خفايا الاتفاقيات البيئية... من الأوزون إلى المناخ

50 عاماً على مؤتمر استوكهولم حول البيئة البشرية (2 ـ 2)

غرو هارلم برونتلاند رئيسة وزراء النرويج، توقع معاهدة التنوع البيولوجي بالنيابة عن بلادها خلال مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة والتنمية في ريو دي جانيرو يونيو 1992
غرو هارلم برونتلاند رئيسة وزراء النرويج، توقع معاهدة التنوع البيولوجي بالنيابة عن بلادها خلال مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة والتنمية في ريو دي جانيرو يونيو 1992
TT

خفايا الاتفاقيات البيئية... من الأوزون إلى المناخ

غرو هارلم برونتلاند رئيسة وزراء النرويج، توقع معاهدة التنوع البيولوجي بالنيابة عن بلادها خلال مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة والتنمية في ريو دي جانيرو يونيو 1992
غرو هارلم برونتلاند رئيسة وزراء النرويج، توقع معاهدة التنوع البيولوجي بالنيابة عن بلادها خلال مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة والتنمية في ريو دي جانيرو يونيو 1992

يُختتم اليوم في عاصمة السويد مؤتمر «استوكهولم +50»، احتفالاً بمرور نصف قرن على «مؤتمر الأمم المتحدة حول البيئة البشرية»، الذي نتج عنه إنشاء برنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب). بعد الحديث في حلقة أولى عن تأسيس «يونيب» وانطلاق عمله في التعاون الدولي لحماية البيئة، ابتداءً من خطة البحر المتوسط، نتابع تحليل أبرز الاتفاقيات البيئية الدولية التي قادها البرنامج، من الأوزون إلى التنوع البيولوجي وتغيُّر المناخ والتصحر. ويستند العرض إلى ذكريات وحوارات مع رائد «دبلوماسية البيئة» الدكتور مصطفى كمال طُلبة، الذي قاد «يونيب» منذ تأسيسه حتى عام 1992.
بعد نجاح برنامج الأمم المتحدة للبيئة في التعامل مع المشاكل البيئية في عدد من البحار على المستوى الإقليمي، انتقل في أوائل الثمانينات إلى مواجهة مشاكل البيئة العالمية. وكانت البداية حماية طبقة الأوزون في أعلى طبقات الجو، أو ما يسمى الأوزون الستراتوسفيري، الذي يحمي البشر من الأشعة فوق البنفسجية، المسؤولة عن سرطان الجلد وعتامة العين (الكاتراكت)، التي يمكن أن تؤدي إلى العمى، ونقص المناعة.

مديرو «يونيب» التنفيذيون الأوائل (من اليسار): موريس سترونغ ومصطفى كمال طُلبة وإليزابيث داودزويل، كلاوس توبفر

حين تراكمت الأدلة على أن هناك نقصاً مستمراً في طبقة الأوزون العلوي، وافقت الدول على بدء المفاوضات لإعداد اتفاقية لحماية طبقة الأوزون. واستمرت المفاوضات من 1982 حتى 1985. وصولاً إلى اتفاقية فيينا، التي لم تتضمن أي التزامات سوى التعهد بضرورة استمرار البحوث العلمية. ومع ظهور الخلاف بين الدول الصناعية والدول النامية للاتفاق حول من يتحمل كلفة التحوُّل، نجح مصطفى طُلبة في إقناع الدول الصناعية بمنح الدول النامية في الاتفاقية عشر سنوات سماح قبل تطبيق الإجراءات التي يتم الاتفاق عليها.
فوافقت الدول الصناعية وارتاحت الدول النامية. وكان هذا أساس اعتماد مبدأ «المسؤولية المشتركة ولكن المتباينة» في اتفاقيات لاحقة، خاصة المناخ.

مدخل مقر «يونيب» الجديد بين أحضان الطبيعة في نيروبي

لكن تباينات كبيرة ظهرت بين الولايات المتحدة وكندا ودول الشمال الأوروبي من جانب، والاتحاد السوفياتي والصين واليابان من جانب آخر، لأسباب اقتصادية وسياسية. كان لا بد من إيجاد حل وسط، فانتهى الأمر إلى الموافقة على مبدأ عرضه طُلبة، وهو الاكتفاء بتخفيض الإنتاج والاستخدام بمقدار 50 في المائة عام 2000 عمّا يكون عليه عام 1990. الأمر الذي يتيح لمن ليس لديهم بدائل للكلوروفلوروكربونات أن يحصلوا عليها. وتم إقرار ذلك في المؤتمر الوزاري الذي عُقد في مونتريال في سبتمبر (أيلول) 1987.
- صندوق الأوزون
في بداية 1989 دخلت اتفاقية مونتريال حيز التنفيذ، وعقدت الدول المصدقة عليها اجتماعها الأول في هلسنكي، عاصمة فنلندا. وقد أثارت الدول النامية في ذلك الاجتماع، ولا سيما الصين والهند، ضرورة أن يكون هناك صندوق خاص لمساعدة الدول النامية مالياً على تنفيذ التزامات الاتفاقية. لكن الدول الصناعية عارضت فكرة إنشاء صندوق خاص لهذا الغرض.
وقد انقلب الموقف حين عُقد مؤتمر الأطراف التالي في لندن في يونيو (حزيران) 1990، إذ كانت أوروبا متحمسة لتنفيذ الاتفاقية، لأن شركاتها الصناعية قاربت الوصول إلى البدائل عن الكلوروفلوروكربونات، مما يؤذن بتحقيق مكاسب ضخمة. وقد ساعد هذا في الاتفاق على إنشاء صندوق الأوزون بميزانية أولية بلغت 240 مليون دولار في السنوات الثلاث الأولى. كما وافق المؤتمر على ما طرحه طُلبة أثناء مفاوضات بروتوكول مونتريال، وهو أن ينتهي إنتاج واستخدام المواد المستنفدة للأوزون كلياً سنة 2000، بدلاً من 50 في المائة التي أقرّها البروتوكول. وما لبثت الدول أن قدمت هذا التاريخ إلى سنة 1997. ونجحت في جميع المراحل. وقد اعتبر بروتوكول مونتريال الاتفاقية النموذجية للتعامل مع المشاكل البيئية العالمية. ويعتقد كثيرون أن النجاح في التعامل الناجح مع قضية التغيُّر المناخي يتطلب اعتماد النهج الذي طبّقه مصطفى طُلبة في قضية الأوزون، أي تقديم الإثباتات العلمية، ووضع برنامج قابل للتطبيق، وتأمين التمويل المناسب.

مصطفى طُلبة مع نجيب صعب في مؤتمر صحافي لإطلاق المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) يونيو (حزيران) 2006

- تغيُّر المناخ
برزت قضيّتا تغيُّر المناخ وفقدان التنوع البيولوجي إلى السطح خلال الفترة الأخيرة لإعداد بروتوكول مونتريال واتفاقية بازل للنفايات الخطرة. عقد «يونيب» مؤتمراً دولياً في جنيف عام 1989 عن تغيُّر المناخ، بالاشتراك مع منظمة الأرصاد الجوية وبالتعاون مع منظمة اليونيسكو ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة الأغذية والزراعة. وقد أصدر المؤتمر عدداً من التوصيات، بعد دراسة كل المعلومات العلمية المتاحة، كان أهمها ضرورة بدء مفاوضات للوصول إلى اتفاقية تتضمن إجراءات محددة لتخفيض الانبعاثات الغازية التي تؤدي إلى ارتفاع معدل درجة حـرارة العالم، وفي مقدمها ثاني أكسيد الكربون.
وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على التوصية، ولكن بعض الدول الصناعية حاولت ألا تترك «يونيب» مرة أخرى في قيادة المفاوضات. وَوِفق طُلبة، كان واضحاً أن هذه الدول لم تكن ترغب في إنشاء صندوق آخر على غرار صندوق الأوزون. لذا أنشئت لجنة حكومية للتفاوض وسكرتارية خاصة تتبع الأمين العام للأمم المتحدة في نيويورك، تضم في عضويتها برنامج الأمم المتحدة للبيئة. ويروي طُلبة أنه في أحد الاجتماعات التفاوضية في واشنطن، تحدث الرئيس جورج بوش الأب، الذي تحاشى تماماً أي ذكر لمصطلحات ارتفاع معدل درجة حرارة الأرض أو الاحترار العالمي أو الاحتباس الحراري، وطالب بمزيد من الدراسات والبحوث، ولم يقترح أي إجراءات لتخفيض الانبعاثات. وقد جاءت الاتفاقية الإطارية لتغيُّر المناخ، التي فُتحت للتوقيـع في مؤتمر قمة الأرض في البرازيل عام 1992، معبّرة عن ذلك، إذ اقتصرت على التعاون في البحوث والدراسات بلا التزامات.
وكان مصطفى طُلبة عمل في نهاية عام 1989 على إنشاء «اللجنة الحكومية المعنية بتغيُّر المناخ»، بالتعاون بين «يونيب» ومنظمة الأرصاد الجوية العالمية. وتفرّعت عنها ثلاث لجان، الأولى تدرس نتائج البحوث العلمية حول الموضوع، والثانية ترصد آثار تغيُّر المناخ، والثالثة تتابع الاستجابات للتعامل مع القضية. وأصدرت اللجنة منذ ذلك الوقت مجموعة تقارير، أصبحت المراجع الحقيقية لأي إجراءات تُتّخذ في التعامل مع قضية تغيُّر المناخ، وشكّلت الأساس العلمي للالتزامات اللاحقة. وذلك يتدرّج من تخفيض الانبعاثات الكربونية إلى تدابير التكيُّف، بدءاً من بروتوكول كيوتو، الذي ينصّ على أن تخفض الدول الصناعية قرابة 5.5 في المائة من انبعاثاتها بحلول عام 2012، إلى التزامات قمّتي المناخ في باريس وغلاسكو. لكن الموقف الأميركي ما زال يتأرجح وفقاً لسياسات الحزب الحاكم المتغيرة كل أربع أو ثماني سنوات.
- التنوع البيولوجي
بالتزامن مع بدء الحديث عن قضية تغيُّر المناخ، بدأ العالم يتنبّه إلى الخسارة في التنوع البيولوجي. وقد شكّل مجلس المحافظين في «يونيب» لجنة علمية لدراسة الموضوع، عرضت نتائجها على المجلس عام 1989. الذي قرر بدء المفاوضات للوصول إلى اتفاقية لحماية التنوع البيولوجي. وتركت الدول الصناعية المفاوضات لـ«يونيب» على أساس أنها محصورة بإنشاء حدائق نباتية ومحميات طبيعية. لكنها فوجئت بإدخال طُلبة قضية الأصول الوراثية، التي تنتقل من الدول النامية لتستخدمها الصناعات الكيميائية والدوائية في الدول الصناعية لإنتاج الأدوية والمواد الكيميائية والحصول على مكاسب ضخمة. ونجحت «يونيب» في أن تتضمن الاتفاقية نصاً يمنح دولة المصدر نصيباً من الأرباح في حال استخدام أي من هذه الأصول صناعياً.
ركّز جورج بوش الأب حملته الانتخابية ضد بيل كلينتون عام 1992 على مهاجمة الاتفاقية، مدعياً أنها سوف تؤثر سلباً على كل بيت في أميركا. وبعدما انتخب بوش رئيساً، سعى وفده في مؤتمر قمة الأرض في ريو دي جانيرو، الذي فُتحت فيه اتفاقيتا تغيُّر المناخ والتنوع البيولوجي للتوقيع، إلى تشجيع رؤساء الوفود على توقيع اتفاقية تغيُّر المناخ والامتناع عن توقيع اتفاقية التنوع البيولوجي، لكن الدول لم تستجب للدعوة. ويلاحظ طُلبة أن الاتفاقات الإقليمية والدولية المرتبطة بالبيئة أدّت إلى ظهور القانون الدولي للبيئة، كفرع مستقل من فروع القانون الدولي.
- قصة اتفاقية التصحر
في أعقاب موجة الجفاف التي تعرضت لها أفريقيا جنوب الصحراء خلال الفترة من 1968 إلى 1973. طالبت الدول الأفريقية الجمعية العامة للأمم المتحدة بتنظيم مؤتمر عن «التصحر». وكان هذا المصطلح، يُستخدم للمرة الأولى حينها، ولم يكن له تعريف محدد، سوى أن المقصود به كان التعبير عن تدهور الأراضي الذي نتج عن فترة الجفاف الأفريقي الشديد. وافقت الجمعية العامة على ذلك عام 1974. وأناطت ببرنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب) الإعداد لعقد المؤتمر. وقد عرَّفت اللجنة التحضيرية التصحر بأنه انخفاض إنتاجية التربة إلى صفر اقتصادياً، وأن التصحر يأتي عن طريق سوء استخدام الأرض الزراعية أو استغلالها لغير أغراض الزراعة، كإقامة المباني والطرق والمطارات، إضافة إلى تأثير الجفاف وشحّ المياه. كما حددت الخسارة الناجمة عن استمرار التصحر بنحو 40 مليار دولار سنوياً، بينما يكلّف تنفيذ البرنامج المقترح للحد من زحف التصحر 2.4 مليار دولار سنوياً.
عند انعقاد المؤتمر الدولي الأول عن التصحر عام 1977 في نيروبي، اعتبرت الدول الصناعية التصحر مشكلة إقليمية تخص أفريقيا وحدها. ولما شرح العلماء أن التصحر يصيب أكثر من قارة وأن الغرب ليس بعيداً عن آثاره، بسبب اضطرار الأفارقة إلى الهرب نحو الشمال، أدركت الدول جميعاً أن المشكلة أكبر من أن تكون إقليمية، وتوافقت بالإجماع على خطة عمل. واستمر «يونيب» في تنفيذ البرنامج الذي أقرّه المؤتمر، بميزانية متواضعة، إلى أن عقد مؤتمر قمة الأرض في ريو دي جانيرو عام 1992، الذي أوصى الجمعية العامة للأمم المتحدة ببدء المفاوضات من أجل الوصول إلى اتفاقية لمكافحة التصحر. وبعد سنوات من المفاوضات، دخلت الاتفاقية حيز التنفيذ عام 1996. واستمر تنفيذ اتفاقية التصحر ببطء حتى عام 2002، حين أضافتها قمة التنمية المستدامة في جوهانسبورغ إلى القضايا التي يمولها مرفق البيئة العالمي. وكانت معظم الدول الغربية ما زالت لا تعتبر التصحر قضية عالمية، بل مشكلة محصورة في أفريقيا، قبل أن يطرق التصحر أبواب دول الشمال نفسها بفعل تغيُّر المناخ، وتنشأ في أوروبا نفسها هيئة مختصة بقضايا التصحر في القارة. ومع هذا، فقد ظهر جلياً من حجم ونوع المشاركة في المؤتمر الخامس عشر للدول الأعضاء في الاتفاقية، الذي عُقد الأسبوع الماضي في أبيدجان، عاصمة ساحل العاج، أن المفهوم العام ما زال يعتبر التصحر مشكلة أفريقية في الأساس.
- التعاون طريق الحل
عندما بدأ العمل للحد من استخدام الغازات الضارة بالأوزون، اعترض مستثمرون قالوا إنهم اشتروا مصانع لإنتاج أجهزة التكييف والتلفزيونات والثلاجات وغيرها، وهذه كلها تستخدم الفريون (أحد الكلوروفلوروكربونات). وطالبوا كشرط للالتزام بالاتفاقية تعويضهم ثمن المصانع القديمة وتأمين المواد البديلة. التسوية التي ابتدعها مصطفى طُلبة في حينه قامت على تعويض ما تبقى من قيمة المصنع القديم، بناء على عمره الافتراضي، وفرق السعر بين الكلوروفلوروكربونات والمواد البديلة، أي «الكلفة الإضافية» التي يتكبّدها صاحب المصنع وليس ثمن المصنع الجديد كلّه. فإذا كان عمر المصنع الافتراضي قد انتهى، لا يُدفع لصاحبه سوى فرق ثمن بديل الكلوروفلوروكربونات. وكان طُلبة يعتقد أنه يمكن تطبيق هذه الآلية في قضية تخفيض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
الواقع أنه لا أحد يريد أن يضع كل أوراقه على طاولة المفاوضات دفعة واحدة: قضية إنتاج انبعاثات غازات الدفيئة لكل فرد في كل دولة، كمية الانبعاثات نسبة إلى كل دولار من الناتج المحلي، الإنتاج التراكمي لغازات الدفيئة في كل دولة، البدائل، المعونات المالية والفنية اللازمة. لكن لا بد أن تناقَش كل هذه الأمور بجدية وشفافية، مع الاستعداد للقاء في منتصف الطريق.
مصطفى كمال طُلبة كان يؤمن أن أخطر المشكلات البيئية العالمية وأكثرها تعقيداً هي قضية تغيُّر المناخ. ويجدر اليوم، في الذكرى الخمسين لإعلان استوكهولم وتأسيس برنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب)، الالتزام مجدداً بدعوته إلى التعاون للاتفاق على تسويات مقبولة، واتخاذ قرارات حاسمة بالنسبة إلى عمليات التنمية الاجتماعية والنمو الاقتصادي. وكأن طلبة يذكّرنا اليوم أن الدبلوماسية البيئية ما زالت قادرة على اجتراح نجاحات لا تقل عن اتفاقية الأوزون.

أسرار ولادة «يونيب» كما يرويها مؤسس مفهوم «دبلوماسية البيئة»


مقالات ذات صلة

غوتيريش يحث من «كوب 29» العالم على سد فجوة تمويل بـ359 مليار دولار

الاقتصاد يشاهد المشاركون عرضاً تقديمياً خلال جلسة عامة في مؤتمر الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ في «كوب 29».(إ.ب.أ)

غوتيريش يحث من «كوب 29» العالم على سد فجوة تمويل بـ359 مليار دولار

جدَّدت مناقشات اليوم الثاني من فعاليات مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ في العاصمة الأذربيجانية باكو، تطلعات دول العالم إلى التوصل لاتفاقات جادة.

«الشرق الأوسط» (باكو)
أوروبا طفل وسط مخيمات النازحين في وسط غزة (رويترز)

كوارث الطقس دفعت 220 مليون شخص إلى النزوح في العقد الأخير

يُسهم تغير المناخ في دفع عدد قياسي من الناس إلى الفرار من منازلهم حول العالم.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
الاقتصاد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر متحدثاً في «كوب 29» (د.ب.أ)

رئيس الوزراء البريطاني يحدد هدفاً جديداً للمناخ لعام 2035

قال رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، إن بريطانيا ستخفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري بنسبة 81 في المائة بحلول عام 2035.

«الشرق الأوسط» (باكو)
الاقتصاد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يتحدث في مؤتمر «كوب 29» في باكو (د.ب.أ)

غوتيريش يحذر في «كوب 29»: ادفعوا... أو واجهوا كارثة تهدد البشرية

قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، لقادة العالم في قمة «كوب 29» في باكو يوم الثلاثاء، إنهم بحاجة إلى «دفع المال»؛ لمنع الكوارث الإنسانية

«الشرق الأوسط»
الاقتصاد الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف يتحدث في حفل افتتاح مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي (رويترز) play-circle 01:32

الرئيس الأذربيجاني في «كوب 29»: النفط والغاز «هبة من الله»

أكد الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف الذي تستضيف بلاده مؤتمر «كوب 29» للمناخ الثلاثاء أن النفط والغاز والموارد الطبيعية الأخرى هي «هبة من الله».

«الشرق الأوسط» (باكو)

غزة... تاريخ من المواجهات والحروب قبل السابع من أكتوبر

TT

غزة... تاريخ من المواجهات والحروب قبل السابع من أكتوبر

مخيم نازحين في دير البلح عند شاطئ غزة (أرشيفية - أ.ب)
مخيم نازحين في دير البلح عند شاطئ غزة (أرشيفية - أ.ب)

في المنطقة الجنوبية من الساحل الفلسطيني على البحر المتوسط، على مساحة لا تزيد على 360 كيلومتراً مربعاً، بطول 41 كم، وعرض يتراوح بين 5 و15 كم، يعيش في قطاع غزة نحو مليوني نسمة، ما يجعل القطاع البقعة الأكثر كثافة سكانية في العالم.

تبلغ نسبة الكثافة وفقاً لأرقام حديثة أكثر من 27 ألف ساكن في الكيلومتر المربع الواحد، أما في المخيمات فترتفع الكثافة السكانية إلى حدود 56 ألف ساكن تقريباً بالكيلومتر المربع.

تأتي تسمية القطاع «قطاع غزة» نسبة لأكبر مدنه، غزة، التي تعود مشكلة إسرائيل معها إلى ما قبل احتلالها في عام 1967، عندما كانت تحت الحكم المصري.

فقد تردد ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، في احتلال القطاع بعد حرب 1948، قبل أن يعود بعد 7 سنوات، في أثناء حملة سيناء، لاحتلاله لكن بشكل لم يدُم طويلاً، ثم عاد واحتله وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان عام 1967.

خيام النازحين الفلسطينيين على شاطئ دير البلح وسط قطاع غزة الأربعاء (إ.ب.أ)

في عام 1987، أطلق قطاع غزة شرارة الانتفاضة الشعبية الأولى، وغدا مصدر إزعاج كبيراً لإسرائيل لدرجة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إسحاق رابين، تمنى لو يصحو يوماً ويجد غزة وقد غرقت في البحر.

لكن غزة لم تغرق كما يشتهي رابين، ورمتها إسرائيل في حضن السلطة الفلسطينية عام 1994 على أمل أن تتحول هذه السلطة إلى شرطي حدود. لكن هذا كان أيضاً بمثابة وهم جديد؛ إذ اضطرت إسرائيل إلى شن أولى عملياتها العسكرية ضد غزة بعد تسليمها السلطة بنحو 8 سنوات، وتحديداً في نهاية أبريل (نيسان) 2001.

وفي مايو (أيار) 2004، شنت إسرائيل عملية «قوس قزح»، وفي سبتمبر (أيلول) 2004، عادت ونفذت عملية «أيام الندم». ثم في 2005، انسحبت إسرائيل من قطاع غزة ضمن خطة عرفت آنذاك بـ«خطة فك الارتباط الأحادي الجانب».

بعد الانسحاب شنت إسرائيل حربين سريعين، الأولى في 25 سبتمبر (أيلول) 2005 باسم «أول الغيث»، وهي أول عملية بعد خطة فك الارتباط بأسبوعين، وبعد عام واحد، في يونيو (حزيران) 2006، شنت إسرائيل عملية باسم «سيف جلعاد» في محاولة فاشلة لاستعادة الجندي الإسرائيلي الذي خطفته «حماس» آنذاك جلعاد شاليط، بينما ما زالت السلطة تحكم قطاع غزة.

عام واحد بعد ذلك سيطرت حماس على القطاع ثم توالت حروب أكبر وأوسع وأضخم تطورت معها قدرة الحركة وقدرات الفصائل الأخرى، مثل «الجهاد الإسلامي» التي اضطرت في السنوات الأخيرة لخوض حروب منفردة.

ظلت إسرائيل تقول إن «طنجرة الضغط» في غزة تمثل تهديداً يجب التعامل معه حتى تعاملت معها «حماس» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) بانفجار لم تتوقعه أو تستوعبه إسرائيل وجر حرباً دموية على غزة، وأخرى على لبنان، وسلسلة مواجهات باردة في جبهات أخرى في حرب تبدو نصف إقليمية، وما أسهل أن تتحول إلى نصف عالمية.

أبرز الحروب

«الرصاص المصبوب» حسب التسمية الإسرائيلية أو «الفرقان» فلسطينياً:

بدأت في 27 ديسمبر (كانون الأول) 2008، وشنت خلالها إسرائيل إحدى أكبر عملياتها العسكرية على غزة وأكثرها دموية منذ الانسحاب من القطاع في 2005. واستهلتها بضربة جوية تسببت في مقتل 89 شرطياً تابعين لحركة «حماس»، إضافة إلى نحو 80 آخرين من المدنيين، ثم اقتحمت إسرائيل شمال وجنوب القطاع.

خلفت العمليات الدامية التي استمرت 21 يوماً، نحو 1400 قتيل فلسطيني و5500 جريح، ودمر أكثر من 4000 منزل في غزة، فيما تكبدت إسرائيل أكثر من 14 قتيلاً وإصابة 168 بين جنودها، يضاف إليهم ثلاثة مستوطنين ونحو ألف جريح.

وفي هذه الحرب اتهمت منظمة «هيومان رايتس ووتش» إسرائيل باستخدام الفسفور الأبيض بشكل ممنهج في قصف مناطق مأهولة بالسكان خلال الحرب.

«عمود السحاب» إسرائيلياً أو «حجارة السجيل» فلسطينياً:

أطلقت إسرائيل العملية في 14 نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 باغتيال رئيس أركان «حماس»، أحمد الجعبري. واكتفت إسرائيل بالهجمات الجوية ونفذت مئات الطلعات على غزة، وأدت العمليات إلى مقتل 174 فلسطينياً وجرح 1400.

شنت «حماس» أعنف هجوم على إسرائيل آنذاك، واستخدمت للمرة الأولى صواريخ طويلة المدى وصلت إلى تل أبيب والقدس وكانت صادمة للإسرائيليين. وأطلق خلال العملية تجاه إسرائيل أكثر من 1500 صاروخ، سقط من بينها على المدن 58 صاروخاً وجرى اعتراض 431. والبقية سقطت في مساحات مفتوحة. وقتل خلال العملية 5 إسرائيليين (أربعة مدنيين وجندي واحد) بالصواريخ الفلسطينية، بينما أصيب نحو 500 آخرين.

مقاتلون من «كتائب القسام» التابعة لـ«حماس» في قطاع غزة (أرشيفية - «كتائب القسام» عبر «تلغرام»)

«الجرف الصامد» إسرائيلياً أو «العصف المأكول» فلسطينياً:

بدأتها إسرائيل يوم الثلاثاء في 8 يوليو (تموز) 2014، ظلت 51 يوماً، وخلفت أكثر من 1500 قتيل فلسطيني ودماراً كبيراً.

اندلعت الحرب بعد أن اغتالت إسرائيل مسؤولين من حركة «حماس» اتهمتهم أنهم وراء اختطاف وقتل 3 مستوطنين في الضفة الغربية المحتلة.

شنت إسرائيل خلال الحرب أكثر من 60 ألف غارة على القطاع ودمرت 33 نفقاً تابعاً لـ«حماس» التي أطلقت في هذه المواجهة أكثر من 8000 صاروخ وصل بعضها للمرة الأولى في تاريخ المواجهات إلى تل أبيب والقدس وحيفا وتسببت بشل الحركة هناك، بما فيها إغلاق مطار بن غوريون.

قتل في الحرب 68 جندياً إسرائيلياً، و4 مدنيين، وأصيب 2500 بجروح.

قبل نهاية الحرب أعلنت «كتائب القسام» أسرها الجندي الإسرائيلي شاؤول آرون، خلال تصديها لتوغل بري لجيش الاحتلال في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وما زال في الأسر.

«صيحة الفجر»:

عملية بدأتها إسرائيل صباح يوم 12 نوفمبر عام 2019، باغتيال قائد المنطقة الشمالية في سرايا القدس (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي) في غزة، بهاء أبو العطا، في شقته السكنية في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وردت «حركة الجهاد الإسلامي» بهجوم صاروخي استمر بضعة أيام، أطلقت خلالها مئات الصواريخ على مواقع وبلدات إسرائيلية.

كانت أول حرب لا تشارك فيها «حماس» وتنجح إسرائيل في إبقائها بعيدة.

طفل فلسطيني يسير أمام أنقاض المباني في مدينة غزة (أ.ف.ب)

«حارس الأسوار» أو «سيف القدس»:

بدأت شرارتها من القدس بعد مواجهات في حي الشيخ جراح، واقتحام القوات الإسرائيلية للمسجد الأقصى ثم تنظيم مسيرة «الأعلام» نحو البلدة القديمة، وهي المسيرة التي حذرت «حماس» من أنها إذا تقدمت فإنها ستقصف القدس، وهو ما تم فعلاً في يوم العاشر من مايو (أيار) عام 2021.

شنت إسرائيل هجمات مكثفة على غزة وقتلت في 11 يوماً نحو 250 فلسطينياً، وأطلقت الفصائل أكثر من 4 آلاف صاروخ على بلدات ومدن في إسرائيل، ووصلت الصواريخ إلى تخوم مطار رامون، وقتل في الهجمات 12 إسرائيلياً.

 

«الفجر الصادق» أو «وحدة الساحات»:

كررت إسرائيل هجوماً منفرداً على «الجهاد» في الخامس من أغسطس (آب) 2022 واغتالت قائد المنطقة الشمالية لـ«سرايا القدس» (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي) في غزة، تيسير الجعبري، بعد استنفار أعلنته «الجهاد» رداً على اعتقال مسؤول كبير في الحركة في جنين في الضفة الغربية، وهو بسام السعدي.

ردت «حركة الجهاد الإسلامي» بمئات الصواريخ على بلدات ومدن إسرائيلية، وقالت في بيان إنها عملية مشتركة مع كتائب المقاومة الوطنية وكتائب المجاهدين وكتائب شهداء الأقصى (الجناح العسكري لحركة فتح)، في انتقاد مبطن لعدم مشاركة «حماس» في القتال. توقفت العملية بعد أيام قليلة إثر تدخل وسطاء. وقتل في الهجمات الإسرائيلية 24 فلسطينياً بينهم 6 أطفال.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام خريطة لغزة خلال مؤتمره الصحافي في القدس ليلة الاثنين (إ.ب.أ)

«السهم الواقي» أو «ثأر الأحرار»:

حرب مفاجئة بدأتها إسرائيل في التاسع من مايو 2023، باغتيال 3 من أبرز قادة «سرايا القدس» (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة)، أمين سر المجلس العسكري لسرايا القدس، جهاد غنام (62 عاماً)، وقائد المنطقة الشمالية في السرايا خليل البهتيني (44 عاماً)، وعضو المكتب السياسي أحد مسؤولي العمل العسكري في الضفة الغربية، المبعد إلى غزة، طارق عز الدين (48 عاماً).

وحرب عام 2023 هي ثالث هجوم تشنه إسرائيل على «الجهاد الإسلامي» منفرداً، الذي رد هذه المرة بتنسيق كامل مع «حماس» عبر الغرفة المشتركة وقصف تل أبيب ومناطق أخرى كثيرة بوابل من الصواريخ تجاوز الـ500 صاروخ على الأقل.

... ثم الحرب الحالية في السابع من أكتوبر 2023.