إليزابيث ملكة على عرش خفّة الظلّ

جلسة شاي وساندويتش مربّى مع الدبّ بادينغتون

الملكة إليزابيث في احتفالية يوبيلها البلاتيني (رويترز)
الملكة إليزابيث في احتفالية يوبيلها البلاتيني (رويترز)
TT

إليزابيث ملكة على عرش خفّة الظلّ

الملكة إليزابيث في احتفالية يوبيلها البلاتيني (رويترز)
الملكة إليزابيث في احتفالية يوبيلها البلاتيني (رويترز)

في عامها السادس بعد التسعين، تدعو الملكة إليزابيث الدب «بادينغتون» إلى جلسة شاي على مائدتها في جناحها الخاص في قصر باكنغهام. أين الدب من بروتوكولات القصور؟ يلتقط الإبريق المذهّب ويشرب منه مباشرة، قبل أن ينبهه مساعد الملكة إلى تصرّفه غير اللائق، فيعود ليسكب لها القليل المتبقّي من الشاي.
لشدّة ارتباكه يكاد الدب أن يقع عن الكرسي، فيغمّس يده في قطعة الحلوى، لينال خدّ المساعد نصيبه من الكريمة المتطايرة. يحاول «بادينغتون» إصلاح الأمور، فيُخرج من قبعته شطيرة من المربّى ويعرضها على الملكة. تفاجئه بإخراج قطعة مماثلة من حقيبتها قائلة: «أنا أيضاً أحتفظ بواحدة هنا، لوقتٍ لاحق».
http://https://www.youtube.com/watch?v=7UfiCa244XE
للوهلة الأولى تبدو لحظات اللعب تلك كمشهدٍ سريالي، ليتّضح أنه فيديو حقيقي صوّرته الملكة من دون علم عائلتها، واختارت من خلاله أن تردّ التحية إلى الجماهير المحتشدة للاحتفال بيوبيلها البلاتيني. تلك التحيّة التي تلقّفها البريطانيون والعالم بعيونٍ ضاحكة وبتفاعلٍ عاطفي، لم تخلُ من الرسائل العميقة.
تحتفل الملكة التسعينية بيوبيلها السبعين مع شخصية كرتونية يعشقها الأطفال، لتقول إنّ الطفل الذي في داخل كلٍّ منا هو الأصدَق والأبقى.
تراقب سيّدة البروتوكول باستمتاع تصرّفات الدب غير اللائقة بطاولة ملكية، وكأنها تضع جانباً قواعد السلوك الحسَن (savoir vivre) وترفع تاج البساطة والعفويّة.
لعلّ الملكة إليزابيث، المقتربة من مئويتها الأولى على هذه الأرض، قد توصّلت إلى حكمة شخصية مفادُها أنّه «لا يجب أن نأخذ أنفسنا على محمل الجدّ كثيراً». تُردّد هذه المقولة في جلساتها الخاصة وإطلالاتها العامة. هي التي حطّمت مراراً هالة الجدّية من خلال مواقف مُضحكة، شاركت فيها عمداً أو صدرت عنها بشكلٍ عفويّ.

إليزابيث... ملكة اللحظات المُضحكة

ورثت «ليليبيث» الصغيرة حسّ الفكاهة عن والدتها الملكة إليزابيث الأولى. مع مرور الزمن وتضاعُف المسؤوليات وتَراكُم الأحزان، لجأت الملكة إلى الضحكة والمزاح، للتخفيف من وطأة الجديّة المطلوبة في إطلالاتها العامة ومهامها الرسمية.
من تحت قناع القسوة والبرودة الذي تضطرّ غالباً أن تغطّي به وجهها، تتسلّل روح الفكاهة التي تتمتّع بها. تمازح رئيساً بكوميدياها الساخرة في جلسة رسمية، وتنتزع ابتسامة من الأمير هاري في عرضه العسكري الرسمي الأوّل، ثم تدخل فجأة في خلفية «سيلفي» تلتقطها لاعبتا «هوكي» خلال بطولة دول الكومنولث!

يقول المؤرّخ والكاتب أنطوني سيلدون، إن «أحد أبرز ملامح شخصية الملكة إليزابيث، أنها لا تأخذ نفسها على محمل الجدّ، كما أنها ليست مهووسة بشخصها. تحب المواقف الغريبة، وعندما تحصل أخطاء ولا تسير الأمور كما كان مخططاً لها، تستمتع بدل أن تنزعج».
في إحدى زياراتها إلى نيوزيلندا سنة 1986، تعرضت إلى الرشق بالبيض من قِبَل مجموعة من المحتجين. فما كان منها خلال عشاء في اليوم التالي إلا أن تقول: «نيوزيلندا معروفة بألبانها وأجبانها؛ لكني شخصياً أفضّل البيض النيوزيلندي على وجبة الفطور!».
لا تخلو نكاتها من الفطنة، وهي سريعة البديهة في تلقّف المواقف، كما أنها تلاحظ فوراً ما إذا كان الشخص الذي أمامها غير مرتاح أو مرتبك، فتلجأ إلى الفكاهة لتكسر الجليد. أما في مجالسها الخاصة، فتُفرج الملكة عن موهبة مختبئة، وهي التقليد. يُحكى أنها بارعة في استنساخ شخصية الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسن، ورئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت ثاتشر، إلى جانب شخصيات سياسية وإعلامية، ولهجات المناطق والقرى البريطانية.

مواقف اهتزّ لها العرش ضحكاً

سنة 1982، تسلّل رجل إلى غرفة الملكة إليزابيث في قصر باكنغهام. لم تدع الصدمة تغلبها؛ بل حافظت على هدوئها وفتحت حديثاً معه، ثم قدّمت له سيجارة. وبحجّة انزعاجها من رائحة الدخان، خرجت بتهذيب من الغرفة واستدعت الحرس.
مهما كان الموقف مزعجاً أو محرجاً أو ثقيلاً، تتلقّفه بخفّة ذكيّة. هذا ما حصل في الولايات المتحدة عام 2007، يوم رحّب بها الرئيس الأميركي السابق جورج بوش قائلاً إنها شاركت في المئوية الأميركية الثانية سنة 1776 بدل 1976. فردّت لاحقاً: «لا أدري ما إذا كان يجب أن أبدأ كلمتي بالقول: عندما كنت هنا عام 1776...».
http://https://www.youtube.com/watch?v=eJvhaIYRTi8
ويوم حصل موقف مشابه مع رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، ردت عليه الملكة ممازحة بالقول: «شكراً لأنك أشعرتني كم أنا عجوز!».
http://https://www.youtube.com/watch?v=8rd1v2OX6vE
خبأت الملكة المفاجأة الكبرى لعام 2012، وتحديداً لحفل افتتاح الألعاب الأولمبية في لندن؛ حيث ظهرت إلى جانب بطل أفلام «جايمس بوند» الممثل دانييل كريغ في فيلم ترويجي، انتهى بقفزة ملكيّة من المروحيّة في أجواء استاد لندن الأولمبي!
كل مشهد، باستثناء القفزة، نفّذته الملكة شخصياً وباحتراف، حسب ما صرّح كريغ لاحقاً لشبكة «بي بي سي» مضيفاً أنها تملك قدرة على الارتجال بطبيعيّة.
http://https://www.youtube.com/watch?v=1AS-dCdYZbo
يبدو أنّ التجربة راقت للملكة إليزابيث، فأعادت الكرّة في ألعاب Invictus 2016، إنما هذه المرة في فيديو جمعها بالأمير هاري، وقد ظهرا في تحدٍّ مباشر مع الثنائي الرئاسي الأميركي باراك وميشيل أوباما.
http://https://www.youtube.com/watch?v=KuNcSp2T4Lw
كالتلميذة المشاغبة في الصف، تتوسط الملكة قادة العالم في قمة الدول السبع G7 العام الماضي. يبتسمون للكاميرا التي تلتقط صورة تذكارية لهم، وإذ بها تكسر الصمت قائلة: «هل من المفترض أن تبدوا وكأنكم مستمتعون بوقتكم؟»، مثيرة ضحك جميع مَن في الصورة.
http://https://www.youtube.com/watch?v=JFR_PsZD8Ko
بعيداً من المناسبات الرسمية، تحب الملكة أن تمازح الناس من مواطنين وسيّاح. تتخفّى تحت منديلها وتتنزّه في حديقة القصر. يسألها الزوّار إن كانت تعرف الملكة، فتجيب بالنفي.
وفي احتفال في القصر، تتبادل الحديث مع إحدى المدعوّات. يرنّ هاتف السيّدة فتنصحها الملكة بأن تردّ: «قد يكون المتّصل شخصاً مهماً»! وهل هناك أهمّ من حوار، ولو خاطف، مع الملكة إليزابيث شخصياً؟!
من أكثر اللحظات التي تثير فرح الملكة هي تلك التي تجمعها بالأحصنة. فهواية ركوب الخيل تحوّلت مع مرور الزمن إلى اهتمامٍ بتربيتهم ومتابعة تدريباتهم وسباقاتهم. وهي معروفة إجمالاً بحبها للحيوانات.
http://https://www.youtube.com/watch?v=CeboSF5P9OE
من إطلالاتها غير المتوقعة، مروراً بالألوان الجريئة التي ترتديها، وصولاً إلى حضورها اللافت مؤخراً على حسابات العائلة المالكة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أثبتت الملكة إليزابيث أن العرش ليس سلطة فحسب؛ بل هو قرب معنوي وجسدي من الناس.
أدركت أنّ التاج ثقيل، ولا بدّ من التخفّف منه بين الحين والآخر. هي القائلة في حديث مع «بي بي سي»، إن ارتداء التاج صعب: «خصوصاً عندما تنحني لقراءة خطاب... تشعر وكأنّ عنقك سينكسر».


مقالات ذات صلة

الأميرة كيت: الحب أعظم هدية

يوميات الشرق كيت أميرة ويلز (د.ب.أ)

الأميرة كيت: الحب أعظم هدية

قالت أميرة ويلز البريطانية كيت ميدلتون إن الحب هو أعظم هدية يمكن أن يقدمها الناس بعضهم لبعض، في رسالة إلى الضيوف الذين سيحضرون قداس ترانيم عيد الميلاد السنوي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا الأمير ويليام يصوب باتجاه الهدف من بندقية قناصة (إكس)

بقناصة ورشاش... شاهد الأمير ويليام يجري تدريبات عسكرية مع الحرس الويلزي

انضم ويليام، أمير ويلز، إلى تدريب إطلاق الذخيرة الحية مع الحرس الويلزي، مرتدياً زيه العسكري و«البيريه».

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق سيغلق قصر باكنغهام أبوابه أمام الزيارات الرسمية (موقع باكنغهام)

قصر باكنغهام يخضع لعملية تجديد بتكلفة 369 مليون جنيه إسترليني

سيغلق قصر باكنغهام أبوابه أمام الزيارات الرسمية لمدة ثلاث سنوات، يخضع خلالها القصر التاريخي لعملية تجديد ضخمة بتكلفة 369 مليون جنيه إسترليني.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق الأمير ويليام خلال تسجيل أول فيديو عبر منصة «تيك توك» (اندبندنت)

حاور طالبة تأخرت عن محاضرتها... الأمير ويليام يقتحم عالم «تيك توك» (فيديو)

ظهر الأمير ويليام لأول مرة على تطبيق «تيك توك» خلال زيارة إلى مركز حرم مدينة بلفاست.

«الشرق الأوسط» (لندن)

طباخ بريطاني يحثّ سارقيه على التبرّع بالطعام المسروق للمحتاجين

الطاهي البريطاني تومي بانكس مع صورة لشاحنته المسروقة (صفحته على «إنستغرام»)
الطاهي البريطاني تومي بانكس مع صورة لشاحنته المسروقة (صفحته على «إنستغرام»)
TT

طباخ بريطاني يحثّ سارقيه على التبرّع بالطعام المسروق للمحتاجين

الطاهي البريطاني تومي بانكس مع صورة لشاحنته المسروقة (صفحته على «إنستغرام»)
الطاهي البريطاني تومي بانكس مع صورة لشاحنته المسروقة (صفحته على «إنستغرام»)

قال تومي بانكس، الذي يمتلك مطعمين حائزين على نجمة ميشلان لجودة الطعام، وحانة في مقاطعة يوركشاير الإنجليزية الشمالية، إن أحد موظفيه اكتشف اختفاء شاحنة للعمل، وفي داخلها حمولتها من شرائح اللحم والديك الرومي وغيرها من المأكولات والمشروبات المخصصة لسوق عيد الميلاد في مدينة يورك البريطانية.

وقُدرت قيمة الطعام بنحو 25 ألف جنيه إسترليني (32 ألف دولار)، وفق وكالة «أسوشييتد برس».

وقال بانكس إن الشاحنة كانت مؤمنة، لكنه ناشد لصوص الشاحنة عدم ترك الطعام يضيع. وفي مقطع فيديو على «إنستغرام»، اقترح أن يتخلصوا من الفطائر في مركز مجتمعي أو مكان آخر.

قال: «أعلم أنك مجرم، ولكن ربما عليك أن تفعل شيئاً لطيفاً لأنها عطلة عيد الميلاد، وربما يمكننا إطعام بضعة آلاف من الناس بهذه الفطائر التي سرقتها. افعل الشيء الصحيح».

صورة غير مؤرخة تظهر فطائر للطاهي البريطاني تومي بانكس (أ.ب)

تعد سرقة الفطائر أحدث سرقة للأطعمة التي تهزّ تجارة الأغذية في المملكة المتحدة. وفي أكتوبر (تشرين الأول)، تم سرقة ما يقرب من 1000 عجلة من جبن الشيدر المصنوع يدوياً، والمغلفة بالقماش، التي تزن 22 طناً، وتقدّر قيمتها بـ300 ألف جنيه إسترليني (390 ألف دولار) من شركة «Neal’s Yard Dairy» في لندن، بواسطة محتال متنكر في هيئة موزع جملة لتاجر فرنسي كبير.

وعلى الرغم من مطاردة الشرطة البريطانية والدولية، ونداء من قبل الشيف التلفزيوني جيمي أوليفر، لم يتم العثور على الجبن. وتم القبض على رجل يبلغ من العمر 63 عاماً، واستجوابه من قبل الشرطة، لكن لم يتم توجيه اتهام إليه.