دفاع أم هجوم؟ خصائص الحرب المقبلة

جنود موالون لروسيا على متن مدرعة في مدينة بوباسنا في لوغانسك 2 يونيو (رويترز)
جنود موالون لروسيا على متن مدرعة في مدينة بوباسنا في لوغانسك 2 يونيو (رويترز)
TT

دفاع أم هجوم؟ خصائص الحرب المقبلة

جنود موالون لروسيا على متن مدرعة في مدينة بوباسنا في لوغانسك 2 يونيو (رويترز)
جنود موالون لروسيا على متن مدرعة في مدينة بوباسنا في لوغانسك 2 يونيو (رويترز)

يقول المفكّر الكبير الراحل كولن إس. غراي، إن طبيعة الحرب ثابتة، لكن خصائصها تتغيّر بسبب التحوّلات في 3 أبعاد أساسيّة، هي: «البُعد الاجتماعي، والبُعد السياسي، ومن ثمّ البُعد الاقتصادي»... فما المقصود؟
تُخاض الحرب لأهداف سياسيّة بحتة، وهنا تكمن طبيعتها الثابتة. ألم يقل المفكّر الكبير كارل فون كلوزفيتز إن «الحرب هي السياسة بوسائل أخرى»؟ لكن طريقة خوض الحرب تتأثرّ بالتحوّلات الاجتماعيّة والاقتصاديّة، وضمناً السياسيّة، وهنا تتظهّر خصائصها المتبدّلة.
فعلى سبيل المثال، تُغيّر تكنولوجيا ما خصائص الحرب في كيفيّة التنفيذ، والأداء، وضمناً تُغيّر وتُؤثّر في إنتاج الفكر الاستراتيجي والعملاني، وحتى المستوى التكتيكي. لكن هذه التكنولوجيا لا تُغيّر طبيعة الحرب. فقبل بدايات الحرب العالمية الأولى، طغت فكرة تفوّق مبدأ الهجوم على مبدأ الدفاع (The Cult of the Offensive)، فكان مخطّط شليفن الألماني للهجوم على فرنسا، لكن بعد تثبيت الجبهة الروسيّة. ومنهم من يقول إن ألمانيا سهّلت عودة فلاديمير لينين إلى روسيا، من منفاه في سويسرا، وذلك بهدف إبعاد روسيا عن المشاركة في الحرب.
وغيّرت تكنولوجيا الثورة الصناعيّة مبدأ الهجوم، بسبب الرشّاش والمدفعية. وبدل أن تكون الحرب هجوميّة بامتياز، تحوّلت إلى حرب خنادق واستنزاف، وتُوّج سلاح المشاة بعد هذه الحرب على أنه ملك المعركة.
ضربت التكنولوجيا أيضاً مبدأ الدفاع في الحرب الثانية، بعد أن ابتكر الألمان الحرب الخاطفة، التي ارتكزت على الدبابة والطائرة واللاسلكي.
وحطّمت الحرب الخاطفة الدفاعات الفرنسيّة على خطّ «ماجينو»، فسقطت العاصمة باريس. وتُوّجت الدبابة على أنها ملكة الساحة (سلاح المدرعات).
- الإسقاط على حرب أوكرانيا اليوم
جمعت الحرب الأوكرانيّة مبدأي الدفاع والهجوم في نفس الوقت، إذ لعب كلّ فريق على نقاط قوّته.
في بدء الحرب، هاجم الجيش الروسي بخفّة كلّ الشرق الأوكراني، والجنوب، كما العاصمة في الشمال، وكلّها في نفس الوقت. ولم تتناسب الوسائل التي وضعت مع الأهداف المرجوّة. وتمنَّع الجيش الأوكراني عن القتال المباشر، ولجأ إلى المدينة، حيث نقطة قوّته. فشل الجيش الروسي في إسقاط كييف، وتشرنييهيف، كما خاركيف، وتكبّد نتيجة لذلك خسائر ماديّة ومعنويّة.
هذا في المرحلة الأولى، أما في المرحلة الثانية، فقد عاد الجيش الروسي إلى عقيدته العسكريّة الأساسيّة، التي تقوم على القصف الناري بغزارة، ومحاولة تدمير الهدف، ومن بعدها الانتقال إلى المناورة للاحتلال.
- أين تبرز هذه المبادئ في المعارك في الشرق؟
تدور المعركة الأهمّ اليوم في مدينة سيفيرودنتسك، وهي العاصمة المؤقتة لإقليم لوغانسك. فما أهميّة هذه المدينة؟
سقوطها يعني سقوط كلّ إقليم لوغانسك تحت السيطرة الروسيّة. وإذا ضُمّت إلى بلدات ومدن أخرى حولها كانت قد سقطت من قبل، مثل بوباسنا وليمان، فإنها تشكّل مجموعة صناعيّة وعقد طرق وسكك حديد مهمّة لوجستيّاً.
إذا سقطت سيفيرودنتسك، قد تُفتح الطريق إلى مدينة باخموت المهمّة جدّاً، لأنها تعد مدينة محوريّة، فيها مركز قيادة وسيطرة أوكراني أساسيّ، كما تفتح باخموت الطريق إلى أهمّ مدينتين في إقليم دونيتسك، وهما سلوفيانسك وكراماتورسك. وقد يتّجه الوضع في حال السيناريو السيئ إلى ما يُسمّى نظريّة الدومينو المتساقط (Domino Effect).
- ملاحظات وأسئلة
هل يعني سقوط المدينة حكماً سقوط كل إقليم دونباس؟ ليس بالضرورة، لأن معضلة الجيش الروسي تكمن في المفارقة التالية: عند كلّ تقدّم وإنجاز تضعف قدرته على المتابعة بسبب الاستنزاف.
هل تلكؤ بايدن في إرسال مدفعيّة متطوّرة، كراجمات الصواريخ الدقيقة، للجيش الأوكراني يعني أن المعادلة التي أرساها بايدن عند بدء الحرب على أوكرانيا هي التي تُحدّد نوعيّة السلاح، وليس العكس؟
يشار إلى أن هذه المعادلة ارتكزت على المبادئ التالية: لا جيش من «الناتو» على الأرض الأوكرانيّة، وعدم السماح لبوتين بالانتصار الكامل، لأنه سيهدّد كل أوروبا، كما عدم هزيمته بشكل مُذلّ كي لا يلجأ إلى استعمال النووي.
فهل تتّجه الأمور في أوكرانيا، بعد أكثر من مائة يوم من بدء الحرب، إلى التعب الغربيّ؟ وهل الهدف الأميركيّ - الغربي هو السماح لبوتين باحتلال إقليم دونباس للانتقال إلى مرحلة الدبلوماسيّة، بعد أن يكون قد استنزف؟ وهل ستكون المرحلة الدبلوماسيّة تحت ضغوطات عمليّات المقاومة الأوكرانيّة، التي خُطّط لها قبل بدء الحرب، عندما اعتقدت أميركا والغرب أن كييف ستسقط خلال أيام؟
إن غداً لناظره قريب.


مقالات ذات صلة

روسيا تعلن السيطرة على حي شيفتشينكو بشرق أوكرانيا

أوروبا جندي من لواء العمليات الثالث عشر «خارتيا» التابع للحرس الوطني الأوكراني يطلق مدفع هاوتزر من طراز «دي - 30» باتجاه قوات روسية في موقع على خط المواجهة (رويترز)

روسيا تعلن السيطرة على حي شيفتشينكو بشرق أوكرانيا

قالت وزارة الدفاع الروسية، اليوم السبت، إن الجيش سيطر على حي شيفتشينكو في منطقة دونيتسك بشرق أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الولايات المتحدة​ بايدن يؤكد أن بوتين في «وضع صعب»

بايدن يؤكد أن بوتين في «وضع صعب»

أكد الرئيس الأميركي المنتهية ولايته جو بايدن، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في «وضع صعب»، بعد أن فرضت واشنطن ولندن عقوبات جديدة ومنسقة على قطاع الطاقة الروسي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (إ.ب.أ)

زيلينسكي يشيد بحزمة العقوبات «الأكبر» ضد قطاع النفط الروسي

رحّب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، اليوم الجمعة، بالعقوبات الأميركية الجديدة على قطاع النفط وأسطول ناقلاته في روسيا.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا جندي روسي يطلق طائرة مسيرة صغيرة خلال المعارك في أوكرانيا (لقطة من فيديو لوزارة الدفاع الروسية)

تقرير: روسيا ابتكرت مسيرة «غير قابلة للتشويش» تشبه الهاتف اللعبة

قالت صحيفة «تلغراف» البريطانية إن روسيا ابتكرت طائرة من دون طيار «غير قابلة للتشويش» تشبه الهاتف اللعبة تغير مسار الحرب في أوكرانيا.

أوروبا وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن (أ.ب)

أوستن يطالب حلفاء أوكرانيا بـ«ألّا يضعفوا»

طالب وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن الخميس التحالف الدولي الذي يقدّم دعماً عسكرياً لأوكرانيا بـ«ألّا يضعف»، في وقت تخشى فيه كييف من أن تفقد دعم بلاده الأساسي.


نتنياهو يُطْلع بايدن على «تقدُّم» في محادثات الإفراج عن الرهائن

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
TT

نتنياهو يُطْلع بايدن على «تقدُّم» في محادثات الإفراج عن الرهائن

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

تَحَدَّثَ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع الرئيس الأميركي المنتهية ولايته جو بايدن، الأحد، وأطلعه على التقدم المحرَز في المفاوضات الرامية للتوصل إلى صفقة للإفراج عن الرهائن المحتجَزين في غزة.

ووفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، أكد بيان صادر عن مكتب بايدن الاتصال، وقال إن الرئيس «شدد على الحاجة الفورية لوقف إطلاق النار في غزة، وإعادة الرهائن مع زيادة المساعدات الإنسانية التي يمكن تحقيقها من خلال وقف القتال بموجب الاتفاق».

وجاء في بيان لمكتب نتنياهو أنهما بحثا «التقدم المحرَز في المفاوضات للإفراج عن رهائننا، وأطلعه على التفويض الذي منحه لفريق التفاوض في الدوحة، بهدف الدفع قدماً نحو الإفراج عن الرهائن».

وتأتي المكالمة غداة إعلان مكتب نتنياهو تكليفه وفداً من كبار المسؤولين المشاركة في المفاوضات الجارية في قطر لوقف إطلاق النار، وإطلاق سراح الرهائن.

وجاء ذلك بعد اجتماع مع ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى الشرق الأوسط، وممثل للإدارة الأميركية المنتهية ولايتها، ووزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، ومسؤولين أمنيين إسرائيليين.

وأكد مكتب نتنياهو لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، الأحد، أن الوفد الذي يضم رئيسي جهازيْ «الموساد» والأمن الداخلي (الشاباك) وصل إلى الدوحة.

واستؤنفت في نهاية الأسبوع الماضي المفاوضات غير المباشرة في قطر الرامية للتوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة بين إسرائيل وحركة «حماس»، لكن بغياب ممثلين رفيعي المستوى عن الدولة العبرية.

وتمحورت هذه المحادثات حول الإفراج عن الرهائن المختطفين في الهجوم غير المسبوق الذي شنته حركة «حماس» على الأراضي الإسرائيلية في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وفقاً لمصادر إسرائيلية عدة.