الألغام والمقذوفات العشوائية... «شبح قاتل» يطارد الليبيين

تسببت في وقوع 298 ضحية... ومنعت النازحين من العودة إلى ديارهم

ليبيات في مخيم للنازحين بغرب البلاد (مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية)
ليبيات في مخيم للنازحين بغرب البلاد (مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية)
TT

الألغام والمقذوفات العشوائية... «شبح قاتل» يطارد الليبيين

ليبيات في مخيم للنازحين بغرب البلاد (مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية)
ليبيات في مخيم للنازحين بغرب البلاد (مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية)

أعادت حادثة مقتل الطفل الليبي الطاهر الفيتوري، متأثراً بشظايا مقذوف عشوائي في مدينة بنغازي (شرق) قضية «السلاح السائب»، والألغام المزروعة في مناطق عديدة داخل البلاد إلى واجهة الأحداث، وسط حالة من الغضب والمطالب بوضع حد لمثل هذه الأحداث المؤلمة.
وسقط مقذوف في فناء منزل عائلة الفيتوري بمنطقة الهواري قبل أسبوع، فأصاب ثلاثة من أبنائها، قضى أحدهم عن عمر ثلاثة أعوام، بعدما أُدخل العناية الفائقة وفشلت كل جهود الأطباء في إنقاذه. وتنتشر الأسلحة على نطاق واسع في ليبيا، وسبق أن قدرت الأمم المتحدة عددها بـ29 مليون قطعة، وقالت إن ليبيا تضم «أكبر مخزون في العالم من الأسلحة غير الخاضعة للرقابة»، يقدر بما بين 150 و200 ألف طن في جميع أنحاء البلاد، محذرة من أثر استمرار الأعمال العدائية على تفاقم مشكلة الألغام والمتفجرات الأرضية. كما دعت جمعيات ومراكز ليبية معنية بتأثيرات الألغام، ومتعلقات الحرب على المواطنين، إلى ضرورة تكثيف الجهود لحماية المجتمع من هذه «الفخاخ الأرضية»، التي قالت إنها «تواصل حصد حياة المواطنين بشكل دائم». وتعاني ليبيا كثيراً من فوضى «السلاح السائب» المنتشر خارج إطار السلطتين الأمنية والعسكرية، بالإضافة إلى تضررها من المتفجرات، التي خلفتها الحروب خلال السنوات الماضية في مناطق عدة بالبلاد. وقد أحصى مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، التابع للأمم المتحدة في ليبيا، وقوع 298 ضحية للألغام غير المتفجرة بالبلاد، من بينهم 278 رجلاً و20 امرأة، 124 منهم لقوا حتفهم حتى نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي. لكن جمعيات محلية رصدت ارتفاعاً أكثر من ذلك في أعداد القتلى.
ورغم انتهاء الحرب في ليبيا، فإن الأمم المتحدة لا تزال تحذر من مخاطر هذه النوعية من الألغام على المواطنين، وخصوصاً النازحين واللاجئين، لافتة إلى أنها تتسبب في منع النازحين من العودة إلى ديارهم خلال السنتين الماضيتين.
وقد أشارت في تقريرها الأخير إلى أن كميات كبيرة من التلوث الناجم عن مخاطر المتفجرات لا تزال سارية المفعول، بما في ذلك الذخائر غير المنفجرة، والألغام الأرضية، والأشراك الخداعية والعبوات الناسفة، والذخائر المتفجرة المتروكة، التي تراكمت أثناء حصار العاصمة طرابلس، وكذلك خلال النزاعات السابقة.
وكانت منظمة «هيومن رايتس ووتش» قد دعت المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، إلى التحقيق في «جرائم الحرب، والجرائم الجسيمة الأخرى في ليبيا، مشيرة إلى أن مجموعة «فاغنر» الروسية زرعت كميات مهمة من الألغام في ضواحي العاصمة. كما قالت المنظمة في تقرير سابق إن «هيئات حكومية ومنظمات إزالة ألغام ليبية قدمت معلومات جديدة تُظهر استخدام (فاغنر) الألغام الأرضية المحظورة، والفخاخ المتفجرة في ليبيا ما بين عامي 2019 و2020، وذلك خلال دعمها قوات خليفة حفتر إبان حرب العاصمة»، مشيرة إلى مقتل ثلاثة من موظفي إزالة ألغام على الأقل، قبل تحديد مواقع الألغام.
ولم يكن الطفل الطاهري الوحيد الذي قضى متأثراً بمتفجرات مخلفات الحرب، فقد سبق أن نعى لنا وريكات، القائم بأعمال الممثل الخاص لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسيف» في ليبيا، مقتل طفلين وإصابة ثالث نتيجة انفجار ألغام أرضية بمدينتي بنغازي وسرت في مارس (آذار) الماضي. وفي هذا السياق دعت الـ«يونيسيف» جميع الأطراف إلى بذل كل جهد ممكن لإزالة الألغام الموجودة، والذخائر غير المنفجرة، ودعم الأطفال والأسر المتضررة، وقالت إن «لكل طفل في ليبيا الحق في العيش في بيئة آمنة ومحمية». ووعدت «بتواصل الشراكة مع المركز الليبي للأعمال المتعلقة بالألغام لرفع الوعي بين الأطفال، والتوعية بمخاطر وآثار المتفجرات من مخلفات الحرب في جميع أنحاء ليبيا».
ووفقاً للمركز الليبي للأعمال المتعلقة بالألغام ومخلفات الحروب، فإن المدنيين هم الغالبية العظمى من الذين يقضون بهذه المتفجرات، وفي هذا الإطار دعت مديرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالمنظمة، لما فقيه، المحاكم الليبية إلى «التصرف باستقلال عن أي تحقيق دولي، وإجراء تحقيق محايد مع القادة والمقاتلين (بمن فيهم الأجانب)، وملاحقتهم قضائياً بشكل مناسب على جرائم الحرب في ليبيا».


مقالات ذات صلة

المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

شمال افريقيا المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

بحثت نجلاء المنقوش مع نظيرها وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها أمس إلى الجزائر، فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الأشخاص، بعد سنين طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والأمنية في ليبيا. وذكرت الخارجية الجزائرية في بيان أن الوزيرين بحثا قضايا جارية في الساحتين المغاربية والعربية، منها تطورات ملف الصحراء، والمساعي العربية والدولية لوقف الاقتتال وحقن الدماء في السودان. وأكد البيان أن عطاف تلقى من المنقوش «عرضا حول آخر مستجدات العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، لإنهاء الأزمة في ليبيا».

شمال افريقيا وفدان أميركي وفرنسي يبحثان في ليبيا تطوير الجيش

وفدان أميركي وفرنسي يبحثان في ليبيا تطوير الجيش

بحث وفدان عسكريان، أميركي وفرنسي، في ليبيا سبل إعادة بناء وتطوير المؤسسة العسكرية المُنقسمة، بين شرق البلاد وغربها، منذ إسقاط النظام السابق، في وقت زار فيه المشير خليفة حفتر، القائد العام لـ«الجيش الوطني» روما، والتقى برئيسة الوزراء بالحكومة الإيطالية جورجا ميلوني، وعدد من وزراء حكومتها. وفي لقاءين منفصلين في طرابلس (غرباً) وبنغازي (شرقاً)، التقى الوفدان الأميركي والفرنسي قيادات عسكرية للتأكيد على ضرورة توحيد الجيش الليبي.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

بحثت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش مع نظيرها الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها اليوم الخميس إلى الجزائر، في فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الاشخاص، بعد سنوات طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والامنية في ليبيا.

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا «حبوب الهلوسة»... «سلاح قاتل» يستهدف عقول الليبيين

«حبوب الهلوسة»... «سلاح قاتل» يستهدف عقول الليبيين

لم يكن من قبيل الصدفة أن تقذف أمواج البحر المتوسط كميات متنوعة من المخدرات إلى السواحل الليبية، أو أن تتلقف شِباك الصيادين قرب الشاطئ «حزماً» من «الحشيش والكوكايين وحبوب الهلوسة»، فالبلاد تحوّلت -وفق تقرير أممي- إلى «معبر مهم» لهذه التجارة المجرّمة. وتعلن السلطات الأمنية في عموم ليبيا من وقت لآخر عن ضبط «كميات كبيرة» من المخدرات قبل دخولها البلاد عبر الموانئ البحري والبرية، أو القبض على مواطنين ووافدين وهو يروّجون هذه الأصناف التي يُنظر إليها على أنها تستهدف «عقول الشباب الليبي». غير أنه بات لافتاً من واقع عمليات الضبط التي تعلن عنها السلطات المحلية تزايُد تهريب المخدرات وتعاطيها، خصوصاً «حبوب

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا «النواب» و«الدولة» يقران آلية عمل لجنة قوانين الانتخابات الليبية

«النواب» و«الدولة» يقران آلية عمل لجنة قوانين الانتخابات الليبية

استهلّت اللجنة المُشتركة لممثلي مجلسي «النواب» و«الدولة» (6+6) المكلفة بإعداد قوانين الانتخابات الليبية، اجتماعاتها في العاصمة طرابلس بـ«الاتفاق على آلية عملها». وطبقاً لما أعلنه عبد الله بليحق، المتحدث الرسمي باسم مجلس النواب، فقد شهد الاجتماع ما وصفه بتقارب في وجهات النظر بين أعضاء اللجنة حول القوانين الانتخابية، مشيراً، في بيان مقتضب مساء أول من أمس، إلى أنه «تم أيضاً الاتفاق على التواصل مع الجهات والمؤسسات ذات العلاقة بالعملية الانتخابية».

خالد محمود (القاهرة)

الحكومة المصرية تتعهد بعدم اللجوء إلى «تخفيف أحمال الكهرباء»

TT

الحكومة المصرية تتعهد بعدم اللجوء إلى «تخفيف أحمال الكهرباء»

تعهّدت الحكومة المصرية بعدم اللجوء إلى خطة «تخفيف أحمال الكهرباء»، أي قطع الخدمة مدة محددة يومياً، الصيف المقبل، وقالت إنها «وفّرت الوقود الكافي لتشغيل المحطات»، إلى جانب «التوسع في إنتاج الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة».

وافتتح رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، محطة «أبيدوس 1» للطاقة الشمسية في مدينة كوم أمبو، بمحافظة أسوان (جنوب مصر)، ضمن خطوات للحكومة المصرية للتوسع في مشروعات الطاقة المتجددة لإنتاج الكهرباء.

ولجأت الحكومة المصرية لخطة تُسمى «تخفيف الأحمال»، تقضي بقطع التيار عن مناطق عدة خلال الصيف الماضي لمدة وصلت إلى ساعتين يومياً، وذلك لتقليل الضغط على شبكات الكهرباء، بسبب زيادة الاستهلاك، في حين اشتكى مواطنون من تجاوز فترات انقطاع الكهرباء أكثر من ساعتين.

وتعهّد رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، بـ«عدم اللجوء إلى تخفيف أحمال الكهرباء مرة أخرى»، وقال في كلمته خلال افتتاح محطة «أبيدوس 1» للطاقة الشمسية، السبت، إن «حكومته خصصت التمويل لتوفير الوقود اللازم لاستقرار إنتاج الشبكة القومية للكهرباء»، مشيراً إلى «وضع خطة عاجلة لإضافة 4 آلاف ميغاواط من الطاقة المتجددة لتأمين الاستهلاك في صيف 2025».

رئيس الوزراء المصري خلال افتتاح محطة أبيدوس للطاقة الشمسية - (مجلس الوزراء المصري)-

وأوضح مدبولي أن «وزارة الكهرباء تمكّنت من حل مشكلة الانقطاعات بالتنسيق، وتحسين الإنتاجية»، إضافة إلى «وضع خطة لتأمين التغذية الكهربائية لصيف 2025 مع وزارة البترول، تقوم على سد فجوة متوقعة في الإنتاج في حدود من 3 إلى 4 آلاف ميغاواط إضافية، بتكلفة استثمارية تقارب 4 مليارات دولار»، مشيراً إلى أنه «سيتم الاعتماد على الطاقة الجديدة والمتجددة لسد فجوة الإنتاج والاستهلاك في الصيف المقبل، وتجنّب اللجوء لتخفيف الأحمال، وتقليل استيراد المواد البترولية».

وكان رئيس الوزراء المصري قد بحث خلال اجتماع حكومي، الخميس، مع وزراء الكهرباء والبترول والمالية، «ضمان توفير احتياجات قطاع الكهرباء من الوقود في فصل الصيف المقبل»، وأكد «ضمان الجاهزية، وعدم وجود انقطاعات في الكهرباء، واستدامة واستقرار التغذية بالكهرباء بمختلف المحافظات»، وفق إفادة لمجلس الوزراء المصري.

ولجأت الحكومة المصرية في شهر يونيو (حزيران) الماضي، لاستيراد 300 ألف طن مازوت، و20 شحنة من الغاز لضخ كميات كافية من الوقود لإنتاج الكهرباء، ووقف خطة انقطاع الكهرباء، في حين قدرت وزارة الكهرباء المصرية حجم الاحتياج اليومي لإنهاء انقطاعات الكهرباء بنحو 135 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي، و10 آلاف طن من المازوت.

وعدّ مدبولي افتتاح محطة «أبيدوس» للطاقة الشمسية، «تحولاً نوعياً» في استثمار الموارد الطبيعية في بلاده، وتوظيفها بشكل «أكثر كفاءة بما يغطي الاحتياجات».

وتقام محطة «أبيدوس 1» لإنتاج الطاقة الشمسية على مساحة 10 آلاف متر مربع، وتضم أكثر من مليون لوح شمسي، بقدرة إنتاجية تصل إلى 560 ميغاواط، ما يجعلها ثاني أكبر محطة للطاقة الشمسية في أفريقيا بعد محطة «بنبان» في أسوان

وتضاف المحطة لمشروعات الطاقة الشمسية في محافظة أسوان؛ حيث سبق أن افتتح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في يوليو (تموز) 2018، محطة «الطاقة الشمسية في بنبان» بأسوان، والتي تصنف الأكبر في أفريقيا والشرق الأوسط، بطاقة إنتاجية 2000 ميغاواط من الكهرباء، حسب مجلس الوزراء المصري.

ويعتقد خبير الطاقة المصري، علي عبد النبي، أن توسع الحكومة المصرية في مشروعات الطاقة المتجددة «خطوة ضرورية لمواجهة عجز الإنتاج في فترات ذروة الاستهلاك»، وشدد على «ضرورة اتخاذ الحكومة حزمة من الإجراءات لتحقيق أمن الطاقة، من بينها الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة في إنتاج الكهرباء».

ووضعت الحكومة المصرية استراتيجية وطنية للطاقة المتجددة، تستهدف إنتاج 42 في المائة من الكهرباء، من مصادر الطاقة الجديدة بحلول عام 2030، وفق مجلس الوزراء المصري.

وطالب عبد النبي في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» بـ«ضرورة استثمار موارد مصر الطبيعية في إقامة مزيد من مشروعات الطاقة الجديدة، مثل التوسع في محطات الطاقة الشمسية في أسوان، ومحطات الرياح في محافظتي البحر الأحمر والسويس»، مشيراً إلى «ضرورة إقامة محطات لتخزين الكهرباء للاستفادة من إنتاج مشروعات الطاقة الجديدة».

محطة أبيدوس للطاقة الشمسية - (مجلس الوزراء المصري)

من جهته، يرى أستاذ الطاقة بالجامعة الأميركية بالقاهرة، جمال القليوبي، أن الحكومة المصرية «تتخذ 3 إجراءات استباقية لتأمين إنتاج الكهرباء في الصيف المقبل»، مشيراً إلى أن «أولى تلك الخطوات التوسع في مشروعات الطاقة الشمسية والرياح لإنتاج نحو 4 آلاف ميغاواط من الكهرباء».

وأوضح القليوبي في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «الحكومة المصرية تتجه لإبرام صفقات لاستيراد الغاز والوقود اللازم لتشغيل محطات الكهرباء، مع التوسع في عمليات البحث والتنقيب والاستكشافات المحلية»، مشيراً إلى أن القاهرة «تستهدف تقليل فاتورة استيراد الطاقة من الخارج، بالاعتماد على مصادر الإنتاج المحلية».

وعلى هامش افتتاح محطة «أبيدوس»، شهد رئيس الوزراء المصري، توقيع اتفاقين لتنفيذ مشروع محطة رياح، بقدرة 500 ميغاواط في منطقة خليج السويس، بين وزارة الكهرباء المصرية وشركة «إيميا باور» الإماراتية.