الرئيس التونسي يعزل عشرات القضاة وسط احتجاج المعارضة

بينهم مسؤولون كانوا يشرفون على «الجهاز السري» لـ«النهضة»

الرئيس التونسي قيس سعيد (د.ب.أ)
الرئيس التونسي قيس سعيد (د.ب.أ)
TT

الرئيس التونسي يعزل عشرات القضاة وسط احتجاج المعارضة

الرئيس التونسي قيس سعيد (د.ب.أ)
الرئيس التونسي قيس سعيد (د.ب.أ)

عزل الرئيس التونسي قيس سعيد مساء أول من أمس 57 قاضيا، بعد أن اتهمهم في وقت سابق بـ«الفساد والتواطؤ والتستر على متهمين في قضايا إرهاب»، وذلك بعد أن أكد خلال اجتماع وزاري أنه سيتخذ قراراً سياسيا بتطهير القضاء. لكن هذه الخطوة الجديدة لاقت رفضاً واستنكاراً شديدين من قبل المعارضين لتوجهات رئيس الجمهورية.
وضمت القائمة، التي أعفاها الرئيس سعيد، قضاة كبارا، من بينهم يوسف بوزاخر رئيس المجلس الأعلى للقضاء المنحل، والبشير العكرمي، وهو قاضٍ يتهمه نشطاء سياسيون بأنه أخفى ملفات قضايا إرهابية، وبأنه على علاقة وطيدة بحزب النهضة الإسلامي، وهو ما تنفيه الحركة باستمرار. ومن بين القضاة المعزولين أيضاً متحدث سابق باسم القطب القضائي لمكافحة الإرهاب، ومدير عام سابق للجمارك، وقضاة آخرون وجهت لهم اتهامات سابقة بالتقرب من أحزاب سياسية كانت نافذة، وقضاة كانوا يشرفون على ما يعرف بملف «الجهاز السري» المتعلق بالتحقيق في اغتيالات سياسية طالت سياسيين اثنين عام 2013.
وكان سعيد قد حل في وقت سابق هذا العام «المجلس الأعلى للقضاء»، وعوضه بمجلس مؤقت، في خطوة قال معارضوه وقضاة إنها تهدف لوضع يده على السلطة القضائية. كما سبق أن اتهم قضاة بأنهم متورطون في علاقات مشبوهة مع أحزاب سياسية. وصدرت في الجريدة الرسمية ليلة أول من أمس قائمة تضم أسماء 57 قاضيا، اتخذ قرار عزلهم بتهم مختلفة، من بينها «التستر على قضايا إرهابية»، و«الفساد» و«التحرش الجنسي»، و«الموالاة لأحزاب سياسية»، و«تعطيل مسار قضايا»، وستتم ملاحقتهم قضائيا، حسبما أكد سعيد في اجتماع وزاري.
وردا على هذا القرار أكدت «جبهة الخلاص الوطني»، وهي تكتل لأحزاب سياسية ومنظمات مجتمع مدني معارضة لسعيد، في بيان أمس، أن ما قام به الرئيس «تدخل فظ» في القضاء. واتهمت سعيد بأنه أعطى لنفسه «حق عزل القضاة بناء على مجرد شبهة، دون حق الاعتراض، وقبل أن يقول القضاء الجزائي رأيه النهائي».
بدوره، اعتبر الأمين العام لحزب «التيار الديمقراطي» المعارض، غازي الشواشي، في مؤتمر صحافي أمس أن قرار العزل «تصفية حسابات ضد قضاة». فيما عبر قاضي المحكمة الابتدائية بقفصة، محمد علي البرهومي، عن استغرابه من قرار إعفائه من مهامه. وقال في تدوينة نشرها على حسابه بموقع «فايسبوك»، أمس، إنه «ذهب إلى وزارة العدل طالبا الحماية من مسؤول قضائي، فوجد نفسه مسجلا بقائمة الإعفاءات». مؤكدا أنه «لم يتم البحث معي في أي ملف فساد طيلة مسيرتي، وأتحدى أيا كان أن يثبت عكس ذلك وعلى الملأ».
من جهتها، استنكرت «مبادرة مواطنون ضد الانقلاب» في بيان لها عزل 57 قاضيا «بناءً على شبهات لم يتم البت فيها من قبل الهيئات التأديبية والقضائية»، وقالت إن قرار العزل «اقترن مع مرسوم عدّل مرسوما آخر، أنهى تماما مبدأ الفصل بين السلطات، ومنح فيه الرئيس سلطة عزل القضاة بمجرد الشبهة، ودون حق في الاعتراض والتظلم».
وأكدت «مبادرة مواطنون ضد الانقلاب» أن هذا الإجراء يأتي في سياق عزلة داخلية وخارجية للسلطة القائمة، وفي إطار محاولتها تحويل أزمتها الخانقة نحو «فتح معركة مع خصومها السياسيين لتصفيتهم عبر قضاء التعليمات والخضوع». وحذرت من أن يكون قرار الرئيس «إيذانا بمرحلة خطيرة من استعمال أجهزة الدولة والمرفق القضائي لإغلاق الحياة السياسية، واستهداف المعارضة، ويدفع بالبلاد إلى مخاطر المواجهة، وتعميق عزلتها». داعية الجسم القضائي إلى «الصمود في وجه هذا الاستهداف، ورفض كل أشكال الإخضاع».
من جانبه، قال رئيس «جمعية القضاة الشبان»، مراد مسعودي، في تعليقه على إعفاء 57 قاضيا إن رئيس الجمهورية اتخذ قراراً ظالما في حق «قضاة شرفاء لأنه جاء كرد فعل على وقوفهم ضد محاولته إرساء قضاء تابع له»، وفق تعبيره، مؤكدا أنهم سيتصدون لهذا القرار وسيرفعون شكايات دولية ووطنية، وإبلاغ الرأي العام بكل التطورات، والتحركات ضد الهجوم على مؤسسات الدولة وممثليها.
من جهة ثانية، حدد المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل موعد الإضراب العام الجهوي بولاية صفاقس في 16 من يونيو (حزيران) المقبل، وذلك على خلفية الوضع البيئي المتردي، وتواصل أزمة النفايات المتراكمة، وأيضاً المشاريع الكبرى المعطلة.


مقالات ذات صلة

تونس تحقق مع 4 محامين في قضية «التآمر على أمن الدولة»

شمال افريقيا تونس تحقق مع 4 محامين في قضية «التآمر على  أمن الدولة»

تونس تحقق مع 4 محامين في قضية «التآمر على أمن الدولة»

وجه القطب القضائي لمكافحة الإرهاب طلبا رسميا إلى رئيس الفرع الجهوي للمحامين بتونس لبدء تحقيق ضدّ المحامين بشرى بلحاج حميدة، والعيّاشي الهمّامي، وأحمد نجيب الشابي، ونور الدين البحيري، الموقوف على ذمة قضايا أخرى، وذلك في إطار التحقيقات الجارية في ملف «التآمر على أمن الدولة». وخلفت هذه الدعوة ردود فعل متباينة حول الهدف منها، خاصة أن معظم التحقيقات التي انطلقت منذ فبراير (شباط) الماضي، لم تفض إلى اتهامات جدية. وفي هذا الشأن، قال أحمد نجيب الشابي، رئيس جبهة الخلاص الوطني المعارضة، وأحد أهم رموز النضال السياسي ضد نظام بن علي، خلال مؤتمر صحافي عقدته اليوم الجبهة، المدعومة من قبل حركة النهضة، إنّه لن

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

بحثت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش مع نظيرها الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها اليوم الخميس إلى الجزائر، في فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الاشخاص، بعد سنوات طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والامنية في ليبيا.

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا الرئيس التونسي يؤكد «احترام حرية التعبير»

الرئيس التونسي يؤكد «احترام حرية التعبير»

أعلنت نقابة الصحافيين التونسيين أمس رصد مزيد من الانتهاكات ضد حرية التعبير، مع تعزيز الرئيس قيس سعيد لسلطاته في الحكم، وذلك ردا على نفي الرئيس أول من أمس مصادرة كتب، وتأكيده أن «الحريات لن تهدد أبدا»، معتبرا أن الادعاءات مجرد «عمليات لتشويه تونس». وكان سحب كتاب «فرانكشتاين تونس» للروائي كمال الرياحي من معرض تونس الدولي للكتاب قد أثار جدلا واسعا في تونس، وسط مخاوف من التضييق على حرية الإبداع. لكن الرئيس سعيد فند ذلك خلال زيارة إلى مكتبة الكتاب بشارع الحبيب بورقيبة وسط تونس العاصمة قائلا: «يقولون إن الكتاب تم منعه، لكنه يباع في مكتبة الكتاب في تونس...

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا تشكيل أول كتلة نيابية في البرلمان التونسي الجديد

تشكيل أول كتلة نيابية في البرلمان التونسي الجديد

بعد مصادقة البرلمان التونسي المنبثق عن انتخابات 2022، وما رافقها من جدل وقضايا خلافية، أبرزها اتهام أعضاء البرلمان بصياغة فصول قانونية تعزز مصالحهم الشخصية، وسعي البرلمانيين لامتلاك الحصانة البرلمانية لما تؤمِّنه لهم من صلاحيات، إضافة إلى الاستحواذ على صلاحيات مجلس الجهات والأقاليم (الغرفة النيابية الثانية)، وإسقاط صلاحية مراقبة العمل الحكومي، يسعى 154 نائباً لتشكيل كتل برلمانية بهدف خلق توازنات سياسية جديدة داخل البرلمان الذي يرأسه إبراهيم بودربالة، خلفاً للبرلمان المنحل الذي كان يرأسه راشد الغنوشي رئيس حركة «النهضة». ومن المنتظر حسب النظام الداخلي لعمل البرلمان الجديد، تشكيل كتل برلمانية قبل

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا تونس: الشركاء الأجانب أصدقاؤنا... لكن الاستقرار خط أحمر

تونس: الشركاء الأجانب أصدقاؤنا... لكن الاستقرار خط أحمر

أكد وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج نبيل عمار أمس، الاثنين، أنه لا مجال لإرساء ديكتاتورية في تونس في الوقت الحالي، مشيراً إلى أن التونسيين «لن ينتظروا أي شخص أو شريك للدفاع عن حرياتهم»، وفق ما جاء في تقرير لـ«وكالة أنباء العالم العربي». وأشار التقرير إلى أن عمار أبلغ «وكالة تونس أفريقيا للأنباء» الرسمية قائلاً: «إذا اعتبروا أنهم مهددون، فسوف يخرجون إلى الشوارع بإرادتهم الحرة للدفاع عن تلك الحريات». وتتهم المعارضة الرئيس التونسي قيس سعيد بوضع مشروع للحكم الفردي، وهدم مسار الانتقال الديمقراطي بعد أن أقر إجراءات استثنائية في 25 يوليو (تموز) 2021 من بينها حل البرلمان.

المنجي السعيداني (تونس)

تظاهرة في تونس للمطالبة بإطلاق سراح المعارضة عبير موسي

من المظاهرة التي نظمها أنصار الحزب «الحر الدستوري» في تونس العاصمة للمطالبة بإطلاق سراح عبير موسي (إ.ب.أ)
من المظاهرة التي نظمها أنصار الحزب «الحر الدستوري» في تونس العاصمة للمطالبة بإطلاق سراح عبير موسي (إ.ب.أ)
TT

تظاهرة في تونس للمطالبة بإطلاق سراح المعارضة عبير موسي

من المظاهرة التي نظمها أنصار الحزب «الحر الدستوري» في تونس العاصمة للمطالبة بإطلاق سراح عبير موسي (إ.ب.أ)
من المظاهرة التي نظمها أنصار الحزب «الحر الدستوري» في تونس العاصمة للمطالبة بإطلاق سراح عبير موسي (إ.ب.أ)

تظاهر مئات من أنصار الحزب «الحر الدستوري» المعارض، اليوم (السبت)، في تونس العاصمة، للمطالبة بإطلاق سراح رئيسة الحزب عبير موسي. وتجمع 500 إلى 1000 متظاهر في وسط العاصمة التونسية، حسب صحافيي «وكالة الصحافة الفرنسية» للمطالبة بإطلاق سراح عبير موسي، ورفع العديد منهم أعلاماً تونسية وصوراً لرئيسة الحزب.

أوقفت موسي، النائبة السابقة البالغة 49 عاماً، في 3 من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 أمام القصر الرئاسي في قرطاج، عندما حضرت، وفقاً لحزبها، للاحتجاج على قرار اتخذه الرئيس قيس سعيّد. وتواجه عبير موسي تهماً خطيرة في عدة قضايا، من بينها «الاعتداء المقصود منه تبديل هيئة الدولة». وقد قضت محكمة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بتخفيف حكم قضائي استئنافي في حق المعارضة من السجن سنتين إلى سنة و4 أشهر، في قضية تتعلق بانتقادها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات مطلع عام 2023. وأصدرت المحكمة حُكمها على عبير موسي بموجب «المرسوم 54»، الذي أصدره الرئيس قيس سعيّد عام 2022 لمكافحة «الأخبار الكاذبة»، والذي يواجه انتقادات شديدة من المعارضة ونقابة الصحافيين.

وندد المتظاهرون بـ«المرسوم 54»، الذي أدى تفسيره الفضفاض إلى سجن عشرات السياسيين والمحامين والناشطين والصحافيين. وقال ثامر سعد، القيادي في الحزب «الحر الدستوري»، إن اعتقال عبير موسي لانتقادها الهيئة العليا للانتخابات «لا يليق ببلد يدعي الديمقراطية».

من جانبه، أكد كريم كريفة، العضو في لجنة الدفاع عن عبير موسي، أن «السجون التونسية أصبحت تمتلئ بضحايا (المرسوم 54)»، معتبراً أن هذا المرسوم يشكل «عبئاً ثقيلاً على المجتمع التونسي». وتقبع خلف القضبان شخصيات معارضة أخرى، مثل زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، وكذلك عصام الشابي، وغازي الشواشي المتهمَين بالتآمر على أمن الدولة، واللذين سبق أن أعلنا نيتهما الترشح للرئاسة قبل أن يتراجعا. وتنتقد المعارضة ومدافعون عن حقوق الإنسان ومنظمات دولية وتونسية الرئيسَ التونسي، الذي فاز بالانتخابات الرئاسية في أكتوبر الماضي بأكثر من 90 في المئة من الأصوات، وتتهمه بـ«التضييق على الحريات».