«الشعراء الروائيون»... تأثير اللغة الشعرية

كاتب مصري يبحث عن الخصوصية الفنية في أعمالهم السردية

«الشعراء الروائيون»... تأثير اللغة الشعرية
TT

«الشعراء الروائيون»... تأثير اللغة الشعرية

«الشعراء الروائيون»... تأثير اللغة الشعرية

في كتابه «الشعراء الروائيون... قراءات نقدية في الرواية المصرية» الذي صدر حديثاً عن دار الربيع للنشر يدرس الناقد المصري العربي عبد الوهاب مجموعة من الأعمال الروائية التي كتبها شعراء مصريون؛ وذلك من أجل تقصي تأثير اللغة الشعرية في بناء عوالمهم وحركة شخصياتهم ومدى نجاحهم في القبض على مفارقات العالم والإمساك بتفاصيله العميقة المفرطة في التعقيد.
وهو يرى أن ما يسميه «نرجسية اللغة» تحبس الكتاب القادمين من مملكة الشعر نحو عوالمها، وتجعلهم يقومون بعمل مزاوجة بين منجزات الشعر، في أداء اللغة لتكون قادرة على الطرح المكثف للعبارة، مشيراً إلى أن تلك الكتابة المزدحمة بعنصر التخييل، والتشعير المتلاحق للواقع تبدو واضحة في تجربة الشاعر صلاح والي، في رواياته «ليلة عاشوراء»، و«السلام عليكم»، و«نقيق الضفدع»، و«ذكريات المستقبل»، كما تعددت في روايته «عائشة الخياطة» المستويات الشعرية والحوارية، التي طرح من خلالها خصوصية المكان والشخوص والعوالم العجائبية التي تزخر بها القرى، في سعي لإعادة إنتاج حكاياتها الشعبية والأسطورية
- مستويات اللغة
وذكر عبد الوهاب، أن اللغة في «عائشة الخياطة» ذات مستويات سردية متنوعة، تميزت بطابع شعري يعتمد على المجازي والكنائي، وتمكن من خلالها والي من احتواء الغموض الذي يكتنف عالم الرواية، التي تنوعت بين لغة شعرية تعتمد على المجاز، وتعمل على «شعرنة» القرية بكائناتها ومفردات عالمها من إنسان وحيوان ونبات وطير وموجودات تبث الحياة في روحها وتشكل معظم الوحدات السردية. أما اللغة الحوارية فجاءت «كلغة ثالثة تمزج بين الثقافة الشعبية للشخصيات بعبارات ومفردات عامية قريبة من الوجدان القروي وبين الأداء الفصيح، وقد تميزت بقدرتها على عكس ثقافة الشخوص وبلورة ما يموج بعوالمهم الداخلية نفسياً وكشف شفرات البنية الأسطورية».
- طغيان السرد
وهناك شعراء روائيون قدموا روايات قليلة بجانب مشروعهم الشعري الأساس، مثل الشاعر مختار عيسى، والشاعر علي عطا، بالإضافة إلى شعراء اكتفوا بالمرور بعالم الرواية، مثل الشاعر محمد سليم الديب. أما الشاعر سمير الفيل، فقد طغى مشروعه السردي على الشعري، منذ البداية وهو يكتب بالتزامن سرداً وشعراً.
وعلى الجانب الآخر سيطر المشروع الروائي السردي عند الشاعر هشام فياض على إنتاجيته الشعرية، أما الشاعر أحمد سامي خاطر، فقد قدم تجربتين متباعدتين بينهما تباين واضح، في رواية «براء الخاطري»، وهي التجربة الأولى له، تبدو وكأنها مولودة من رحم الشعر، وتحمل قسماته، أما الثانية فهي تجربة سردية جادة، تمكنت من «اجتراح أرض جديدة، والاعتماد على آليات السرد الروائي بشكل عميق في رواية (جس المالح)، حيث غلب الشعر والمسرح عليها».
- جماليات الأمكنة
وتطرق الكاتب لرواية «عرق الجدران» حيث يترك مؤلفها الدكتور كارم محمود عزيز مهام عملية السرد لراوٍ يتحرك في مساحة زمنية ممتدة بين زمن متاح لصبي يافع تفتحت عيناه على الأناشيد الوطنية، والوحدة العربية، والحلم الناصري، وصولاً لانكساره بعد نكسة يونيو (حزيران)، وانكفائه مع الانفتاح، وما تلاه، وذلك باستخدام عمليات التذكر والاسترجاع، عبر منولوجات داخلية قصيرة ذات طابع شعري.
وفي هذه الرواية، يدفع الراوي الأحداث، جاعلاً منها محركاً لخلق بنية سردية درامية، وهكذا تظل الذاكرة قادرة على النبش في ذلك المدى الزمني، المستتر بقناع الإشارات التاريخية لكل من الوحدة العربية، والنكسة، ومقاومة السويس، والتهجير، وحرب أكتوبر (تشرين الأول)، والانفتاح، ونهوض الغابات الإسمنتية.
ولفت عبد الوهاب إلى أن الأمكنة بشخوصها، وعوالمها، وحنينها الدافق في الرواية تدخل في مشاركة تفاعلية مع الذات المعبرة عن رحلة البطل/ الكاتب، منذ صباه، وحتى زمنه المعاصر.
أما عن التخييل الذي اعتمده عزيز فقد جاء كحيلة فنية، لخلق عالم روائي، ورغبة عميقة غايتها التعبير عن عواطف فئة المثقفين وحنينهم لماض وعالم حقيقي، ضاع ونهض بديلاً عنه عالم آخر جارح، ومتردٍّ، وشائه.
وعن أهم السمات الفنية التي تجذرت في البنية السردية للرواية، يرى المؤلف أنها تجلت في تحول الأصوات من المخاطب للأنا ومن الأنا للمخاطب في حالة من الاسترسال الدائري، حيث يفضي كل طرف إلى الآخر، وبالعكس، واتضاح التنوع في استخدام ضمائر الخطاب كمساحة لتعدد وجهات النظر، تساعد على إنتاج رؤية خاصة لكل قارئ.
وقد اعتمد في تبديل الضمائر على تقنية القناع، فالراوي صنو الكاتب، والأنا والمخاطب هما نفسيهما ذلك الصبي اليافع منذ خمسين عاماً، فعندما يستعذب الذكريات، يفضي بضمير «الأنا»، وحينما يصل إلى نقاط خلافية مع أناه يتحول إلى ضمير المخاطب، لائماً إياها على تقصير ما كأنه يسعى بلا توقف لاستعادة زمن مفارق يستحيل عودته.
والمؤلف العربي عبد الوهاب يكتب القصة القصيرة والرواية، والنقد الأدبي، وأصدر ثلاث مجموعات وروايتين كما قدم العديد من الإصدارات النقدية منها قراءات في القصيدة العربية الحديثة.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

دواء جديد لاضطراب ما بعد الصدمة

اضطراب ما بعد الصدمة يصيب الأفراد بعد تعرّضهم لحدث صادم (جامعة ولاية واشنطن)
اضطراب ما بعد الصدمة يصيب الأفراد بعد تعرّضهم لحدث صادم (جامعة ولاية واشنطن)
TT

دواء جديد لاضطراب ما بعد الصدمة

اضطراب ما بعد الصدمة يصيب الأفراد بعد تعرّضهم لحدث صادم (جامعة ولاية واشنطن)
اضطراب ما بعد الصدمة يصيب الأفراد بعد تعرّضهم لحدث صادم (جامعة ولاية واشنطن)

أعلنت شركة «بيونوميكس» الأسترالية للأدوية عن نتائج واعدة لعلاجها التجريبي «BNC210»، لإظهاره تحسّناً ملحوظاً في علاج العوارض لدى المرضى المصابين باضطراب ما بعد الصدمة (PTSD).

وأوضح الباحثون أنّ النتائج الأولية تشير إلى فعّالية الدواء في تقليل العوارض المرتبطة بالحالة النفسية، مثل القلق والاكتئاب، ونُشرت النتائج، الخميس، في دورية «NEJM Evidence».

واضطراب ما بعد الصدمة هو حالة نفسية تصيب الأفراد بعد تعرّضهم لحدث صادم أو مروع، مثل الكوارث الطبيعية أو الحروب أو الحوادث الخطيرة. ويتميّز بظهور عوارض مثل الذكريات المزعجة للحدث، والشعور بالتهديد المستمر، والقلق الشديد، بالإضافة إلى مشاعر الاكتئاب والعزلة.

ويعاني الأشخاص المصابون صعوبةً في التكيُّف مع حياتهم اليومية بسبب التأثيرات النفسية العميقة، وقد يعانون أيضاً مشكلات في النوم والتركيز. ويتطلّب علاج اضطراب ما بعد الصدمة تدخّلات نفسية وطبّية متعدّدة تساعد المرضى على التعامل مع هذه العوارض والتعافي تدريجياً.

ووفق الدراسة، فإنّ علاج «BNC210» هو دواء تجريبي يعمل على تعديل المسارات البيولوجية لمستقبلات «الأستيل كولين» النيكوتينية، خصوصاً مستقبل «النيكوتين ألفا-7» (α7) المتورّط في الذاكرة طويلة المدى، وهو نهج جديد لعلاج هذه الحالة النفسية المعقَّدة.

وشملت التجربة 182 مشاركاً تتراوح أعمارهم بين 18 و75 عاماً، وكانوا جميعاً يعانون تشخيصَ اضطراب ما بعد الصدمة. وهم تلقّوا إما 900 ملغ من «BNC210» مرتين يومياً أو دواءً وهمياً لمدة 12 أسبوعاً.

وأظهرت النتائج أنّ الدواء التجريبي أسهم بشكل ملحوظ في تخفيف شدّة عوارض اضطراب ما بعد الصدمة بعد 12 أسبوعاً، مقارنةً بمجموعة الدواء الوهمي.

وكان التحسُّن ملحوظاً في العوارض الاكتئابية، بينما لم يكن له تأثير كبير في مشكلات النوم. وبدأ يظهر مبكراً، إذ لوحظت بعض الفوائد بعد 4 أسابيع فقط من بداية العلاج.

وأظهرت الدراسة أنّ 66.7 في المائة من المرضى الذين استخدموا الدواء التجريبي «BNC210» عانوا تأثيرات جانبية، مقارنةً بـ53.8 في المائة ضمن مجموعة الدواء الوهمي.

وتشمل التأثيرات الجانبية؛ الصداع، والغثيان، والإرهاق، وارتفاع مستويات الإنزيمات الكبدية. كما انسحب 21 مريضاً من مجموعة العلاج التجريبي بسبب هذه التأثيرات، مقارنةً بـ10 في مجموعة الدواء الوهمي، من دون تسجيل تأثيرات جانبية خطيرة أو وفيات بين المجموعتين.

ووفق الباحثين، خلصت الدراسة إلى أنّ دواء «BNC210» يقلّل بشكل فعال من شدّة عوارض اضطراب ما بعد الصدمة مع مؤشرات مبكرة على الفائدة.

وأضافوا أنّ هذه الدراسة تدعم الحاجة إلى إجراء تجارب أكبر لتحديد مدى فعّالية الدواء وتوسيع تطبيقه في العلاج، مع أهمية متابعة التأثيرات طويلة المدى لهذا العلاج.