للمرة الثالثة، يتوجه الناخبون الفرنسيون اليوم إلى صناديق الاقتراع في الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية التي ستتحكم نتائجها بالسنوات الخمس لعهد إيمانويل ماكرون الجديد وسط توقعات متضاربة ومخاوف من أن تفشل الكتلة الداعمة للرئيس الفرنسي من الحصول على أكثرية مريحة في البرلمان يحتاج إليها لتنفيذ برنامجه ووعوده الانتخابية. ولأن فترة الصمت الانتخابي تمنع المرشحين من الإدلاء بأي تصريحات وعلى مؤسسات استطلاع الرأي عن نشر أي نتائج لدراساتها، فإن الضبابية الكثيفة تغلف هذا الاستحقاق وتمنع من استشراف التطورات السياسية للأسابيع القادمة.
وتبين آخر النتائج التي نشرت أول من أمس أن الطرفين الرئيسيين المتنافسين متلاصقان فيما سيحصلان عليه في الجولة الأولى. ووفق استطلاع أجراه معهد إيفوب ــ فيدوسيال لصالح القناة الإخبارية «إل سي آي»، فإن الأحزاب الأربعة التي يتشكل منها تحالف أحزاب اليسار والبيئويين سيحتل المرتبة الأولى بحصوله على 26.5 من الأصوات تتبعه كتلة الرئيس ماكرون المسماة «معاً» والتي تجمع حزب «النهضة» الرئاسي والحزبين الرديفين: «هورايزون» لرئيس الحكومة السابق إدورا فيليب والحركة الديمقراطية «الوسط» التي يرأسها الوزير السابق فرنسوا بايرو. وتدور حول «معاً» أحزاب صغيرة وشخصيات يراهن عليها ماكرون للحصول على الأكثرية المطلقة في البرلمان الجديد بعد انقضاء الجولة الثانية يوم الأحد القادم. ويتألف البرلمان الفرنسي من 577 نائباً. وبعد أن كان ماكرون يتمتع بأكثرية فضفاضة خلال السنوت الخمس لعهده الأول «350 نائباً»، فإنه من غير المستبعد أن يتمتع بأكثرية في البرلمان الجديد لكنها ستكون مختلفة تماماً عما عرفه سابقاً.
وبالمقابل، فإن جان لوك ميلونشون، زعيم التكتل اليساري المسمى «الاتحاد الجديد الاجتماعي والبيئوي» الذي نجح في رص صفوف كانت متفرقة ومتنافسة في الانتخابات الرئاسية يمنّي النفس بأن تفضي الانتخابات إلى فرضه رئيساً للحكومة.
الكتلة الثالثة التي تتكون من اليمين المتطرف ممثلاً بحزب المرشحة الرئاسية مارين لوبن، فإن استطلاعات الرأي تتوقع حصولها على 19 في المائة من الأصوات وعلى 35 مقعداً، فيما يحتل تكتل ماكرون المرتبة الأولى بحصوله على 270 إلى 305 مقاعد وحصول تكتل ميلونشون على 180 إلى 210 مقاعد.
والنتيجة الأخرى الأساسية التي تبرزها استطلاعات الرأي تتمثل في ضمور الحزب اليمين الكلاسيكي ممثلاً بـ«الجمهوريون» حيث يقدر له الحصول على 10 في المائة من الأصوات وعلى نحو 50 مقعداً.
حقيقة الأمر أن الرئيس الفرنسي بقي بعيداً بعض الشيء عن الحملة الانتخابية، إلا أن بروز خطر ميلونشون جعله ينخرط بالمعركة الانتخابية بكامل قواه مصوباً على الأخير ومبيناً محاذير تمكينه من الحصول على أكثرية نيابية سيكون عنوانها «الفوضى» و«التراجع».
وما فعله ماكرون استعادته رئيسة وزرائه الجديدة إليزابيث بورن المرشحة عن دائرة انتخابية شمال غربي باريس وهي تخوض أولى معاركها الانتخابية ويجاريها في ذلك 14 وزيراً من حكومتها.
وتقول القاعدة المعمول بها إن أي وزير يفشل في الانتخابات النيابية يتعين عليه ترك الحكومة. لذا، وبالنظر للوضع السياسي الراهن وبروز نسبة كبيرة من المواطنين لا تريد تمتع ماكرون بالأكثرية، فإن مصير بعض هؤلاء المرشحين ومنهم بورن يبقى معلقاً حتى مساء يوم الأحد القادم. كذلكم، فإن ماكرون أثار عاصفة سياسية بإعلانه بحر الأسبوع الماضي أن لا شيء يلزم رئيس الجمهورية بتعيين ميلونشون، مهما تكن النتائج التي ستفرزها صناديق الاقتراع، بيد أن تأكيدات ماكرون تنفيها التقاليد السياسية التي تفرض على رئيس الجمهورية من غير الاستناد إلى مادة دستورية، بتعيين رئيس الحكومة من الجهة التي تتمتع بالأكثرية وإلا فإن أزمة سياسية ستنشب كما أن الحكومة المعينة لن تنال ثقة المجلس النيابي وبالتالي ستسقط ما سيفرض عليه الرضوخ لإرادة الناخبين. وتجدر الإشارة إلى أن فرنسا عرفت سابقاً تضارباً في الهوية السياسية لرأسي السلطة التنفيذية «رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة» في عهدي الرئيس الاشتراكي فرنسوا ميتران والرئيس اليميني جاك شيراك.
تفيد القراءة السوسيولوجية للخريطة الانتخابية أن ماكرون يتمتع باحتياطي انتخابي لا يتمتع به ميلونشون. ووفق قراءات الاختصاصيين، فإن ماكرون يمكنه أن يراهن على أصوات اليمين الكلاسيكي التي ستصب لصالحه وعلى أصوات اليسار وخصوصاً الاشتراكيين الذين عبروا عن غيظهم من تكتل اليسار والبيئويين تحت راية ميلونشون اليساري المتشدد الذي يريد الخروج من الحلف الأطلسي واعتماد طريقة مغايرة في التعامل مع الاتحاد الأوروبي والتخلص من الاعتماد على الطاقة النووية لإنتاج الكهرباء... كذلك، لن يستفيد ميلونشون من أصوات اليمين المتطرف وقد كان هدفاً لهجمات لوبن التي ترد له الصاع صاعين لأنه دعا، بعد الجولة الرئاسية الأولى، من حرمان لوبن من أي صوت من أصوات اليسار. ولذا، ورغم نتائج استطلاعات الرأي، فإن النظام الانتخابي القائم على الدائرة الصغرى وعلى الجولتين، يعمل لصالح ماكرون في الدوائر التي لن يتمكن فيها مرشحو اليمين المتطرف من التأهل للدورة الثانية.
يبقى أن المجهول الأكبر يكمن في نسبة الامتناع عن التصويت ومعرفة الشرائح الاجتماعية والسياسية التي ستفضل الاستفادة من يوم أحد مشمس على التوجه إلى صناديق الاقتراع. والمنتظر أن تزيد النسبة على النصف وأن تتخطى ما كانت عليه في انتخابات عام 2017. وطيلة الفترة الفاصلة ما بين انتهاء الانتخابات الرئاسية في 24 أبريل (نيسان) الماضي وحلول الانتخابات التشريعية، لم يبد الفرنسيون اهتماماً كبيراً بمجرياتها. والوحيد الذي نجح في إطلاق دينامية حقيقية انتخابية وسياسية هو ميلونشون الذي نجح حيث كان يتوقع له منافسوه الفشل في رص صفوف اليسار والبيئويين. بالمقابل، فإن الغائب الأكبر كان لوبن التي لم تعرف الاستفادة من تمكنها من الترشح للجولة الرئاسية الحاسمة وحصولها على 42 في المائة من الأصوات. وتطالب لوبن وغيرها من السياسيين باستبدال النظام الأكثري بالنظام النسبي الذي كان سيوفر لها كتلة نيابية كبرى وضاغطة في البرلمان الجديد.
وما يميز هذه الانتخابات أنها تحل في وقت تتزايد فيه مخاوف الفرنسيين من ارتفاع الأسعار وتراجع القدرة الشرائية وعودة التضخم إلى مستويات عالية لم تعرفها أوروبا منذ أربعين عاماً.
وفي الأيام الأخيرة، نشط ماكرون ومعه الحكومة للرد على هذه التحديات بالإكثار من الوعود ومن التدابير التي يراد لها دعم الشرائح الهشة في المجتمع الفرنسي. وقد فهم ميلونشون نقاط الضعف الحكومية إذ اقترح برنامجاً اقتصادياً اجتماعياً من خلال ضخ 250 مليار يورو في الاقتصاد منها 125 مليار كمساعدات اجتماعية ولمزيد من العدالة في توزيع الثروات.
الفرنسيون إلى صناديق الاقتراع اليوم في الجولة الأولى من الانتخابات النيابية
ماكرون يريد أكثرية واضحة وميلونشون يحلم برئاسة الحكومة
الفرنسيون إلى صناديق الاقتراع اليوم في الجولة الأولى من الانتخابات النيابية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة