«العناد السياسي» يُبخّر أحلام الليبيين بإجراء انتخابات عامة

خارطة الطريق توشك على الانتهاء... والأمم المتحدة لا تزال تبحث عن «توافق دستوري»

جانب من أعمال اللجنة الليبية المشتركة بين مجلس النواب و«المجلس الأعلى للدولة» بالقاهرة في 20 مايو الجاري (البعثة الأممية)
جانب من أعمال اللجنة الليبية المشتركة بين مجلس النواب و«المجلس الأعلى للدولة» بالقاهرة في 20 مايو الجاري (البعثة الأممية)
TT

«العناد السياسي» يُبخّر أحلام الليبيين بإجراء انتخابات عامة

جانب من أعمال اللجنة الليبية المشتركة بين مجلس النواب و«المجلس الأعلى للدولة» بالقاهرة في 20 مايو الجاري (البعثة الأممية)
جانب من أعمال اللجنة الليبية المشتركة بين مجلس النواب و«المجلس الأعلى للدولة» بالقاهرة في 20 مايو الجاري (البعثة الأممية)

(تقرير اخباري)
رغم اقتراب الموعد الذي حدده متفاوضون ليبيون كآخر مهلة لإجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية في البلاد، قبيل انتهاء خارطة الطريق التي تم التوافق حولها قبل عام ونصف العام بجنيف، فإن تحركات الأفرقاء على الأرض وفي الكواليس تعكس حالة من العناد السياسي، ولا تشير إلى اتفاق حول إتمام هذا الاستحقاق في قادم الأيام. علماً بأنه يفترض أن تُجرى الانتخابات في شهر يونيو (حزيران) المقبل، وفقاً لمخرجات اتفاق أعضاء «ملتقى الحوار السياسي» الليبي نهاية العام الماضي، ومن ثمّ انتهاء خارطة الطريق، التي توافقوا حولها برعاية أممية.
ومنذ إسقاط النظام السابق في عام 2011، يندر أن توافق الليبيون على مواعيد سبق أن أبرموها لإتمام أي اتفاقات سياسية، إذ تتم عادة تجاهلها أو على الأقل ترحيلها. ومنذ فشل السلطة التنفيذية الراهنة في إجراء الانتخابات، كما كان محدداً لها نهاية العام الماضي، وكل فريق سياسي يطرح رؤية مغايرة لشكل الاستحقاق المنتظر، وما يجيب أن يكون عليه، دون التوافق على «المسار الدستوري» اللازم لهذه المرحلة المستقبلية.
وعزز من هذه التباينات تنازع حكومتين حول السلطة؛ الأولى يمثلها عبد الحميد الدبيبة، وهي نتاج «ملتقى الحوار»، وترفض تسليم مهامها إلا لسلطة منتخبة شعبياً، والثانية يقودها فتحي باشاغا، وينتصر لها مجلس النواب الذي تحظى بدعمه وتأييده.
وأمام هذا الانقسام المُكرر ومع تسارع الأيام، تقف بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا حائرة بين الطرفين، آملة في عقد جولة محادثات ثالثة في القاهرة بين فريقي مجلس النواب و«المجلس الأعلى للدولة» في الحادي عشر من يونيو المقبل، بهدف البحث عن توافق حول ما تبقى من مواد مسودة الدستور. غير أن تصاعد الأحداث، خصوصاً في العاصمة طرابلس، وتزايد حالة الاستقطاب الحادة بين الشركاء العسكريين والسياسيين، بات يقلل من فرص إجراء أي استحقاقات، بحسب تصريحات مسؤولين حكوميين سابقين لـ«الشرق الأوسط»، مشيرين إلى أن ليبيا «تعيش حالة من العناد السياسي».
فالدبيبة، الذي فضّل السير بعيداً عن المسار الأممي، بعدما ظل يردد منذ تكليف حكومة باشاغا بأنه عازم على إجراء الانتخابات في يونيو، حرّك هذا الموعد من تلقاء نفسه، مقترحاً تنظيمها على مستوى نيابي فقط مع نهاية العام الجاري. وفي مقابل ذلك، رأى باشاغا أن الدبيبة «لن يمكنه ذلك لكونه لا يحظى بدعم خارج العاصمة»، وقال إنه «لن يتمكن من إجرائها إلا في طرابلس فقط»، لكن الأول رأى أن حكومته «قادرة على بحث إجراء انتخابات على مستوى البلاد في غضون 14 شهراً».
وتبادل المؤيدون للحكومتين اتهامات بتعطيل الانتخابات، حيث ذهب الحبيب الأمين، سفير ليبيا السابق في مالطا وزير الثقافة الأسبق، وأحد القيادات بمدينة مصراتة (غرب)، إلى أن «معسكر شرق ليبيا يسعى لتعطيل الانتخابات لكونها ليست في مصلحته حالياً».
وضمّ الأمين خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة، إلى الجبهة التي قال إنها «لا تريد إجراء انتخابات في البلاد»، لافتاً إلى أنهم «تسببوا في تعطيل الاستحقاق الذي كان مقرراً في نهاية العام الماضي»، وهي الرؤية ذاتها التي يدعمها الدبيبة.
ودفاعاً عن حكومة «الوحدة» قال المتحدث باسمها، محمد حمودة، إن كل المكونات المجتمعة «متوافقة حول الدفع باتجاه إنجاز الانتخابات في أسرع وقت ممكن لإنهاء الصراع السياسي، والتوتر الأمني الذي أصبح يؤرق الليبيين، ويشعرهم بحالة من عدم اليقين بشأن مستقبلهم».
وفيما استبعدت أطراف محلية عديدة إجراء انتخابات قريباً، نقلت قوى دولية أمام جلسة مجلس الأمن حول ليبيا، نهاية الأسبوع الماضي، مخاوفها مما سمته «تآكل فرص إجراء الاستحقاقات المطلوبة». وشددت جل تدخلات الممثلين الدولية لدى مجلس الأمن، على ضرورة التمسك بالانتخابات الليبية، «خوفاً من تآكل فرص إجرائها واختفائها تدريجياً».
في هذا السياق، دعا أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، إلى التوافق حول مسار واضح يفضي إلى انتخابات، محذراً من «تعمق الانقسامات السياسية باتخاذ إجراءات انفرادية من شأنها إشعال فتنة النزاع».
وتحدث غوتيريش، في تقريره إلى مجلس الأمن، عن أهمية الدعم المقدم من الشركاء الإقليميين والدوليين، لافتاً إلى ضرورة تحلي مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة بـ«روح التعاون»، والتوصـل بسرعة إلى اتفاق بشأن مسار الانتخابات الوطنية، مشدداً على ضرورة «الابتعاد عن الاستقطاب السياسي؛ الذي لن يؤدي إلا إلى تأخير الانتخابات، والزيادة في عمق الفجوة بين الطبقة السياسية والشعب الليبي»، إلى جانب «تشجع المؤسسات والجهات الفاعلة السياسية الليبية على المشاركة في العمل، والالتزام بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية حرة ونزيهة وشاملة، وذات مصداقية في أقرب وقت، على أساس إطار دستوري وقانوني متفق عليه».


مقالات ذات صلة

المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

شمال افريقيا المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

بحثت نجلاء المنقوش مع نظيرها وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها أمس إلى الجزائر، فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الأشخاص، بعد سنين طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والأمنية في ليبيا. وذكرت الخارجية الجزائرية في بيان أن الوزيرين بحثا قضايا جارية في الساحتين المغاربية والعربية، منها تطورات ملف الصحراء، والمساعي العربية والدولية لوقف الاقتتال وحقن الدماء في السودان. وأكد البيان أن عطاف تلقى من المنقوش «عرضا حول آخر مستجدات العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، لإنهاء الأزمة في ليبيا».

شمال افريقيا وفدان أميركي وفرنسي يبحثان في ليبيا تطوير الجيش

وفدان أميركي وفرنسي يبحثان في ليبيا تطوير الجيش

بحث وفدان عسكريان، أميركي وفرنسي، في ليبيا سبل إعادة بناء وتطوير المؤسسة العسكرية المُنقسمة، بين شرق البلاد وغربها، منذ إسقاط النظام السابق، في وقت زار فيه المشير خليفة حفتر، القائد العام لـ«الجيش الوطني» روما، والتقى برئيسة الوزراء بالحكومة الإيطالية جورجا ميلوني، وعدد من وزراء حكومتها. وفي لقاءين منفصلين في طرابلس (غرباً) وبنغازي (شرقاً)، التقى الوفدان الأميركي والفرنسي قيادات عسكرية للتأكيد على ضرورة توحيد الجيش الليبي.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

بحثت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش مع نظيرها الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها اليوم الخميس إلى الجزائر، في فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الاشخاص، بعد سنوات طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والامنية في ليبيا.

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا «حبوب الهلوسة»... «سلاح قاتل» يستهدف عقول الليبيين

«حبوب الهلوسة»... «سلاح قاتل» يستهدف عقول الليبيين

لم يكن من قبيل الصدفة أن تقذف أمواج البحر المتوسط كميات متنوعة من المخدرات إلى السواحل الليبية، أو أن تتلقف شِباك الصيادين قرب الشاطئ «حزماً» من «الحشيش والكوكايين وحبوب الهلوسة»، فالبلاد تحوّلت -وفق تقرير أممي- إلى «معبر مهم» لهذه التجارة المجرّمة. وتعلن السلطات الأمنية في عموم ليبيا من وقت لآخر عن ضبط «كميات كبيرة» من المخدرات قبل دخولها البلاد عبر الموانئ البحري والبرية، أو القبض على مواطنين ووافدين وهو يروّجون هذه الأصناف التي يُنظر إليها على أنها تستهدف «عقول الشباب الليبي». غير أنه بات لافتاً من واقع عمليات الضبط التي تعلن عنها السلطات المحلية تزايُد تهريب المخدرات وتعاطيها، خصوصاً «حبوب

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا «النواب» و«الدولة» يقران آلية عمل لجنة قوانين الانتخابات الليبية

«النواب» و«الدولة» يقران آلية عمل لجنة قوانين الانتخابات الليبية

استهلّت اللجنة المُشتركة لممثلي مجلسي «النواب» و«الدولة» (6+6) المكلفة بإعداد قوانين الانتخابات الليبية، اجتماعاتها في العاصمة طرابلس بـ«الاتفاق على آلية عملها». وطبقاً لما أعلنه عبد الله بليحق، المتحدث الرسمي باسم مجلس النواب، فقد شهد الاجتماع ما وصفه بتقارب في وجهات النظر بين أعضاء اللجنة حول القوانين الانتخابية، مشيراً، في بيان مقتضب مساء أول من أمس، إلى أنه «تم أيضاً الاتفاق على التواصل مع الجهات والمؤسسات ذات العلاقة بالعملية الانتخابية».

خالد محمود (القاهرة)

تعليق جوبالاند التعاون مع الصومال... هل يقود إلى «انفصال»؟

تعزيزات أمنية في وقت سابق بعد مقتل عناصر من حركة «الشباب» الإرهابية خلال عملية عسكرية (أ.ب)
تعزيزات أمنية في وقت سابق بعد مقتل عناصر من حركة «الشباب» الإرهابية خلال عملية عسكرية (أ.ب)
TT

تعليق جوبالاند التعاون مع الصومال... هل يقود إلى «انفصال»؟

تعزيزات أمنية في وقت سابق بعد مقتل عناصر من حركة «الشباب» الإرهابية خلال عملية عسكرية (أ.ب)
تعزيزات أمنية في وقت سابق بعد مقتل عناصر من حركة «الشباب» الإرهابية خلال عملية عسكرية (أ.ب)

محطة جديدة من التوتر بين ولاية جوبالاند، جنوب الصومال، والحكومة الفيدرالية، عقب قرار الإقليم تعليق العلاقات والتعاون مع مقديشو، بعد خلافات زادت وتيرتها عقب إجراء الانتخابات الرئاسية، وفوز أحمد مدوبي بولاية ثالثة، بالمخالفة لتشريع صومالي جديد يدخل حيز التنفيذ العام المقبل بالعودة إلى «الانتخابات المباشرة».

ذلك التعليق من جانب ولاية جوبالاند التي تقع على الحدود مع كينيا وإثيوبيا، جاء بعد إصدار سلطات الجانبين مذكرتي اعتقال لقيادة الإقليم والحكومة الفيدرالية، ويراه خبراء تحدّثوا مع «الشرق الأوسط» أنه قد يقود إلى «انفصال» للولاية عن مقديشو، ويفاقم من الصراع الأهلي، ويسمح لحركة «الشباب» الإرهابية التي ستستغل تلك الخلافات لزيادة تمددها.

وتُعد ولاية جوبالاند «سلة غذاء» الصومال، وعاصمتها «كسمايو»، ميناء مهماً من الناحية الاستراتيجية، وتحد ساحلها منطقة بحرية متنازع عليها بشدة، مع وجود مكامن نفط وغاز محتملة، و«يزعم كل من الصومال وكينيا السيادة على هذه المنطقة»، وفق «رويترز».

وجاء القرار في ظل أزمة انتخاب مدوبي الذي ترفضه مقديشو متزامناً مع إصدار محكمة «كسمايو» مذكرة اعتقال بحق الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، متهمة إياه بـ«إشعال حرب أهلية وتقويض الوحدة الوطنية»، وذلك غداة إصدار محكمة بنادر الإقليمية التابعة لمقديشو، الأربعاء، مذكرة اعتقال بحق مدوبي، متهمة إياه بـ«انتهاك الدستور الصومالي».

وجاءت انتخابات جوبالاند، الاثنين، بعد يومين من مصادقة نواب مجلسي البرلمان الفيدرالي (الشعب والشيوخ) في جلسة مشتركة، السبت الماضي، على مشروع قانون الانتخابات الوطنية المَعني بإجراء انتخابات بنظام «الصوت الواحد» في البلاد، وهو القانون الذي يرفضه مدوبي الذي يُعد رئيساً لجوبالاند منذ إنشائها عام 2013، ويُعد الأطول بقاءً في كرسي الرئاسة بالمقارنة مع نظرائه في الولايات الإقليمية.

رئيس ولاية جوبالاند أحمد محمد إسلام مدوبي (وكالة الأنباء الصومالية)

وكان الصومال يعتمد منذ عام 2000 على نظام انتخابات غير مباشرة مبني على المحاصصة القبلية، في ولاياته الخمس، ولتجاوز هذا النظام توصّل «منتدى المجلس التشاوري الوطني» في مايو (أيار) 2023 إلى اتفاق يقضي بإجراء انتخابات مباشرة في أكتوبر (تشرين الأول) 2024، في عودة إلى آخر انتخابات مباشرة في البلاد عام 1968، لكن لم تُنظم لعدم وجود قوانين للانتخابات، واتفق أعضاؤه على إجراء اقتراع مباشر في سبتمبر (أيلول) 2025، بعد وضع القانون الذي صدر قبل نحو أسبوع.

وباعتقاد المحلل السياسي الصومالي، عبد الولي جامع بري، فإن «إصدار مذكرات اعتقال وتعليق العلاقات واعتبار انتخاب مدوبي غير قانوني انعكاس لتصاعد التوتر بين الحكومة الفيدرالية وجوبالاند؛ مما قد يؤدي إلى تفاقم الأوضاع السياسية وزيادة الانقسامات».

وسيكون خيار «احتمالية الانفصال» مطروحاً، حسب بري؛ «إذا استمرت التوترات»، موضحاً أن «جوبالاند قد تسعى إلى إعلان انفصال فعلي. لكن هذا يتطلب دعماً محلياً ودولياً، بالإضافة إلى استقرار سياسي داخلي».

و«ربما كانت مذكرتا الاعتقال المتبادلة بين الطرفين ليستا إلا ستاراً داكناً تجري من ورائه الرغبة في تحرير خطاب العداء المتبادل الذي يجتهد طرفاه في التغطية عليه بمفاهيم الشرعية الدستورية لطبيعة الانتخابات»، وفق تقدير الخبير في الشؤون الأفريقية، عبد الناصر الحاج.

ويرى أنه لو أصبح الصومال على هذه الحالة من التنازع فسوف يتحول إلى «بؤرة جاذبة للنشاط الإرهابي»، ومسرح لعمليات عسكرية يكون مداها واسعاً حول عموم منطقة القرن الأفريقي.

البرلمان الفيدرالي في الصومال يصادق على قانون الانتخابات (وكالة الأنباء الصومالية)

وقبل أيام، نشرت الحكومة الصومالية الفيدرالية ما يقرب من 1000 جندي فيدرالي في منطقة رأس كامبوني جنوب البلاد التي تنتشر فيها قوات جوبالاند، بعد انسحاب قوات بعثة الاتحاد الأفريقي، لضمان الاستقرار ومواجهة حركة «الشباب». وعدّ إعلام صومالي محلي تلك الخطوة «تصعيداً كبيراً للخلاف بين الولاية ومقديشو».

بينما عدّت وزارة الأمن الداخلي في جوبالاند تلك الخطوة أنها «محاولة لتدمير النظام الفيدرالي وإثارة القلاقل السياسية والأمنية في الإقليم»، محذرة من «وقوع صدام بين تلك القوات وقوات الولاية الإقليمية».

وأزمة جوبالاند هي الثانية أمام مقديشو، في ظل استمرار توتر علاقاته مع إقليم أرض الصومال الانفصالي منذ بداية العام، مع عقد إثيوبيا مع الإقليم اتفاقاً مبدئياً، تحصل بموجبه أديس أبابا على مَنفذ بحري يتضمّن ميناء تجارياً وقاعدة عسكرية في منطقة بربرة، لمدة 50 عاماً، مقابل اعتراف إثيوبيا بـ«أرض الصومال» دولة مستقلة.

ورفضت مقديشو تلك الخطوة وعدّتها مساساً بالسيادة، وأدى الاتفاق إلى توتر في منطقة القرن الأفريقي، وتلا إصرار إثيوبيا على موقفها توقيع بروتوكول تعاون عسكري بين القاهرة ومقديشو في أغسطس (آب) الماضي، وإعلان وزير الدفاع الصومالي، عبد القادر محمد نور، في نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، استبعاد القوات الإثيوبية من البعثة الأفريقية لحفظ السلام، المقررة بدءاً من 2025 حتى 2029؛ بسبب «انتهاكها الصارخ لسيادة الصومال واستقلاله».

الرئيس الصومالي خلال توقيعه قانوناً في يناير الماضي يُبطل مذكرة تفاهم «أرض الصومال» وإثيوبيا (الرئيس الصومالي على «إكس»)

ويرى الحاج أن الصراع الذي بلغ «حد اللاعودة» بين الحكومة الفيدرالية في الصومال وإقليم جوبالاند، يشير إلى فاعلية التدخلات الحدودية في محيط القرن الأفريقي؛ حيث يتشارك إقليم جوبالاند الحدود مع إثيوبيا، وهي ذات الدولة التي أضحت علاقاتها مع الصومال تسير على نحو مضطرب ومتوتر منذ أن أبرمت إثيوبيا اتفاقاً مع إقليم أرض الصومال.

ويعتقد أن كل ما جرى من توترات بشأن الانتخابات في جوبالاند وحكومة الصومال ليس إلا بذرة خلاف لزعزعة وحدة الصومال، بعدما أثبتت التجربة الانتخابية في أرض الصومال نجاحها، و«ربما مُضيها في اتجاه الانفصال والاستقلال». ولا يستبعد «وجود أصابع إثيوبية تعمل على توجيه بوصلة مدوبي نحو تبني خيارات الانفصال والمطالبة بالاستقلال بعيداً عن هيمنة السلطة المركزية في مقديشو».

ويتفق معه بري على أن «إثيوبيا تلعب دوراً في دعم بعض المجموعات في جوبالاند؛ مما يعزّز مخاوف إمكانية حدوث انفصال جديد، خصوصاً أن التدخل الإقليمي يُعد عاملاً مهماً في الديناميات المحلية».

عناصر من حركة «الشباب» الإرهابية الصومالية (أ.ب)

وبشأن إمكانية حدوث حل للأزمة، يرى الحاج أن «تخفيف مقديشو حدة الخطاب العدائي بين الصومال وأقاليمه ذات النزعة الانفصالية، يصبح هو الرهان الآن بغية تحييد الدور الإثيوبي ومنع نفوذها الساعي لاستغلال أوضاع المنطقة عموماً؛ لأجل تمرير مصالحها الحيوية دون الاكتراث لمستقبل القرن الأفريقي».

بينما أوضح بري أنه يمكن تدارك الأمور عبر إجراء الحكومة الفيدرالية وجوبالاند حواراً شاملاً لمعالجة القضايا العالقة، وتدخل وساطة دولية لتسهيل ذلك الحوار، مؤكداً أن الوضع في جوبالاند «يتطلّب خطوات عاجلة وفعّالة من جميع الأطراف المعنية، باعتبار أن الحوار والتعاون سيكونان المفتاح لتحقيق الاستقرار في المنطقة وتجنّب تصعيد النزاع».