له. وأضاف أن القاهرة لن تسمح لأحد بتهديد الصومال أو المساس بأمنه، قائلاً: «(محدش) (لا أحد) يجرب مصر ويحاول أن يهدد أشقاءها، خصوصاً لو أشقاؤها طلبوا منها الوقوف معهم».

لكنّ اتفاقاً بوساطة تركية بين الصومال وإثيوبيا، قلل من حدة التوتر في القرن الأفريقي. وقال مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، لـ«الشرق الأوسط»، إن «مصر ترحب بأي جهود من شأنها أن تحقق السلام والتوافق والاستقرار في القرن الأفريقي». وأوضح أن «مصر لن تعارض لجوء إثيوبيا للحكومة الفيدرالية الصومالية لتقديم التسهيلات اللازمة لإيجاد منفذ لها على البحر، طالما احترمت أديس أبابا سيادة الصومال وحكومته المركزية»، مشيراً إلى أن «الاتفاق نزع فتيل أزمة في القرن الأفريقي».

الرئيس الصومالي خلال توقيعه قانوناً يلغي اتفاق إقليم «أرض الصومال» مع أديس أبابا (الرئاسة الصومالية)

واتفق معه عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير علي الحفني، وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن «الأمن القومي المصري ممتد للقرن الأفريقي، ومن هنا تتابع القاهرة الأوضاع هناك وتسعى لاستقرارها بكل الوسائل»، مشيراً إلى «العلاقات التاريخية التي تربط القاهرة بمقديشو».

وأكد أن «القاهرة بدءاً من العام المقبل ستكون موجودة في الصومال ضمن قوة حفظ السلام الأممية لمساعدة الصومال في مواجهة الإرهاب، والحفاظ على وحدة البلاد، ودعم الحكومة الفيدرالية في مقديشو».

ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو - (أرشيفية - رويترز)

ووقعت مصر والصومال، في أغسطس (آب) الماضي، بروتوكول تعاون عسكري، واتفق البلدان على مشاركة مصر في البعثة الأفريقية لحفظ السلام خلال الفترة في 2025 - 2029، ودعمت القاهرة مقديشو بمعدات عسكرية.

ولمواجهة التحديات في القرن الأفريقي، زار الرئيس المصري، العاصمة الإريترية أسمرة، في أكتوبر الماضي، حيث عقدت قمة ثلاثية بحضور رئيسي الصومال وإريتريا، تناولت «سبل تعزيز العلاقات بين الدول الثلاث في مختلف المجالات، بالإضافة إلى الأوضاع الإقليمية وجهود ترسيخ الاستقرار والأمن في القرن الأفريقي والبحر الأحمر». وأكدت القمة، في بيان ختامي، نشرته الرئاسة المصرية، «أهمية الاحترام المطلق لسيادة ووحدة أراضي المنطقة»، معلنة «تشكّل لجنة ثلاثية من وزراء الخارجية للتعاون الاستراتيجي».

بدوره، قال عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية» إن «هذا التعاون الثلاثي ليس موجهاً ضد أحد، وهو جهد من داخل الإقليم هدفه متابعة الوضع الأمني في القرن الأفريقي، وتعزيز الأمن والاستقرار».