العملية العسكرية التركية شمال سوريا... تصطدم برفض أميركي ـ روسي

لم تخرج حتى الآن عن نطاق التصريحات وتصعيد الهجمات على مواقع «قسد»

قوات من «الجيش الوطني» الموالي لتركيا في عرض عسكري بمدينة اعزاز قرب تل رفعت التي يسيطر عليها الأكراد (أ.ف.ب)
قوات من «الجيش الوطني» الموالي لتركيا في عرض عسكري بمدينة اعزاز قرب تل رفعت التي يسيطر عليها الأكراد (أ.ف.ب)
TT

العملية العسكرية التركية شمال سوريا... تصطدم برفض أميركي ـ روسي

قوات من «الجيش الوطني» الموالي لتركيا في عرض عسكري بمدينة اعزاز قرب تل رفعت التي يسيطر عليها الأكراد (أ.ف.ب)
قوات من «الجيش الوطني» الموالي لتركيا في عرض عسكري بمدينة اعزاز قرب تل رفعت التي يسيطر عليها الأكراد (أ.ف.ب)

لم تتوقف حملة التصريحات التركية حول عملية عسكرية محتملة تستهدف مواقع ميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) - ذات الغالبية الكردية - في شمال سوريا منذ أول إعلان للرئيس رجب طيب إردوغان يوم 23 مايو (أيار) الماضي، أن بلاده ستشن قريباً عمليات عسكرية جديدة على حدودها الجنوبية لإنشاء «مناطق آمنة» بعمق 30 كيلومتراً لمكافحة التهديدات الإرهابية من هذه المناطق. في البداية حدد إردوغان نطاقاً مكانياً واسعاً للعملية على حدود تركيا الجنوبية، لكنه لم يحدد لها نطاقاً زمنياً حتى الآن. إذ تكلم عن «عمليات» تمتد في مناطق سيطرة «قسد» (تناقصت رقعتها لاحقاً)، التي تغلب على عديدها ميليشيا «وحدات حماية الشعب الكردية». غير أنه، في حين ترى واشنطن في «قسد» حليفها الأوثق في «الحرب» على تنظيم «داعش» الإرهابي، تعتبرها أنقرة تنظيماً إرهابياً يشكل امتداداً لحزب «العمال الكردستاني»
التصريحات الأخيرة للرئيس التركي رجب طيب إردوغان وأركان حكومته، ولا سيما وزيري الخارجية مولود جاويش أوغلو والدفاع خلوصي أكار، ضيقت رقعة العملية المهدد بها في الشمال الحدودي السوري؛ إذ قال إردوغان، قبل أيام إنها ستركز على المنطقة المحيطة بمدينتي منبج وتل رفعت، وهما مدينتان تشكلان عقدة اتصال بين «قسد» في المناطق الواقعة على جانبي نهر الفرات غرباً وشرقاً، وتوجد فيهما قوات روسية إلى جانب مسلحي «قسد» والنظام السوري.
عمليات عسكرية ثلاث نفذتها تركيا من قبل، هما اثنتان في غرب الفرات، عرفت الأولى بـ«درع الفرات» عام 2016 في حلب، والثانية بـ«غصن الزيتون» 2018 في عفرين، أما الثالثة «نبع السلام» فقد نُفّذت في شرق الفرات، التي أطلقت في 9 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، بيد أنها أوقفت خلال بضعة أيام بعد تدخل الولايات المتحدة وروسيا وتوقيع تفاهمين يقضيان بتأمين انسحاب «وحدات حماية الشعب» الكردية إلى مسافة تتراوح بين 5 كلم و30 كلم جنوبي الحدود التركية. وهذا، مع العلم أن أنقرة لا تحدد مواعيد لعملياتها، بل يقول إردوغان دائماً، إننا «سنأتيهم بين ليلة وضحاها».
الرئيس التركي قال السبت الماضي أمام تجمع من نواب حزب العدالة والتنمية الحاكم في إحدى ضواحي العاصمة أنقرة، إن بلاده تواصل «بعناية» الأعمال المتعلقة باستكمال الخط الأمني على حدودها الجنوبية، عبر عمليات جديدة في شمال سوريا. وأضاف «لقد مزّقنا الممر الإرهابي المُراد تشكيله على حدودنا الجنوبية من خلال عمليات (درع الفرات) و(غصن الزيتون) و(نبع السلام) و(درع الربيع) في شمال سوريا، و(المخلب - القفل) في شمال العراق». وأردف «المنطقة الممتدة بعمق 30 كلم بمحاذاة حدودنا الجنوبية هي منطقتنا الأمنية، ولا نريد أن يزعجنا أحد هناك، وسنقوم بخطوات في هذا الخصوص».
وقبل ذلك بيومين، تعهد الرئيس التركي بذهاب قواته إلى مناطق سيطرة مسلحي «قسد» في شمال سوريا و«دفنهم فيها». وحدد نطاقاً للعملية المحتملة، قائلاً إن بلاده بصدد الانتقال إلى مرحلة جديدة في قرارها المتعلق بإنشاء منطقة آمنة على عمق 30 كيلومتراً جنوب الحدود التركية وتطهير منطقتي تل رفعت ومنبج من الإرهابيين «من دون انتظار إذن من أحد». كما انتقد قلة التزام الولايات المتحدة بتعهداتها عبر مذكرة التفاهم الموقعة معها في 17 أكتوبر عام 2019، والتي أوقفت بمقتضاها عملية «نبع السلام» العسكرية التركية في شرق الفرات.

 وزيرا الخارجية التركي والروسي لدى لقائهما يوم الاربعاء في أنقرة (أ ف ب)

- تحذير أميركي ـ روسي
فور إعلان إردوغان عن العملية المحتملة في 23 مايو، حذّرت واشنطن من أن أي عملية عسكرية في شمال سوريا ستشكل خطراً على قواتها المشاركة في عمليات مكافحة «داعش» في المنطقة. وتعالت تحذيرات من وزارة الدفاع (البنتاغون) والكونغرس الأميركيين من احتمالات تعرض تركيا للعقوبات إذا ما أقدمت على خطوة جديدة لمهاجمة حليف واشنطن الكردي في سوريا.
بالنسبة إلى منبج، كانت أنقرة قد أعلنت يوم 4 يونيو (حزيران) 2018 التوصل إلى «خريطة طريق» مع واشنطن لانسحاب مقاتلي «وحدات حماية الشعب الكردية» من المدينة الخاضعة لسيطرة «قسد»، وتسيير دوريات تركية أميركية مشتركة حولها، لكن أنقرة اشتكت دائماً من قلة التزام واشنطن بـ«خريطة الطريق» هذه. وفي 15 أكتوبر 2019، أعلنت واشنطن انسحاب قواتها من منبج بشكل كامل باتجاه الحدود العراقية، ذاكرة أن قوات «التحالف» تنفذ انسحابا مدروساً من شمال شرقي سوريا، وأنها انسحبت من منبج أيضاً، بالتزامن مع بدء الجيش التركي عملية «نبع السلام». ولكن، مع الانسحاب الأميركي عاد مسلحو «قسد» والنظام السوري بدعم من روسيا للانتشار في المدينة.
وعلى غرار الولايات المتحدة، حذرت روسيا من أي تحرك عسكري تركي في شمال سوريا، مؤكدة أنه لا يمكن ضمان الأمن على الحدود السورية التركية إلا بنشر قوات الأمن (النظامية) السورية. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، إن موسكو تأمل في أن تمتنع أنقرة عن الأعمال التي قد تؤدي إلى تدهور خطير للأوضاع في سوريا. وكذلك أن موسكو تتفهم مخاوف تركيا من تهديدات أمنها القومي من المناطق الحدودية، «لكنها ترى أنه لا يمكن ضمان الأمن على الحدود السورية - التركية إلا بنشر قوات الأمن التابعة للحكومة السورية (أي النظام)».
هذا، وكانت تركيا قد أبرمت مذكرتي تفاهم منفصلتين مع الأميركيين والروس أثناء عملية «نبع السلام» عام 2019، وتعهد الجانبان بموجبهما بانسحاب «وحدات حماية الشعب الكردية» حتى عمق 30 كلم إلى الجنوب من الحدود التركية، لكن أنقرة تقول إنهما لم يفيا بوعودهما، بينما تزعم واشنطن أن تركيا لم تلتزم من جانبها بالتفاهم الموقع بينهما.

ميليشيا «قسد»

- تصعيد وتحضيرات
يرى مراقبون، أن تركيا لا تهتم كثيراً بالموقف الأميركي من عمليتها المحتملة لأن الصدام بينهما غير وارد لعدم وجود قوات أميركية في منبج وتل رفعت، إلا أن المعضلة الحقيقية مع روسيا، التي تنشر قواتها هناك. ومن ثم، تسعى تركيا إلى استغلال الانشغال الروسي بالحرب في أوكرانيا للتوغل في الأراضي السورية، وتأمل في الوقت ذاته أن تحظى بتأييد روسي مقابل مواقفها في الحرب الأوكرانية، وبالذات تأييد العقوبات الأميركية والأوروبية على روسيا. ويشير هؤلاء إلى هدف آخر، هو سعي إردوغان لاستعادة قاعدة ناخبيه من القوميين التي تكشف استطلاعات الرأي تحولها عنه قبل سنة من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في يونيو 2023.
وقبل أيام قليلة من زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى أنقرة، الأربعاء الماضي، صعّدت تركيا وفصائل «الجيش الوطني السوري»، الموالي لها، قصف مواقع «قسد» في منبج بشكل مكثف. وامتد القصف إلى تل رفعت، وأيضاً بعض المواقع في الحسكة شرقي الفرات. وأفادت مصادر عسكرية تركية، بأن «الجيش الوطني السوري» أكمل تحضيراته وتدريباته التي نفذت بالذخيرة الحية، تأهبا للعملية العسكرية المحتملة. كذلك تحدثت مصادر عسكرية تركية، قبل يومين من زيارة لافروف عن اجتماع لقادة من الجيش التركي والاستخبارات، مع قادة فصائل «الجيش الوطني السوري» في «غرفة عمليات كيليس» بريف حلب، لإطلاعهم على التفاصيل النهائية للعمليات العسكرية المحتملة.
وفي المقابل، أخلى قادة في صفوف «قسد» وعائلاتهم منازلهم في تل رفعت ومنبج، بموجب اتفاق مع قوات النظام السوري لتسليمها المواقع القريبة من خطوط التماس مع فصائل المعارضة السورية. وأعلنت «قسد» بدورها رفع جاهزيتها العسكرية للدرجة القصوى، مشيرة إلى أنها أكملت الاستعدادات لمواجهة الهجوم التركي المرتقب. وحذّرت من الدخول في حرب طويلة الأمد، وأبدت أيضاً استعدادها «للتنسيق» مع قوات النظام السوري لصد العملية التركية و«حماية» الأراضي السورية، وسط تأكيدات من تركيا أن عمليتها ستكون في إطار القانون الدولي، كالمعتاد، وأن ما يهمها هو حماية وحدة سوريا وأمن الحدود التركية.
من جهتها، نشرت وكالة أنباء «الأناضول» التركية، الثلاثاء، تقريراً ادعت فيه إلى أن «قسد» تحفر الأنفاق وتخبئ الأسلحة في المناطق السكنية بمدينة تل رفعت والقرى المحيطة بها؛ بغية استخدام المدنيين دروعاً بشرية، قبل العملية العسكرية المحتملة. ونشرت الوكالة ما قالت، إنه صور ومقاطع فيديو التقطت من الجو لعدد من البلدات المحيطة بتل رفعت، هي الشيخ عيسى ومنّغ والعلقمية وعين دقنة وكشتعار وطاط مراش، تظهر عمليات حفر الأنفاق فيها وإخفاء دبابات وأسلحة في البيوت. كما تظهر تحركات لبعض عناصرها حول الأنفاق وتجمعات لهم في القرى وسط المدنيين. ولفت التقرير إلى أن «قسد» حفرت، خلال السنوات الماضية، شبكة أنفاق معقدة في تل رفعت ومحيطها، كما استقدمت تعزيزات عسكرية كبيرة من مناطق سيطرتها شرق الفرات إلى المنطقة.
للعلم، سيطرت «قسد» على تل رفعت في فبراير (شباط) عام 2016 بدعم جوي روسي؛ ما تسبب في نزوح عشرات الآلاف من سكانها إلى مخيمات نصبت بالقرب من الحدود السورية التركية. وتتهم أنقرة «قسد» باستخدام تل رفعت والقرى المحيطة بها منطلقاً لتنفيذ هجمات على المناطق الآمنة التي شكلتها تركيا عبر العمليات العسكرية التي نفذتها في سوريا.

- تباعد تركي - روسي
من جهة أخرى، عكست المباحثات التي جرت بين وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو ونظيره الروسي سيرغي لافروف في أنقرة، الأربعاء، تباعداً في مواقف بلديهما بشأن الملف السوري والعملية العسكرية التركية المحتملة. ولم يعلن لافروف موقفاً مؤيداً لتركيا في تحركها المتوقع، بل اكتفى بالقول، إن بلاده تأخذ بعين الاعتبار المخاوف الأمنية لتركيا وتنسق معها، لافتاً إلى الالتزام بالتفاهمات والاتفاقات بين البلدين وتنفيذها، ولو ببطء. وتنتقد موسكو تركيا لتقاعسها عن اتخاذ الخطوات اللازمة للفصل بين المتشددين والمعارضة السورية المعتدلة في إدلب بموجب اتفاق خفض التصعيد في شمال غربي سوريا.
وتابع وزير الخارجية الروسي «نحن نتفهم جيداً مخاوف أصدقائنا فيما يتعلق بالتهديدات التي تختلقها قوى خارجية على حدودهم، بما في ذلك عن طريق تأجيج المشاعر الانفصالية في المناطق التي تسيطر عليها الوحدات الأميركية الموجودة في سوريا بشكل غير قانوني». وفي الوقت ذاته، لم يقدم لافروف وعوداً بتأييد العملية العسكرية المزمعة، بل تمسك بموقف بلاده في التحذير من أي عملية عسكرية تركية جديدة في شمال سوريا. وإن قال، إننا نأخذ بعين الاعتبار قلق أصدقائنا الأتراك حيال التهديدات التي تشكلها القوى الأجنبية على حدودهم. واتهم الولايات المتحدة بأنها ترعى تنظيمات عدة في سوريا بشكل غير قانوني.
أما جاويش أوغلو، في المؤتمر الصحافي المشترك مع لافروف عقب المباحثات، فاعتبر أن هناك تهديداً متصاعداً من «التنظيمات الإرهابية» في شمال سوريا، ويجب اتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة هذه التهديدات. وتابع «يجب تطهير سوريا من التنظيمات الإرهابية التي تهدد وحدة أراضيها وأمن تركيا... إن الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة، تدعم الإرهابيين في شمال سوريا». وأردف، أن اعتراض بلاده على انضمام كل من السويد وفنلندا إلى عضوية حلف شمال الأطلسي (ناتو) ليس له أي سبب سوى دعمهما التنظيمات الإرهابية التي تعمل ضدها. ومعلوم أن تركيا رفضت انضمام الدولتين إلى «ناتو» قبل الاستجابة لمطالبها المتعلقة بوقف دعمهما للمقاتلين الأكراد في شمال سوريا، ورفع الحظر على صادرات السلاح إلى أنقرة، الذي انضمت فيه الدولتان إلى دول غربية أخرى عام 2019 بسبب عملية «نبع السلام». ويرى مراقبون، أن أنقرة تستخدم هذه الورقة أيضاً في الضغط على واشنطن - المتحمسة لضم السويد وفنلندا إلى «ناتو» - من أجل وقف دعمها للميليشيات الكردية بحجة الحرب على «داعش».
جاويش أوغلو قال أيضاً «نحن نعلق أهمية خاصة على وحدة أراضي سوريا، لكن ثمة صعوبات يجب التعامل معها... تركيا تتوقع من الولايات المتحدة وروسيا الوفاء بالتزاماتها بشأن تطهير سوريا من الإرهابيين، في إشارة إلى مذكرتي التفاهم الموقعتين مع كل من واشنطن وموسكو في 17 و22 أكتوبر 2019 بشأن وقف عملية «نبع السلام» العسكرية التركية وانسحاب «قسد» إلى مسافة 30 كيلومتراً جنوب الحدود التركية.
هذا، وقبل المباحثات، كشف مسؤول تركي كبير لوكالة «رويترز» عن أن لافروف سيسأل عن المعلومات الاستخباراتية، التي قال، إنها تشير إلى وصول قوات من جيش النظام والميليشيات المدعومة من إيران إلى تل رفعت أو تتجه إلى هناك، مؤكداً أن تركيا ستنفذ العملية العسكرية في شمال سوريا بطريقة أو بأخرى. ونقلت الوكالة عن مسؤولين أتراك وآخرين في المعارضة السورية المسلحة، أن جيش النظام عزز قواته في شمال سوريا، في حين تعد تركيا لشن عمليتها العسكرية بهدف إنشاء منطقة آمنة بعمق 30 كيلومتراً داخل الأراضي السورية.
وبحسب يوسف حمود، المتحدث باسم «الجيش الوطني السوري»، تعزز القوات الروسية مواقعها راهناً بالقرب من تل رفعت ومنبج والضواحي الجنوبية لعين العرب وعين عيسى، وتقع جميع هذه البلدات على بعد 40 كيلومتراً من الحدود التركية. وأضاف حمود لـ«رويترز»، أنه «منذ الإعلان عن العملية التركية، أعلن النظام السوري وميليشياته الإيرانية التعبئة ويرسلون تعزيزات إلى وحدات حماية الشعب الكردية... وأمكن رصد طائرات هليكوبتر روسية تهبط في قاعدة جوية قريبة من تل رفعت».
كذلك، أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» في هذه الأثناء، بأن القوات الروسية أرسلت تعزيزات عسكرية جديدة إلى قاعدتها في المباقر - بريف تل تمر شمال غربي الحسكة - الواقعة تحت سيطرة «قسد» والنظام، تتألف من ناقلات جنود ومدرعات وعربات عسكرية مغلقة، بالإضافة إلى رادارات وأسلحة ثقيلة ومتوسطة بينها مضاد للطيران. وأيضاً، يواصل الطيران الحربي الروسي تحليقه المكثف يومياً على طول خطوط التماس بين «قسد» والنظام من جهة، وفصائل «الجيش الوطني السوري» والقوات التركية من جهة أخرى، وذلك من ريف مدينة منبج غرباً، وصولاً إلى القامشلي شرقاً عبر عامودا والدرباسية على طول الحدود السورية التركية.
- لماذا تريد تركيا السيطرة على تل رفعت؟
> تسعى تركيا لإبعاد مقاتلي ميليشيا «وحدات حماية الشعب الكردية» عن حدودها الجنوبية لمسافة 30 كلم على الأقل.
وتستخدم المنطقة، التي تسيطر عليها «قسد» وتتمركز فيها قوات روسية وأخرى تابعة للنظام والميليشيات الإيرانية، منذ عام 2016، منطلقاً للهجمات الكردية على المناطق الحدودية في تركيا. وتمتل مدينة تل رفعت إشكالية أمنية لتركيا في الماضي والحاضر أيضاً. ولذا؛ وضعت تركيا المدينة في مقدمة أهدافها الاستراتيجية والأمنية في شمال سوريا.
فعلياً، لا تملك ميليشيا «قسد» السيطرة الكاملة على «الجيب» الذي يضم تل رفعت، ومع أنها موجودة عسكرياً في المنطقة، فإن روسيا هي التي تسمح لها بالتحرك فيها؛ كونها المسيطر الأول والأخير. وفي رأي مراقبين، فإن هذه المنطقة تشكل محور أزمة في العلاقة بين تركيا وروسيا، وعندما يعلن الجانب التركي عن تحرك عسكري في تل رفعت، تكون الفكرة الرئيسية هي ممارسة نوع من الضغط على روسيا وإجبارها على الحوار والتحرك ضد «قسد». وعليه؛ ففكرة الصدام العسكري بين القوات التركية والروسية مستبعدة دائماً من الجانبين.
وبالنسبة إلى «قسد» فهي ليست مستعدة، في حالة التصعيد العسكري، للاعتماد على علاقتها بالميليشيات الإيرانية الموالية للنظام، لأن ذلك سيسبب لها مشكلة مع روسيا، وكذلك مع أميركا الحليف والداعم الأساسي.
أما أهالي تل رفعت النازحون إلى ريف حلب، فلطالما طالبوا تركيا والفصائل الموالية لها بعمليات عسكرية تتيح لهم العودة إلى مدينتهم. وحقا نظموا أكثر من وقفة خلال السنوات الماضية، ومنذ أيام قليلة أيضاً، يدعمون فيها التدخل التركي.


مقالات ذات صلة

أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

العالم العربي أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

استبقت تركيا انعقاد الاجتماع الرباعي لوزراء خارجيتها وروسيا وإيران وسوريا في موسكو في 10 مايو (أيار) الحالي في إطار تطبيع مسار العلاقات مع دمشق، بمطالبتها نظام الرئيس بشار الأسد بإعلان موقف واضح من حزب «العمال الكردستاني» والتنظيمات التابعة له والعودة الطوعية للاجئين والمضي في العملية السياسية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
العالم العربي درعا على موعد مع تسويات جديدة

درعا على موعد مع تسويات جديدة

أجرت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا (جنوب سوريا) اجتماعات عدة خلال الأيام القليلة الماضية، آخرها أول من أمس (الأربعاء)، في مقر الفرقة التاسعة العسكرية بمدينة الصنمين بريف درعا الشمالي، حضرها وجهاء ومخاتير ومفاوضون من المناطق الخاضعة لاتفاق التسوية سابقاً وقادة من اللواء الثامن المدعوم من قاعدة حميميم الأميركية. مصدر مقرب من لجان التفاوض بريف درعا الغربي قال لـ«الشرق الأوسط»: «قبل أيام دعت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا، ممثلةً بمسؤول جهاز الأمن العسكري في درعا، العميد لؤي العلي، ومحافظ درعا، لؤي خريطة، ومسؤول اللجنة الأمنية في درعا، اللواء مفيد حسن، عد

رياض الزين (درعا)
شمال افريقيا مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

أجرى وزير الخارجية المصري سامح شكري اتصالات هاتفية مع نظرائه في 6 دول عربية؛ للإعداد للاجتماع الاستثنائي لوزراء الخارجية العرب بشأن سوريا والسودان، المقرر عقده، يوم الأحد المقبل. وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، السفير أحمد أبو زيد، في إفادة رسمية، الخميس، إن شكري أجرى اتصالات هاتفية، على مدار يومي الأربعاء والخميس، مع كل من وزير خارجية السودان علي الصادق، ووزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان، ووزير خارجية العراق فؤاد محمد حسين، ووزير خارجية الجزائر أحمد عطاف، ووزير خارجية الأردن أيمن الصفدي، ووزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف. وأضاف أن «الاتصالات مع الوزراء العرب تأتي في إطار ا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي الأردن يوسّع مشاورات «عودة سوريا»

الأردن يوسّع مشاورات «عودة سوريا»

أطلق الأردن سلسلة اتصالات مع دول عربية غداة استضافته اجتماعاً لبحث مسألة احتمالات عودة سوريا إلى الجامعة العربية، ومشاركتها في القمة المقبلة المقرر عقدها في المملكة العربية السعودية هذا الشهر. وقالت مصادر أردنية لـ«الشرق الأوسط»، إن اجتماع عمّان التشاوري الذي عُقد (الاثنين) بحضور وزراء خارجية مصر والسعودية والعراق والأردن وسوريا، ناقش احتمالات التصويت على قرار عودة سوريا إلى الجامعة العربية ضمن أنظمة الجامعة وآليات اعتماد القرارات فيها. وفي حين أن قرار عودة سوريا إلى الجامعة ليس مقتصراً على الاجتماعات التشاورية التي يعقدها وزراء خارجية مصر والسعودية والعراق والأردن، فإن المصادر لا تستبعد اتفاق

شؤون إقليمية الأسد ورئيسي يتفقان على «تعاون استراتيجي طويل الأمد»

الأسد ورئيسي يتفقان على «تعاون استراتيجي طويل الأمد»

بدأ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أمس (الأربعاء) زيارة لدمشق تدوم يومين واستهلها بجولة محادثات مع نظيره السوري بشار الأسد تناولت تعزيز العلاقات المتينة أصلاً بين البلدين. وفيما تحدث رئيسي عن «انتصارات كبيرة» حققتها سوريا، أشار الأسد إلى أن إيران وقفت إلى جانب الحكومة السورية مثلما وقفت هذه الأخيرة إلى جانب إيران في حرب السنوات الثماني مع إيران في ثمانينات القرن الماضي. ووقع الأسد ورئيسي في نهاية محادثاتهما أمس «مذكرة تفاهم لخطة التعاون الاستراتيجي الشامل الطويل الأمد». وزيارة رئيسي لدمشق هي الأولى التي يقوم بها رئيس إيراني منذ 13 سنة عندما زارها الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

أميركا اللاتينية منقسمة إزاء التعايش مع ترمب «العائد»

الرئيس الأرجنتيني اليميني خافيير ميلي مع ترمب "حليفه الأكبر" في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي (رويترز والرئاسة الأرجنتينية)
الرئيس الأرجنتيني اليميني خافيير ميلي مع ترمب "حليفه الأكبر" في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي (رويترز والرئاسة الأرجنتينية)
TT

أميركا اللاتينية منقسمة إزاء التعايش مع ترمب «العائد»

الرئيس الأرجنتيني اليميني خافيير ميلي مع ترمب "حليفه الأكبر" في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي (رويترز والرئاسة الأرجنتينية)
الرئيس الأرجنتيني اليميني خافيير ميلي مع ترمب "حليفه الأكبر" في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي (رويترز والرئاسة الأرجنتينية)

من شائع القول، أن الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة يجب أن تكون مفتوحة لمشاركة جميع سكان العالم، لما لنتائجها من تأثير سياسي واقتصادي وأمني على الصعيد الدولي الواسع. لكن مما لا شك فيه أن أميركا اللاتينية التي تعد «الحديقة الخلفية» لواشنطن، والتي طالما كان ليد الإدارات الأميركية الطولى وأجهزة استخباراتها الدور الحاسم في تحديد خياراتها السياسية والاقتصادية، هي الأشد تأثراً بوجهة الرياح التي تهبّ من البيت الأبيض. «الصوت اللاتيني» كان هذه المرة موضع منافسة محتدمة بين الجمهوريين والديمقراطيين خلال الحملة الانتخابية، وكان راجحاً في كفّة المرشح الفائز، كما دلّ على أهميته قرار الرئيس العائد دونالد ترمب اختيار منافسه في الانتخابات الأولية، السيناتور الكوبي الأصل ماركو روبيو، لمنصب وزير الخارجية في الإدارة الجديدة. إلا أن ردود الفعل في بلدان أميركا اللاتينية على فوز دونالد ترمب بولاية رئاسية ثانية، جاءت متفاوتة ومتأرجحة بين القلق الدفين في أوساط الأنظمة اليسارية والتقدمية، والابتهاج الظاهر بين الحكومات والأحزاب المحافظة واليمينية المتطرفة.

أول المحتفلين بفوز الرئيس دونالد ترمب والمُنتشين لعودته إلى البيت الأبيض كان الرئيس الأرجنتيني اليميني المتطرف خافيير مَيلي الذي سارع، بعد أسبوع من إعلان الفوز، لملاقاته في مقره بولاية فلوريدا حيث أعرب له عن «استعداد الأرجنتين الكامل لمساعدته على تنفيذ برنامجه».

أيضاَ، المعارضة البرازيلية التي يقودها الرئيس اليميني المتطرف السابق جايير بولسونارو - الذي يخضع حالياً للمحاكمة بتهمة التحريض على قلب نظام الحكم وهو ممنوع من السفر خارج البلاد - لم تكن أقل ابتهاجاً من الرئيس الأرجنتيني أو المعارضة الفنزويلية التي عادت لتعقد الآمال مجدّداً على رفع منسوب الضغط الأميركي على نظام نيكولاس مادورو اليساري في فنزويلا والدفع باتجاه تغيير المعادلة السياسية لصالحها.

حذر في المكسيك

في المقابل، حاولت السلطات المكسيكية من جهتها إبداء موقف حذر على الرغم المخاوف التي تساورها من أن يفي الرئيس الأميركي العائد بالوعود التي قطعها خلال الحملة الانتخابية حول الهجرة والتجارة ومكافحة المخدرات، والتي تجعل من المكسيك أكثر بلدان المنطقة تعرّضاً لتداعيات السياسة الشعبوية المتشددة التي ستتبعها إدارته الثانية اعتباراً من العام المقبل. ومعلوم أن ترمب كان قد جعل من بناء «الجدار» على الحدود الفاصلة بين المكسيك والولايات المتحدة عنواناً لحملته الانتخابية الأولى وأحد ركائز حملته الثانية، إلى جانب خطابه العنصري المناهض للمهاجرين المكسيكيين الذين يشكلون الغالبية الساحقة من المهاجرين اللاتينيين إلى الولايات المتحدة. كذلك، كان ترمب قد هدد الرئيسة المكسيكية الاشتراكية الجديدة كلاوديا شاينباوم بفرض رسوم جمركية بنسبة 25 في المائة على السلع المستوردة من المكسيك ما لم تمنع تدفق المهاجرين من أميركا الوسطى إلى الولايات المتحدة عبر أراضي المكسيك.

الرئيسة شاينباوم قلّلت من شأن تهديدات ترمب، وقالت إن بلادها - كالعادة - «ستتمكن من تجاوز الأزمة»، لكن لا أحد يشك في أن الدولة المرشحة لأكبر قدر من الضرر جرّاء عودة ترمب إلى البيت الأبيض هي المكسيك، أولاً نظراً لكونها الشريك التجاري الأول للولايات المتحدة، وثانياً لأن العلاقات بين البلدين المتجاورين هي أشبه بزواج لا طلاق فيه.

من جهة ثانية، كان لافتاً أن سوق المال (البورصة) المكسيكية لم تتعرّض لأي اهتزازات تذكر بعد إعلان فوز ترمب، خلافاً لما حصل بعد فوزه بالولاية الأولى عام 2016. وهو ما يدلّ على التأقلم مع أسلوبه والتكيّف معه، وأيضاً على متانة «اتفاقية التجارة الحرة» بين المكسيك وكندا والولايات المتحدة كإطار يحكم المبادلات التجارية بين البلدان الثلاثة.

المشهد البرازيلي

في البرازيل، كما سبقت الإشارة، كان الرئيس السابق جايير بولسونارو بين أوائل المهنئين بفوز دونالد ترمب. إذ أعرب عن ابتهاجه لهذا «النصر الأسطوري الذي منّ به الله تعالى على الولايات المتحدة والعالم»، في حين اكتفت حكومة الرئيس الحالي اليساري الحالي لويس إيناسيو (لولا) بالطقوس الدبلوماسية المألوفة، بعدما كان «لولا» قد أعلن صراحة دعمه لمرشحة الحزب الديمقراطي نائبة الرئيس المودّعة كمالا هاريس.

أكثر من هذا، تابع إدواردو بولسونارو، نجل الرئيس السابق والعضو في مجلس النواب البرازيلي، عملية فرز نتائج الانتخابات الأميركية في منزل ترمب بفلوريدا، حيث صرّح بعد إعلان الفوز: «ها نحن اليوم نشهد على قيامة مقاتل حقيقي يجسد انتصار الإرادة الشعبية على فلول النخب التي تحتقر قيمنا ومعتقداتنا وتقاليدنا». وبالمناسبة، لا يزال بولسونارو «الأب» عازماً على الترشّح للانتخابات الرئاسية البرازيلية في عام 2026. على الرغم من صدور حكم قضائي مُبرم يجرّده من حقوقه السياسية حتى عام 2030 بتهمة سوء استخدام السلطة والتحريض على الانقلاب.

بالتوازي، كان «لولا» قد تعرّض للانتقاد بسبب تأييده الصريح لهاريس، الذي ضيّق كثيراً هامش المناورة أمامه بعد هزيمتها. لكنه علّق بعد تهنئته ترمب: «الديمقراطية هي صوت الشعب الذي يجب احترامه».

اليوم يعتقد أنصار بولسونارو أن المشهد السياسي الأميركي الجديد، والدور الوازن الذي يلعبه الملياردير إيلون ماسك داخل إدارة ترمب، قد يشكّلان ضغطاً على الكونغرس البرازيلي والمحكمة العليا لإصدار عفو عن الرئيس البرازيلي السابق يتيح له الترشح في انتخابات عام 2026 الرئاسية. أما على الصعيد الاقتصادي، فتخشى البرازيل، في حال قرّر ترمب رفع الرسوم الجمركية وفرض إجراءات حمائية، خفض صادراتها إلى الولايات المتحدة وتراجعاً في قيمة موادها الخام. كذلك، من شأن إغلاق السوق الأميركية أمام السلع الصينية أن يؤدي إلى خفض الطلب على المواد الخام التي تشكّل عماد المبادلات التجارية البرازيلية. أما على الصعيد البيئي، فقد حذرت وزيرة البيئة البرازيلية مارينا سيلفا من أن الأسرة الدولية ستكون مضطرة لمضاعفة جهودها للحد من تداعيات أزمة المناخ إذا قرر ترمب المضي في تنفيذ سياساته البيئية السلبية المعلنة.

مَيلي متحمّس ومرتاح

الرئيس الأرجنتيني خافيير مَيلي، من جانبه، احتفى بفوز ترمب على وسائل التواصل الاجتماعي، وتعهد بالتعاون مع إدارته لتنفيذ برنامجه الانتخابي، معوّلاً على استثمارات أميركية ضخمة في القطاعات الإنتاجية الأرجنتينية. وانضمّ أيضاً إلى «التهاني» من معسكر اليمين الأرجنتيني الرئيس الأسبق ماوريسيو ماكري، الذي يشارك حزبه المحافظ في حكومة مَيلي الائتلافية، والذي سبق أن كان شريكاً لترمب في صفقات عقارية في الولايات المتحدة.

يُذكر أن ترمب كان قد لعب دوراً حاسماً في منح صندوق النقد الدولي قرضاً للأرجنتين بقيمة 44 مليار دولار أميركي عام 2018 ما زالت عاجزة عن سداده. وفي حين يأمل مَيلي بأن تساعده الإدارة الأميركية الجديدة بالحصول على قرض جديد من صندوق النقد يحتاج إليه الاقتصاد الأرجنتيني بشدة للخروج من أزمته الخانقة، فإنه يعرف جيداً أن ترمب سيكون بجانبه في «الحرب الثقافية» التي أعلنها على اليسار الدولي وأجندته التقدمية.

فنزويلا وكوبا

في الدول الأميركية اللاتينية الأخرى، علّق إدموندو غونزاليس أوروتيا، مرشح المعارضة في الانتخابات الرئاسية الفنزويلية - المنفي حالياً في إسبانيا والذي تدلّ كل المؤشرات على فوزه - علَّق على فوز ترمب بوصفه هو أيضاً الفائز الذي اعترفت به دول عدة بينها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فقال: «هذه إرادة الشعب الأميركي وأهمية التناوب على الحكم».

أما زعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو، التي اضطرت للتنازل عن ترشيحها لصالح غونزاليس بعدما جرّدها القضاء من حقوقها السياسية - فقد هنأت ترمب بقولها: «نعرف أنك كنت عوناً لنا دائماً، والحكومة الديمقراطية التي اختارها الشعب الفنزويلي ستكون حليفاً موثوقاً لإدارتك».

من الجانب الآخر، اختارت الحكومة الفنزويلية اليسارية التزام الحذر في تعليقها الأول على فوز ترمب، وجاء في تهنئتها البروتوكولية: «نوجه التهنئة لشعب الولايات المتحدة على هذه الانتخابات. إن فنزويلا على استعداد دائماً لإقامة علاقات مع الإدارات الأميركية في إطار الحوار والرشد والاحترام». وأضاف البيان الذي صدر عن الرئاسة الفنزويلية مستحضراً خطابه المعهود: «إن الاعتراف بسيادة الشعوب وحقها في تقرير مصيرها هو الأساس لقيام عالم جديد يسوده التوازن بين الدول الحرة»، في إشارة إلى المفاوضات المتعثّرة منذ سنوات بين واشنطن وكاراكاس لإيجاد مخرج من الأزمة الفنزويلية التي تمرّ اليوم بأكثر مراحلها تعقيداً. وهنا تجدر الإشارة إلى أن ترمب كان قد فرض إبان ولايته الرئاسية الأولى ما يزيد عن مائة عقوبة على فنزويلا، وانتقد بشدة قرارات إدارة بايدن برفع بعضها. غير أنه ليس واضحاً بعد كيف ستكون مقاربته لهذا الملف، خاصة، أن فنزويلا يمكن أن تساعد على تلبية الاحتياجات الأميركية من الطاقة في ظروف دولية معاكسة بسبب الحرب في أوكرانيا والاضطرابات في الشرق الأوسط.

وبما يخصّ كوبا، تحمل ولاية ترمب الثانية في البيت الأبيض معها أيضاً «سحباً سوداء» فوق كوبا التي تتوقع تشديد العقوبات والمزيد منها. وكان ترمب قد حطّم جميع الأرقام القياسية في العقوبات التي فرضها على النظام الكوبي، وأدرجها على قائمة «الدول الراعية للإرهاب»، الأمر الذي يضفي صعوبات جمّة على علاقات الدولة الكوبية المالية مع الخارج. ويلفت أن الحكومة الكوبية - حتى كتابة هذه السطور - لم تعلّق بعد على فوز دونالد ترمب بولاية ثانية.

تحمل ولاية ترمب الثانية في البيت الأبيض

معها «سحباً سوداء» فوق كوبا

التي تتوقع تشديد العقوبات

الرئيس المكسيكية الاشتراكية كلاوديا شاينباوم (رويترز)

كولومبيا تثير موضوع غزة

كولومبيا أيضاً يسود فيها الترقّب الحذر لمعرفة الوجهة التي ستسير بها العلاقات بين ترمب والرئيس الكولومبي اليساري غوستافو بترو اللذين لا يجمع بينهما أي رابط شخصي أو عقائدي. بيد أن هذا لم يمنع بترو من توجيه رسالة تهنئة إلى الرئيس الأميركي العائد لعلها الأكثر صراحة في مضمونها السياسي والمواضيع التي ستتمحور حولها علاقات المعسكر التقدمي في أميركا اللاتينية مع الإدارة الأميركية اليمينية المتشددة الجديدة. وجاء في رسالة بترو: «إن السبيل الوحيد لإغلاق الحدود يمرّ عبر ازدهار بلدان الجنوب وإنهاء الحصار»، في إشارة واضحة إلى العقوبات الأميركية المفروضة على فنزويلا وكوبا. ثم تناولت الرسالة موضوع غزة، الذي يستأثر باهتمام كبير لدى الرئيس الكولومبي، وأوردت: «الخيار التقدمي في الولايات المتحدة لا يمكن أن يقبل بالإبادة التي تتعرّض لها غزة».

باقي اليمين يرحب

في المقابل، اكتفت رئيسة البيرو، دينا بولوارتي، التي منذ سنة لا تتمتع بتأييد سوى 8 في المائة من مواطنيها، بتوجيه رسالة تهنئة «للمرشح دونالد ترمب على فوزه في الانتخابات الديمقراطية التي أجريت في الولايات المتحدة»، بينما غرّد دانيال نوبوا، رئيس الإكوادور اليميني الذي تشهد بلاده أزمة سياسية وأمنية عميقة منذ أشهر، على حسابه مرحباً: «مستقبل زاهر ينتظر قارتنا بفوز دونالد ترمب».

وفي تشيلي - التي يحكمها اليسار - كان أول المهنئين خوسيه أنطونيو كاست، زعيم الحزب الجمهوري اليميني المتطرف الذي يطمح للفوز في الانتخابات الرئاسية العام المقبل. وفي المقلب الآخر، على الصعيد الرسمي بادر وزير الخارجية التشيلي ألبرتو فان كلافيرين إلى التهنئة المبكرة قائلاً: «نتيجة الانتخابات كانت واضحة وكاشفة على أكثر من صعيد. نقيم علاقة دولة مع الولايات المتحدة، والعلاقات هي بين الدول، ونطمح لأفضلها مع حكومة الرئيس ترمب الجديدة». أما الرئيس التشيلي اليساري غابريل بوريتش، الذي كان آخر المهنئين بين زعماء المنطقة، فجاء في رسالته: «تؤكد تشيلي التزامها توطيد العلاقات مع الولايات المتحدة من أجل تحقيق تنمية شاملة، واحترام حقوق الإنسان والعناية بالديمقراطية».

 

حقائق

واقع العلاقات والمخاوف في أميركا الوسطى

في أميركا الوسطى، وتحديداً السلفادور، وعلى الرغم من العلاقات الجيدة التي تربط رئيسها نجيب أبو كيلة (الفلسطيني الأصل) مع دونالد ترمب، كما تَبيّن خلال الولاية الأولى للرئيس الأميركي المنتخب، فإن ثمة مخاوف ملموسة من التهديدات التي أطلقها ترمب خلال حملته الانتخابية بطرد جماعي للمهاجرين غير الشرعيين. للعلم، فإن ملايين من مواطني السلفادور يعيشون في الولايات المتحدة بصورة غير شرعية، ويُشكِّلون مصدر الدعم الاقتصادي الأساسي لعائلاتهم في وطنهم الأم. وحقاً تعدّ تحويلات المهاجرين الواردة من الولايات المتحدة المحرّك الرئيسي لاقتصاد السلفادور، إذ بلغت في العام الماضي ما يزيد على 5 مليارات دولار.وراهناً، يسود الاعتقاد بين المراقبين الأميركيين اللاتينيين - على امتداد القارة - بأن دونالد ترمب، الذي استطاع خلال 8 سنوات أن يهدم المجتمع الأميركي ويعيد تشكيله على مزاجه وهواه، يشكّل اليوم - في أحسن الأحوال - مصدر قلق عميق بالنسبة لبلدان المنطقة. ويتوقع هؤلاء أن تكون التداعيات المحتملة لولايته مرهونةً بأمرين: الأول، مدى اعتماد هذه البلدان سياسياً واقتصادياً على الولايات المتحدة. والثاني، أين سيكون موقع أميركا اللاتينية بين أولويات السياسة عند الإدارة الجديدة في واشنطن.