العملية العسكرية التركية شمال سوريا... تصطدم برفض أميركي ـ روسي

لم تخرج حتى الآن عن نطاق التصريحات وتصعيد الهجمات على مواقع «قسد»

قوات من «الجيش الوطني» الموالي لتركيا في عرض عسكري بمدينة اعزاز قرب تل رفعت التي يسيطر عليها الأكراد (أ.ف.ب)
قوات من «الجيش الوطني» الموالي لتركيا في عرض عسكري بمدينة اعزاز قرب تل رفعت التي يسيطر عليها الأكراد (أ.ف.ب)
TT

العملية العسكرية التركية شمال سوريا... تصطدم برفض أميركي ـ روسي

قوات من «الجيش الوطني» الموالي لتركيا في عرض عسكري بمدينة اعزاز قرب تل رفعت التي يسيطر عليها الأكراد (أ.ف.ب)
قوات من «الجيش الوطني» الموالي لتركيا في عرض عسكري بمدينة اعزاز قرب تل رفعت التي يسيطر عليها الأكراد (أ.ف.ب)

لم تتوقف حملة التصريحات التركية حول عملية عسكرية محتملة تستهدف مواقع ميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) - ذات الغالبية الكردية - في شمال سوريا منذ أول إعلان للرئيس رجب طيب إردوغان يوم 23 مايو (أيار) الماضي، أن بلاده ستشن قريباً عمليات عسكرية جديدة على حدودها الجنوبية لإنشاء «مناطق آمنة» بعمق 30 كيلومتراً لمكافحة التهديدات الإرهابية من هذه المناطق. في البداية حدد إردوغان نطاقاً مكانياً واسعاً للعملية على حدود تركيا الجنوبية، لكنه لم يحدد لها نطاقاً زمنياً حتى الآن. إذ تكلم عن «عمليات» تمتد في مناطق سيطرة «قسد» (تناقصت رقعتها لاحقاً)، التي تغلب على عديدها ميليشيا «وحدات حماية الشعب الكردية». غير أنه، في حين ترى واشنطن في «قسد» حليفها الأوثق في «الحرب» على تنظيم «داعش» الإرهابي، تعتبرها أنقرة تنظيماً إرهابياً يشكل امتداداً لحزب «العمال الكردستاني»
التصريحات الأخيرة للرئيس التركي رجب طيب إردوغان وأركان حكومته، ولا سيما وزيري الخارجية مولود جاويش أوغلو والدفاع خلوصي أكار، ضيقت رقعة العملية المهدد بها في الشمال الحدودي السوري؛ إذ قال إردوغان، قبل أيام إنها ستركز على المنطقة المحيطة بمدينتي منبج وتل رفعت، وهما مدينتان تشكلان عقدة اتصال بين «قسد» في المناطق الواقعة على جانبي نهر الفرات غرباً وشرقاً، وتوجد فيهما قوات روسية إلى جانب مسلحي «قسد» والنظام السوري.
عمليات عسكرية ثلاث نفذتها تركيا من قبل، هما اثنتان في غرب الفرات، عرفت الأولى بـ«درع الفرات» عام 2016 في حلب، والثانية بـ«غصن الزيتون» 2018 في عفرين، أما الثالثة «نبع السلام» فقد نُفّذت في شرق الفرات، التي أطلقت في 9 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، بيد أنها أوقفت خلال بضعة أيام بعد تدخل الولايات المتحدة وروسيا وتوقيع تفاهمين يقضيان بتأمين انسحاب «وحدات حماية الشعب» الكردية إلى مسافة تتراوح بين 5 كلم و30 كلم جنوبي الحدود التركية. وهذا، مع العلم أن أنقرة لا تحدد مواعيد لعملياتها، بل يقول إردوغان دائماً، إننا «سنأتيهم بين ليلة وضحاها».
الرئيس التركي قال السبت الماضي أمام تجمع من نواب حزب العدالة والتنمية الحاكم في إحدى ضواحي العاصمة أنقرة، إن بلاده تواصل «بعناية» الأعمال المتعلقة باستكمال الخط الأمني على حدودها الجنوبية، عبر عمليات جديدة في شمال سوريا. وأضاف «لقد مزّقنا الممر الإرهابي المُراد تشكيله على حدودنا الجنوبية من خلال عمليات (درع الفرات) و(غصن الزيتون) و(نبع السلام) و(درع الربيع) في شمال سوريا، و(المخلب - القفل) في شمال العراق». وأردف «المنطقة الممتدة بعمق 30 كلم بمحاذاة حدودنا الجنوبية هي منطقتنا الأمنية، ولا نريد أن يزعجنا أحد هناك، وسنقوم بخطوات في هذا الخصوص».
وقبل ذلك بيومين، تعهد الرئيس التركي بذهاب قواته إلى مناطق سيطرة مسلحي «قسد» في شمال سوريا و«دفنهم فيها». وحدد نطاقاً للعملية المحتملة، قائلاً إن بلاده بصدد الانتقال إلى مرحلة جديدة في قرارها المتعلق بإنشاء منطقة آمنة على عمق 30 كيلومتراً جنوب الحدود التركية وتطهير منطقتي تل رفعت ومنبج من الإرهابيين «من دون انتظار إذن من أحد». كما انتقد قلة التزام الولايات المتحدة بتعهداتها عبر مذكرة التفاهم الموقعة معها في 17 أكتوبر عام 2019، والتي أوقفت بمقتضاها عملية «نبع السلام» العسكرية التركية في شرق الفرات.

 وزيرا الخارجية التركي والروسي لدى لقائهما يوم الاربعاء في أنقرة (أ ف ب)

- تحذير أميركي ـ روسي
فور إعلان إردوغان عن العملية المحتملة في 23 مايو، حذّرت واشنطن من أن أي عملية عسكرية في شمال سوريا ستشكل خطراً على قواتها المشاركة في عمليات مكافحة «داعش» في المنطقة. وتعالت تحذيرات من وزارة الدفاع (البنتاغون) والكونغرس الأميركيين من احتمالات تعرض تركيا للعقوبات إذا ما أقدمت على خطوة جديدة لمهاجمة حليف واشنطن الكردي في سوريا.
بالنسبة إلى منبج، كانت أنقرة قد أعلنت يوم 4 يونيو (حزيران) 2018 التوصل إلى «خريطة طريق» مع واشنطن لانسحاب مقاتلي «وحدات حماية الشعب الكردية» من المدينة الخاضعة لسيطرة «قسد»، وتسيير دوريات تركية أميركية مشتركة حولها، لكن أنقرة اشتكت دائماً من قلة التزام واشنطن بـ«خريطة الطريق» هذه. وفي 15 أكتوبر 2019، أعلنت واشنطن انسحاب قواتها من منبج بشكل كامل باتجاه الحدود العراقية، ذاكرة أن قوات «التحالف» تنفذ انسحابا مدروساً من شمال شرقي سوريا، وأنها انسحبت من منبج أيضاً، بالتزامن مع بدء الجيش التركي عملية «نبع السلام». ولكن، مع الانسحاب الأميركي عاد مسلحو «قسد» والنظام السوري بدعم من روسيا للانتشار في المدينة.
وعلى غرار الولايات المتحدة، حذرت روسيا من أي تحرك عسكري تركي في شمال سوريا، مؤكدة أنه لا يمكن ضمان الأمن على الحدود السورية التركية إلا بنشر قوات الأمن (النظامية) السورية. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، إن موسكو تأمل في أن تمتنع أنقرة عن الأعمال التي قد تؤدي إلى تدهور خطير للأوضاع في سوريا. وكذلك أن موسكو تتفهم مخاوف تركيا من تهديدات أمنها القومي من المناطق الحدودية، «لكنها ترى أنه لا يمكن ضمان الأمن على الحدود السورية - التركية إلا بنشر قوات الأمن التابعة للحكومة السورية (أي النظام)».
هذا، وكانت تركيا قد أبرمت مذكرتي تفاهم منفصلتين مع الأميركيين والروس أثناء عملية «نبع السلام» عام 2019، وتعهد الجانبان بموجبهما بانسحاب «وحدات حماية الشعب الكردية» حتى عمق 30 كلم إلى الجنوب من الحدود التركية، لكن أنقرة تقول إنهما لم يفيا بوعودهما، بينما تزعم واشنطن أن تركيا لم تلتزم من جانبها بالتفاهم الموقع بينهما.

ميليشيا «قسد»

- تصعيد وتحضيرات
يرى مراقبون، أن تركيا لا تهتم كثيراً بالموقف الأميركي من عمليتها المحتملة لأن الصدام بينهما غير وارد لعدم وجود قوات أميركية في منبج وتل رفعت، إلا أن المعضلة الحقيقية مع روسيا، التي تنشر قواتها هناك. ومن ثم، تسعى تركيا إلى استغلال الانشغال الروسي بالحرب في أوكرانيا للتوغل في الأراضي السورية، وتأمل في الوقت ذاته أن تحظى بتأييد روسي مقابل مواقفها في الحرب الأوكرانية، وبالذات تأييد العقوبات الأميركية والأوروبية على روسيا. ويشير هؤلاء إلى هدف آخر، هو سعي إردوغان لاستعادة قاعدة ناخبيه من القوميين التي تكشف استطلاعات الرأي تحولها عنه قبل سنة من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في يونيو 2023.
وقبل أيام قليلة من زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى أنقرة، الأربعاء الماضي، صعّدت تركيا وفصائل «الجيش الوطني السوري»، الموالي لها، قصف مواقع «قسد» في منبج بشكل مكثف. وامتد القصف إلى تل رفعت، وأيضاً بعض المواقع في الحسكة شرقي الفرات. وأفادت مصادر عسكرية تركية، بأن «الجيش الوطني السوري» أكمل تحضيراته وتدريباته التي نفذت بالذخيرة الحية، تأهبا للعملية العسكرية المحتملة. كذلك تحدثت مصادر عسكرية تركية، قبل يومين من زيارة لافروف عن اجتماع لقادة من الجيش التركي والاستخبارات، مع قادة فصائل «الجيش الوطني السوري» في «غرفة عمليات كيليس» بريف حلب، لإطلاعهم على التفاصيل النهائية للعمليات العسكرية المحتملة.
وفي المقابل، أخلى قادة في صفوف «قسد» وعائلاتهم منازلهم في تل رفعت ومنبج، بموجب اتفاق مع قوات النظام السوري لتسليمها المواقع القريبة من خطوط التماس مع فصائل المعارضة السورية. وأعلنت «قسد» بدورها رفع جاهزيتها العسكرية للدرجة القصوى، مشيرة إلى أنها أكملت الاستعدادات لمواجهة الهجوم التركي المرتقب. وحذّرت من الدخول في حرب طويلة الأمد، وأبدت أيضاً استعدادها «للتنسيق» مع قوات النظام السوري لصد العملية التركية و«حماية» الأراضي السورية، وسط تأكيدات من تركيا أن عمليتها ستكون في إطار القانون الدولي، كالمعتاد، وأن ما يهمها هو حماية وحدة سوريا وأمن الحدود التركية.
من جهتها، نشرت وكالة أنباء «الأناضول» التركية، الثلاثاء، تقريراً ادعت فيه إلى أن «قسد» تحفر الأنفاق وتخبئ الأسلحة في المناطق السكنية بمدينة تل رفعت والقرى المحيطة بها؛ بغية استخدام المدنيين دروعاً بشرية، قبل العملية العسكرية المحتملة. ونشرت الوكالة ما قالت، إنه صور ومقاطع فيديو التقطت من الجو لعدد من البلدات المحيطة بتل رفعت، هي الشيخ عيسى ومنّغ والعلقمية وعين دقنة وكشتعار وطاط مراش، تظهر عمليات حفر الأنفاق فيها وإخفاء دبابات وأسلحة في البيوت. كما تظهر تحركات لبعض عناصرها حول الأنفاق وتجمعات لهم في القرى وسط المدنيين. ولفت التقرير إلى أن «قسد» حفرت، خلال السنوات الماضية، شبكة أنفاق معقدة في تل رفعت ومحيطها، كما استقدمت تعزيزات عسكرية كبيرة من مناطق سيطرتها شرق الفرات إلى المنطقة.
للعلم، سيطرت «قسد» على تل رفعت في فبراير (شباط) عام 2016 بدعم جوي روسي؛ ما تسبب في نزوح عشرات الآلاف من سكانها إلى مخيمات نصبت بالقرب من الحدود السورية التركية. وتتهم أنقرة «قسد» باستخدام تل رفعت والقرى المحيطة بها منطلقاً لتنفيذ هجمات على المناطق الآمنة التي شكلتها تركيا عبر العمليات العسكرية التي نفذتها في سوريا.

- تباعد تركي - روسي
من جهة أخرى، عكست المباحثات التي جرت بين وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو ونظيره الروسي سيرغي لافروف في أنقرة، الأربعاء، تباعداً في مواقف بلديهما بشأن الملف السوري والعملية العسكرية التركية المحتملة. ولم يعلن لافروف موقفاً مؤيداً لتركيا في تحركها المتوقع، بل اكتفى بالقول، إن بلاده تأخذ بعين الاعتبار المخاوف الأمنية لتركيا وتنسق معها، لافتاً إلى الالتزام بالتفاهمات والاتفاقات بين البلدين وتنفيذها، ولو ببطء. وتنتقد موسكو تركيا لتقاعسها عن اتخاذ الخطوات اللازمة للفصل بين المتشددين والمعارضة السورية المعتدلة في إدلب بموجب اتفاق خفض التصعيد في شمال غربي سوريا.
وتابع وزير الخارجية الروسي «نحن نتفهم جيداً مخاوف أصدقائنا فيما يتعلق بالتهديدات التي تختلقها قوى خارجية على حدودهم، بما في ذلك عن طريق تأجيج المشاعر الانفصالية في المناطق التي تسيطر عليها الوحدات الأميركية الموجودة في سوريا بشكل غير قانوني». وفي الوقت ذاته، لم يقدم لافروف وعوداً بتأييد العملية العسكرية المزمعة، بل تمسك بموقف بلاده في التحذير من أي عملية عسكرية تركية جديدة في شمال سوريا. وإن قال، إننا نأخذ بعين الاعتبار قلق أصدقائنا الأتراك حيال التهديدات التي تشكلها القوى الأجنبية على حدودهم. واتهم الولايات المتحدة بأنها ترعى تنظيمات عدة في سوريا بشكل غير قانوني.
أما جاويش أوغلو، في المؤتمر الصحافي المشترك مع لافروف عقب المباحثات، فاعتبر أن هناك تهديداً متصاعداً من «التنظيمات الإرهابية» في شمال سوريا، ويجب اتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة هذه التهديدات. وتابع «يجب تطهير سوريا من التنظيمات الإرهابية التي تهدد وحدة أراضيها وأمن تركيا... إن الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة، تدعم الإرهابيين في شمال سوريا». وأردف، أن اعتراض بلاده على انضمام كل من السويد وفنلندا إلى عضوية حلف شمال الأطلسي (ناتو) ليس له أي سبب سوى دعمهما التنظيمات الإرهابية التي تعمل ضدها. ومعلوم أن تركيا رفضت انضمام الدولتين إلى «ناتو» قبل الاستجابة لمطالبها المتعلقة بوقف دعمهما للمقاتلين الأكراد في شمال سوريا، ورفع الحظر على صادرات السلاح إلى أنقرة، الذي انضمت فيه الدولتان إلى دول غربية أخرى عام 2019 بسبب عملية «نبع السلام». ويرى مراقبون، أن أنقرة تستخدم هذه الورقة أيضاً في الضغط على واشنطن - المتحمسة لضم السويد وفنلندا إلى «ناتو» - من أجل وقف دعمها للميليشيات الكردية بحجة الحرب على «داعش».
جاويش أوغلو قال أيضاً «نحن نعلق أهمية خاصة على وحدة أراضي سوريا، لكن ثمة صعوبات يجب التعامل معها... تركيا تتوقع من الولايات المتحدة وروسيا الوفاء بالتزاماتها بشأن تطهير سوريا من الإرهابيين، في إشارة إلى مذكرتي التفاهم الموقعتين مع كل من واشنطن وموسكو في 17 و22 أكتوبر 2019 بشأن وقف عملية «نبع السلام» العسكرية التركية وانسحاب «قسد» إلى مسافة 30 كيلومتراً جنوب الحدود التركية.
هذا، وقبل المباحثات، كشف مسؤول تركي كبير لوكالة «رويترز» عن أن لافروف سيسأل عن المعلومات الاستخباراتية، التي قال، إنها تشير إلى وصول قوات من جيش النظام والميليشيات المدعومة من إيران إلى تل رفعت أو تتجه إلى هناك، مؤكداً أن تركيا ستنفذ العملية العسكرية في شمال سوريا بطريقة أو بأخرى. ونقلت الوكالة عن مسؤولين أتراك وآخرين في المعارضة السورية المسلحة، أن جيش النظام عزز قواته في شمال سوريا، في حين تعد تركيا لشن عمليتها العسكرية بهدف إنشاء منطقة آمنة بعمق 30 كيلومتراً داخل الأراضي السورية.
وبحسب يوسف حمود، المتحدث باسم «الجيش الوطني السوري»، تعزز القوات الروسية مواقعها راهناً بالقرب من تل رفعت ومنبج والضواحي الجنوبية لعين العرب وعين عيسى، وتقع جميع هذه البلدات على بعد 40 كيلومتراً من الحدود التركية. وأضاف حمود لـ«رويترز»، أنه «منذ الإعلان عن العملية التركية، أعلن النظام السوري وميليشياته الإيرانية التعبئة ويرسلون تعزيزات إلى وحدات حماية الشعب الكردية... وأمكن رصد طائرات هليكوبتر روسية تهبط في قاعدة جوية قريبة من تل رفعت».
كذلك، أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» في هذه الأثناء، بأن القوات الروسية أرسلت تعزيزات عسكرية جديدة إلى قاعدتها في المباقر - بريف تل تمر شمال غربي الحسكة - الواقعة تحت سيطرة «قسد» والنظام، تتألف من ناقلات جنود ومدرعات وعربات عسكرية مغلقة، بالإضافة إلى رادارات وأسلحة ثقيلة ومتوسطة بينها مضاد للطيران. وأيضاً، يواصل الطيران الحربي الروسي تحليقه المكثف يومياً على طول خطوط التماس بين «قسد» والنظام من جهة، وفصائل «الجيش الوطني السوري» والقوات التركية من جهة أخرى، وذلك من ريف مدينة منبج غرباً، وصولاً إلى القامشلي شرقاً عبر عامودا والدرباسية على طول الحدود السورية التركية.
- لماذا تريد تركيا السيطرة على تل رفعت؟
> تسعى تركيا لإبعاد مقاتلي ميليشيا «وحدات حماية الشعب الكردية» عن حدودها الجنوبية لمسافة 30 كلم على الأقل.
وتستخدم المنطقة، التي تسيطر عليها «قسد» وتتمركز فيها قوات روسية وأخرى تابعة للنظام والميليشيات الإيرانية، منذ عام 2016، منطلقاً للهجمات الكردية على المناطق الحدودية في تركيا. وتمتل مدينة تل رفعت إشكالية أمنية لتركيا في الماضي والحاضر أيضاً. ولذا؛ وضعت تركيا المدينة في مقدمة أهدافها الاستراتيجية والأمنية في شمال سوريا.
فعلياً، لا تملك ميليشيا «قسد» السيطرة الكاملة على «الجيب» الذي يضم تل رفعت، ومع أنها موجودة عسكرياً في المنطقة، فإن روسيا هي التي تسمح لها بالتحرك فيها؛ كونها المسيطر الأول والأخير. وفي رأي مراقبين، فإن هذه المنطقة تشكل محور أزمة في العلاقة بين تركيا وروسيا، وعندما يعلن الجانب التركي عن تحرك عسكري في تل رفعت، تكون الفكرة الرئيسية هي ممارسة نوع من الضغط على روسيا وإجبارها على الحوار والتحرك ضد «قسد». وعليه؛ ففكرة الصدام العسكري بين القوات التركية والروسية مستبعدة دائماً من الجانبين.
وبالنسبة إلى «قسد» فهي ليست مستعدة، في حالة التصعيد العسكري، للاعتماد على علاقتها بالميليشيات الإيرانية الموالية للنظام، لأن ذلك سيسبب لها مشكلة مع روسيا، وكذلك مع أميركا الحليف والداعم الأساسي.
أما أهالي تل رفعت النازحون إلى ريف حلب، فلطالما طالبوا تركيا والفصائل الموالية لها بعمليات عسكرية تتيح لهم العودة إلى مدينتهم. وحقا نظموا أكثر من وقفة خلال السنوات الماضية، ومنذ أيام قليلة أيضاً، يدعمون فيها التدخل التركي.


مقالات ذات صلة

أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

العالم العربي أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

استبقت تركيا انعقاد الاجتماع الرباعي لوزراء خارجيتها وروسيا وإيران وسوريا في موسكو في 10 مايو (أيار) الحالي في إطار تطبيع مسار العلاقات مع دمشق، بمطالبتها نظام الرئيس بشار الأسد بإعلان موقف واضح من حزب «العمال الكردستاني» والتنظيمات التابعة له والعودة الطوعية للاجئين والمضي في العملية السياسية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
العالم العربي درعا على موعد مع تسويات جديدة

درعا على موعد مع تسويات جديدة

أجرت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا (جنوب سوريا) اجتماعات عدة خلال الأيام القليلة الماضية، آخرها أول من أمس (الأربعاء)، في مقر الفرقة التاسعة العسكرية بمدينة الصنمين بريف درعا الشمالي، حضرها وجهاء ومخاتير ومفاوضون من المناطق الخاضعة لاتفاق التسوية سابقاً وقادة من اللواء الثامن المدعوم من قاعدة حميميم الأميركية. مصدر مقرب من لجان التفاوض بريف درعا الغربي قال لـ«الشرق الأوسط»: «قبل أيام دعت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا، ممثلةً بمسؤول جهاز الأمن العسكري في درعا، العميد لؤي العلي، ومحافظ درعا، لؤي خريطة، ومسؤول اللجنة الأمنية في درعا، اللواء مفيد حسن، عد

رياض الزين (درعا)
شمال افريقيا مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

أجرى وزير الخارجية المصري سامح شكري اتصالات هاتفية مع نظرائه في 6 دول عربية؛ للإعداد للاجتماع الاستثنائي لوزراء الخارجية العرب بشأن سوريا والسودان، المقرر عقده، يوم الأحد المقبل. وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، السفير أحمد أبو زيد، في إفادة رسمية، الخميس، إن شكري أجرى اتصالات هاتفية، على مدار يومي الأربعاء والخميس، مع كل من وزير خارجية السودان علي الصادق، ووزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان، ووزير خارجية العراق فؤاد محمد حسين، ووزير خارجية الجزائر أحمد عطاف، ووزير خارجية الأردن أيمن الصفدي، ووزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف. وأضاف أن «الاتصالات مع الوزراء العرب تأتي في إطار ا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي الأردن يوسّع مشاورات «عودة سوريا»

الأردن يوسّع مشاورات «عودة سوريا»

أطلق الأردن سلسلة اتصالات مع دول عربية غداة استضافته اجتماعاً لبحث مسألة احتمالات عودة سوريا إلى الجامعة العربية، ومشاركتها في القمة المقبلة المقرر عقدها في المملكة العربية السعودية هذا الشهر. وقالت مصادر أردنية لـ«الشرق الأوسط»، إن اجتماع عمّان التشاوري الذي عُقد (الاثنين) بحضور وزراء خارجية مصر والسعودية والعراق والأردن وسوريا، ناقش احتمالات التصويت على قرار عودة سوريا إلى الجامعة العربية ضمن أنظمة الجامعة وآليات اعتماد القرارات فيها. وفي حين أن قرار عودة سوريا إلى الجامعة ليس مقتصراً على الاجتماعات التشاورية التي يعقدها وزراء خارجية مصر والسعودية والعراق والأردن، فإن المصادر لا تستبعد اتفاق

شؤون إقليمية الأسد ورئيسي يتفقان على «تعاون استراتيجي طويل الأمد»

الأسد ورئيسي يتفقان على «تعاون استراتيجي طويل الأمد»

بدأ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أمس (الأربعاء) زيارة لدمشق تدوم يومين واستهلها بجولة محادثات مع نظيره السوري بشار الأسد تناولت تعزيز العلاقات المتينة أصلاً بين البلدين. وفيما تحدث رئيسي عن «انتصارات كبيرة» حققتها سوريا، أشار الأسد إلى أن إيران وقفت إلى جانب الحكومة السورية مثلما وقفت هذه الأخيرة إلى جانب إيران في حرب السنوات الثماني مع إيران في ثمانينات القرن الماضي. ووقع الأسد ورئيسي في نهاية محادثاتهما أمس «مذكرة تفاهم لخطة التعاون الاستراتيجي الشامل الطويل الأمد». وزيارة رئيسي لدمشق هي الأولى التي يقوم بها رئيس إيراني منذ 13 سنة عندما زارها الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)
لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)
TT

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)
لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)

لم تُخفِ موسكو ارتياحها للهزيمة القاسية التي مُنيت بها الإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة. إذ في عهد الرئيس جو بايدن تدهورت العلاقات بين البلدين إلى أسوأ مستوياتها منذ تفكّك الاتحاد السوفياتي السابق، وجرى تقويض كل قنوات الاتصال السياسية والدبلوماسية والأمنية. وحتى «الخط الساخن» الذي طالما عوّل عليه البلدان لمواجهة الظروف الطارئة وتجنّب الانزلاق إلى احتكاكات مقصودة أو غير مقصودة، جرى تجميده كلياً. كانت تلك، وفقاً لمسؤولين روس، أسوأ أربع سنوات في العلاقات، ولقد تحوّلت فيها الولايات المتحدة إلى خصم مباشر، و«شريك رئيس في الحرب الهجينة ضد روسيا». ولم ينعكس التدهور فقط في ملفات أوكرانيا والأمن الاستراتيجي والوضع في أوروبا - وهي القضايا المركزية التي تشغل بال الكرملين - بل أيضاً امتد في تأثيره بعيداً عن الجغرافيا الحيوية لروسيا... ليصل إلى الملفات الإقليمية الساخنة في الشرق الأوسط التي شهدت تصعيداً متواصلاً فاقم تأجيج الأزمة في العلاقات.

بمجرد اتضاح نتائج الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، بدأ محللون روس في وضع «سيناريوهات» للتقارب مع الإدارة الجمهورية الجديدة في واشنطن. ولطالما كان ينظر في موسكو للرئيس المنتخب دونالد ترمب على أنه «قادر على إعادة تشغيل العلاقات مع موسكو»، والتوصل إلى تسويات أو «صفقات» حول القضايا الأكثر خلافية.

بيد أن الكرملين كان قد خاض تجربة مريرة مع ولاية ترمب الأولى، عندما بدا الرئيس - المتهم بالتعاون سرّاً مع روسيا - عاجزاً عن مواجهة تركة باراك أوباما الثقيلة في العلاقة مع موسكو. لذلك لم ينجح التفاؤل الروسي في حينه، ولا الخطوات المحدودة التي انتهجها ترمب في تحسين العلاقات جدياً، ووضع «سيناريوهات» للتعاون في ملفات دولية أو إقليمية. بل بالعكس من ذلك، فقد واجهت روسيا في ولاية ترمب السابقة أضخم رُزم عقوبات فرضتها واشنطن. ومن ناحية ثانية، فشل الطرفان أيضاً في تحسين شروط التعاون حيال ملفات إقليمية مهمة، فتدهور الوضع حول إيران بعد انسحاب ترمب من الاتفاقية النووية، وتراجع الأخير عن تنفيذ تعهد الانسحاب من سوريا.

ثلاثة أفخاخ

بناءً عليه، بدت موسكو أكثر حذراً هذه المرة وهي تستقبل أنباء فوز ترمب الساحق. وحقاً، تجنّبت تعليق آمال جدية، بانتظار ما ستقدم عليه الإدارة الجديدة من خطوات عملية فور تسلم الرئيس منصبه رسمياً في يناير (كانون الثاني) المقبل.

لكن هذا لم يمنع التوقّعات المتشائمة، التي غلبت على العلاقة، من البروز بشكل مباشر أو غير مباشر. والحال أن موسكو تبدو حالياً ضعيفة الثقة بقدرة «ترمب الجديد» على تجاوز التغيّرات الكبرى التي شهدتها الأوضاع الإقليمية والدولية خلال السنوات الأخيرة. وفي هذا الإطار، أجمل أليكسي بوشكوف، عضو مجلس الشيوخ الروسي وأحد خبراء السياسة المقربين من الرئيس فلاديمير بوتين، المأزق الذي يواجه ترمب بأنه يشتمل على «ثلاثة أفخاخ صعبة».

الفخ الأول، بطبيعة الحال، هو ملف أوكرانيا: فلقد استثمرت الولايات المتحدة بالفعل الكثير في أوكرانيا لدرجة أنها ما عادت تعرف كيفية الخروج من هذه الأزمة. وهنا لا تتوقف موسكو كثيراً عند الوعود الانتخابية لترمب بإنهاء الحرب في 24 ساعة. ويتساءل بوشكوف: «هل ستتخلى واشنطن عنها مثل أفغانستان؟ لم يعد يمكنها ذلك». أو تكمل ما بدأته الإدارة الديمقراطية؟ عندها... وكما حذّر ترمب بحق، فإن هذا قد يؤدي إلى صراع نووي مع روسيا. تدرك موسكو حجم الصعوبات التي تواجه ترمب في هذا الملف.

أما الفخ الثاني، فهو شرق أوسطي. وهنا - حسب بوشكوف - «لا يمكن لترمب التراجع عن دعم إسرائيل بسبب وجود لوبي قوي جدّاً مؤيد لإسرائيل في الولايات المتحدة. لكنه لا يستطيع دعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو علناً في كل ما يفعله، لأن هذا يضرّ بمكانة الولايات المتحدة في العالم العربي (...) ولأن المخطط الأميركي لمصالحة إسرائيل مع جيرانها ما زال موضع شك. لقد حاولت الولايات المتحدة إخراج إسرائيل من عزلتها في المنطقة... لكن هذا المدخل لم يعد يعمل. وعلاوة على ذلك: يُصرّ العالم العربي على إقامة الدولة الفلسطينية، وهو ما ترفضه إسرائيل بشكل قاطع. إذن فهذا أيضًاً فخ».

وأما الفخ الثالث فهو تايوان. ووفقاً لبوشكوف: «من الممكن أن تصبح قضية تايوان فخاً كبيراً للولايات المتحدة. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل ستدعم أوروبا الأميركيين إذا دخلت الولايات المتحدة في صراع مع الصين؟ لقد قوّضت أوروبا نفسها اقتصادياً بشدة بالفعل بسبب انفصالها عن روسيا. وإذا فتحت أيضاً معركة مع الصين، التي يبلغ حجم تجارة الاتحاد الأوروبي معها تريليون دولار أميركي، فمن المرجح أن ينهار الاقتصاد الأوروبي ببساطة».

قنابل موقوتة

السياسي الروسي يرى أن «الأفخاخ الثلاثة» تمثل قنابل موقوتة بالنسبة إلى دونالد ترمب... مهما كانت طبيعة التركيبة النهائية لفريقه الرئاسي، أو خطواته الأولى على صعيد السياسة الخارجية.

فضلاً عن ذلك، يرى بوشكوف، أن ترمب الذي تعهد بإيلاء القدر الأكبر من الاهتمام للإصلاح الداخلي، سيواجه صعوبة كبرى في إيجاد توازن بين الانكفاء إلى الداخل من أجل تحسين الأداء الاقتصادي ومواجهة الهجرة و«إعادة أميركا عظيمة» بقدراتها واقتصادها ومستوى المعيشة لشعبها، وبين العمل بسرعة لتنفيذ وعود انتخابية بإنهاء حروب وتقليص التوتر في أزمات خارجية. ويضيف متسائلاً: «كيف يمكن أن تكون أميركا عظيمة مجدّداً... وهي تنكفئ في السياسة الدولية؟».

تبدو موسكو حالياً ضعيفة الثقة بقدرة «ترمب الجديد» على تجاوز

التغيّرات الكبرى التي شهدتها الأوضاع الإقليمية والدولية خلال السنوات الأخيرة

تباين حيال التسوية في الشرق الأوسط

لا يبدو أن موسكو تثق كثيراً بقدرة ترمب على لعب دور نشط لإنهاء الحرب على غزة ولبنان، ودفع الإسرائيليين إلى التوصّل لحلول سياسية تعيد الهدوء - ولو نسبياً - إلى الشرق الأوسط.

وهنا، يذكر خبراء أن المدخل الأميركي السابق قام على أساس تعزيز اتفاقات تطبيع وفرض سلام من نوع خاص، لا يؤدي إلى تسوية سياسية حقيقية تنهي العنف في المنطقة وتنزع ذرائعه.

وترمب نفسه أعرب خلال فترة ولايته الرئاسية الأولى عن نيته التوسط في حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لكنه أظهر لاحقاً التقارب مع إسرائيل من أجل كسب دعم المانحين الرئيسيين والناخبين الرئيسيين، وخاصة الصهاينة المسيحيين الإيفانجيليين.

بحسب خبراء، هذا الموقف يتوافق مع النهج القائل: «أميركا تفعل ما تريد، وبالتالي أصدقاء أميركا يفعلون ما يريدون». مع الإشارة هنا إلى أن هذا النهج المائل إلى عقد «صفقات» ينصّ على «امتيازات خاصة للحلفاء كدفعة مقابل الأمن». غير أن موسكو ليست مقتنعة بأن هذا المدخل سيعزّز طريق الحلول النهائية للمنطقة.

ومقابل القناعة الروسية بالعودة إلى الآليات التي توافر عليها نوعٌ من الإجماع الدولي، كإحياء «الرباعية الدولية» وتوسيعها بضم بعض الأطراف الإقليمية المهمة (المملكة العربية السعودية ومصر وجامعة الدول العربية)، وأيضاً العودة إلى مبادئ التسوية القائمة على أساس رفض التوسّع الجغرافي للاحتلال، وإعلاء «مبدأ حل الدولتين» ووضع خرائط طريق جديدة بينها «المبادرة العربية للسلام»، فإن مدخل ترمب يقوم على عقد صفقات سريعة للتهدئة، وترك المناطق أمام «برميل بارود» قابل للانفجار مجدداً في أي وقت.

في هذا الإطار لا يتوقّع خبراء روس أن تكون التسوية في الشرق الأوسط بين أولويات الحوار المنتظر مع الإدارة الأميركية الجديدة، بالنظر إلى أن هذا الموضوع فيه تباعد واسع في وجهات النظر، ولا يدخل ضمن الملفات التي قد يكون بوسع الطرفين التوصل إلى صفقات حولها.

وفي الوقت ذاته، ترى موسكو - وفقاً لتحركات محدَّدة برزت في سوريا، ومن خلال حوارات مكثفة أجريت غالباً خلف أبواب مغلقة مع الجانب الإسرائيلي - أن بوسعها لعب دور أساسي في تأكيد دورها بضمان أمن إسرائيل من جهة سوريا وإيران مستقبلاً. وهو ما يعني أن هذا الموضوع قد يكون جزئياً على طاولة حوار روسي - أميركي في وقت لاحق.

تأهب للحوار حول سوريا

في هذه الأثناء، لدى الأوساط الروسية نظرة إيجابية، ولكن حذرة، بشأن احتمالات سحب ترمب القوات الأميركية من سوريا إبان ولاية ترمب الجديدة.

موسكو تتذكر الإرادة الأميركية في الانسحاب من سوريا إبان ولاية ترمب السابقة، لكن يومذاك كان التهديد الإرهابي ما زال نشطاً، والخطوط الفاصلة ومناطق النفوذ لم تكن قد تبلورت بشكل شبه نهائي. لذا يرى خبراء روس أن ترمب عندما يتكلّم عن سحب القوات حالياً فهو ينطلق من واقع ميداني وسياسي جديد. وبالتالي، سيكون حذراً للغاية عند مناقشة هذه المشكلة مجدداً.

أيضاً، ونظراً لوعود ترمب الانتخابية المتكررة، يُرجح أن ترغب واشنطن في سحب قواتها من سوريا، لكن لا يبدو لموسكو أن هذه القضية ستكون مُدرجة على جدول الأعمال ضمن أولويات التحرك الأميركي حالياً.

لقد قوبلت خطط ترمب لسحب القوات في السابق بمقاومة مفتوحة، خاصة من «القيادة الوسطى» الأميركية وشخصيات، مثل بريت ماكغورك، الذي عمل مبعوثاً خاصاً لمكافحة «داعش» حتى أواخر عام 2018، واستقال قبل شهرين من انتهاء فترة ولايته، مباشرة بعد قرار إدارة ترمب سحب القوات من سوريا في 19 ديسمبر (كانون الأول) 2018. بعدها عيّن جو بايدن، الرئيس الأميركي المنتخب، عام 2020، ماكغورك منسقاً لمجلس الأمن القومي الأميركي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، واكتسبت سياسة واشنطن في سوريا لدعم حزب العمال الكردستاني «وحدات حماية الشعب» زخماً.

حالياً يعود الملف إلى دائرة النقاش، ولقد برز بشكل واضح خلال اجتماعات «جولة آستانة للحوار» التي انعقدت أخيراً. وأكد المبعوث الرئاسي الروسي ألكسندر لافرنتييف إلى سوريا في ختام الاجتماعات أن موسكو منفتحة على الحوار مع الإدارة الأميركية الجديدة فور تشكيلها، لبحث الملفات المتعلقة بسوريا. وقال الدبلوماسي الروسي: «إذا كانت هناك مقترحات، فإن الجانب الروسي منفتح، ونحن على استعداد لمواصلة الاتصالات مع الأميركيين».

وفي هذا المجال، تنطلق موسكو من قناعة بأنه لا يمكن التوصل إلى بعض الحلول الوسط إلا من خلال المفاوضات المباشرة. وهي هنا مستعدة للاستماع إلى وجهات النظر الأخرى، وربما تقديم بعض الضمانات التي تحتاج إليها واشنطن لتسريع عملية الانسحاب ودعم التسوية في سوريا برعاية روسية تضمن مصالح الأخيرة.